|
لقاء مع ثمغارت
مها الجويني
الحوار المتمدن-العدد: 3896 - 2012 / 10 / 30 - 17:10
المحور:
ملف : ظاهرة البغاء والمتاجرة بالجنس
ما إن رأيتها حتى طأطأت رأسي و إرتعشت فرائصي ، كأنما رياح الأطلسي تهب تحتي ... خجلت أن أشاطرها الحديث ، إنها إمرأة من زمن الأمازيغ ، حيث كانت المرأة في ذلك الوقت تدعى بثمغارت أي الكائن العظيم أو الكبير . و أنا من زمن الربيع العربي حيث المرأة يقال عنها :"قطوسة" "زٌ,,ور.." "لفعة" و غيرها من الصفات التي ننعت بها في الشوارع ، ماذا أقول و أنا من زمن أصبحت فيه نساء المغرب العربي تباع و تشترى بأبخس الأثمان ؟ أنا من زمن إستباحة الأجساد حيث تتحول كرامة النساء إلى قمامة مرمية على قارعة الطريق بين شارع عبد الله قش بتونس و شوارع الدار البيضاء بالمغرب . ماذا أقول لمثغارت ؟ كيف سأٌقف أمام من تحمل شموخ القبائل الجبلية و الصحراوية و جليلات السواحل المغاربية ... لاحظت توتُّري و كأنها قرأت أفكاري قبل أن أنطق بأي حرف .و قالت لي : هل سيطول نومكن ؟ أم غدى الإنكسار جزء لا يتجزأ من حياتكن ؟ أنظري إلى السماء كانت لنا وتأتمر لأمرنا ، البحار تعرف أساطيلنا و روما تهابنا و أطلقت علينا إسم برابرة لأننا لم نخضع لها و فشلت أمامنا، كانت روما تحسدنا لما لنا من حسن و من جواهر ، لم نكن إماء بل فينا من كانت ملكات ... صمت لأفكر في الإجابة لأبحث عن تبرير لها إنها عليمة بأوضاعنا و ترى مآسينا. حاولت أن أجيبها بكل صراحة و قوة : "ثمغارت إن الأزمان تغيرت ،و داهمنا التتار و أختلطت هنا الموازين و غدت المادة هي الحاكمة بيننا ، إنهم متواطئون ضدنا ، هنا الأمن و الجيش يسمح للزبائن بشراء أجساد النساء ، هنا يٌسمح بأصحاب النفط و الدولار بإلتهام ما تشتهي أنفسهم المريضة من سمروات و شقراوات و صغيرات . هل تعلمين أن بعض العائلات تسمح لبناتهن بالبغاء لتوفير الرغيف و لتسديد إجار السكن ؟ هل تعلمين أن هناك من يسمح لزوجته بالنوم مع رجل غيره فقط من أجل المال و الرفاهية ؟ أو تدرين أن أغلب من يظطروا للبغاء هن من فقيرات هذا الشعب و لم يتمتعن بحقهن في الدراسة و في التعليم ؟ في وطني المغاربي يتم تعنيف النساء لأتفه الأسباب و يتم مطالبتها بالعمل و بإعالة الأسرة و عليها أن تتدبر الأمر و عليها أن تتحمل المصاعب ... لا تكوني قاسية يا ثمغارت و إفهمي لقد سرق الفقر جدائلنا و جعل من أرضنا وجه للسياحة الجنسية ". إستنكرت ثمغارت و زمجرت و علا صوتها قائلة:" هل يقتل الفقر الحرائر ؟ هل يجعل الفقر منكن حريما لسلاطين النفط ؟ أين دماء الشرفاء ؟ أين شعارات الكرامة الوطنية ؟ كيف يقبلون ببيع النساء على سواحل الأطلسي و المتوسط ؟ أين موقف جماعة العروبة و الإسلام من هذا الأسواق ؟ أه نسيت أنهم يتهمون البائع فقط أما الزبون فلا جرم عليه ... أذكر أنني سمعت نواح إحدى البنات اللواتي ذهبن للعمل في منازل أصحاب النفط كخادمات لكن رب العمل فرض عليهن ممارسة الجنس و غيره مما حرمته كل أديان الله و ذلك في إطار قانون الكفيل الذي بوفقه تٌسلم العاملة أوراقها لرب العمل ... ثُم أسمعهم يغنون :"بلاد العرب أوطاني و كل العرب إخواني " حسبي أنه لا أخوة بين الفقير و الغني و لا قرابة بين قاهر يملك الأموال و مقهور تتآمر عليه الظروف . أجبتها :"أصبحت الأحزان جزءا من حياتنا ، المرأة هنا ليس ثمغارت بل أصبحت من "زريعة إبليس" (بنات الشيطان) . و يتم نعتها بعاهرة لأتفه الأسباب و في أغلب الحالات تتعرض للطرد والنفي من أسرتها لمجرد إلإشتباه بها في علاقة مع أحد الشباب ، لي جارة طردها أبوها من منزلها لأنها مارست الحب مع إبن الجيران خارج إطار الزواج و عندما إنتفخت بطنها و فهم الجميع أنها حبلى قام الأب الشهم بطرد إبنته و هي حامل ، البنت غادرت المدينة و بما أن مستواها العلمي لا يسمح لها بأن تتحصل على مهنة محترمة بإلإضافة إلى صفة "زانية" التي ألصقها بها المجتمع لأنها أم عزباء ، إتجهت إلى البغاء لتسديد مصاريف أجرة بيتها ، و أكلها و لبسها وكل ما تحتاجه ، لأنها بدون أب و زوج و أخ و صديق ، و لا تنسي ثمغارت أن الرجولة في وطني أساسها الفتك بالنساء ... سيدتي الغالية أعلم أن أخوتك بقرطاج شددن بضفائرهن عربات المحاربين ، و سمعت عن من رمين بأنفسهن في البحر حتى لا يكن إماء للغزاة فالتاريخ لم يمحوا ذكرى الكاهنة البربرية التي حرقت نفسها حتى لا تتعرض للسبي من جيش عقبة إبن نافع ونحن نروي قصص بطولات ثمغارت لما لا تتعض حكوماتنا من هذه الروايات ؟ لما لا يفهم الوعاظ أن إحترام النساء هو مدخل للرقي و أن الإتجار بأجسادنا دليل لأزمة حضارية و إقتصادية و أجتماعية يعيشها وطننا و ليس بسبب نقص في وعيينا ؟ ثمغارت إني أحس بإنفصام مع جسدي ... لأنني بسببه أتعرض للتحرش و للمساومات من أرباب العمل و حتى من بعض الأساتذة ، ثمغارت مدي يدك و ساعدينا ... إنهم يٌفتون بحجزنا في البيوت و بالعودة إلى غطاء الوجه لمواجهة هذه الازمة ... ردت ثمغارت :" لا تبكي يا إبنتي ... و لا تتألمي و لا تحزني فجسدك الجميل يحمل روعة أرضنا و بشرتك تعبر عن قربها للسماء و ساقيك تروي عطش الأراضي و تسمع همس الأعشاب و رمال الصحراء ، لا تصمتي إنتفضي و إحترقي حتى يغادر التتار هذه الأراضي ، و لا تحجُبي الحقائق و لا تصمتي إن الله لم يخلقك كي تستكيني ، قومي و إستكملي مشوار ثمغارت ، إنني أحيا كلما ينادى بالكرامة الإنسانية ، أتنفس بأصواتكن التي تُرفع ضد المغتصبين ، و أنتظر عودة من ذهبوا في طريق البغاء ، رجاء لا تسمحي بأن ينتعتوا أخواتك بالعاهرات ، و إياك بالصمت على إستباحة الأجساد ، يا إبنتي أذا كانت هي العاهرة لما لا يحاسب من إشترى ذلك الجسد ؟ لما لا يحاسب من تحرش ؟ لا لما يحاسب من أهان ؟ كلهم متواطؤن ضدها ... كلهم ينتظرون إلتهامها ... و هم من إستضافوا التتار بيينا و هاهم يحاولون قتل ثمغارت و محو ذكراها ... و لكن هيهات فأنا حية أنبض فيكن ، أنا متواجدة بين دمائكن .. أنا أم المحررين و الثائرين أنا فيك و لم أمت مادم في عالمنا المغاربي من ينتفض ." و إبتسمت ثمغارت و غادرت و لا أعرف أين ذهبت ربما رحلت إلى عالم أخر أو ربما غاصت فيٌا . لا أدري و لكنني أعلم جيدا انها قريبة مني و أنها من دمي .
#مها_الجويني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا تنتظرني
-
ملامحي تونسية
-
المستبد ليس بالعادل
-
قتل العَامرٌية
-
بلا مرافق إنت أحلى
-
ربيع العنقاء
-
قبل عقد العمل
-
أهل السلف و الإبداع
-
التعري لا يعني التحرر
-
على هامش الشعوب
-
رسالة إلى البدوي الحديث
-
هي و الربيع
-
محرومة من العودة
-
طفل من درجة ثانية
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
الروبوت في الانتاج الراسمالي وفي الانتاج الاشتراكي
/ حسقيل قوجمان
-
ظاهرة البغاء بين الدينية والعلمانية
/ صالح الطائي
المزيد.....
|