|
هكذا أَفْهَم تصريحات عباس!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3901 - 2012 / 11 / 4 - 09:49
المحور:
القضية الفلسطينية
في مقابلته مع "القناة (الإسرائيلية) الثانية"، الأكثر مشاهدةً في إسرائيل، وفي توقيت غير عادي (عشية الانتخابات الإسرائيلية، وانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وقُبَيْل التوجُّه إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة لنيل العضوية غير الكاملة لفلسطين في المنظمة الدولية، وفي الذكرى الخامسة والتسعين لوعد بلفور) هل تخلَّى، أو تَنازل، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن "حقِّ العودة" للاجئين الفلسطينيين؟ كل مَنْ أجاب عن هذا السؤال قائلاً "نَعَم، لقد تخلَّى وتَنازَل" إنَّما قال ضِمْناً إنَّ عباس لم يكن قد تخلَّى وتَنازَل عن هذا الحق حتى إدلائه بتلك التصريحات الصحافية. وإذا كان عباس، الشَّخص، أو رئيس السلطة الفلسطينية، لا يملك الحقَّ في التخلِّي والتَنازُل عن "حقِّ العودة" فَلِمَ قِيِل كل هذا الذي قِيِل من جانب المعارضين والمعترِضين؟! ومع ذلك، كان ينبغي للاجئ محمود عباس أنْ يُعبِّر عن "موقفه الشخصي (فلا موقف غيره يتَّسِم بالشرعية)" من حقِّه (المعترَف به دولياً في قرار الأمم المتحدة الرَّقم 194) في طريقة تتوافَق، شكلاً ومحتوىً، مع "حقِّ العودة"، بمفهومه الدولي الأصلي، فيقول، في المقابلة نفسها، "أنا محمود عباس، وبصفة كوني لاجئاً فلسطينياً، هُجِّرتُ في حرب 1948 من مسقط رأسي في مدينة صفد، أُعْلِن أنَّني لا أرغب في العودة إليها، للعيش فيها، وأنَّني أرغب في البقاء والعيش في رام الله (حتى القدس الشرقية لا أرغب في العيش والإقامة فيها) فمسقط رأسي، وهو مدينة صفد، الإسرائيلية الآن، يُمكنني (على ما أتمنى وأتوقَّع) زيارته بصفة كوني سائحاً؛ ولستُ معنياً الآن، وبعد إعلان تنازلي عن حقِّي الشخصي (المعترَف به دولياً) في العودة إلى حيث كنت في طفولتي، بالمطالبة بحقِّي الشخصي الآخر، وهو التعويض المالي؛ لكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ ابني أو حفيدي (أو حتى ابن حفيدي) مُلْزَم أنْ يَقِفَ الموقف نفسه، وأنْ يتنازَل عن حقِّه في العودة؛ فهذا حقٌّ (شخصي معترَف به دولياً) لا يسقط بالتقادُم؛ وهو ليس لي فحسب؛ وإنَّما لنسلي من بَعْدي". عباس لم يَقُلْ (لأنْ ليس من حقِّه أنْ يقول) إنَّه، وبصفة كونه رئيساً للسلطة الفلسطينية، ورئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثِّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بأسره، يتخلَّى، ويتنازَل، عن حقِّ اللاجئين الفلسطينيين (أيْ عن حقِّ كل لاجئ فلسطيني ما زال على قيد الحياة، أو لم يُوْلَد بَعْد) في العودة إلى حيث كانوا قبل نشوب حرب 1948؛ وليس في عدم قوله ذلك "فضيلة"؛ لأنْ ليس في الاضطِّرار فضيلة؛ حتى منظمة التحرير الفلسطينية، وبصفة كونها الممثِّل الشرعي الوحيد لكل الشعب الفلسطيني، لا يحقُّ لها التخلِّي، أو التنازُل، عن "حقِّ العودة"؛ لأنَّ هذا التخلَّي، أو التنازُل، ليس من من ضِمْن صلاحيات وسلطات وحقوق واختصاصات "المنظمة (وبصفتها التي ذَكَرْناها)"؛ لكن على المتطيِّرين من "حقِّ العودة" أنْ يتذكَّروا أنَّ "الحق في الطلاق" لا يعني "حتمية وضرورة وقوع الطلاق". سُئِل عباس عن سبب بثِّ التلفزيون الفلسطيني الرسمي برامج تُذْكَر فيها حيفا ويافا والرملة بصفة كونها مُدُناً فلسطينية، فأجاب؛ لكنَّ إجابته لم تكن موفَّقة بحسب معايير شتَّى؛ فرئيس السلطة الفلسطينية كان ينبغي له، في إجابته، أنْ يُعرِّف السلام مع إسرائيل على أنَّه أمْرٌ لا يتعارَض، ويجب ألاَّ يتعارَض، مع استمرار تمسُّك كلا الطرفين (الفلسطيني والإسرائيلي) بوجهة نظره (التاريخية والحقوقية والقانونية) في أراضي ومُدُن وقرى ومواقع.. الطرف الآخر. عباس اعتبر عيشه في صفد عيشاً في إسرائيل (أيْ في دولة إسرائيل، أو في إقليمها) فهل هذا يكفي سبباً لتخلِّي كل لاجئ فلسطيني عن حقِّه في العودة إلى حيث كان (هو أو والده أو جده) قبل حرب 1948؟ كلاَّ، لا يكفي؛ فالأمم المتحدة، في قرارها الرَّقم 194، كانت تَعْلَم أنَّ اللاجئ الفلسطيني سيعود، إذا ما رغب في العودة، إلى ما أصبح جزءاً من إقليم دولة إسرائيل، وإنْ لم تُوضِّح ما إذا كانت عودته تعني أنْ يصبح مواطِناً إسرائيلياً؛ ولم يَصْدُر عن الأمم المتحدة أي قرار تعتبر فيه إسرائيل "قوَّة احتلال" في الأراضي التي سيطرت عليها في حرب 1948، وينبغي لها، من ثمَّ، أنْ تعيدها إلى صاحبها الشرعي (بموجب قرار الأمم المتحدة الرَّقم 181) وهو "الدولة العربية" في فلسطين، فلو صدر عنها قرار كهذا لأصبحت "العودة" تعني عودة اللاجئ الفلسطيني إلى إقليم "الدولة العربية (الفلسطينية)" المحرَّر. هل للاجئ الفلسطيني محمود عباس أي حقٍّ في مدينة صفد؟ في الإجابة التي نُسِبَت إليه قال إنَّه لا يملك حقَّاً في صفد؛ فإذا كان لا يملك أي حقٍّ فكيف له أنْ يتخلَّى عنه ويتنازَل؟! كان ينبغي له (أي لهذا اللاجئ الفلسطيني) أنْ يقول للإسرائيليين إنَّه، وبموجب قرار الأمم المتحدة الرَّقم 194، يملك الحق في العودة إلى صفد؛ لكنَّه شخصياً لا يرغب في العودة إلى مسقط رأسه. لكن، لماذا أنكر اللاجئ عباس أنْ يكون له حقٌّ في صفد (كالحقِّ في العيش أو الإقامة فيها، أو العودة إليها)؟ في الإجابة (المنسوبة إليه) نفسها قال إنَّه يكتفي بحقِّ زيارتها؛ فهي (أيْ صفد) ليست ضِمْن فلسطين، التي هي في نظره "الآن، وإلى الأبد" تشمل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 (الضفة الغربية، مع القدس الشرقية، وقطاع غزة). كلاَّ، إنَّها ضِمْن "فلسطين"، وستبقى إلى الأبد ضمنها؛ لكنَّها ليست ضِمْن "إقليم (وحدود) الدولة الفلسطينية"؛ فهذا الإقليم يشمل فحسب الضفة الغربية، مع القدس الشرقية، عاصمة الدولة الفلسطينية، وقطاع غزة. سياسياً، يحقُّ لعباس، وبصفة كونه رئيساً للسلطة الفلسطينية، ولمنظمة التحرير الفلسطينية، أنْ يقول (أيْ أنْ يكرِّر القول) إنَّ الفلسطينيين اعترفوا بدولة إسرائيل، وبحقِّ هذه الدولة في العيش في أمن وسلام ضمن حدود معترَف بها؛ ويحقُّ له أنْ يُفسِّر هذا الاعتراف قائلاً إنَّه اعتراف فلسطيني بأنَّ كل جزء من فلسطين يَقَع في خارج الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة هو جزء من إقليم دولة إسرائيل؛ لكنَّ هذا الاعتراف لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، الاعتراف بإسرائيل على أنَّها "دولة يهودية، يحقُّ لليهودي فحسب العيش والإقامة فيها"؛ فالاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل لا يتعارَض، ويجب ألاَّ يتعارَض، مع حقِّ العودة لكل لاجئ فلسطيني يرغب في العودة (إلى حيث كان قبل حرب 1948). حتى هذا الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل، وفي الصيغة التي جاء فيها، لن يظلَّ إلى الأبد إذا لم تعترف إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في أنْ تكون له دولته القومية الخاصة به في الأراضي (الفلسطينية) التي احتلتها في حرب 1967، والتي تتَّخِذ القدس الشرقية عاصمةً لها، مع عدم إسقاط خيار "تبادل الأراضي"، غير المتعارِض مع جوهر هذا الحل، من مفاوضات الحل النهائي، التي تشمل، في مواضيعها وقضايا، مشكلة اللاجئين الفلسطينيين أيضاً؛ لكن من غير أنْ يكون من اختصاص هذه المفاوضات إلغاء "حق العودة"؛ فهذا الحق لا يسقط لا في التقادُم، ولا في التفاوض. وأحسب أنَّ من الأهمية بمكان أنْ نلاحظ أنَّ المدافعين عن تصريحات عباس لـ "القناة الثانية (الإسرائيلية)" قد تواضعوا جميعاً، في دفاعهم عنها وعنه، على "الحيثية الآتية": "إنَّ تصريحاته لم تَرِدْ فيها قط عبارة التخلِّي عن حقِّ العودة"؛ وإنِّي لأتمنى أنْ يقول عباس عمَّا قريب إنَّ تصريحاته تلك "لم تَرِدْ فيها قط عبارة التخلِّي عن حقِّ العودة"؛ وأتمنَّى، أيضاً، وعلى سبيل المثال، أنْ يُدْعى إلى مليونية في ميدان التحرير في القاهرة، يَنْتَصِر فيها المشاركون لحقِّ العودة؛ فروح "الربيع العربي" ليست ديمقراطية فحسب؛ وإنَّما قومية. أمَّا اللاجئون الفلسطينيون، وبصرف النَّظر عن فهمهم لمعنى تصريحات عباس، فما زالوا في أَمسِّ الحاجة إلى إطارٍ خاصٍّ بهم، يُعبِّرون من خلاله عن رأيهم في كل مقترَح لحل مشكلتهم، وعن موقفهم منه؛ وهذا الإطار إنَّما يستهدف (عندما تأزف ساعة الحقيقة) أنْ تُكْفَل لكل لاجئ فلسطيني "حرِّيَّة الاختيار"؛ فيقول في حرِّيَّة تامة إنَّه يرغب، أو لا يرغب، في العودة إلى حيث كان قبل حرب 1948؛ وأنْ يُمكَّن من نَيْل "حقِّ المواطَنة" في الدولة الفلسطينية، بصفة كونها دولة للشعب الفلسطيني بأسره، إذا ما رغب في ذلك، وإذا لم يَخْتَر "مواطَنة أُخْرى"؛ لكنَّ هذا "الحل النهائي" لا ينهي أبداً "الحق في العودة"، له، أو لأبنائه، أو لأحفاده، أو لأبناء أحفاده؛ ولنا في "حقِّ اليهودي في العودة إلى إسرائيل بعد آلاف السنين" خَيْر سَنَدٍ لحقِّ العودة الفلسطيني.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بلفور بأُصوله وفروعه!
-
المكيافلية والصراع في سورية!
-
إسرائيل تَضْرِب في السودان ردَّاً على -طائرة إيران-!
-
الدولار الأردني!
-
وللكويت نصيبها من -الربيع العربي-!
-
إشكالية -الدِّين- و-السياسة- في -الربيع العربي-!
-
الضفة الغربية.. قصة -التِّرْكة والوَرَثَة-!
-
معنى -فيليكس-!
-
الأُسطورة الجريمة!
-
الرَّقم 2.3 مليون!
-
إمبريالية أفلاطونية!
-
متى نتعلَّم ونُجيد -صناعة الأسئلة-؟!
-
حتى يتصالح نظام الصوت الواحد مع الديمقراطية!
-
من يتحدَّث باسم الشعب في الأردن؟!
-
-سؤال الإصلاح- في الأردن الذي ما زال بلا جواب!
-
جهاد -حزب الله- في سورية!
-
المتباكون على -الربيع العربي-!
-
معركة -كامب ديفيد- في سيناء!
-
طهران إذْ غَيَّرت تقويمها للتهديد الذي تتعرَّض له!
-
جامعات لوَأْدِ النِّساء!
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|