|
ديموقراطية البيعة
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 23:48
المحور:
كتابات ساخرة
في المغرب الجبار ذي الهيآت الماردة، صاحب الإهتمامات المتشعبة والمجهودات الكبيرة في رسم معالم دولة تتوسط العالم، دولة هي استثناء في كل شيء، هل تعرفون كيف نستشعر المغرب نحن المغاربة الرائعون؟ نقول:"المغرب أجمل دولة في العالم"، لكنه حقا أجمل دولة من وجهة نظر قرد، أليس "القرد في عين أمه غزال"، ملكية "دستورية" ذات ثوابت خاصة ليس كمثلها شيء، وهو كذلك بدون اية مبالغة، ليست كالملكيات الأخرى، هي ملكية مطبوعة بخصوصيات ثابتة حقا، لكنها أيضا ثابتة خارج التاريخ فقط، طابع ثباتها هو التخلف المركب ذي الميزات العجيبة حيث كل شيء فيها ينتقل بحمد الله، حتى لو كان انتقالا إلى الكارثة، حكومة منتخبة تنتقل من الصندوق السحري إلى البرلمان في إيحاء صوفي: هي حكومات تتأسس عندنا على حمد الله، تتفسح في حصانة خارقة توحي بكون كائناتها رجالات من نوع الملائكة، ديموقراطية ساحرة هي في انتقال دائم، ينتخب الناس عندنا في مذبح إلهي: ننتخب من يصلح قداسا للتعليمات السامية، كائنات إدارية هي اقبح الكائنات على وجه الأرض، دولة تفتخر بتاريخ مزور ومشوه على مستويات متعددة: الدولة الوحيدة التي تطمس معالمها التاريخية بدواعي اقتصادية بليدة كمرور طريق سيار على مدينة أثرية بأكملها دون أن يثير الأمر شيئا من التوجسات (1) بشكل يجعلنا دولة لها خصوصية أخرى فائقة، دولة تكره هويتها كرها شديدا: يبتديء التاريخ عندنا بدولة الأعتاب الشريفة، العلويون الشيعيون، وينتهي أيضا عند دولة الأعتاب الشريفة: العلويون السنيون، سبحان موحد القلوب! نحن شعب رائع متفتح على كل المذاهب، كم هي جميلة أكذوبة ابن خلدون: "الناس على دين ملوكها"، في المغرب، الملوك على دين شعوبها (حالة شاذة في المغرب)(2)، وحين يفرض التاريخ نفسه وتظهر معالم مدنية قديمة كانت مدفونة بمنطقة ما، فهي حتما في دراسة التاريخ ليست مغربية: هي رومانية، فينيقية، قوطية، أندلسية، برتقيزية، عربيةإسلامية: هي أي شيء آخر إلا أن تكون مغربية وكأننا نحن المغاربة لسنا هذه الحضارات كلها، لقد جاء الفتح الإسلامي ليطهرنا من كل هذه النجاسات التاريخية وأصبحنا دولة متميزة بطقوسها العجيبة، دولة ذات هرم طبقي خاص لا ينتمي إلى التاريخ الحديث: طبقة الأعتاب الشريفة، وطبقة خدام الأعتاب الشريفة، وبقياس خاص يمكن القول بأننا نمثل بشكل رائع مملكة النمل، وكل ما يخالف هذه الهرمية النملية فهو ضال ينتمي إلى ما قبل التاريخ الشريف أو مابعده لقدر الله. اما العنصر الأمازيغي الذي بحسب التاريخ الشريف، فهو صاحب حضارة الكهوف والغابات الموحشة، هذا العنصر الامازيغي، ليس من التاريخ الحديث سوى بقايا فلكلورية تمتع الناظرين. حديقة أو حدائق صغيرة للحيوانات: عتبة القبايل في الجزائر، مثلث سوس في الجنوب المغربي وكهوف اطلسية وريفية، وما تبقى من أرض الله الواسعة هو صرح أرض الشرفاء. في كل المؤسسات المغربية نتلمس هذه الهرمية النملية فالموظف الإداري عندنا مشحون بهذه النمطية من التقسيم حتى لو كان جروا صغيرا، فهو غريزيا خادم للأعتاب الشريفة وإداريا حيث يمارس خدماته الإجتماعية، يمارسها بوعي آخر يتجاوز مهمته المدنية، وبعبارة أخرى يمارس سلطة "الأعتاب الشريفة" فيما هو في التقسيم الهرمي عبد لها، وحتى السلوك اليومي لهذا الموظف ليعبر بجلاء عن هذه النمطية من خلال التعسف البيروقراطي: إضفاء المكانة السامية على شخصه من خلال الهندام والهيأة، تماطل في وظيفة العمل من خلال إبراز العلاقة الخدماتية في إطار عملية معقدة من التسلسل الوظيفي يريد بها فرض مكانته الوهمية من خلال التأويل القانوني أولا ومن خلال عرقلة تطبيق مسطرة القانون باللجوء إلى مسطرة الأعتاب الشريفة: "لدينا تعليمات خاصة"، إنه قانون خاص بخدام الأعتاب الشريفة، هو تلقي تعليمات فوقية تترفع على القانون الوضعي في الأغلب من الأحيان، وهي تعليمات تختزل سلم التسلسل الوظيفي، تتجاهل المسؤول الحقيقي عنها لتترسخ لدى المواطن في "الفوق"، تعليمات لها سطوة الأهمية الكبرى بحيث يصبح الموظف الجرو من حيث هو خادم للأعتاب، من حيث علاقته بالتعليمات الفوقية التي يتلقاها، يصبح في وهم المواطن سيدا كبيرا ذا أهمية كبيرة، تصبح شخصيته محورية من حيث تربط مستويات متعددة، فهو بالإنتماء الطبقي يحتفظ ببنية علاقته الإجتماعية في وسطه الطبقي وبانتمائه الوظيفي في إطار علاقته بالتعليمات يرتفع وهميا إلى طبقة أخرى ، هذه الجردان الصغيرة، الجميلة بهندامها هي ما تسمى عندنا بالطبقة المتوسطة. طبقة "التسليم لله" (قول ربما لا يفهمه القراء من المشرق)، ويبقى الأمر المطروح هو: هل بهذه العقلية هي متمدنة عندنا الطبقة المتوسطة حين تتعلق بالتعليمات السامية وتنسى ما يؤطر عملها، تنسى القانون الوضعي ويصبح كل من يخرج عن هذه القاعدة راديكالي محض (نتكلم عن الحد الأدنى من تطبيق ما سنته التشريعات الوضعية، وطبعا يمكن أن ندخل في جدل آخر فيه العلاقة مع الآخر هي علاقة اغتراب، فالقوانين التشريعية لها أصول فرنسية بحسب الفهم الفقهي القح ولا تصلح لخصوصيتنا العجيبة). والخلاصة الرائعة عندنا هي: يبطل القانون الوضعي حين يتصادم مع التعليمات السامية، تصبح الديموقراطية عندنا هكذا والفضل طبعا يعود لعلماء المغرب: في عهد الحسن الثاني كانت الديموقراطية ديموقراطية حسنية، في العهد الجديد، الديموقراطية محمدية، في المطاف الأخير هي ديموقراطية تتنقل في حركة ثابتة ايضا (خطوات ثابتة) من الحسن الثاني إلى محمد السادس، ويبقى غناء الاحزاب الوطنية المجيد الذين لايكذبون حسب العادة وكما ألفنا، هو غناء "الديموقراطية المتنقلة" او بوهج لبرالي أعمق في الدلالة: غناء "الإنتقال الديموقراطي"، أي أن هناك شيء ينتقل بالديموقراطي، هو في حقيقة الأمر زمن الهرولة إلى الإرتماء، تحول في الدفء، الإرتماء في الأحضان، في التنقل من حضن إلى آخر، من حضن الحسن الثاني إلى حضن محمد السادس، أغنية جميلة توهج الأشواق، أغنية البيعة بكل طقوسها العتيقة، بشكل نستطيع القول وبفخر ساطع، نستطيع أن نتكلم عن خصوصية مغربية رائعة أيضا هي: ديموقراطية البيعة.
(1)في بناء الطريق السيار المحادي لمدينة الرباط اكتشفت أثار مدينة وهمشت بالمرة، وفي منطقة طنجة اكتشف موقع آخر (أعمال حفر طريق أيضا) كان يمثل مركزا للتسويق وطمس هو الآخر للضرورة الطرقية (لا توجد تفاصيل لأنه طمس) (2)كل الدول التي حكمت المغرب فرضت مذهبها الديني إلا الدولة العلوية، تفسخت في السنة لحاجة الخصوصية
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العالم الآخر ممكن بالقوة وبالفعل ايضا
-
قنصليات البؤس: قنصلية ألميرية نموذجا 2
-
قنصليات البؤس: قنصلية ألميريا نموذجا
-
ثلاثة عشرة دقيقة للهبوط نحو الإنحطاط
-
ماريناليدا
-
وداعا لهوس الكتابة
-
ماركس في كتابات -الشلة- 2
-
ماركس في كتابات -الشلة-
-
أزمة عمال كوماريت
-
عمال كوماريت والخوصصة المستدامة
-
المغرب العنصري
-
مشروع سومونتي*
-
حول إشكالية العمل الضروري في إنتاج فائض القيمة
-
عودة إلى موضوع فائض القيمة
-
فائض القيمة في -زوبعة فنجان-
-
قليل من الحب
-
فاتخ ماي، وقضايا الشغل
-
نقض ماركسي يفقه كثيرا في الماركسية
-
رفقا بالشهداء الشيوعيين المغاربة
-
حول قضايا المرأة
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|