|
من حديث الإشراق: التخييل ونشدان المطلق في -ترانيم تقترف الوله- .. قراءة د.عبد العزيز غوردو
فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)
الحوار المتمدن-العدد: 3893 - 2012 / 10 / 27 - 23:59
المحور:
الادب والفن
من حديث الإشراق:
التخييل ونشدان المطلق في "ترانيم تقترف الوله"
د.عبد العزيز غوردو
كم نحن بئيسين، نحن الدارسين الذين نزعم بعض الموضوعية حيث لا موضوعية أصلا. إن ما نكتبه ليس أكثر من صدى باهت لأرواحنا الباهتة المثيرة للشفقة حقا؛ تلك التي لا تبحث في النص المنقود إلا عما يفتنها.. تبحث عن هواها إذن لا غير... وتدخل أحيانا في عواصف جدالية لا تكاد تهدأ أو تستقر عند مرفأ معين. لذلك، وبعيدا عن الكتابات السجالية حول قصيدة النثر، والانتصار لها، أو عليها، منذ استيراد هذا الجنس الإبداعي، بعد إشراقة "سوزان برنار" على الشرق، فإن القراءة المقترحة هنا تشاء أن تتلمس نشدان المطلق في البحث الإشراقي، كما تجسد في منظومة "ترانيم تقترف الوله". فالتخييل ونشدان المطلق، عند فاطمة الفلاحي، يختزل اندفاع اللاشعور نحو غايات لا نهائية، في صور تعبر عن الانفعال وتذويت العالم المتوحش - بمعنى البرّي - في منحنيات ومنكسرات لا خطّية، تجري في الاتجاه المعاكس لما درج عليه التعريف الأشهر: "الشعر كلام موزون مقفى له معنى". إنه انشغال بالإشراق والاندفاع نحو الأعماق بما هي بؤرة كل توتر و/أو مصدر للارتعاش←ما يهز الكيان، ودون التفات كبير إلى الإيقاع؛ وهو إلى هذا مجال للتنفس الرحب، ومساحة للتجريب. في هذا الأفق المفتوح تنسج الشاعرة - بلغتها الخاصة - عالمها الحميم، المتمرد على العالم، رغم انتمائه له؛ والانتماء هنا لا يحيل على المادي فقط بل الوجداني أيضا. فالمقصدية هنا تتجه، بعد هدم العالم غير المرغوب فيه، نحو عالم أكثر طهرانية وصفاء. ولهذا احتاجت إلى التخلص من كل ما يشوش على اللاشعور للوصول إلى أقصى درجات الانفعال بما في ذلك تماهي الزمان في المكان، أو العكس، فزمكان الشاعر – كما هو معلوم – غير زمان ومكان الآخرين، إنه سريالي بامتياز، يستطيع أن يخلق منه متاهة؛ ومتاهة الشاعرة هنا تتراواح بين فنجان القهوة وأجنحة النوافذ، وفيما بين الاثنتين ينتصب التمزق والتشرد والتيه والغياب... هنا تقوم المتاهة دليلا على تغلغل "الآخر" في "الأنا" حدّ الدّم، حدّ التشرد والانشطار، قبل الاستحالة إلى ما ينزف عشقا، وقبل أن يقيم/"الآخر" حجة الغياب على أنشوطة؛ والأنشوطة واهية بطبيعتها، حتى لقد قيل: "ما أنشوطتك بعقال"؛ تغلغلت في فنجان قهوتي وما زلت تقول: "هو التيه" ما التيه تيهك بل كان تيهي * * * أغتال به أنشوطة غيابك وأدسك في دمي عطرا وأتشرد فيك أجمعني من على أجنحة النوافذ سهما يقطر عشقا
إننا ننتهي كما تشاء القصيدة←الشاعرة إلى الدهشة، والدهشة بداية التساؤل، والتساؤل افتتان في حد ذاته، حتى لو ظل من دون جواب، وحتى لو طالعنا فيه بعض التهكم الماكر المرير عندما يكون جواني المنشأ، استنكاري الغاية... لا جدوى من التساؤل عن التساؤل عند الشاعر، لأن قيمته فيه: "هل تدري؟" سؤال/عنوان آخر، وقصيدة أخرى، قد لا يحيل على اللاأدرية الفلسفية بالضرورة، لكنه يظل مع ذلك محتفظا بحجمه وعمقه وعنفوانه... مؤسسا للجواب الذي ينساب بعد ذلك مباشرا كطلقة مسدس (ألم نقل بأن السؤال قد يخفي بعض المكر والتهكم المعجون بالمرارة عندما يأتي استنكاري الغاية؟)؛ هاؤم اقرأوا الجواب إذن: هل تدري؟ وإني لأدري بأنك تدري (يقول المضمر في النص، قبل المعلن فيه): أدري أن لي في قبضتي منك عهودا! ألقي بها في حبل الوريد فيتجلى بزوغك في ليلي وتتهادى فوق نبضي *** هل تدري أن المثول بين يديك، طاعة لقلبي، وأنت لا تدري *** يعاتبني المداد كيف لا أكتبك قبل نومي وأنا أدري
هكذا تشيد الشاعرة عوالمها، بصيغة المؤنث، انطلاقا من مفارقة السؤال/الجواب – ما دام أن السؤال معلوم الجواب -؛ بعيدا عن سطوة الجمال المتعالي عن اقتراف، ثم المجاهرة، بالإثم←الحب، إن كان في الحب إثما؛ يتم تشييد معمار آخر، مواز، مغامر، يحتفي بمباهج المعمار الإيقاعي المندفع نحو هاوية الفقد في نشدانٍ للإثم المطلق.. إبحار في التخييل عبر التيه والتشرد والانشطار (في محطة أولى وثانية/"أنشوطة الغياب"؛ "هل تدري؟") بما يمزق نياط القلب؛ هو ما يتأكد في محطة ثالثة - من خواتم: "همسني" - فيما يشبه هذا الإمعان في التمزق، ودائما دون حرج في المجاهرة به: حكاياك تجلد القلب هوى وتوزعني جدائل بوح على السمار والساهرين وأعلنك جهرا عطرا عصيّا على الحالمين التيه؛ التشرد؛ التمزق... شرفة تطل منها الشاعرة على الذات، دون أن يعني ذلك المنحى المتمركز حول الذات/الإيكوسنتري.. بل فقط طقوس الشاعر المنعزل، المتقشف، الممجد لقاموس منحاز إلى خطاب الشهقات والمواجيد والتلاوات، وهي مفردات ألفناها في خطاب ينشد الصفاء والحلول والمطلق، باعتبارها مقدمات تفضي لما يأتي←الإشراق: تشهق حدائقي بأريج ورودك ومواجيدي أزرعها أمنيات فتدمدمني تلاوات وأساطير للعاشقين تسترق السمع من قلبك غنجا ومتاهات حنين
ولئن كان في الانهمام بالذات كل هذا القدر من التمزق المتاخم للوريد والشرايين والقلب... فلأن الأمر يتعلق بقدر، ونوع، غير معلوم من "الإيمان"؛ ولأجل ذلك احتاجت الشاعرة، ونحن، إلى التخلص من كل ما يشوش على اللاشعور للوصول إلى أقصى درجات الانفعال، كم صرحنا به أعلاه، والاستعاضة عنه بجُبّة لا تنسجها، هي أيضا، إلا لغة الطقوس والتراتيل والابتهالات.. هي جبة من نوع خاص إذن، لأنها تعبر عن نوع خاص من الإيمان/الحب: ترتديك روحي جبة من طقوس قد آمنت بك. * * * تتوزعني نبضا في دمي، رابضا في الشرايين
قَدَر كل حب كبير ألا ينتهي إلا بمأساة، والذاكرة – فردية كانت أم جماعية - لا تتواطأ إلا مع هذا النوع من الحب، لتحفظه في المروي أو المسطور، وتجعله ينحل في التاريخ أو الأسطرة، ولن يكون الالتفات إلى قصاصات الأولين إلا لتأكيد هذه القاعدة؛ وهنا للشاعرة قصاصاتها التي تضيفها إلى هذا الـ"كُل" لأنها تشبهه، ولا تشبهه في آن؛ تشبهه من حيث المآل والمصير الذي يهوي بالجميع نحو الماضي←الذاكرة، ولا تشبهه لأن من المعلوم أن لكل مغامرة إنسانية تفاصيلها الخاصة التي لا تليق إلا بها، هي نفسها القصاصات التي سترويها للقارئ لاحقا، في محاولة لاستفزاز الذاكرة وإنعاشها، في خاتمة الليل، كبير المتواطئين مع العشاق، خاصة أولئك الذين ينشدون الإشراق: ما زلت أحتفظ بـ: قرابين وقصاصات الهوى أنهل ذكراك منها كخاتمة لليلي * * * وفي عقب سيجارك الذي ينطق اسمي
#فاطمة_الفلاحي (هاشتاغ)
Fatima_Alfalahi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا أتخذ من المركب المجنون ذريعة
-
إصدار المجموعة الشعرية -ذاكرة معلقة-
-
-لا شيء في هذا العالم أصعب من الحب-..غابرييل خوسيه غارثيا ما
...
-
ترنيمة من على شفة الفجر
-
كفانا نهز أرداف الكلمات
-
أخاف أن يدركني الهوى
-
تنهيدات الغربة ... وانتظار الحلم
-
النبي آرميا مع أحزانه
-
إصدار المجموعة- ترانيم تقترف الوَلَه-
-
بسملة عصية على النسيان
-
فوضى قلم وَ رسائل شوق حبيسة منفى
-
انشوطة الغياب
-
حوقلة
-
ماعاد لي زمن
-
أَجج صمتك المبطن
-
خيانة المساءات
-
تسول في زمن الحب
-
كذبة
-
-أولئك الذين يعانقون الوهم باسم الدين، فيقتُلون ويُقتَلون- .
...
-
إصدار المجموعة الشعرية -التيه بين تنهيدتين -
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|