جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3894 - 2012 / 10 / 28 - 21:13
المحور:
كتابات ساخرة
مشكلتي مع جهاد العلاونه ليست وليدة اليوم بل هي وليدة الأمس الذي مضى,وكانت أول مشكلة بيني وبينه وليدة الحظ والصدفة فقد عثرتُ عليه وتعارفنا على بعض بين الكتب والمكتبات حين قرأت كتاب طه حسين(علي وبنوه..الفتنة الكبرى),ولم أتعارف طوال حياتي على شخصية وندمت على معرفتها إلا مع هذه الشخصية فأنا حين تعارفت عليها وتصارحت معها في كل شيء وعلى كل شيء ندمتُ ندما شديدا على معرفتي بهذه الشخصية وقد تعمقت بيني وبينه الخلافات وتحولت من مجرد طرح وجهات النظر إلى ما هو أبعد من ذلك وذلك حين بدأت قراءة الأسطورة البابلية والسومرية والأكدية والكنعانية وتنامت المعارف وتوسعت المدارك وبهذا بدأت أختلف مع جهاد العلاونه في كل شيء حتى في قصاصات الورق المكتوبة على الروزنامات السنوية, وحين كبرت شيئا فشيئا زاد إعجابي بهذه الشخصية وأصبحت بالنسبة لي بؤرة ألتقي من خلالها بشخصيات كبيرة جدا وفلاسفة وقادة حروب وقادة فكر وثقافة وشعراء كبار جدا, كانت مشكلتي في أول الأمر مع جهاد علاونه بسيطة جدا كأن أختلف معه على هذا البيت من الشعر أو تلك العبارة النثرية من هو قائلها وماذا يقصد بها القائل, كان جهاد علاونه بالنسبة لي رجلا ذهب في رحلة صيد ليصطاد بعض الكتب ولكن سرعان ما تحول الصياد إلى فريسة فقد التهمته الكتب وابتلعته نظريات علم الاجتماع والتاريخ وجغرافيا المنطقة وغاص في علم الاجتماع الإنثربولوجي وغرق فيه كأنه قد غاص وغرق في الرمال المتحركة أو كأنه غرق في بركة من القُطران الأسود وأصبح هو عبارة عن مستحثات متحجرة وبؤرة للباحثين في علم الاجتماع والتاريخ, جهاد العلاونه شخصية بسيطة جدا والمشكلة في عدم فهمه ترجع إلى المستكشف الذي يحاول أن يكتشف هذه الشخصية فكل المستكشفين لا يملكون الجرأة للبحث في أعماق هذه الشخصية أو في ظاهرها الطبيعي والذي لا يختلف عن باطنها, أما بالنسبة له فهو شخصية بسيطة جدا يفهمني جيدا ويعرف طباعي الحادة وغير الحادة ولكن المشكلة أنني أنا الذي لا يعرفه فهو يعرفنا جميعنا من الألف إلى الياء ولا تجد هذه الشخصية صعوبة في فهم الناس ولكن الناس هم الذين لا يفهمون هذه الشخصية وأعتقد بأنه لا توجد أي مشكلة بين هذه الشخصية وبين الناس من ناحيته هو ولكن المشكلة عند الذين يجدون صعوبة في فهمه وعند الذين لا يريدون فهمه مطلقا أو يتجنبون التفاهم معه, جهاد العلاونه مشكلتي معه هي مشكلة بين الأسطر والكلمات والاختلاف على حركات الإعراب والنقاط والفواصل, كان جهاد العلاونه بالنسبة لي شخصية لديها الكثير من المعارف والتي تدور أكثرها حول ثقافة منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وكان جهاد العلاونه بالنسبة لي واحدا من الذين قرءوا التاريخ جيدا وكتبوا حوله عدة نقاط أهمها أن التاريخ كله إن لم يكن مزوراً فهو على الأقل ليس مقدسا بالتمام وبالكمال وهذه أهم نقطة من نقاط الخلاف وحاولت كثيرا أن أفهم وجهة نظره هذه خصوصا فيما يتعلق بتاريخ الأديان السماوية ومنشأها الأول وكيف نشأت وما هي الأسباب التي أدت إلى انتشارها في العرض وفي الطول.
كنتُ أحاول أن أفهم شخصية جهاد العلاونه أو أن أتوصل معه إلى اتفاق يرضي الجميع وكل الأطراف ولكن الناس المحيطين به هم الذين لا يريدون أن يفهموا عليه فيتذرعون بالحجج غير المنطقية منها أن هذه الشخصية متعددة الأوجه وزئبقية علما أن كل محاولاتي في فهم هذه الشخصية تُثبت لي وللجميع بأنه ثابت على مبدأ واحد ليس إلا وبأنه مثل غصن الزيتون الأخضر أو الخيزران التي مهما انثنت فإنها على الأغلب لن تنكسر, مشكلتي مع جهاد علاونه نشأت منذ الطفولة المبكرة عندما طرحتْ هذه الشخصية على نفسها أسئلة صعبة جدا لا يطرحها إلا الكبار والكبار فقط لا غير,وأعيدها مرارا وتكرارا وهي أن تلك الأسئلة لا يطرح مثلها إلا الكبار فقط لا غير,ومما يثير ويحير هذه الشخصية هو أنها ما زالت إلى اليوم تطرح على نفسها نفس الأسئلة الطفولية, وأنا أستغرب جدا فمنذ ذلك الوقت إلى هذا الوقت كيف لم يتعرف جهاد على شخصية أو كتاب لديه الإجابة الوافية على أسئلته!! لقد كبرت شخصيته وصارت في سن المراهقة ومع ذلك بقيت أسئلة الطفولة محيرة له وتشغل ذهنه, وتعدى سن المراهقة غير أنه ما زال يطرح على نفسه نفس الأسئلة التي سألها وهو طفل صغير, ودخلت هذه الشخصية معترك الحياة الثقافية وما زالت الأسئلة نفسها تتكرر في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل لحظة,والغريب أن أسئلة الطفولة ما زالت تتكرر في كل المشاهد المثيرة للجدل وكنتُ أشعر كلما طرح عليّ سؤالا مثل هذا السؤال بالحرج الدائم فأنا مثلا لا أعرفُ من هو أو من أين أتى وإلى أين سيذهب, لم أكن أعرف شيئا عن حياة المستقبل والغموض الذي يلفها ولا أعرف حقيقة ما هو الواجب الذي عليه أن يفعله, كنتُ وما زلت حريصا في أن أجيبه على كل أسئلته ولكنني للأسف لا أستطيع أن أجيبه على كل الأسئلة التي يطرحها فهي بالنسبة لي صعبة جدا ولهذا أنا لا أستطيع أن أفهم هذه الشخصية المتعمقة في العلم والثقافة والفلسفة والجدل,وأضاعت هذه الشخصية حياتها وهي ما زالت تسأل تلك الأسئلة ورغم تقدمه في السن إلا أنه يشعر بأنه ما زال صغيرا ليجيب عن مثل تلك الأسئلة, أنا مشكلتي مع هذه الشخصية هي أنني أريد أن أفهمها جيدا ولا أريد مزيدا من الأسئلة فسلوكياته تدل على أنه شخصية طبيعية ومتزنة وعاقلة ولكنها حين تمسك بالقلم تصبح عبارة عن مارد كبير بيده قلم لا تستطيع أي قوة في الدنيا أن توقف حبره عن النزيف فما زال ينزفُ حبرا منذ أن وعى على هذه الدنيا.
هذه الشخصية أحيانا أتجنب الحديث معها وأحيانا أتجنب التماس معها وأحيانا أخافُ منها فهي رهيبة ومرهبة وخائفة وتثير في داخلي الخوف وقلقة وتبعث على القلق,وأحيانا تثير شجوني فأجلس على الكنبة أو أتكئ على وسادتين وأبكي عليها وأدخل إلى الحمام في بعض الأحيان لكي أجهش عليها بالبكاء ففي الحمام لا يراني لا صديقي ولا عدوي, وأحيانا أجد هذه الشخصية مثيرة للضحك فأضحك عليها وأنا أعد بفنجانٍ من قهوة الصباح, وأحيانا أجد أنها شخصية مقززة فعلا فأتقيأ من مجرد أن أتذكر تصرفاتها وسلوكياتها,عالمها عالمٌ غريب ولدى هذه الشخصية القدرة على إخراج لقمة الخبز من فمها لتضعها في فم إنسانٍ آخر, وأحيانا أشعر بأنها شخصية مستهترة بكل شيء وأحيانا أشعر بأنها مؤمنة بالله إيمانا كبيرا فهي شخصية لا تدخر النقود ولا تسعى لكسب النقود وتوفيرها فالرزق بالنسبة لها على الله وحده وفي هذه الحالة نشعرُ هذه الشخصية بأن خالق هذا الكون مهندسٌ عظيم,وأحيانا تشعر هذه الشخصية بأن الخالق ليس مهندسا عظيما كما قال أحد فلاسفة الغرب وهو أن الإله وضع مواقع ومراكز الحس بالرفاهية والانبساط إلى جانب مخارج التصريف الصحي بالجسم, فهل أنت مثلا كمواطن تقبل بأن تبني منتزها للنزهات بجانب مكب النفايات أو مصانع تكرار الصرف الصحي؟.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟