|
الثورة السورية و خيانة اليسار الستاليني و الماوي
المنصف رياشي
الحوار المتمدن-العدد: 3895 - 2012 / 10 / 29 - 00:47
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
تعددت التحليلات و الرؤى تجاه الثورة الشعبية في سوريا وذهب اليسار الستاليني و الماوي بعيدا في مواقفهما منها و تكاد كل تياراتهما في دول المنطقة تجمع على أن ما يحدث في سوريا هو مؤامرة امبريالية ضد نظام "الممانعة " و كعادتها فهي لجأت إلى مخزون وطنيتها البرجوازية الصغيرة المتملقة لسادتها البرجوازيين الحاكمين . عانت الفئات الشعبية من عمال و فلاحين صغار و صغار الموظفين في سوريا من استغلال الطبقة البرجوازية لهم منذ عقود خاصة في العقد الأخير مع سياسة الليبرالية الاقتصادية للنظام و استئثار عائلة الأسد و كبار المسؤولين بالثروة و الاقتصاد الذي صار قائما على قطاعات خدماتية و تجارية على حساب الانتاج و على حساب الفلاحة التي تراجع الإنتاج فيها و تضرر صغار الفلاحين منها ( وهو ما يفسر كون العمق الاجتماعي للثورة ومركز قواها الاجتماعية كان الريف السوري مما حدا بالبعض لتسمية ثورة الريف ) , و زاد بؤس الفئات الشعبية مع شدة القمع و الملاحقات و الرقابة على الأفراد التي ميزت حكم البعث و لما جاءت الثورة في تونس و مصر و اليمن كان من الطبيعي أن تشهد سوريا التي تشهد أزمة اجتماعية و استبداد سياسي و قمعا سافرا منظما من الدولة انتفاضة شعبية ضد طغيان حكم البرجوازية . إلا أن ضعف المنظمات اليسارية بسبب عقود من القمع و التشتيت و الملاحقات الأمنية و التضييق و تبعية كل المنظمات الجماهيرية كالنقابات و الأحزاب الشيوعية للنظام إضافة إلى الجبن المتأصل في اليسار المتبني لأطروحات منظر الهزائم ستالين و المهاتر ماو و الدائرين في فلكهما من المتمركسين المتطفلين على الحركة الشيوعية و الحركة العمالية جعل كل هذا موقف اليسار محتشما أو مترددا أو بعيدا عن الحركة الجماهيرية ثم معارضا لها حين فرض تطور الأحداث أن تدخل الثورة في أطوار جديدة . لنكن ماركسيين و لنذكر أنفسنا أن الإنتفاضات الاجتماعية و حركة التاريخ تدرس و تفسر بتحليل الواقع الاقتصادي الذي تعيشه الطبقات و درجة التناقضات التي وصلت إليها العلاقات الإنتاجية ولا تفسر بمجرد الأهواء لأفراد أو تنظيمات أو بنظرية المؤامرة و لا بارتدادات ثقافية و لا بمجرد دراسة العلاقات السياسية بين البلدان عبر وكالات الإعلام . غير أن مؤدلجي اليسار الزائف و كعادتهم يضربون عرض الحائط كل أبجديات الماركسية و ينطلقون كالغربان ليغردوا بتفاهاتهم ليلا نهارا عن وطنية كاذبة و عن ممانعة البرجوازية السورية و كل ترهات القومية و أوهام الاشتراكية الوطنية . و لتقوية حججهم بمزيد من الخلط وجدوا الاسلام السياسي و إرهابه و ظلاميته خير مبرر لهم للتشبث بحكم البرجوازية الحداثية في مواجهة الإرهاب متغافلين عن إرهاب هذه البرجوازية الحداثية و استغلالها المضاعف للطبقتين العمال و الفلاحين (الصغار) و قمعها الممنهج لهما و مصادرة حقوقهما في التنظم و التعبير عن مصالحهما . يتفادى ستالينيوننا البؤساء و من لف لفهم من الماويين البلهاء الاهتمام بالوضع المزري الاقتصادي و الاجتماعي الذي تعيشه الفئات الشعبية في سوريا و يملؤون رؤوسنا بالزعيق عن جهل الشعب و غبائه و بربريته و عن الرعاع الذين تآمروا على بلدهم و حكومتهم " العزيزة " و إرهابهم الديني للعلمانيين و الديمقراطيين و المرأة وعمالتهم للامبريالية و الخراب الذي تركوه في كل بلاد عششت فيها أوكارهم كمصر و الجزائر أو حكموها كأفغانستان و إيران و العراق ... و في حالات يقولون بأن الشعب غير منخرط في المؤامرة و هو مناصر لنظام الحكم في سوريا , هكذا بكل بساطة . هم لا يستقون استشهاداتهم و تحليلاتهم من الواقع الموضوعي و إنما من قنوات الدعاية الامبريالية ( الجزيرة و العربية و غيرهما ) و قنوات النظام السوري الدعائية و يالها من وثوقية . بالنسبة إلى هؤلاء العباقرة البرجوازيين الصغار المتسلقين لا يوجد غير طرفين متصارعين : النظام الوطني "الديمقراطي الممانع" من جهة و التنظيمات الارهابية التي تدربها و تحشدها الامبرالية ( أمريكا و فرنسا ) و تمولها خنازير الخليج و صبي الحريري في لبنان و حصان تركيا أردوغان . هذه هي الصورة التي فاضت بها قريحة اليسار البائس وهي التي يروج لها ليلا نهارا حتى يخفوا حقيقة ما يجري و اصطفافهم وراء البرجوازية الحاكمة في معسكر الثورة المضادة و خوفهم الهستيري من كل إلتزام نضالي . إن ما يحدث في سوريا ليس كما يصوره محرفو التاريخ الستالينيين و الماويين و إنما هي ثورة شعبية تخلى عنها جزء كبير من اليسار السوري و العربي و تركها تسير على عفويتها و في دماء القمع و عرضة للتدخل الخارجي الوهابي و الاخواني و الامبريالي رغم أن التنظيمات الجهادية التي التحقت بالثورة لإجهاضها لا تمثل أكثر من عشر التنظيمات الذاتية التي ابتدعتها الجماهير الشعبية للدفاع عن مدنها و قراها و أحيائها و عائلاتها ضد الغزو البربري التي تشنه الآلة العسكرية بكل قواها على المدنيين العزل . كيف نجرم إلتجاء الشعب إلى الدفاع عن مدنه و قراه ضد جيش دولة البرجوازية ؟ و كيف نترك الشعب في عزلته يواجه المدافع و الدبابات و نتهمه بالإرهاب الإسلامي ؟ كيف نترك الجماهير الشعبية البسيطة تفقد الثقة باليسار و ندعي أننا نتوجه إليها لتحريرها ؟ إن الثورة هي صراع بين طبقات ليست لها نفس المصالح و هذا الصراع تتدخل فيه عدة عوامل داخلية و خارجية و لا يمكن أن ننتظر ثورة نقية على هوى الأغبياء و الحمقى من الشيوعيين المدجنين الذي تستند كل مبرراتهم المفلسة على دعامتين أساسيتين و هما التدخل الامبريالي أو المؤامرة الامبريالية من جهة و وطنية النظام و ممانعته من جهة أخرى وهما ليستا أكثر من دعامتين كرتونيتين لا تقويان على حمل أي حقيقة مادية . هذا النوع البائس لليسار من الستالينيين و الماويين في تونس لا يخفي إنكاره للثورة التونسية و التهجم عليها و نعت الشعب التونسي بالجهل و التخلف بعد أن خان ثورته منذ 14 جانفي 2011 و تخلى عن المهام المركزية لها و اختار لعبة التوافق مع الأحزاب البرجوازية و الرجعية و الليبيرالية و ارتضى لنفسه دو الكلب النباح الذي يسير وراء قافلة البرجوازية لترمي له الفتات , فما بالك بموقفه من الثورة السورية الشعبية سقط فيها عشرات الألوف من الشهداء فداء التحرر الاجتماعي و السياسي من إرهاب نظام البرجوازية ؟ لا تراجع و لا استسلام , المجد لشهداء سوريا و النصر لثورة الكادحين
#المنصف_رياشي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تونس و مصر : غاب الحزب الثوري وغابت المجالس العمالية
-
الثورة التونسية دون قيادة ثورية
-
في تونس حزب محاكم التفتيش يتسلم قيادة الثورة المضادة
-
المؤتمر 22 للإتحاد العام التونسي للشغل
المزيد.....
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|