|
الرئيس مرسي : مظهر قرآني - جوهر أمريكاني
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 3900 - 2012 / 11 / 3 - 19:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الرئيس محمد مرسي هو ما حصده الرهان على الديمقراطية الشكلية والدستور والانتخابات النزيهة بمعزل عن القضايا الاجتماعية. وهو أيضا ثمرة الحديث المتكرر السمج عن " حكم العسكر " كأن الاستبداد والإفقار مرتبط تحديدا بحكم العسكر وليس أن التجويع والاستغلال سياسة النظم الرأسمالية ، بغض النظر عما إن كان الرئيس فيها يضع نجمة الجنرال أو يمسك بباقة زهور مدنية ! والرئيس أوباما مدني ، منتخب ، ليس عسكريا لكنه يمثل مصالح العسكرية الأمريكية أفضل من أي جنرال ويواصل شن الحرب على أفغانستان ودعم إسرائيل ويهدد إيران ويتولى تقسيم السودان ويتشبث بيديه وأسنانه بقواعده العسكرية في أركان الأرض. مدني . منتخب. وقد قام الأمريكان بدعم حملة مرسي " المدني " وأعطوا الضوء الأخضر لوصوله للحكم ، كما دعموا مبارك " العسكري " لثلاثين عاما ، لأنهم يعلمون أن القضية ليست أن يكون الرئيس مدنيا أو عسكريا ، وأن القضية الحقيقية هي السياسة التي ينفذها الرئيس أيا كان رداؤه . وعندما راهنت النخب الليبرالية التي قادت 25 يناير على" الديمقراطية " بمفهومها الشكلي بمعزل عن حاجة الشعب للطعام والتنمية كانت تقود مصر إلي النتيجة الراهنة : مرسي ! وكانت تتنكر فعليا لدماء جماهير المدن التي انخرطت في الثورة بآمال أبعد من " نزاهة صناديق الانتخابات" ، وأماني أعمق من " تعديل الدستور". وبوصول مرسي للحكم أتمت انطلاقة 25 يناير دورة كاملة، لتبدأ دورة أخرى جديدة ومختلفة، يبدو مرسي خلالها – وهو كما يقولون أول رئيس منتخب – بلا أثر ، بل وبلا مستقبل ! ويحكم الشتات والارتباك حركته ، فيعد ولا يفي ، ويطلق التصريحات ويتراجع عنها، ويقيل النائب العام ويعتذر، ويرسل خطابا وديا لإسرائيل وينكره، ويتحدث عن مشروع " نهضة " ويتراجع عنه، ويتحدث عن قضية فسلطين ثم يعلن التزامه بكامب ديفيد التي تلتهم كل الحقوق الفلسطينية ، إلي آخره، ويكثر من زيارات بلا معنى للدول الأخرى. يبدو الرئيس مثل سحابة عابرة ، عاجزة عن أن تمطر، وعاجزة عن البقاء في الأفق. يبدو الرئيس مثل اللحظة المؤقتة التي يقضيها المرء داخل المصعد، لا هو في الطابق الأرضي حيث كان ولا وصل إلي طابق آخر. لحظة انتظار مرهقة ومملة. والذين يعلنون استياءهم من حكم مرسي ، يصبون نيران غضبهم على أن مرسي " إخواني" ، بحكم تاريخه وانتمائه للإخوان، وبحكم خطابه السياسي الذي يشبه أقوال الحكماء القديمة في تمثيلية تلفزيونية عن هجرة المسلمين إلي الحبشة. والذين وقعوا من قبل في فخ " الشكل " بدون " مضمون " حين دعوا للإصلاح السياسي والدستور بدون ربط ذلك بالمحتوى الاجتماعي للثورة ، يقعون الآن في نفس الفخ مرة أخرى ، حين يعتبرون أن مشكلة مرسي تكمن في خطابه السياسي ، أي في شكل الحكم ومظهره وليس في جوهره، في تصريحاته وليس في تبعيته الاقتصادية والسياسية، وباختصار فإن عيب مرسي الأساسي " فيما يقوله" وليس " فيما يفعله"! . والواقع أن الخطابات الأيديولوجية للأنظمة السياسية كانت في معظم الأحوال وعلى مدى التاريخ كله تقريبا مجرد قناع من عبارات منمقة عن الحرية والعدل تداري بها الأنظمة وجوهها الحقيقية. فمرسي الذي " يقول " ( فلسطين) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي وليس اللفظي باتفاقيات تهدر كل حقوق فلسطين، ومرسي الذي " يقول " ( النهضة ) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي بعرض برنامجه الاقتصادي على صندوق النقد للحصول على موافقته، ومرسي الذي " يقول" ( الكرامة) لم يحرك في الواقع الفعلي ساكنا في السياسة الدولية إلا بتأييده لمساعي أمريكا للإطاحة ببشار الأسد، ومرسي الذي " يقول " ( واقدساه ) هو الذي يرسل في الواقع الفعلي بخطاب متودد للرئيس الإسرائيلي يسلمه السفير المصري ليس في تل أبيب بل في القدس. ومرسي الذي " يقول " ( حقوق الشعب) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي بعدم التنمية الصناعية وفتح الأسواق المصرية لتغمرها السلع الأجنبية وتحصد أرباحها من جيوب المصريين ، ومرسي الذي "يقول " ( الفلاحون) هو الذي يلتزم في الواقع الفعلي بترك مآسي الأزمة الزراعية كما هي ويستمر في استيراد القمح لبلد هي أصلا بلد زراعية . ليست مشكلة مرسي في " قناعه " الديني ، لكن في " جوهر " سياساته التي تواصل تبعية نظام مبارك للهيمنة الاقتصادية والسياسية الأمريكية. أما حيرة مرسي فإنها تتجسد في محاولته إرضاء من آمنوا بما يقوله ، ومحاولته في الوقت ذاته تلبية حاجات المصالح الأمريكية في بقاء تبعية النظام المصري. لهذا يكثر مرسي من الصلاة في الجوامع ، لكن حين يجد الجد فإنه يعرض برنامجه الاقتصادي على واشنطن، ويكثر من حشو خطاباته بعبارات حكيمة ، لكن حين يجد الجد فإنه يضاعف ديون مصر بقروض لا صلة لها بالتنمية. وهجوم المعارضة الآن على " الطابع الإخواني " لنظام مرسي ، هو تكرار لهجومها على شكل القضايا وليس على جوهرها. وإلحاح المعارضة الآن على قضايا " الجمعية التأسيسية " و " الدستور " إلحاح على مظهر الحكم ، بينما المطلوب من المعارضة أن تتفق على برنامج وطني اقتصادي اجتماعي للتنمية يحل مشكلات مصر من غذاء وبطالة وإسكان وتعليم ونهضة صناعية وزراعية ، بحيث يلزم ذلك البرنامج الرئيس – أي رئيس – بالعمل على ضوئه بغض النظر عما إن كان مظهر الرئيس " قرآني " أو " اشتراكي" أو غير ذلك . الشعب يريد التنمية والعمل والطعام والعلاج والسكن ، ويجب أن يكون كل ذلك هو برنامج المعارضة ، ويجب أن تكون محاسبة الرئيس على تنفيذه أو عدم تنفيذه لذلك البرنامج ، وليس مظهر الرئيس وطبيعة خطابه اللفظي . هذا إذا أرادت المعارضة أن تتفادى الوقوع مجددا في فخ التركيز على الشكل وتجاهل المحتوى. ***
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراما الثورة والبشر .. من تاريخ الحركة الطلابية
-
سنوات عبد الناصر والوحدة الوطنية
-
إوعى الأجنحة تكون صيني ؟
-
في ذكرى رحيل سعاد حسني
-
انتخبوا أنفسكم !
-
جلباب أزرق
-
انتخابات الرئاسة بمصر - الانقاذ الوطني مهمة عاجلة
-
لماذا تقف الثورة وحيدة عزلاء في الانتخابات الرئاسية بمصر ؟
-
نداء إلي مرشحي اليسار والديمقراطية في مصر
-
عبد الرحمن الخميسي .. والدي .
-
سعد القرش وكتابه - الثورة الان -
-
رحمة - قصة قصيرة
-
رؤوف نظمي .. رحيل فارس مصري
-
في الأدب تجد نفسك كاملا
-
الطابق الرابع - قصة قصيرة - أحمد الخميسي
-
رأس الديك الأحمر - قصة قصيرة
-
وداعا للقذافي الطاغية .. مرحبا بحلف الناتو !
-
- باب مغلق - قصة قصيرة
-
ماهو أدب الثورة في مصر ؟
-
لوزير العدل المصري .. سجل أنا مع الشغب !
المزيد.....
-
شاهد.. -غابة راقصة- تدعوك لإطلاق العنان لمخيلتك في دبي
-
بعد مكاسب الجيش في الخرطوم.. هل تحسم معركة الفاشر مآل الحرب؟
...
-
هواية رونالدو وشركاه .. هذه مضار الاستحمام في الماء المثلج
-
أكثر من 20 مرتزقا أمريكيا في عداد المفقودين بأوكرانيا
-
باكستان قلقة من الأسلحة الأمريكية المتروكة في أفغانستان وتحذ
...
-
وزير الدفاع السوري يتفقد ثكنات الجيش بصحبة وفد عسكري تركي (ص
...
-
تركيا.. شاورما تنقذ حياة -مسافر الانتحار- (صور)
-
من أمام منزل السنوار.. تحضيرات إطلاق سراح 3 رهائن إسرائيليين
...
-
سوريا.. من هم القادة العسكريون الذين شاركوا الشرع -خطاب النص
...
-
وارسو.. اجتماع وزاري أوروبي لبحث الهجرة والأمن الداخلي وترحي
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|