|
مريم الحكايا
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 3893 - 2012 / 10 / 27 - 01:39
المحور:
الادب والفن
هذا العمل الروائي الثاني الذي يقع بين يدي من سلسلة كتاب في جريدة لروائية عربية ، فألا ول ( الفردوس اليباب ) للروائية السعودية ليلى الجهني وهذا العمل الذي يستدل من خلال عنوانه تعلقه بالحكايا والقصص ، فكريه تقترب من فكرة ألف ليلة وليلة ، حيث نجد أن القصص ممتلئة في العمل ومتلاصقة ومتتابعة مع بعضها البعض ، دون أن يمل أو يتعب القارئ منها ، ونعتقد بان هذا احد أهم عناصر العمل الأدبي ، ومن خلال تدخل الكاتبة بالشخصيات الرواية جعل من هذا العمل متميز وكأن هناك خلاف وعدم توافق ما بين الكاتبة و راوية الأحداث داخل الرواية ، وهذا أعطا إدخال عنصر جديد في الرواية ، وقد استطاعت الكاتبة من خلال لغة سهلة ـ عامية وفصحى ـ وبين هذه وتلك أن يجعلنا قريبين ومتلاحمين مع العمل ، ونعتقد بان فكرة العمل و المفاهيم التي يطرحها تستحق منا التوقف عندها خاصة ما يتعلق منها بألئك المناضلين السابقين ـ ذكورا وإناثا ـ ، والثمن الباهظ الذي دفع من قبلهم لهذا الوطن والمواطن ، ففكرة الحرية والتحرر والتحرير والثورة والتفاني في الإخلاص لهذا الفكر جعلهم يدفعون الضريبة مضاعفة ومكررة ، فهناك من قتل وقد استراح ، وهناك من بقيه حيا ليكون اقرب إلى الجثة الحية منه إلى كائن حي ، ومع حساسية الموضوع حاليا ، ضمن زمن أخذت فيه فكرة التغير الاستحالة وأمست ابعد ( من أن تدخلوا الفيل بثقب إبرة ) إلا انه من حق هؤلاء المناضلين علينا أن نحترم ونقدر عطائهم ونقف أمامه بكل إجلال وإكبار ، وبغض البصر عن نجاحهم أم لا ، ونخص بالذكر النساء منهم ، اللواتي دفعن ضريبة مزدوجة في مجتمع ذكوري لا يرحم ، ( سألتني أسئلة كثيرة بعد أن حكت عن الفلم ، هل رآنا المناضلون مومسان في علب ثورية جاهزة يا ترى ؟ هل حين ينهزم الإنسان ، ينهزم في السياسة والحب وفي كل الأحلام ؟ لماذا نحن النساء صدقنا ثم انكسرنا ونحن نحاول أن نكشف مساحات أخرى وفضاءات جديدة لأحلامنا وأجسادنا ومشاعرنا؟هل حصدنا الخيبات مضاعفة عن خيبات الرجال ، الذين صدقنا إنهم متحررون ويريدون الحرية لنا ولهم ، وهم في الحقيقة لم يكونوا سوى نماذج لانفصامات نفسية وفكرية وأجسادا تحمل في داخلها عصورا مضت ؟ ) إن هذه الأفكار تختزل كل المعاناة التي وقعت على كاهل المرأة المناضلة في مجتمعنا العربي ،فلم يكن الرفض لهن من المجتمع وحسب بل تعداه إلى رفاق النضال ، إن علوية صبح نجحت تماما في طرح مشاكل وعناء وألام المرأة بشكل عام في الحياة ، وتم التركيز بشكل اخص على المناضلات منهن ، وان لم تكن علوية الكاتبة الأولى التي تتحدث عن هذا الموضوع فهناك حميدة نعناع وليانة بدر استطاعتا الخوض في هذا الموضوع عندما تناولته الأولى في (الوطن في العينين ) والثانية في ( بوصية من اجل عباد الشمس ) وقد تحدثتا بكل جراءة وتحدي لمفاهيم المجتمع عن البكارة وعورة المرأة وكذلك دورها في مقاومة المحتل أم الانتهازيين ، ونعتقد بان فكرة المناضل المتقاعد كانت بفضل حميدة نعناع التي تحدثت عنها بإسهاب وجرأة . وما يجعلنا نتوقف أمام هذا العمل الأدبي استخدام كلمة ضرب ومشتقاتها ، فتكاد لا تخلو صفحة إلا وفيها كلمة ضرب ، حتى إنها استخدمت أكثر من عشرة مرات في الصفحة التاسعة عشر ، وكأن الكاتبة تريد أن تقول لنا إن الضرب هو ملازم لنا نحن معشر النساء ، وتريد تذكيرنا أيضا بأننا ما زلنا نستخدم أساليب بدائية في التعامل مع ألطف الكائنات ـ المرأة ـ وأنهن ارفع من ذلك ومن استخدام هذا الأسلوب البشع ، وقد تحدثت الكاتبة عن علاقتها بالرجل فوصفتها ( فكل ما أريده مني هو ضعفي ، فقد كان يعشق ضعفي ليعيش إحساسه بقوته ، يستأنس بكوني سجينة وحدتي ، مفتاح سجن جسدي بيده ومفتاح وحدتي بإذنه ، ) وهنا تأكيد على المجتمع ألذكوري الذي يتم فيه اضطهاد المرأة والأسلوب القذر الذي تعامل به ، وتضيف حول هذا الموضوع ( الأحد الذي كان يهرب فيه إلي للهرب من التفاصيل اليومية في حياته مع زوجته ، يهرب فيه ليعشق حاجتي إليه أكثر مما يعشقني عباس الذي أحب ضعفي وحبي له ، أكثر مما أحبني ، أحب الحاجة إلي لرسم صورته التي يريدها لنفسه ، ) نعتقد بان هذا يوصف لنا الكثير من الخلل والتخبط في علاقتنا إنسانية وعن عدم وضوح مفهومنا للحب ،ويجعلنا نتساءل : ـ وهل نحن نقيم علاقات سوية أم نغوص في الوحل من خلال علاقاتنا ؟ . وهي تصف علاقتها بالبيت الذي تحيى فيه بأنه اقرب إلى الجحيم منه إلى مكان يعيش فيه البشر ( كنت اعتقد أن الضحك يكون خارج البيت فقط ، فحين دخلت بيت أهل ابتسام لأول مرة وأنا صغيرة شاهدت أمها تضحك تفاجأت ) إن الكاتبة فعلا استطاعت أن تجعلنا نعيد النظر في كل تفاصيل حياتنا ، إن كانت خارج البيت أم داخله ، فهي لا تمارس هذا الفعل الإنساني وتعتقد بأنه يمارس في مناسبات معينة وفي أوقات استثنائية فقد ، ( كنت احسب إن الأمهات يبتسمن فقط أمام عدسة المصور ، وان الصورة ربما لا تطلع بلا ابتسامة ، ولولا الابتسامة ما اخترعت آلة التصوير) إننا أمام واقع مليء بالسواد تتعرض المرأة في مجتمعنا العربي ، وهنا لو وضعنا كلمات الضرب المتعددة التي استخدمت في الرواية ، لوجدنا هذا المبرر لعدم وجود سلوك الضحك ولوجود هذا المفهوم الغريب للضحك عند أبطال الرواية ، وإذا ربطنا كل ذلك الضرب بالواقع الذي انهزم فيه أبطال الرواية ، نجد بان من المنطقي جدا والاستحالة لوجود هذا السلوك ألا إنساني ، فهي تتحدث عن هذا الانهزام من خلال مفهوم كأمة ( نحن ) فتقول كنت يومها اسألها مين نحن وأحيانا كانت تجيب نحنا الناس ، أو نحنا الفدائية ، نحنا يللي حلمنا ، نحنا يللي ما بدنا ، آخر مرة ذكرت فيها ( نحن ) قالت نحنا يللي انهزمنا ) فعلا نحن أمام ترابط متقن ومحكم في هذا العمل الروائي الرائع ، فكل الشخصيات الروائية تتحدث عن الآلام والاضطهاد والقمع والاغتراب والانكسار والضعف التي يتعرض لها الإنسان العربي في هذا العصر ، فكأن الموطن العربي أمسى قرين لحالة عدم الانسجام مع واقعه ومجتمعه ، وكأن هذا الوضع هو الحالة الطبيعة والسوية وعليه أن يتعايش معها وعدم رفضها أو مواجهتها ، والحالة الاغترابية تتعدى الناس لتنتقل إلى المكان ، فهذا أيضا لا يمت لنا بأي ذكريات جميلة ، مما يجعلنا نبتعد ، ويشعرنا وكأنه وسيلة من وسائل الاضطهاد التي مورست علينا ،وأيضا مشارك ومساهم فاعل في الأذية والضغط التي نحن فيه ، ( يالله نمشي ونرجع ، حاسة انه هالشارع وهالمدينة ما بعرفها ولا بعرفوني ، ما عاد في امشي في بشوارع وبين ناس لابشبهوني ) ما الكتابة والقراءة فلهما مكانتهما في العمل الروائي ، فهناك الانسجام والتلاحم والتوحد بينهم ، وكأنهما من أهم مكونات الحياة عند أبطال الرواية ، وهما فعلا كذلك عند المثقفين ، فلا يستطيع احد تركهما أبدا ، وهما الغذاء الذي لا يشبع منه الإنسان ، وهما الأفيون الذي يبتعد به المثقف عن واقع الآلام والاضطهاد والضغوطات ( إنها تعيش الحياة وتكتشفها بالكتابة ، إن لم تكتب كلمة (هواء ) لا تتنفس ، ولن لم تكتب ( وردة ) لن تتذكر أن في الحياة وردا، تكتب لتتذكر رائحتها وأوراقها ) وتتحدث عن الدكتور زهير قائله ( كانت قراءته حول المسرح أكثر من قراءته حول الطب ) إننا أمام مشهد المثقف والكاتب الذي لا يعرف سوى القراءة والكتابة وسيلة للخلاص من واقعه ، ولينتقل إلى حالة الحلم الذي يفضلونه على الواقع المزري ، ليس من عمل أهم وأفضل من القراءة وليس هناك أعظم من الكتاب والكتاب ، لقد علمت علوية صبح معروفا عندما أعادت تذكيرنا بشيء جميل ، كنا فيه سعداء نعطي دون أن ننتظر المكافأة أو رد الجميل ، نعطي فقط وهذا الفعل يكفي ليؤكد وجودنا ، فهو يشبع رغباتنا ويتفق مع مفاهيمنا وأفكارنا ، في زمن أمسى فيه العطاء هبل وجنون والصدق والإخلاص في العمل عبث وعذاب ، نجد في هذه الرواية متنفس نقي بعيد عن التلوث والأمراض التي تتفشى بيننا ، نشكر علوية صبح على هذا العطاء
رائد الحواري
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شوقي البغدادي
-
قارب الزمن الثقيل
-
أخطاء الماضي والحاضر
-
الذاكرة الخصبة
المزيد.....
-
60 فنانا يقودون حملة ضد مهرجان موسيقي اوروبي لتعاونه مع الاح
...
-
احتلال فلسطين بمنظور -الزمن الطويل-.. عدنان منصر: صمود المقا
...
-
ما سبب إدمان البعض مشاهدة أفلام الرعب والإثارة؟.. ومن هم الم
...
-
بعد 7 سنوات من عرض الجزء الأخير.. -فضائي- يعود بفيلم -رومولو
...
-
-الملحد- يثير الجدل في مصر ومنتج الفيلم يؤكد عرضه بنهاية الش
...
-
رسميًا إلغاء مواد بالثانوية العامة النظام الجديد 2024-2025 .
...
-
مسرح -ماريينسكي- في بطرسبورغ يستضيف -أصداء بلاد فارس-
-
“الجامعات العراقية” معدلات القبول 2024 في العراق العلمي والأ
...
-
175 مدرس لتدريس اللغة الصينية في المدارس السعودية
-
عبر استهداف 6 آلاف موقع أثري.. هكذا تخطط إسرائيل لسلب الفلسط
...
المزيد.....
-
في شعاب المصهرات شعر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
(مجوهرات روحية ) قصائد كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
كتاب نظرة للامام مذكرات ج1
/ كاظم حسن سعيد
-
البصرة: رحلة استكشاف ج1 كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
صليب باخوس العاشق
/ ياسر يونس
-
الكل يصفق للسلطان
/ ياسر يونس
-
ليالي شهرزاد
/ ياسر يونس
-
ترجمة مختارات من ديوان أزهار الشر للشاعر الفرنسي بودلير
/ ياسر يونس
-
زهور من بساتين الشِّعر الفرنسي
/ ياسر يونس
-
رسالةإ لى امرأة
/ ياسر يونس
المزيد.....
|