|
خروف إبراهيم الخرفان
سامي الذيب
(Sami Aldeeb)
الحوار المتمدن-العدد: 3888 - 2012 / 10 / 22 - 23:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في 26 أكتوبر من هذا العام يحتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى، والذي يوافق يوم 10 ذو الحجة. وهو ذكرى لقصة إبراهيم عندما أراد التضحية بولده فأستبدله الله بكبش. وبالفرنسية يطلق على هذا العيد إسم عيد الخروف fête du mouton. لنلقي نظرة على هذا الحدث.
تضحية البكر من البشر والحيوان --------------------- هناك إشارات في التوراة إلى عادة تضحية البكر من بشر أو حيوان: قدس لي كل بكر، كل فاتح رحم من بني إسرائيل، من الناس والبهائم، إنه لي (سفر الخروج 13 : 2). فائض بيدرك ومعصرتك لا تبطئ في تقريبه، وبكر بنيك تعطيني إياه (سفر الخروج 22 : 29). إني قد أخذت اللاويين من بني إسرائيل بدل كل بكر فاتح رحم من بني إسرائيل، فيكون اللاويون لي.لأن كل بكر هو لي، لأنه يوم ضربت كل بكر في أرض مصر، قدست لي كل بكر في إسرائيل، من البشر والبهائم، إنهم لي: أنا الرب (سفر العدد 3 : 12). وتذكر التوراة أن اليهود إستمرّوا على عادة حرق أبنائهم للآلهة. فقد أحرق الملك اليهودي آحاز إبنه «بالنار، على حسب قبائح الأمم» (سفر الملوك الثاني 3:16). وكان في القدس محرقة تدعى « تُوفَت» بوادي إبن هنوم، يحرق عليها اليهود بنيهم وبناتهم بالنار (سفر أرميا 31:7). وقد وبّخ على ذلك النبي حزقيال: «وأخذت أبناءك وبناتك الذين ولدتهم لي فذبحتهم لها [للتماثيل] طعاماً. أفكانت فواحشك أمراً يسيراً؟ انك ذبحت بني وسلّمتهم ليمرّوا في النار لأجلها» (سفر حزقيال 20:16-21) رغم توبيخ سفر التثنية: «لا تصنع هكذا نحو الرب إلهك، فإنها صنعت لآلهتها كل قبيحة يكرهها الله، حتّى أحرقت بنيها وبناتها بالنار لآلهتها» (سفر التثنية 13:12).
قصة استبدال الإبن البكر بكبش ------------------- نجد قصة تضيحة اراهيم لإبنه واستبداله بكبش في التوراة التي تقول: وكان بعد هذه الأحداث أن الله امتحن إبراهيم فقال له: يا إبراهيم. قال: هاءنذا .قال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، إسحق، وآمض إلى أرض الموريا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أريك .فبكر إبراهيم في الصباح وشد على حماره وأخذ معه آثنين من خدمه وإسحق ابنه وشقق حطبا للمحرقة، وقام ومضى إلى المكان الذي أراه الله إياه. وفي اليوم الثالث، رفع إبراهيم عينيه فرأى المكان من بعيد. فقال إبراهيم لخادميه: أمكثا أنتما ههنا مع الحمار، وأنا والصبي نمضي إلى هناك فنسجد ونعود إليكما .وأخذ إبراهيم حطب المحرقة وجعله على إسحق آبنه، وأخذ بيده النار والسكين وذهبا كلاهما معا. فكلم إسحق إبراهيم أباه قال: يا أبت. قال: هاءنذا، يا بني. قال: هذه النار والحطب، فأين الحمل للمحرقة؟ فقال إبراهيم: الله يرى لنفسه الحمل للمحرقة، يا بني ومضيا كلاهما معا. فلما وصلا إلى المكان الذي أراه الله إياه، بنى إبراهيم هناك المذبح ورتب الحطب وربط إسحق آبنه وجعله على المذبح فوق الحطب. ومد إبراهيم يده فأخذ السكين ليذبح آبنه. فناداه ملاك الرب من السماء قائلا: إبراهيم إبراهيم! قال: هاءنذا .قال: لا تمد يدك إلى الصبي ولا تفعل به شيئا، فإني الآن عرفت أنك متق لله، فلم تمسك عني آبنك وحيدك .فرفع إبراهيم عينيه ونظر، فإذا بكبش واحد عالق بقرنيه في دغل. فعمد إبراهيم إلى الكبش وأخذه وأصعده محرقة بدل ابنه (سفر التكوين 22 : 1-13).
ولنذكر هنا ما جاء في القرآن بهذا الخصوص فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (سورة الصافات 37 : 102-112)
ويلاحظ وفقا للنص التوراتي أن الذبيح هو اسحق أما القرآن فلا يذكر أي اسم ولكنه يشير إلى مولد اسحق في الآية 112 بعد التضحية. ويعتقد المسلمون أن الذبيح كان إسماعيل وليس اسحق.
الحيوان ضحية سفاهة الإنسان ------------------ هذه ليست المرة الأولى التي يباغتنا بها إبراهيم بتصرفاته الغريبة. فسفر التكوين يذكر في الفصل 17 انه رأى الله عندما كان عمره 99 سنة وأمره بأن يختن نفسه وجميع الذكور من أهل بيته بما فيهم العبيد. وقد نفذ إبراهيم هذا الأمر. وفي القصة المذكورة أعلاه، ظهر الله أيضا لإبراهيم وأمره أن يقدم ابنه ذبيحة، وكان مصمما على ذلك لولا أن الله قد تراجع عن طلبه في اللحظة الأخيرة فأستبدل الابن بكبش.
وتقديم الحيوان ضحية لإرضاء الله أمر شائع في العهد القديم. فقد قدم موسى لله يوم تدشين المذبح "اثنا عشر عجلا واثنا عشر كبشا واثنا عشر حملا حوليا مع تقدمتها، واثنا عشر تيسا من المعز لذبيحة الخطيئة. ومجموع ماشية الذبيحة السلامية أربعة وعشرون ثورا وستون كبشا وستون ليسا وستون حملا حوليا" (سفر العدد 7 : 87-88). وقد قدم اليهود يوم مسح سليمان ملكا ألف ثور وألف كبش وألف حمل (سفر أخبار الأيام الأول 29 : 21).
وفي سفر اللويين نصا بليغا في هذا المجال يقول: وإن خطئ زعيم فعمل سهوا واحدة مما نهى الرب إلهه عن فعله فأثم، أو إذا نبه على خطيئته التي خطئها، فليأت بقربانه تيسا من المعز ذكرا تاما. ويضع يده على رأسه ويذبح في موضع ذبح المحرقة أمام الرب: إنه ذبيحة خطيئة. فيأخذ الكاهن من دم ذبيحة الخطيئة بإصبعه ويجعل منه على قرون مذبح المحرقة، ويصب دمه عند أساس مذبح المحرقة. وكل شحمه يحرقه على المذبح كشحم الذبيحة السلامية، ويكفر عنه الكاهن خطيئته فيغفر له. وإن خطئ أحد من عامة الأرض سهوا وعمل واحدة مما نهى الرب عن فعله فأثم، أو إذا نبه على خطيئته التي خطئها، فليأت بقربانه عنزة من المعز تامة عن خطيئته التي خطئها. ويضع يده على رأس ذبيحة الخطيئة، ويذبح ذبيحة الخطيئة في موضع المحرقة. فيأخذ الكاهن من دمها بإصبعه ويجعل منه على قرون مذبح المحرقة، وسائر دمهـا يصبه عند أساس المذبح. وكل شحمها ينزعه كما ينزع الشحم من الذبيحة السلامية، ويحرقه الكاهن على المذبح رائحة رضى للرب، ويكفر الكاهن عنه فيغفر له. وإن كان القربان الذي أتى به حملا ذبيحة خطيئة، فليأت بها أنثى تامة. ويضع يده على رأس ذبيحة الخطيئة ويذبحها ذبيحة خطيئة في الموضع الذي تذبح فيه المحرقة. فيأخذ الكاهن من دم ذبيحة الخطيئة بإصبعه ويجعل منه على قرون مذبح المحرقة، وسائر دمها يصبه عند أساس المذبح. وكل شحمها ينزعه كما ينزع شحم حمل الذبيحة السلامية، ويحرقه الكاهن على المذبح، على الذبائح بالنار للرب، ويكفر الكاهن عنه خطيئته التي خطئها فيغفر له (سفر اللاويين 4 : 22-31).
الرحمة والعدل بدلا من الذبائح ------------------- وقد أكل الله من اللحم والدسم حتى سئم. وبدلا من الذبائح طالب بالرحمة والعدل. يقول النبي أشعيا: ما فائدتي من كثرة ذبائحكم يقول الرب؟ قد شبعت من محرقات الكباش وشحم المسمنات وأصبح دم الثيران والحملان والتيوس لا يرضيني. حين تأتون لتحضروا أمامي من الذي التمس هذه من أيديكم حتى تدوسوا دياري؟ لا تعودوا تأتوني بتقدمة باطلة إنما إحراق البخور قبيحة لدي. رأس الشهر والسبت والدعوة إلى الحفل لا أطيقها إنما هي إثم واحتفال. رؤوس شهوركم وأعياكم كرهتها نفسي صارت علي حملا وقد سئمت احتمالها. فحين تبسطون أيديكم أحجب عيني عنكم وإن أكثرتم من الصلاة لا أستمع لكم لأن أيديكم مملوءة من الدماء. فاغتسلوا وتطهروا وأزيلوا شر أعمالكم من أمام عيني وكفوا عن الإساءة . تعلموا الإحسان والتمسوا الحق قوموا الظالم وأنصفوا اليتيم وحاموا عن الأرملة (سفر أشعيا 1 : 10-13).
ويقول النبي ميخا: بماذا أتقدم إلى الرب وأنحني لله العلي؟ أبمحرقات أتقدم إليه وبعجول حولية؟ أيرضى الرب بألوف الكباش وربوات أنهار الزيت؟ أأبذل بكري عن معصيتي وثمرة بطني عن خطيئة نفسي؟ قد بين لك أيها الإنسان ما هو صالح وما يطلب منك الرب. إنما هو أن تجري الحكم وتحب الرحمة وتسير بتواضع مع إلهك (سفر ميخا 6 : 6-8)
إبراهيم الخرفان والعنف في المجتمع العربي والإسلامي ---------------------------------- لقد توارث المسلمون عن عادتين من أبشع العادات التي عرفتها البشرية: عادة الختان وعادة ذبح الحيوان. فكل عام يتم ختان الملايين من الأطفال لذكرى ختان إبراهيم، ويتم ذبح ملايين الخرفان لذكرى تضحية إبراهيم ابنه واستبداله بكبش. والأغرب من كل ذلك أنهم يعتبرون هذين الحدثين عيدا، بدلا من أن يعتبراهما يوم حداد، حداد على العقل المفقود. وقد تناقلت الأخبار أن الأخضر الإبراهيمي، مبعوث الأمم المتحدة، قد اقترح على السوريين وقفا للنار حتى يتمكنوا من ذبح الخروف ذكرا لإبراهيم الخرفان. ولكن يا ترى هل سيكف السوريون عن ذبح أخوتهم عندما ينتهون من ذبح الخرفان؟ ألن يشجعهم ذلك في استمرار المذابح واستباحة الأعراض؟
لا بد يوما من أن نتسلح بالشجاعة لكي نرى مدى تأثير هذين الحدثين الهمجيين على الاستخفاف بالدماء في مجتمعنا. فنحن نمارس العنف على أطفالنا بختناهم صغارا ثم نقوم بذبح الحيوان البريء أمام أعينهم. فندمغ في ذاكرتهم كل الحدثين بالدين فيصبح العنف وسفك الدماء جزء من ثقافتنا الدينية ونعتبر قتل الآخرين وسيلة للتقرب من الله ودخول جنته. هل هناك من عاقل يصرخ في مجتمعنا لكي يفيق من جنونه فيكف عن ختان الأطفال وذبح الحيوان لذكرى إبراهيم الخرفان؟
---------------------- يمكنكم تحميل كتابي ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic وطبعتي للقرآن بالتسلسل التاريخي مع المصادر اليهودية والمسيحية http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic اذا أردتم المناقشة أو وجدتم صعوبة في تحميل كتاب اكتبوا لي على عنواني التالي [email protected]
#سامي_الذيب (هاشتاغ)
Sami_Aldeeb#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسلسل جريمة الختان 87: الكبح الجنسي وحزام العفّة
-
مسلسل جريمة الختان 86: الختان وكبح النزوات الجنسيّة
-
مسلسل جريمة الختان 85: الختان والدين من وجهة علم الاجتماع
-
سامي الذيب، حدد موقفك
-
ما زرعناه في مدارسنا نجنيه اليوم حصرما مر المذاق
-
احتجاج من احد قرائي على مقالاتي اليومية عن الختان
-
مسلسل جريمة الختان 84: الختان علامة تمييز ومخالفة
-
مسلسل جريمة الختان 83: الختان وتأثير الثقافة الغالبة
-
مسلسل جريمة الختان 82: الختان والتأثير المهني
-
مسلسل جريمة الختان 81: الختان والتأثير الإجتماعي
-
لمن تكتب يا سامي؟
-
الختان: سؤال للقراء
-
مسلسل جريمة الختان 80: الختان والتأثير العائلي
-
مسلسل جريمة الختان 79: تحوّل الشذوذ الفردي إلى تصرّف جماعي ث
...
-
مسلسل جريمة الختان 78: وسائل معالجة بتر الذات الشاذّة
-
مسلسل جريمة الختان 77: لماذا يبتر الناس أنفسهم ولماذا ختن اب
...
-
مسلسل جريمة الختان 76: لماذا يبتر الناس أنفسهم (1)
-
مسلسل جريمة الختان 75: المعالجة الطبّية لآثار ختان الإناث
-
مسلسل جريمة الختان 74: آراء حول استعادة الغلفة
-
مسلسل جريمة الختان 73: كيف تستعيد غلفتك
المزيد.....
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|