|
جرائم الشرف .. التحليل والمواجهة
جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان
الحوار المتمدن-العدد: 1131 - 2005 / 3 / 8 - 09:06
المحور:
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف
إن دائرة العنف ضد المرأة تتسع ، وتزداد العوائق والصعوبات أمام محاولات المناهضين لها من نشطاء المجتمع المدنى والاهلى فى التصدى لها ، ويزداد الامر صعوبة وتعقيدا فى جرائم الشرف ، و ذلك لتعلق تلك الجرائم بمنظومة عميقة ومعقدة من القيم والمفاهيم والعادات والتقاليد تأصلت وتجذرت فى البنية الإجتماعية والثقافية للمجتمع ، ولذا فإن أى محاولة مخلصة لمناهضة تلك الإنتهاكات وتلك الجرائم يجب وأن تصطدم بدورها بتلك القيم وتشتبك معها فى معركة شرسة . إن المرأة فى مجتمعنا تتعرض لترسانة من الإنتهاكات تصل إلى حد تعريض حياتها للخطر والموت ، وذلك تحت لافتة وشعار غامض ومطاط اسمه ( الشرف )، و هذا المفهوم يجب مراجعته بدقة . فهل شرف المراة يقتصر على سلوكها او مجرد الشك فيه ؟ هل يقتصر شرف المراة على جسدها ؟ هل يوجد حقا شرف للمراة ام هو حق أزلى وملكية أبدية لمن حولها من الرجال - الأب / الزوج / الأخ / الابن/ وربما أحد الأقارب ايا كانت درجة قرابته منها .ألا تملك المرأة حتى الآن شرفا يخصها وحدها ؟؟!! وأين إذن الشرف المتعلق برجل سرق او إرتشى أو باع السموم والمخدرات لأبناء وطنه؟؟أ يملك هذا شرفا ؟؟ إن التعامل مع المرأة فى مجتمعنا يبدو متناقضا ففى حين يتم الإعتماد على المرأة فى الحياة والعمل وكسب الرزق يتم معاملتها بقدر متدنى من الحرية فى الحركة والتعبير عن نفسها . إن هذا المفهوم المتأصل فى ثقافتنا ووعينا الجمعى يؤكد ان المرأة فى مجتمعنا ما هى إلا ماكينة ووسيلة للتفريغ الجنسى أو آلة للإنجاب ، فالمرأة والجنس هما مترادفان متلازمان ، وتبعا لنظرة مجتمعنا للجنس والذى تتداخل النظرة إليه من حلال وحرام ومتعة وسرقة إخفاء وتفاخر إلى آخره من المواقف والأفكار المتناقضة، نتيجة للرياء الاجتماعى والتناقض العميق فى تكويناتنا الفكرية ، نتيجة لكل هذا تصبح المرأة وعاءا لهذا التناقض بالتبعية فهى المشتهاة الملعونة و العشيقة الخائنة و سلة القمامة الجنسية .
ويزيد الأمر وعورة حين تؤيد هذه الأفكار فهما مغلوطا لقيم الدين ، فالمرأة التى كرمها الله فى رسالاته وكتبه السماوية ينظر لها فقط من هذا المنظورالمغلوط على انها ( العورة ) ومصدر الغواية والدنس و ربيبة الشيطان فى الإيقاع بالرجل فى مهالك الخطيئة .يتطلب هذا تغييرا فى الخطاب الدينى الداعم للعنف والمحرض له والذى يتنافى مع قيم التسامح والتراحم بين البشر ذكورا وإناثا .
كما تأتى التشريعات القانونية لتنقص من حق هذا الكائن الإنسانى المنتهكة حقوقه أصلا ،وذلك فى إنحياز تطبيق تلك القوانين كأحكام قضائية ضد المرأة والذى يتأكد بالتساهل مع الرجل الذى قتل امراة باسم الشرف ، ويكفى الرجوع للأسباب التى تستند عليها الأحكام القضائية كدافع لقتل النساء باسم الشرف ، وتلك الأسباب هى ترديد للموروثات الثقافية والاجتماعية التى لا تتدخل المنظومة القضائية فى نقدها كما يجب ان يكون القضاء المستنير والذى ياخذ بأيدى المجتمع إلى آفاق التحضر والإنسانية ، بل يقف القضاء فى ذلك موقف الهجوم عى الضحية الانثى بمبررات واهية تدين المتهم الذكر أكثر من إدانتها للمجنى عليها ، ومع ذلك تأتى الأحكام القضائية مخففة إستنادا عى المادة 17 من قانون العقوبات المصرى التى تجيز استخدام الرأفة بتخفيف العقوبة أو تخفيضها ، متناسيا بذلك دور القضاء فى حماية الحريات وصون الكرامة الإنسانية لأفراد المجتمع بدون تمييز.
ويأتى دور المؤسسة الإعلامية ليلعب دورا خطيرا فى تلك المسألة سلبا او إيجابا فى تغيير أو ترسيخ المفاهيم الاجتماعية الخاطئة ، ويصبح الامر مثيرا للدهشة والسخط معا حين تتحول تلك الانتهاكات إلى مجرد مادة يومية للإثارة ولزيادة المبيعات بدلا من إلقاء الضوء على مدى خطورة تلك الجرائم وضرورة نبذها والتصدى لمرتكبيها ، بل يتعدى الامر من خلال الصياغة فى الكثير من الأخبار التى تعلق على تلك الجرائم كأخبار حوادث إلى التشجيع عى ارتكابها مثل " قتلها ليغسل عاره " أو " قتلها لشكه فى سلوكها " أو " تدس السم لابنتها لتتخلص من فضيحتها " ، إلى حد ان قامت جريدة قومية بالحض علىالعنف والكراهية ضد المرأة المصرية وهى جريدة الجمهورية فى ملحقها الاسبوعى " دموع الندم " الصادر بتاريخ 25 ديسمبر 2004 بالمانشيت الرئيسى للعدد والمعبر عن رأى الجريدة تحت عنوان ( التسامح فى ليلة الزفاف يتنافى مع الدين والأخلاق ) حيث ادعت الجريدة فى افتتاحيتها ان التسامح مع المرأة يمثل أمرا يتنافى مع الدين !! . مما دعا جمعية المساعدة القانونية لإصدار بيانها تحت عنوان " وقفة نحو جرائم الشرف " تدعو فيه جريدة الجمهورية إلى مراجعة موقفها بشأن الحض على العنف والكراهية ضد المرأة المصريةوتدعو المجلس القومى للمرأة والطفولة وكافة منظمات المرأة بتبنى خطاب جاد و جرئ يتناسب وعمق حضارتنا الضاربة فى التاريخ ليصل بنا للأسباب والنتائج التى تؤدى إلى وقف العنف والحض على الكراهية للمرأة المصرية
وتأتى الوسائط الإعلامية والفنية كالتليفزيون والسينما والإذاعة لتظهر المرأة دائما سببا دراميا أساسيا لتحريك الأحداث بعهرها أو غوايتها للرجال أو سوء سلوكها ، فلا تخلو مشاهد السينما من ضرب أو قتل لأنثى ، وكذلك تترات المسلسلات التى تجد فى ضرب أو صفع الشخصيات النسائية مادة مثيرة لبداية المسلسل ولجذب الانتباه ان الدراما ساخنة وتستحق المشاهدة ، فمن منا لا يتذكر هنادى فى فيلم " دعاء الكروان " وكيف انصاعت لقدرها دون اعتراض، ومن مننا لم يلحظ عدم ادانة البطل " الباشمهندس " أو " الخال " الأول أغواها ونال لذته وأنكرها وألقى بها فى طرقات النسيان والموت ، والآخر ثار لشرف العائلة وقتلها دون رحمة وهو الذى شرد أسرتها وترك النساء دون حماية او رعاية وعاد لمحاسبتهن على جرمهن!!.
وهذا ما يؤكد أن جرائم الشرف ليست مجرد ظاهرة عابرة ولكنها قيمة متأصلة فى الضمير الشعبى المصرى ، وتمثل احد الركائز الرئيسية فى التعامل مع المرأة المصرية أكانت زوجة او بنتا أو شقيقة أو أما وتجد ان مرتكبى تلك الجرائم هم اهل الضحية والذين يقفوا لها بالمرصاد حال انحرافها عن الخط المرسوم لها وترتكب الجريمة فى حقها لمجرد الشك او الظن . تلك الجرائم التى تعد مآثر ومفاخر القوم للذود عن شرفهم واراقة الدماء للدفاع عنه او عدم المساس به وتنشد لهذا الحكايات الشعبية و يظهر فيها القاتل كبطل شعبى ويمتد هذا الفخر حد تقديمه لنفسه للسلطات واعترافه بالجريمة كطقس بطولى جليل مثال لذلك حكاية " شفيقة ومتولى " التى تباع منها آلاف الشرائط رغم قدم الحكاية او عدم التحقق من صدقها ، بل وتقوم كثير من النساء أنفسهن بارتكاب تلك الجرائم ضد نساء أخريات تحت نفس المظلة من الفخر والبطولة ، وتؤكد النساء أنفسهن نفس القيم والإدعاءات وترضخن لها قابلات مؤمنات دون بذل أى محاولة للدفاع عن أنفسهن أو المطالبة بحمايتهن من تلك القيم وتلك الجرائم .
كما أن تلك الجرائم تدعونا لتأمل البيئة التى تنتجها على المستوى الإجتماعى والإقتصادى فنجد أن الشرائح الأكثر عزلة وافتقارا واكثرها تعرضا للإنتهاكات الاجتماعية والاقتصادية هى اكثر الشرائح تصديرا لتلك الجرائم كنوع من الاعلان عن الذات والدفاع عنها فى مواجهة قمع وفقر لا يفرق بين الرجل والمرأة ولكن بما أن المرأة هى الطرف الأضعف يتم ممارسة القهر عليه اتماما لسلسلة من القهر المتبادل .
لسنا مع الفجور أو الإبتذال الأخلاقى بالطبع ولكننا مع حفظ الكرامة الإنسانية للرجل والمرأة معا وصون شرفهما الإنسانى فى إطار من الاحترام المتبادل والعدالة الإنسانية دون تمييز أو تحييز. من هنا رأت جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان وجوب وضرورة التصدى لهذه الإنتهاكات والتعرض لها بالبحث والحوار والغوص فى أعماق التربة الإجتماعية للوصول إلى الجذور العميقة لأسباب تلك الجرائم والتى توفر لها الدعم والتبرير والقبول الاجتماعى بل والفخر بارتكابها والحض عليها .ومدى كفاية التشريعات القانونية فى حماية المرأة من تلك الجرائم ودور القضاء فى ذلك والاستنارة بالمواثيق الدولية التى تدعم حق المرأة فى الحياة والسلامة الجسدية ونبذ كافة أشكال التمييز والعنف ضدها.
جمعية المساعدة القانونية لحقوق الانسان القاهرة فى يوم الاحد الموافق 6 مارس 2005
#جمعية_المساعدة_القانونية_لحقوق_الانسان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وصول امرأة لمشفى العودة اصيبت بنيران آليات الاحتلال قرب مدخل
...
-
وكالة التشغيل تحسم الجدل وتوضح الحقيقة: زيادة منحة المرأة ال
...
-
هيئة تحرير الشام.. قوة أمر واقع تهدد مكتسبات النساء السياسية
...
-
بيدرسون: يجب ان تكون المرأة السورية جزءا من العملية الانتقال
...
-
حـدث تردد قنوات الاطفال 2025 واستقـبل أحلى الأغاني والأفلام
...
-
معاناة النساء في السجون.. وزير العدل يوجّه بتخفيف الاكتظاظ و
...
-
قائد الثورة الاسلامية:على الجميع وخاصة النساء الحذر من اسالي
...
-
قائد الثورة: الزهراء (س) هي النموذج الخالد للمرأة المسلمة في
...
-
الحقيقة وراء تأثير وسائل منع الحمل على وزن النساء
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل الآلاف من النساء والفتيات بمناس
...
المزيد.....
-
العنف الموجه ضد النساء جريمة الشرف نموذجا
/ وسام جلاحج
-
المعالجة القانونية والإعلامية لجرائم قتل النساء على خلفية ما
...
/ محمد كريزم
-
العنف الاسري ، العنف ضد الاطفال ، امراءة من الشرق – المرأة ا
...
/ فاطمة الفلاحي
-
نموذج قاتل الطفلة نايا.. من هو السبب ..؟
/ مصطفى حقي
المزيد.....
|