أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي علي جبار المنصوري - الخيال والسرد والتناص في -جنة أبي العلاء-















المزيد.....



الخيال والسرد والتناص في -جنة أبي العلاء-


سامي علي جبار المنصوري

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 20:58
المحور: الادب والفن
    


ينتمي النص إلى فضاء معرفي بناه المؤلف على وفق أنساق من الخيال الإبداعي , فهو خزين معرفي تراثي معاصر , اتخذ السرد والتناص والوصف والنقد الساخر , ومزج تجربته الذاتية وثقافته النقديّة في تجنيس جمع موضوعية النقد وشعرية السيرة , وتداخلت الأجناس الأدبية فيه , بين سرد وشعر وثقافة وسيرة ذاتية , وقراءة معمقة لتراث المعرّي ولاسيما ( رسالة الغفران ) واستطاع أن يوظف شخصية أبي العلاء فأنزلها من الجنة إلى الأرض وبعثه مبصراً ليرى مع الشاعر المؤلف جوانب من أحوال المجتمع الغربي , ليتبادلا السرد المعرفي , فالمعري راوٍ عليم لإحوال الجنة على وفق خيال إبداعي , فيما يسرد المؤلف أحوال الأرض لينتقل من بيئة المنفى حيث يعيش المؤلف إلى أحوال العراق بلد الشاعر , سارداً بعض سلبيات الواقع الثقافي العربي وتناقضاته على وفق مايراه المؤلف .
إنّ فضاء الخيال استدعى دلالات العنوان وإيحاءاته , وتجليات السرد وفضاءه المعرفي ومضمون التناص واحالاته على أشكال من النقد الذي تداخلت فيه عناصر المفارقة والسخرية , والنقد الثقافي , وجوانبه الإجتماعية والسياسية .
فالفضاء الخيالي جعل المؤلف يبتكرْ شكل السرد واختيار التناص في تداعيات سيرة أبي العلاء وتبادل الأقنعة مع المؤلف ليؤدي كلاهما دور السارد العليم في نص يعد خزيناً معرفياً في ضوء إحالاته على الكتب والمواقف والتجارب تعيد إنتاج (رسالة الغفران) بمضمون ثقافي عصري .
عتبة النص :
يشكل العنوان العتبة التي يجتازها الملتقي إلى متن النص وهو المفاجأة الأولى التي تختزل الصورة المتخيلة للفضاء النصي بما ينطوي عليه من دلالات وعوالم ثقافية .
ويدخل العنوان في سلسلة من الوظائف التي تحدد شكل النص وعلاقته بالمتلقي وقد عرض د . خالد حسين (‏0) وظائف العنوان على النحو الآتي :
1 ــ الكاتب العنوان = الوظيفة المقصدية
2 ــ العنوان القارئ = الوظيفة التأثرية
3 ــ القارئ العنوان = الوظيفة التفكيكية
4 ــ العنوان النص = الوظيفة الانطولوجية + الوظيفة الاحالية.
5 – العنوان النص= الوظيفة الشعرية .
هذه المنظومة التفاعلية تؤكد المسار الذي يهيمن على العلاقة بين أطراف التلقي باعتبار أن النص مشاركة تبادلية لا يمكن فيها إقصاء أي طرف فكل جزء يعمل بمشاركة الأجزاء الأخرى لإعادة إنتاج النص على وفق مسار عملية التلقي .
وتستمد هذه الوظائف صيغتها التنظيرية من الناقد البنيوي (جيرار جينيت) الذي أعطى تصوره النقدي عن هذه الوظائف على النحو الآتي ( 2 ) :
1 ــ وظيفة تعيينية : من خلالها يعطي الكاتب إسماً للكاتب يميزه بين الكتب الأخرى .
2 ــ وظيفة وصفية : تتعلق بمضمون الكتاب أو بنوعه ,او بهما معا, أو ترتبط بالمضمون ارتباطاً غامضاً .
3 ــ وظيفة إيحائية : ترتهن بالطريقة أو الأسلوب الذي يعين العنوان به هذا الكتاب .
4 ــ وظيفة غرائبية : تسعى إلى إغراء القارئ باقتناء الكتاب أو بقراءته .

( 1 ) نظرية العنوان : 68
( 2 ) العنوان في الرواية العربية : 19 ــ 20
فضاء العنوان ( جنة أبي العلاء ) يحتجن المفارقة الأولى , فالعنوان يحيل إلى مفردتين في علاقة نحوية ( التضايف ) .
فالجنة فضاء مفتوح مزيج من الواقع والخيال . ففي الوقت الذي ندرك فيه فضاء الجنة كما في الموروث الديني , نحتاج فيه إلى شئ من الإدراك لمفردات تجمع تركيب الصورة الحقيقية المدركة بالاعتقاد الديني , تتراجع الصورة قليلاً حين تقترن بمفردة شخص أبي العلاء التي تحيلنا في عملية تناص مع ( رسالة الغفران ) .
إذ إن الإضافة هنا تمسك علينا الصورة الأولى لتحيلنا إلى فضاء آخر متخيل يرتبط بخيال إبداعي ينسج مفرداته من الواقع المتخيل الأول إلى واقع متخيل ابتكاري صنعه المؤلف عبر إحالة ضمنية إلى موروث أدبي , لتستحيل صورة الجنة الموروثة إلى صورة جنة متخيلة ( جنة أبي العلاء ) , وهنا تحدث المفارقة في إحالة الكاتب إلى مرجعية فنية لا إلى مرجعية دينية , ويحدث أول تناص بين عمل المؤلف واسترجاع شخصية الراوي الثاني في تحضير سردي لمشهد نصي.
هذا الاختراق الفني ينقل النص من فضاء إلى فضاء آخر , فالمتنن الحالي ينسج فضاءه من متن آخر ويحيله إلى شكل من الفضاء الفني المنتمي إلى الأدب العجائبي , ليكون شكلاً من أشكال كسر أفق المتلقي واستحضار الذهن إلى متن تركيبي يقوم على فضاء يتسع للموروث والمعاصرة والمفارقة الثانية أن المؤلف سيتوارى خلف شخصيته وموروث متخيل ليعيد انتاج النص السابق بمخيلة جديدة , فهي قراءة جديدة لنص قديم , ومحاولة ذكية لاستعادة أثر قديم بصياغة عصرية جديدة تعتمد على خيال مركب , ففي الوقت الذي يتوارى فيه الكاتب خلف شخصية تراثية كشخصية أبي العلاء , ونص احتمل كثيراً من التأويل كنص (رسالة الغفران) , ينهض المؤلف متكئاً على قدرته وخبرته وثقافته لينتج لنا أثراً جديداً يتناص مع الموروث القديم شكلاً ومضموناً , يعيد فيه صياغة المضامين والمفاهيم والأحداث والشخصيات بمنهج ثقافي تفكيكي انتقادي ساخر موظفاً الشعر والخيال السردي , متخذاً أبرز المقولات ( السائدة ) وسيلة للوصول إلى غايات رئيسة أهمها :
تقمص شخصية أبي العلاء في التواصل الفكري والثقافي بين الماضي والحاضر . واستدعاء (المنهج) في نقد مجمل الثوابت وتفكيكها بأساليب النقد المختلفة ومنها الثقافي واللغوي وإسقاط كثير من سلبيات الماضي على الحاضر الذي يعدّ امتدادا لنقد أبي العلاء الثقافي واللغوي .
وفي الإحالة بين ( تناص ) العنوان والمضمون نلمح طبيعة النقد الساخر والأسلوب النقدي التهكمي في تفكير المؤلف من تبادل الأقنعة بينه وبين الشخصية الساردة : شخصية أبي العلاء , إذ يمتزج الذاتي بالموضوعي , والتراثي بالمعاصر , والنقدي الموضوعي بالذاتي الشخصي , والمحلي بالعالمي .
ومن هنا تبرز وظيفة اللغة في كشف الفجوات بين النص واحالاته وفك شفراته عبر استنطاق النصوص الموازية كالمقابلات الشخصية وسيرة المؤلف لكشف ما سكت عنه المتن , فاللغة الشعرية تواري كثيراً من جوانب المسكوت عنه في عملية مثقافة مستمرة بين اللغة والمضامين , وتداخل اجناسي يظهر النص في مفارقة بين المتن والخيال السردي .












آليات السرد :
السرد في ( جنة أبي العلاء ) فاعل رئيس في ربط العنوان بالمسار النصي , فهو بناء فني يسبح في فضاء الخيال ويتواشج مع عتبة النص وينساب عبر تداعيات التناص , ويتوارى خلفه في كشف نوايا المؤلف ولغته النقدية بأسلوبها الساخر وقصديته في التواري عبر السرد لفضح أشكال السلبية والزيف وتداعيات المثاقفة الأجناسية المختلفة .
وقد ((عرف السرد في المعاجم تعريفات مختلفة : فهو قسم من الخطاب يشتمل على عرض أحداث وهو عرض مكتوب ومفصل لسلسلة من الأحداث في شكل أدبي , وهو أيضاً خطاب ( شفوي أو مكتوب ) يتميز بزمنية مدلوله واتسامه بالمآل ( وهو فضاء للوصف ) ) ( 3 ) .
والوصف ابرز سمات السرد إذ أنه (من الصعب تصور مقطع سردي خالٍ من العنصر الوصفي .. فالوصف خادم للسرد)(4).
وتمثل الشخصية في العملية السردية محوراً مهماً تؤدي وظيفة جوهرية في العمل السردي :
"لا تتمثل هذه الوظيفة في تقديم معارف ومعلومات قد لا تقتضيها حركة القصة , وإنما تتمثل في الإخبار اللازم لمتابعة السرد , أي هي ضرب من ضروب التفاعل الجدلي بين هاتين الأداتين القصصيتين , وفي هذا المعنى جاء في كتاب ( النص الوصفي ) أن الوصف في جميع القصص يضطلع بوظيفة إخبارية أزاء السرد بقدر ما يضطلع السرد بوظيفة إخبارية أزاءه "(5)

يعتمد السرد في (جنة ابي العلاء) على شخصيتين محوريتين : احداهما شخصية المؤلف, وهو الراوي الذي يتشاطرالظهور والتخفي وراء الشخصية المحورية الثانية شخصية ابي العلاء.
فالسرد كله يكاد يكون منقسما على نوعين احدهما التناص الفني مع رسالة الغفران وسيرة ابي العلاء الانتقادية الساخرة, وثقافته اللغوية والادبية والاجتماعية المعروفة من خلال شعره ومؤلفاته, اما الجانب الاخر من السرد فهو كشف لما يراه المؤلف من مثاقفة وتداخل أجناسي بين النثر والشعر وقد ابتكر المؤلف اسلوب الحوار تارة على لسان ضيفه ابي العلاء وتارة على لسانه.
ان صورة ابي العلاء مزيج من مكونات الواقع والخيال ففي هذا النص شخصية مواربة لشخصية المؤلف تستنجد به ويستنجد بها تحاوره ويحاورها, يذكرها. وتذكره تتماهى به ويتماها بها, هما شخصيتان متكاملتان وليستا منفصلتين فهما محور السرد وآليته فالاحداث تتداعى وتتكامل وتتفكك بينهما فلا وجود لظل احدهما, فكلاهما اصل وكلاهما ظل.
اما زمان السرد فهو يتجاوز زمن (رسالة الغفران), فالازمنة تبدأ مع شخصيات الجاهلية واغلبهم شعراء ويستغرق الزمن كل العصور وحتى زمن الشاعر المعاصر يبقى مفتوحا لأن الاحداث لم تنته بعد.
اما زمن النص السردي فهو مكون من نهار وليلة ليتجه زمن السرد تارة الى الماضي وامتداداته والى الحاضر وتداعياته.
واذا كان السرد يدخل في تناص مع (رسالة الغفران) فهو على مستوى الزمن يستعيد بعض آلياته من نوعين من الموروث السردي احدهما : بناء الليالي في (الف ليلة وليلة) وصورة التقطيع الفني واللغوي في اسلوب (المقامات).
وعلى طريقة المقامات يتكون زمن السرد من (نهار وليلة)



( 3 ) علم السرد : 213
( 4 ) بناء الرواية : 83 وينظر : التحليل البنيوي للرواية : 288
( 5 ) علم السرد : 353

"عندما انتصف الليل, ونام الاهل وكاد الصمت ان يبعث حتى الميت , فإذا بشيخ يقف امامي كملاك هابط من السماء , بلحية بيضاء , وعصا سوداء,)) بهذا الاسلوب (المقامي) يبدأ السرد .. ليتوقف عند لازمة اشبه بما يعرف في البلاغة بـ (حسن التخلص) " قال انا صاحب الكتاب الذي بين يديك" في احالة تناصية على (رسالة الغفران) ثم مفتاح اخر " ولكن لماذا وقع اختيارك علي؟"
وجواب ابي العلاء "انما هي قصيدة كتبتها فأعجبتني"
واخيرا الكشف عن الجانب القصدي في اختيار العنوان وآلية السرد " اولم يحمل القادمون قصائد اخرى لغيري! قال اجل ولكنني وجدت اغلبها الى التظاهر اقرب والتمحل انسب..(6)
فالمدخل الذي استعار شكل الليالي في عنوانه (االليلةالاولى) ولغة (المقامة) في طريقة السجع البلاغي , واحالته على الشكل التناصي في (رسالة الغفران) ومؤلفه الذي سيشارك في السرد , (ابي العلاء المعري), والتداخل الاجناسي في الاحالة على (نص) قصيدة المؤلف (يا ابا العلاء) ثم ورود اول اشارة الى طريقة المؤلف النقدية الساخرة .. كل ذلك يعد انتقالة من العنوان الى المتن بما يعرف في البلاغة بـ (حسن التخلص) مما يسوغ الدخول الى متى االنص السردي.
ونلمح اول تداخل نصي بين (رسالة الغفران) و (جنة ابي العلاء) في خطاب المؤلف لأبي العلاء بـ (ياابت) كناية عن التواصل بين التراث والمعاصرة.
فالخيال السردي يبدأ تشكيله عبر تناغم الشخصيتين في علاقة حميمية تربط الابن مع الاب والنص السارد بأحد مكونات الشخصية (النص الشعري) المحتفي بشخص الضيف (ابي العلاء)
المفتاح الذي يبتدئ فيه السرد هو حضور ابي العلاء من خلال (رسالة الغفران) وحضور المؤلف عبر نص الشعري, وقد استدعى خياله حضور ابي العلاء من (الجنة) الى الارض ليتبادل لغة الاقنعة مع المؤلف.
وهكذا اصبحت شخصية ابي العلاء لها حضوران : حضور تراثي عبر (رسالة الغفران) وحضور نصي عبر نص المؤلف الشعري, فحضور ابي العلاء المعنوي استدعى حضوره الجسدي.
وهكذا يمكن القول ان حضور شخصية ابي العلاء لها محوران:
افقي عبر نص المؤلف الشعري ونص (رسالة الغفران), وعمودي بإنزاله من الجنة الى الارض, ولم يكتف بأحضاره جسديا , بل بعثه مبصرا ليشاركه رؤية الواقع في مكوناته الارضية بعد ان كان روحا في مكوناته السماوية.

ابو العلاء


النص التراثي (رسالة الغفران) النص الشعري قصيدة عبد
(نثر) الكريم كاصد : يا ابا العلاء
ابو العلاء (شعر)
عبد الكريم كاصد
(جنة ابي العلاء)
نثر / شعر





( 6 ) جنة أبي العلاء : 5 , 6 , 7

ان الجنه التي اختارها المؤلف في علاقة التضايف مع ابي العلاء . تجعل المكان مزيجا من الخيال والواقع فالنص يحيل كثيرا على (رسالة الغفران) ولكنه في منظور الخيال الابداعي للمؤلف, وهو يستعيد بعض جزئياته في الكلام على احوال الشعراء كالحطيئة والخنساء وامرئ القيس وابي ذؤيب الهذلي والمتنبي والمتصوفة كالحلاج وابي زيد البسطامي وابن عربي بمشاركة شعراء معاصرين كالجواهري والبياتي والسياب وصلاح عبد الصبور .
وهو يعتمد في رسم الشخصيات على اسلوب المفارقة والسخرية في نقد متواصل بأجتزاء حالات معينة, عبر سؤلات متواصلة يوجهها المؤلف الى المعري: الحطيئة منزو في الجنة والخنساء تذرف الدمع على اخيها صخر حتى يكون معها في الجنة, والمتنبي مشغول بموته, وامرؤ القيس مازال بعبثه مع صويحباته اللآتي تحولن الى حوريات..
وعدي بن زيد العبادي مازال عاجزا عن وصف الخيل كما تنقل كتب النقد عن الاصمعي (ص36), والخليل تارة تنشد الحوريات بعض شعره,ص(9-10) وتارة مع الاصمعي والاخفش يعلم شعراء الفرنجة العربية.
اما البياتي فهو على صورته لا يكلم احدا ولايكلمه احد ومازال مع خلافه مع الجواهري الذي يلقي احتفاءا في الجنة ويصبح في موكب امرئ القيس, والسياب لايفارق نهره.(بويب) وصلاح عبد الصبور مازال من مريدي الحلاج.
شخصيات الشعراء هي الاكثر حضورا في نص (جنة ابي العلاء) السردي, وحضورها في الجنة امتداد لحضورها في الارض فأختيار اللحظات الاكثر تأثيرا يوجه مسار النص نحو خلفية المؤلف الثقافية وهي مزيج من خبرته التراثية ومعايشته الحياتية.
ويمثل الخيال والوصف دورين بارزين في رسم الشخصيات وسرد الاحداث عبر تواصل مستمر بين الماضي والحاضر. وتجري آليات الوصف السردي على وفق نسق مستعار من بناء القصيدة مما عرف بـ (حسن التخلص) اذ يتم ربط الموضوعات على شكل تعاقب احداث وصور ترتبط بحلقات توصل بعضها ببعض.
فعلى ذكر الحديث عن الحيوانات في الجنة حديث عن الحمير ووصفها بأنها حيوانات وادعة لأنها لم تؤذ احدا ويقارنها بمنظر الشعراء فهم يسيرون مطأطي الرؤوس ثم ينتقل الى جنس ادبي اخر وهو ترجمة الشعر فيأتي على ذكر قصيدة لشاعر فرنسي اسمه فرنسيس جام له قصيدة بعنوان (صلاة من اجل الذهاب الى الجنة مع الحمير) ص20 وعرض نصا مترجما لهذا الشاعر مع نقد لسياسة الترجمة.وكيف انها تهمل المغمورين مع اجادتهم في الشعر ,فتخلص من ذكر الحمير الى الترجمة,واستطرد الى اهمال المعري لذكر الحمير في كتبه مع اهتمامه بالحيوان كالحمامة والديك والثعلب والاسد والنمل والغراب والذئب والبغل وكأن المؤلف في موضع رصد اسلوبي لأدب المعري.
وتكون هذه الفقرة حلقة للأنتقال الى الشيخ عبد الله العلايلي الذي جعل المعري واقعا تحت تأثير الجاحظ (7) لينتقل الى نص آخر للعلايلي يصف فيه فلسفة المعري بأنها تنحو نحو وحدة الموجود لاوحدة الوجود ويفسرها بقوله "معناها ان الموجود الذي معنى فساده في تكثره يتحرك الى توحد موجوديته بالله وليس يتحرك الى وحدة وجوده بالله "(8) فيرد المعري: لم افهم ما يقصد هذا الشيخ.
ويجيبه المؤلف: ولا انا! .




( 7 ) جنة أبي العلاء : 23 ـ والمعري ذلك المجهول :
( 8 ) جنة أبي العلاء : والمعري ذلك المجهول : 153 ــ 154
وينتهي في ذكر الحيوانات الى مقطع من شعر المؤلف في الثعلب ثم يأتي على ذكر مناظرة جرت بين المعري وداعي الدعاة ابي نصر هبة الله بن عمران ذكرها ياقوت في (معجم الادباء) وعلى ذكر السياب ونهر بويب ينتقل الى نهر قويق الذي ورد في شعر المعري وفي رسالتيه (الغفران) و (الصاهل والشاحج) ويحيله ذلك الى ذكر الضفادع والاسماك في هذا النهر وذكر الضفادع في شعر المعري ,ويأتي على مقطع من مقصورة الجواهري في وصف الضفادع.
وهكذا تجد السرد عبارة عن سلسلة من الاحداث والانتقالات من حسن التخلص الى الاستطراد.. وقد يترك الحدث بعض الشيئ ليعود اليه مرة اخرى في موضوع اخر.
فذكر رامبو يحيله الى ترجمة خليل خوري قصائده ولكنه يجتزئ نصا ترجمه خوري بعنوان (ديمقراطية) ويضع عنوانا اخر له بـ (الشورى) ليستطرد قائلا "شارحا هذه اللفظة بلفظة اخرى بـ (الشورى) وكأنني من اعوان ابن حنبل" لينتقل الى ربط الترجمة بالوضع السياسي في العراق .. ولكنه يؤجل الاجابة عن سؤال المعري عن معرفة المؤلف بخليل خوري الى وقت آخر .. فيذكر كيف التقاه في جامعة دمشق ايام دراسته الفلسفة وكيف دعاه خوري للعودة الى بلده, لكن المؤلف حين التقى خليلا في احد المرابد بالعراق لم يرد على خوري: ماذا تفعل هنا .. عد الى بلدك, لأنه يعلم ان خليل خوري مثل المؤلف اصبح بلا بلد لكنه يختم المشهد بصوره منقولة عن (احد السجناء الذين التقوا خليل خوري في سجن النظام) وهو موضع سخرية السجان والسجناء؟
يقول المعري واصفا خليل خوري (وقد لبس قناع المؤلف) "حين وصل خليل الجنة لم اتعرف عليه اول الامر , ولكنه لم يلفت انتباهك بوجهه الشاحب وعينيه الحمراوين من اثر سكر قديم ونحافة غريبة"..
ولاينسى المؤلف التخلص من ذكر الحمير ان يعرج على وضعه وسيرته الذاتية , فحين يصطحب المعري في الباص لرؤية احياء لندن, يقارن وضع الباص بوضع انتقاله على جمل في الصحراء بين البصرة والكويت. " كنت اشعر بآلام الخاصرة كأنه قدح حصى" احيانا كنا نفضل المشي جوار الجمال على ركوبها لنريح الخاصرة من الالام ص 39 ليعود مرة ثانية في حديثه عن د.حسن البياتي "هذا النظّام الشتّام سليل ازقة بغداد كان يمالئ السلطة حين كنت اقطع الصحراء على جمل ص55.
لاشك في ان الوصف والسرد يتعاقبان في عرض الاحداث وعلاقتها بالشخصيات وسلوكياتها رابطا الاحداث عبر سلسلة من (حسن التخلص) وفارشا ساحات لها عبر الاستطراد وذكر الشيئ بالشيئ.














اغراض السرد وغاياته:
ان سرد الاحداث ووصف الشخصيات يسير عبر قناتين الاولى: النقد الذي وظفه المؤلف عبر تناص (جنة ابي العلاء) مع (رسالة الغفران) و(اللزوميات) لأبي العلاء.
والثانية طبيعة المؤلف الحادة في اقتناص اشد الاوضاع حساسية لعرضها على المتلقي ومن ثم امتزاج الذاتي بالموضوعي في سرد الاحداث. وعبر هاتين القناتين تتكشف اغراض السرد وغاياته واهمها:
1- طابع النقد والسخرية والتهكم:
ينطوي السرد على شكل من النقد يتصف بالحدة والصرامة متخذا طابع السخرية والتهكم من خلال مفارقات شخصية وانطباعات خاصة قد تصل الى اسقاط الشخصية لموقف معين ودون الالتفات الى الحالات الايجابية على كثرتها.
وتسهم اللغة في بيان جوانب السخرية بما تتيح للمؤلف استثمار المفردة في خلخلة الصورة وتفكيك خلفياتها الفكرية والاجتماعية.
وعلى طريقته التي اشرنا اليها يوزع النقد على اكثر من حدث, فأدونيس وعبد المعطي حجازي يؤول اسماهما الى افتقار معنوي . فأدونيس يوحي بأنه اسم افرنجي يؤول الى اللغة التي يكتب فيها , وتحدث المفارقة بين الاسم والدلالة فغربة الاسم تعني غربة اللغة التي يكتب فيها.اما عبد المعطي فأسم بلا مسمى اذ هو لاعطاء له, وصلاح فضل يدعي الفضل ولكنه يوظف نقده في تحكيم اسوأ مسابقه شعرية لكسب المال. اما جابر العصفور فهو لخفته كالعصفور ينتقل بين الجوائز. وحسن البياتي ليس له غير الاسم فهو اقبح القبيح , شتام نظام يمالئ السلطة.
وعلى مستوى النقد الثقافي يوظف المؤلف سخريته من محمد النويهي ويختار له وصف الفلاح المتخلف , ولم ينج السياب من هذا الوصف وكأن وصف (الفلاح) سبة وليس مستوى اجتماعيا ولا ادري كيف سمح انتماء المؤلف الى الشيوعية بتوظيف المستوى الاقتصادي ليكون مثار سخرية في وضع يقتضي نقد الفكر وليس الانتماء , مع علمنا ان النويهي ليس بالسيئ وان كان المؤلف اخذ عليه نقده للجواهري في احد المرابد او تأليف كتاب عن ابن الرومي, في حين يشرك المؤلف ناقدا اخر بالسخرية بسبب مدحه للنويهي فالدكتور احسان عباس الف كتابا عنوانه (غربة الراعي) انتقد فيه ناقدا سودانيا (رصينا) بنظر المؤلف ومدح النويهي مما استدعى سخرية المؤلف مسقطا كل تراث احسان عباس وتعدد ثقافته والسخرية تنال صبري حافظ وغيره دون تحليل لشكل الزاوية التي ينظر منها المؤلف.
ولعل اشد انواع النقد الساخر هو الموجه الى ادونيس وعبد الله الغذامي. فأدونيس "شيخ المحدثين والمجددين.الشاعر المستغرب المستعرب . انتهى به البحث في مديح شيخ المتخلفين من وهابية العصر ومن يذكره بذلك ينعته بالتخلف مستخدما العقل وكأن العقل دابة له وحده يسوقها كما يشاء".ص80
ومن هنا اكتملت صورة ادونيس في ربط الدال بالمدلول فاسمه ومؤلفاته اصبحت موضع سخرية, واذا كنا نتفق مع المؤلف في جانب من نقده, فان مضمون النقد الاحادي الجانب يشاركه فيه خصومه من السلفيين الذين الف فيه كاتب سعودي كتابا في السخرية من كل اشكال ألحداثة فيمثله أدونيس* ويشاركه فيه د.عبدالله الغذامي الذي نقد ادونيس في تخصيص كتاب عن محمد بن عبد الوهاب (9) لكن المؤلف كما أسقط ادونيس يسقط الغذامي مختارا له زاوية محددة دون الاكتراث بجوانبه الايجابية الاخرى, يقول المؤلف عن الغذامي ص80 "اما الاخر فهو ينطبق عليه بحق لفظ الافندي وقد خلع عباءة البداوة ليرطن ببعض مصطلحات حديثة ناعتا نقده بالثقافي"
وربما تذكرنا سخرية المؤلف بسخرية الآمدي في الموازنة حين اختار بضعة امثلة من شعر ابي تمام ليطلب من القارئ ان يضحك ويسخر من ابي تمام , يقول المؤلف على لسان المعري ناقدا شعر نزار قباني "او قصيدة اخرى اضحكت شعراء الجنة قاطبة اسمها (حبلى) ولاسيما بشار بن برد الذي قابل انشاد وشعره بالقهقهات فلم تنقطع حتى انقطع نزار عن القراءة"ص51


( 9 ) ينظر نقد الغذامي لأدونيس في العدد الخاص من مجلة فصول الخاص بالظاهرة الأدونيسية المجلد 16 العدد الثاني - خريف - 1997 ص 9-16
* ينظر كتاب (الحداثة في ميزان الاسلام) عوض بن محمد القرني – هجر للطباعة – السعودية 1988.

واذا كان المؤلف انتقد عبد الوهاب البياتي ووصفه بالانكفاء في احد زوايا الجنة بسبب نقده الاخرين فإن سخرية المؤلف قد لاتختلف كثيرا عن هذا السلوك, فقوله عن ادونيس انتهى به المطاف..استعملها البياتي في وصف نازك الملائكة في مقابلة معه في بمجلة (الاسبوع العربي) بأنها انتهى بها المطاف معلمة في الكويت ..!! ولم تكن معلمة بل استاذة جامعية!!

لاشك في ان للسخرية دوافعها وغاياتها وكثيرا ماادت ادوارا ايجابية في الاصلاح السياسي والاجتماعي, ولكنها في الوقت نفسه تصبح مادة للتحليل النفسي ان كانت لاتبحث الا عن اوجه النقص وحين تتحول من مادة للأصلاح الى مادة للانتقاص(10) ولعل ظهور جانب التشويه في الدلالة واتخاذ ذلك سبيلا للتقليل من الاخرهو شكل من اشكال العلاقة السلبية بين المتعاصرين والمتنافسـين وهو وجه من وجوه النقد السياسي الذي يراد به اسـقاط الخصم بشتى الوسائل (11)
وكان تأثر المؤلف برسالة الغفران(12) احد اسباب اتخاذ النقد الساخر ولكن هذا لايمنع من ادخال عنصر الشخصية في الحكم وقد يكون اثرا من الشعور بالتعالي ولاسيما في جانب النقد الثقافي او يكون احد وجوه المعايشة واحتكاك المؤلف بمعاصريه وغير ذلك.
ويتوزع النقد الساخر في (جنة ابي العلاء) على صنوف من الاجناس الادبية فشعر نزار قباني "شعر لايقوله غير السوقة.." ص50 وكذلك على النقد الموجه الى احسان عباس وجابر عصفور وصلاح فضل وصادق جلال العظم, وعلى الترجمة كما في ترجمة حسن عثمان (الكوميديا الالهية) لدانتي ففيه "لغة انشائية .. مترجمنا المأخوذ المعطل العقل عن النقد" ص52 وعلى مترجم الشعر كما عند من ترجم قصائد لأليوت " هذا الناقد مع جهله بأبسط قواعد الترجمة يدعي انه ضالع بالحداثة واهلها وربما كان المقصود "رشاد رشدي او صبري حافظ وغيره, وفي نقده ترجمة خليل خوري لأشعار رامبو يقول المؤلف ص30 :"قرأ لي في الحقيقة قصيدة لارأس لها ولاذنب وحين رآني اهز رأسي دون ان يفهم القصد , اعتذر ايضا , فقلت له: ياخليل لاتكلف نفسك مالاتطيق" فالمؤلف في الغالب لم يذكر الاسماء لكننا استعنا بالقرائن والمؤلفات في كشفها فغالبا مايذكر قرينه تدل على من ينتقده مثل كتاب (غربة الراعي) او (النقد الثقافي) او صاحب مجلة (الكلمة) وغير ذلك .. وربما صرح بالأسماء في مقابلاته المجموعة * او في كتاب (غبار الترجمة) وغير ذلك.
ولعل اشد عبارات السخرية ماقاله في احدهم ص54 "ولعل اشد اخطائه شناعة وجهلا وباعثا على الهزء" وقوله ص55 "ولو تصفحت كتبه لرأيت السفاهة والجهل على اوضح مايكونان"
وفي النقد مجال للموازنة بين الحسنات والاخطاء وبين الهفوات والإجادة ولكن المؤلف يركز علىى جوانب معينة ليفرغ في نقده شتى الالفاظ التي لاتبني ثقافة بديلة عن أساءتنا الظن في الثقافة السائدة







( 10 ) ينظر في ذلك : السخرية في الأدب العربي : 16
( 11 ) السخرية السياسية العربية : 26
( 12 ) ينظر : السخرية في رسالة الغفران ضمن كتاب ( السخرية في الأدب العربي ) ص 249 ــ 257
*ينظر (عبد الكريم كاصد) من (الحقائب) الى (رقعة الشطرنج) - حوارات مع الشاعر جمعها عبد الباقي فرج – دار تموز – دمشق - 2011




واشد انواع السخرية ذلك النقد الذي وجهه المؤلف لشاعر يلتقي معه في التوجه السياسي والشعر فضلا عن كونه استاذا اكاديميا وهو د.حسن البياتي واذا قلنا ان البادئ اظلم فقد كان البياتي سباقا في هجاء المؤلف بأبيات هي اقرب الى النظم يقول المؤلف ص55 في رده هجاء البياتي "اما بالنسبة الى الشعراء فقد فقد خلت المدينة منهم بعد رحيلهم ولم يبق منهم غير نظام شتام بخيل لا في العير ولا في النفير ,أعمى العينين والقلب , لا هم له سوى جمع المال ومصاهرة اعوان الجلادين والكذب على الفرنجة .. يروي هذا الاعمى الدجال المسمى حسنا وهو القبيح القبيح ان عينه ذهبت عندما كان في مرحاض ولكي يخفف من وقع هذه اللفظة استبدلها بلفظة (حمام) (13).."
ولا شك في ان هذا النقد وهذه السخرية لاتتعلق بالبياتي شاعرا وأكاديميا بقدر تتعلق به شخصا أختزل في موقف محدد, على الرغم مماعرف به البياتي من موقف ايديولوجي يجمعه بالمؤلف!
ويوجه نقده الى مواقف شعراء السلطة متنقلا من نقده شعر خليل خوري ص36 "وليس هذا بملمح خاص بخليل وحده فأنت تجده لدى شعراء عديدين ولاسيما شعراء السلطة من حزبيين وغير حزبيين".
لكن هذا الموقف السياسي يحيلنا الى موقف اخر ينتقص من الشخص بسبب انتمائه الطبقي والمؤلف ادرى بأن الايديولوجية التي ينتمي اليها تخالفه الرأي, فهو حين يصف النويهي بأنه فلاح متخلف, ويقول عن السياب "لولا الشعر لظل فلاحا متعلما او متعلما فلاحا لايعرف من دنياه غير بيته او المقهى ص59. يجعل السخرية غير ذات جدوى فما بالنا نبحث عن الاصل وقد وصل السياب الى ذروة مجده الشعري,ولم يعد فلاحا, وهبه كذلك فالشعر لا يعرف المهن والانتماءات الطبقية, الم يكن الخبزارزي شاعرا؟ وكم من الحرفيين كابن دانيال الكحال والجزار وعشرات غيرهم كانوا شعراء.










( 13 ) ينظر(وجوه بصرية) : شعر حسن البياتي ص49ونص هجائه :
كنت ارجو ان ارى في محنتي فيك خدينا طيب الفلب فخيبت الامل
ايها القائل ودا عمدته امنا البصرة فكرا وعمل.
لاتردد مرة اخرى (قفا نبك) اذا لم تزدرد – منحسرا رأس بصل.
اذرف الدمع وحيدا واسأل الغفران ان كنت اصيلا
ذا مثل :
وهو كلام اقرب الى النظم بلا شك !
ويرد عليه المؤلف شعرا في جنة ابي العلاء ص56 قائلا:
قال الجاحظ :
ان فلانا ذهبت عينه يوم الطف
وفلانا ذهبت عينه يوم اليرموك
وفلانا ذهبت عينه يوم الجفرة بالبصرة.
لكن
لم نسمع يا اقبح حسن
ان فلانا ذهبت عينه في مرحاض
ولا شك في ان وصف المؤلف الشاعر سعدي يوسف بأنه "شيخ طاعن يحارب طواحين الهواء" وماذكرناه من نقد الآمدي ومواقف الشاعر عبد الوهاب البياتي تعطينا صورة من ان النقد الشخصي لايتجاوز موقف الناقد لأنه لايتعلق بالادب بقدر مايتعلق بالمواقف الشخصية وهو امر خارج عن سياق الابداع الفني.
العصور المتأخرة ممن اصبح شعرهم وثائق اجتماعية فضلا عن فنيته ومادة لرسائل وكتب بل فضله دارسون لأنه كان اصدق في التعبير غير الواقع (14)
وعد النقد الساخر هنا مفاصل نقدية تناولت التاريخ الاسلامي ونقد بعض روايات الحديث واستعان المؤلف بصحيح البخاري وشرح نهج البلاغة وتاريخ الطبري وغير ذلك في ايراد بعض الروايات التاريخية ونقدها.
وثمة جوانب ايجابية ربما تعود الى ذوق المؤلف في معرفة الشعر وسيرورته ففي اشارة الى موقف رضوان حارس الجنة من الشعر الحر وشعر البياتي نفسه, نجده يورد ابياتا شعرية للخليل تغنيها حوريات الجنة وتنشد شعرا واضحا في (التلبية) لأبي نواس ممايؤكد ان الشعر الاخلاقي هو الاكثر سيرورة في الجنة.

2- السيرة الشخصية :
يعد السرد في (جنة ابي العلاء) وسيلة من وسائل المؤلف لعرض سيرة المؤلف من خلال ذكر معاناته في بلده وهجرته الى بلاد المنفى مرورا ببعض البلدان العربية, وذكر دراسته الجامعية, وعلاقته ببعض الشخصيات كالبياتي وخليل خوري وعلي الجندي.
وعبر السيرة السردية تتجلى ثقافة المؤلف شاعرا ومترجما من خلال ايراد مقاطع من شعره المؤلف والمترجم, فهو مثقف متعدد الاتجاهات يعرض محصوله الثقافي والنقدي وقراءاته من خلال ذكر المؤلفات امثال معجم الادباء والشخصية المحمدية وشرح نهج البلاغة وعصر السريالية وغربة الراعي وكنت شيوعيا .. فضلا عن مؤلفات المعري كرسالة الغفران واللزوميات ورسالة الملائكة والصاهل والشاحج وغيرذلك.

3- الوصف :
يقترن السرد بالوصف في جنة ابي العلاء فهو يورد خصائص الشخصيات في وصف دقيق فثمة وصف لشخصية خليل خوري وابي نواس والسياب ,فأبو نواس "حسن الوجه, رقيق اللون, ابيض, حلو الشمائل, حسن الجسم, وكان ألثغ على الراء, يجعلها غينا, وكان نحيفا في حلقه بحة لا تفارقه" .ص49
اما السياب "فهو يحب الماء الذي كان يتردد في شعره نهرا اوغيمة او زرعا فقد يعوض الماء عن جفاف حياته القصيرة التي لم تشهد خصبا قط".ص59
واغرب من ذلك وصفه الحمير في الجنة "انهم يسيرون مطأطئي الرؤوس, مطرقين كالشعراء وقد ارتسم الحزن على وجوههم لايكترثون للرائح والغادي ونادرا مايحدثون راكبهم" ص19 ويضيف "لأنها لم تسئ لأحد , ولم ترتكب معصية او حماقة وهي الى الوداعة اقرب ولعلها اقرب المخلوقات الى الاطفال", ص19
ووصف العبور على السراط واهواله ص9 فهو يصف حال الشعراء في الجنة ونسيانهم الشعر الذي قالوه في العاجلة "كيف لا ينسون وقد رأوا من الاهوال مايشيب لهم الولدان بعد ذلك الحساب العسير والوقفة التي ترتج لها حتى الافلاك, وبعد ذلك العذاب الذي وقع لهم قبل مجيئهم الجنة, ولعل أخف الاسباب عبور السراط الذي يكاد يكون مستحيلا ... تعبره فتخال نفسك تسير فوق هوة لاقرار لها وانت تهتز ذات اليمين وذات الشمال, لاتدري ألك رأس حقا او قدمان؟"
( 14 ) ينظر كتاب د.عبد اللطيف الراوي (المجتمع العراقي في شعر القرن الرابع الهجري) مكتبة النهضة – بغداد - 1972 وكتاب ( ادب الحرف).
اما شعراء بني عذرة فحالهم يخالف ماكانوا عليه في الارض "لقد جعلهم كثرة الأكل بطينين متكئين على الارائك مسرفين في لهوهم,مثلما اسرفوا في وجدهم من قبل, وبدوا وكأن لم يكتبوا الشعر يوما وقد نسوه" ص69
اما وصف مايحيط بمنزل المؤلف في لندن فجاء على النحو الآتي "سكارى يأتون في الليل, مراهقون عابثون, امرأة ترفع الهاتف وتحدث نفسها وكأنها تحدث شخصا آخر, ثم تخرج من كشك الهاتف محتدمة لتعود اليه بعد قليل, تراها فتنسى ضيقك بضجيج الساحة وتشعر بالاشفاق على البشر" ص73
ان الوصف يسير مع السرد لتحقيق غرض مهم لدى المؤلف في التقليل من حدة السرد لأضفاء مسحة شعرية على النص بما يجعله بعيدا عن التجنيس التقليدي فضلا عن نصوص الشعر من القديم والحديث التي تنقل القارئ من الاحداث المباشرة وحدة النقد الساخر الى جو من الشعرية بما تضيفه من خيال وسعة أفق.

4- النقد اللغوي
يعد النقد اللغوي في ( جنة ابي العلاء ) اثرا من آثار (رسالة الغفران) خاصة والمعري بصورة عامة. ويتداخل النقد اللغوي في حوار الشخصيتين بما يؤول الى انطباعات المؤلف عن قيمة النص من الناحية اللغوية واثر الظواهر اللغوية في تلقي الشعر.
ولعل من سمات ذلك ان المعري يرفض انشاد قصيدة له لوجود بعض الازاحات النحوية فيها, وهو انطباع المؤلف عما قرأه من شرح ديوان المعري, ففي بيت المعري:
وما تركت بذات الضال عاطلة من الظباء ولاعار من البقر
انشغل شراحه : التبريزي والبطليوسي والخوارزمي على الإشكال النحوي في قوله (ولاعار)(15) يقول المؤلف على لسان المعري "لااحبها .. ربما لما فيها من مبالغة في المدح, ولما فيها من جواز نحوي متعسف" ص72
وينتقد اسكان ياء الفعل (نودي) في بيت الشبلي : ص65
واذا كان في القيامة نودي اين اهل الهوى؟ تقدمت وحدي
ويذكر ظاهرة خطاب الواحد بضمير المثنى في قول الشاعر: ص66
فأن تزجراني ياابن عفان أنزجر وان تدعاني أحم عرضا ممنَعا
وينقد نزار قباني لأستعماله الفعل (صبي) في قوله : ص50
سمراء صبي نهدك الاسمر في دنيا فمي ( 16 )
ويقول: "ماهذا الفعل البائس المبتذل "صبي".
فضلا عن ذكره بعض الظواهر الصوتية كقلب الشين سينا في اذان بلال, وقلب الجيم كافا في اللهجة اليمنية, واستعمال عنترة لفظ (المحب) ص65 واستعمال صلاح عبد الصبور لفظ (الباخل) وغير ذلك. ممايعطي انطباعا ان المؤلف يحتفل بالنص ولغته وان الثقافة اللغوية والنحوية جزء من نقده عامة والنقد اللغوي خاصة وهو احد غايات السرد عنده.





( 15 ) ينظر شروح سقط الزند 1 / 125
( 16 ) الأعمال الشعرية الكاملة : نزار قباني : 1/69

التناص واثره في بناء (جنة أبي العلاء) :
يمكن أن نلمح ثلاثة أنواع من التناص في جنة أبي العلاء :
الأول : تناص العنوان فجنة أبي العلاء تتناص من حيث الدلالة مع رسالة الغفران باعتبار أن الغاية واحدة هي وصف المكان الذي يضم من غفر لهم وادخلوا الجنة .
الثاني : تناص المضمون فالموضوعات المشتركة بين العملين ضمت الموضوعات التي سبقت الإشارة إليها وأبرزها: الخيال والوصف والنقد الساخر والنقد اللغوي وامتزاج الخبرة الذاتية بالمعرفة الموضوعية .
الثالث : تناص المؤلف ذلك أن عبد الكريم كاصد يدخل في تناص مع شخصية أبي العلاء سارداً وموجهاً وناقداً , فأبو العلاء له حضور في شعر عبد الكريم كاصد وحضوره محاوراً يتبادل الأقنعة مع المؤلف في اندماج وتناغم ولكنه مفارق لا محايث .
تناص العنوان :
إن العنوان إذ يتوسل بالتناص ليوسع من افقه الدلالي إنما يقع رهين (اللاحسم ) الدلالي , حيث الدال في العنوان يكتسب في جولته التناصية آثاراً دلالية من ذلك الركام الثقافي الذي يحاصره عبر التماس معه : محاكاة أو تقليداً أو معارضة أو .... الأمر الذي يجعل من إمكانيته حسمه دلالياً أمراً لا مسوّغ له , لأنه في الأصل ( لا يمكن للنص أن يقرأ خارج علاقاته مع نصوص سابقة له في الوجود , لا النص ولا قارئه يمكن أن يغيّب الشبكة التناصية لتلك العلاقات التي تجعل القارئ ان يحدس بتوقعات محدودة حول محتوى الأعمال والأشكال التي يقرؤها ) ( 17 )
إن جنة أبي العلاء ورسالة الغفران يوحي كلاهما بأمور منها : تواصل المؤلف مع أثر أدبي سابق , واحتفائه بقيمة هذا الأثر ومؤلفه , وتراسل في المضمون بما يحمله من دلالة غرائبية وخيال إبداعي وتوجه إلى تقمص شخصية المعري ورسالة غفرانه . ولهذا فالعنوان يتضمن الدلالة والإحالة وتوقع القارئ فك طلاسم العنوان بما يتخيله من معاينة مضمون الأثر السابق ومكونات المؤلف الشخصية والثقافية .
2 ــ تناص المضمون :
( من الوظائف الأساسية التي يؤديها مفهوم التناص في النظرية النقدية الحديثة هي الوظيفة التحويلية والدلالية إذ إن الأمر لا يتعلق بإعادة انتاج المادة المقتبسة بحالتها القائمة الأولى , ولكن بتحويلها ونقلها وتبديلها )( 18 )



( 17 ) في نظرية العنوان : 88 ــ 89
( 18 ) التناص في الخطاب النقدي والبلاغي : د . عبد القادر بقشي ص24 , والتناص في شعر أبي العلاء ص11 .والتناص نظرياً وتطبيقاً – احمد الزعبي - مكتبة الكتاني - إربد ــ 1995 ص9 وقاموس السرديات : 97 ــ 98
وقد أكد منظرو التناص إن الأعمال تحيل وتوسع وتمتص النصوص السابقة وتعدل منها فالتناص عند ( كريستيفا ) ( أحد مميزات النصوص الأساسية التي تحيل على نصوص أخرى سابقة عنها , أو معاصرة لها ... ويرى ( فوكو ) بأنه لا وجود لتعبير لا يفترض تعبيراً آخر, ولا وجود لما يتولد من ذاته , بل من تواجد أحداث متسلسلة ومتتابعة, ومن توزيع للوظائف والادوار).( 19 )
وحين نواجه نص ( جنة أبي العلاء ) نستحضر نص ( رسالة الغفران ) على الرغم من إشارات المؤلف المتكررة إليه عنواناً وفقرات , فإن غاب العنوان المشار إليه حضر النص المقتبس أو المرسل بالحوار , أو المعدل بالنقد , أو المتخفي بسرد المؤلف .
ومن هنا يحدث التفاعل بين القارئ والنصين المتناصين والنصوص الموازية من شعر المؤلف , أو النص المحفز , ونعني به استرسال المؤلف في سرد أحداث عصره وتجربته وذخيرته المعرفية وبعض سيرته الشخصية وهو ما يتضمنه مصطلح (ذخيرة النص) الذي اطلقه (ايزر) وهو ما يتيح للقارئ التفاعل مع المرسل في بناء النص والتواصل معه (إن الفجوات الفارغة أو عناصر اللاتحديد الموجودة في النصوص هي ما يثير القارئ ويدفعه إلى التفاعل وبناء المعنى , فيملأ بالمحتوى ما هو فارغ , ويحدد كل ما هو غير محدد , فهذا العمل ما يسميه (ايزر) ذخيرة النص , ويقصد بها كل النصوص السابقة التي يمتصها النص , يحاورها فتترسب في فضائه , بالإضافة, إلى ما يحيل عليه من أوضاع وقيم وأعراف اجتماعية وكل ما له علاقة بالثقافة التي ظهر منها , وبأيجاز إلى ما تسميه مدرسة براغ البنيوية (الواقع الذي هو خارج النص)(20)
يتداخل نص (جنة أبي العلاء) في تناص مع (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعري , ففي الوقت الذي يدخل المؤلف في تناص سردي مع شخصية أبي العلاء , بعد أن جعله في النص الشعري موضوعاً , يكون سارداً في (جنة أبي العلاء) , والتناص هنا مفارق لا محايث .
فالشخصية المحورية في (رسالة الغفران) هي شخصية السارد أبي العلاء وهي كـذلك في (جنة أبي العلاء) لكنها تتبادل الأدوار والأقنعة مع شخصية المؤلف في (جنة أبي العلاء) من خلال الحوار الأليف الحوار المتضاد .
فالشخصيتان المتحاورتان تخففان على المتلقي عبء رتابة السرد لتنقلاه إلى أسلوب الحوار الذي يفكك الزمان والمكان ويضفيان جواً من التخييل الشعري ينقل المتلقي من المباشرة إلى التخيل المقنّع بما يتيح المجال للمؤلف أن ينقل القارئ من حدث إلى آخر بل ويضيف أحداثاً ومعارف دون أن يشعره بالملل .
إن ( ذخيرة النصوص ) في جنة أبي العلاء لا تشتمل على ( رسالة الغفران ) فحسب بل أن التناص يتحول في بعض الأحيان إلى جملة إشارات وإحالات مضمونية ربما تكون مجتزأة أو منتقاة على وفق سياق الحوار دون التدخل في التفاصيل سوى أننا نلمح طابع الأسلوب الساخر أو الإحالات التي تقترب من موضوعة تداعي الأفكار أو ذكر الشئ بالشئ .




( 19 ) معجم المصطلحات الأدبية : 215 والتناص في شعر الرواد : 15
( 20 ) النص وتفاعل المتلقي في الخطاب الأدبي عند المعري : ص 36 والمعنى الأدبي : 64
وابرز ما نلاحظه في التناص مع رسالة الغفران جملة نصوص وإحالات اختارها المؤلف لتكون موضوع حوار مع أبي العلاء مثل أبيات الخليل المنسوبة إليه وهي مما تنشده الحوريات في الجنة ( 21 ) وذكر ضرورة شعرية في شعر الشبلي ( 22 ) .
وذكر حال الحطيئة في الجنة وسؤال المؤلف ( وهل لا يزال يعوي في آثار القوافي كما يعوي الفصيل في آثار الإبل ) ( 23 ) وحال الخنساء وهي تندب أخاها صخراً ( 24 ) وتذكيره بقول المعري (ان الله غلط في الأعشى فأدخله الجنة)( 25 ) .
فضلاً عن إحالات على رسالة الغفران في ذكر بعض اللهجات واستعمال عنترة لفظ ( المحب ) وغير ذلك ( 26 ) واحالاته على شعر المعري فيما يتعلق بالسياسة ونقد المجتمع وذكر الجن ونقد بعض الجوازات النحوية في شعره وموضوعات الحيوان (27) وقد يكون التناص والإحالة على أكثر من مؤلف للمعري كشعره في ( سقط الزند ) ورسالة الغفران ورسالة الملائكة والصاهل والشاحج مثل تذكيره بوصف نهر ( قويق ) على ذكر نهر ( بويب ) في شعر السياب(28)
وهكذا يمكننا القول إن ( رسالة الغفران ) للمعري , فضلاً عن مؤلفات المعري الأخرى , أصبحت المقصد التأليفي لاختيار عنوان ( جنة أبي العلاء ) , والدليل المعرفي الذي شكل البناء النصي , والمحفز السردي في تناغم أفكار المؤلف مع توجه المعري المعرفي والتخيلي .
ويمكننا إيجاز أهم المشتركات التناصية بين ( جنة أبي العلاء ) و ( رسالة الغفران ) والمتن النصي للمعري عامة بما يأتي :
1 ــ الفضاء المتخيل فكلاهما يعتمد النص العجائبي االمتخيل وغرائبية السرد ففيه يستحضر المؤلف ( غائباً لأنه ينتمي إلى عالم الماضي والموت , ولإنه أصبح موجوداً بفعل التذكر والكتابة .. يستحضره من خلال الذاكرة الإبداعية التي تضيف وتحذف وتتخيل وتصور .. )( 29)
2 ــ يعتمد النصان اللغة المتخيلة في تغريب اللغة والشخصيات وانتاج نص عبر لغة تفكك الحدث والزمان والمكان .
3 ــ اعتماد النقد الساخر وعناصر المفارقة بين الواقع والصورة المنتجة في النص , والمفارقة ناتج السخرية والتهكم تؤول إلى بعض الفكاهة فالإضحاك بقصد التخفيف من آليات السرد , والتهكم مكون تصويري وتكاد السخرية والتهكم تقارب المفارقة كما نصت عليه كتب البلاغة في موضوعات ( المدح بما يشبه الذم ) و ( تجاهل العارف ) وغير ذلك وقد تكون المفارقة اعم من التهكم والسخرية .. فليس كل تهكم وسخرية مفارقة ( بمعنى أن التهكم الذي لا يقوم على إبراز التناقض بين طرفيه , تهكم لا يتصل بالمفارقة .. ) ( 30 )

(21) جنة أبي العلاء : 9 ورسالة الغفران : 279
( 22 ) جنة أبي العلاء : 65 ورسالة الغفران : 582
( 23 ) جنة أبي العلاء : 7 ورسالة الغفران 307
( 24 ) جنة أبي العلاء : 8-7 ورسالة الغفران : 308
( 25 ) جنة أبي العلاء : 38 ورسالة الغفران : 72
( 26 ) جنة أبي العلاء : 43 , 65
( 27 ) جنة أبي العلاء : 5 , 24 , 16 , 22 , 23 , 24 , 80
( 28 ) جنة أبي العلاء : 59 ويمكن مراجعة فهارس رسالة الغفران ورسائله لمعرفة أماكن ورود لفظة ( قويق )
( 29 ) الغرابة : المفهوم وتجلياته في الأدب : 245
( 30 ) ينظر في ذلك : المفارقة : د . سي . ميوميك : 82 , وبناء المفارقة : 36 , وبلاغة النادرة : 52
ولعل النقد الساخر في ( جنة أبي العلاء ) انطلاقاً من نقد المعري اتخذ له مسارات مختلفة منها موضوعية ومنها ذاتية شخصية اصبحت شخصية أبي العلاء حافزاً للمؤلف في دخوله في (تناص نقدي ) معه .
وهكذا راح المؤلف يمطر معاصريه من شعراء ونقاد ومؤلفيين بوابل من نقده لم يسلم منه الصديق وغير الصديق مثل سعدي يوسف ونزار قباني وعبد الوهاب البياتي وحسن البياتي والنويهي وصلاح عبد الصبور وجابر عصفور وصلاح فضل والرصافي وصبري حافظ وخليل خوري وحسن عثمان وعبد الله العلايلي فضلاً عن الشخصيات والمرويات التاريخية وتراث التصوف .... ألخ
4 ــ التداخل الأجناسي : على الرغم من أن ( جنة أبي العلاء ) كتاب نثري فأن تضمنه أجناساً أخرى كالشعر , والترجمة , يجعله عصيا على التجنيس والمحور المشترك فيه هو الفضاء السردي الذي تداخل فيه أشعار القدماء والمحدثين وشعر المؤلف عنه , ونصوص الترجمة , فهو جنس من الأدب الإبداعي السردي يتداخل فيه المعرفي الموضوعي والذاتي السيري والتجارب الشخصية , ويمكننا القول ( أن التقارب بين الأجناس الأدبية واستضافة بعضها لبعض , يضيق مساحة الاختلاف بين عناوينها لاسيما أن العنوان قد أضحى لعبة مثيرة في الكتابة الأدبية ) ( 31 )
5 ــ ولعل التناص بين المؤلف وضيفه أبي العلاء ليس دائماً في حالة تطابق فالاختلاف حاصل في كثير من الجوانب منها افتراق شخصية المؤلف عن المعري في إتقانه لغة ثانية وأورد نصوصا من ترجمته انطلاقاً من تناصه مع المؤلف في النقد عامة , ليتحول من نقد النص المؤلف إلى نقد النص المترجم فضلاً عن افتراق المؤلف عن المعري في جعله (جنة أبي العلاء) صورة من السيرة الذاتية بجوانبها الذاتية والموضوعية , فهو يدخل في تناص مع المعري في الجانب النقدي الموضوعي لكنه يختلف معه في الجانب الذاتي الذي يحيل فيه إلى سيرته وشخصه في بلده أو المنفى , ولعل أبرز ما يميزه قوله :
(ليس ما أفعله مايستحق الذكر ولكني اقطع سأم الاقامة وبرد شتائهم المتجهم بالترحال ورؤية الأهل بين آونة أو أخرى , ولولا عنايتهم لكنت أعمى منذ سنين , وهذا ما منّ به عليّ المنفى)(32)
ولعله يشير هنا إلى إلى مفارقة بينه وبين المعري , وهو أنه لم يعد ( رهين ) المحبسين كما هو حال المعري بل أن بصره جعله بصيراً بالحياة ولاسيما حياة النفي , ولولا ذلك لما استطاع أن يجاري ضيفه أبا العلاء في النقد ويحاوره ويخرج عن دائرته التناصية إلى دائرته الخاصة .






( 31 ) في نظرية العنوان : 309
( 32 ) جنة أبي العلاء : 61
مصادر البحث ومراجعه
- الاعمال الشعرية الكاملة : نزار قباني , منشورات نزار قباني – بيروت – لبنان ط14 – 1998
- بناء الرواية : د.سيزا قاسم – الهيأة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – 1984
- بناء المفارقة : دراسه نظرية تطبيقية : ادب ابن زيدون انموذجا – احمد عادل عبد المولى – مكتبة الاداب – القاهرة – 2009
- بلاغة النادرة : د.محمد مشبال – افريقيا الشرق – الدار البيضاء –المغرب 2006
- التحليل البنيوي للرواية العربية – د.فوزية لعيوس غازي الجابري – دار صفاء للنشر والتوزيع – عمان – الاردن – 2011
- التناص في الخطاب النقدي والبلاغي – د.عبد القادر بقشي – افريقيا الشرق – الدار البيضاء – المغرب – 2007
- التناص في شعر ابي العلاء المعري : د.ابراهيم مصطفى محمد الدهون – عالم الكتب الحديث – اربد – الاردن -2011
- التناص في شعر الرواد – احمد ناهم – دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد – 2004
- جنة ابي العلاء – عبد الكريم كاصد – دار التكوين – بيروت – 2011
- رسالة الصاهل والشاحج – المعري – تحقيق د.عائشة عبد الرحمن – دار المعارف – مصر – ط2 – 1984
- رسالة الغفران : ابو العلاء المعري (449هـ) تحقيق وشرح د.عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) دار المعارف – مصر – ط10 -1997
- رسالة الملائكة – المعري – تحقيق محمد سليم الجندي – دار صادر – بيروت – 1992
- السخرية السياسية العربية – خالد القشطيني – نقله الى العربية – كمال اليازجي – دار الساقي – بيروت ط2- 1992
- السخرية في الادب العربي – د.نعمان امين طه – دار التوفيقية – القاهرة – 1978
- شروح سقط الزند – التبريزي واخرون تحقيق مصطفى السقا واخرين الهيأه المصرية العامه للكتاب – القاهرة – 1986
- العجائبي في الادب من منظور شعرية السرد – حسين علاّم – منشورات الاختلاف – بيروت – 2010
- العجائبي في الرواية العربية – نوره بنت ابراهيم العنزي – المركز الثقافي العربي – بيروت – النادي الادبي بالرياض – 2011
- العنوان في الرواية العربية – عبد المالك اشهبون – دار محاكاة – دمشق – 2007
- علم السرد : المحتوى والخطاب والدلالة – د.الصادق بن الناعس قسومة – جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية – السعودية – 2009
- الغرابة : المفهوم وتجلياته في الادب – د.شاكر عبد الحميد سلسلة عالم المعرفة – الكويت – ع 384/ك2/2012
- في نظرية العنوان : د.خالد حسين حسين – دار التكوين – دمشق – 2007
- قاموس السرديات – جيرالد برنس – ترجمة السيد امام – ميريت – القاهرة – 2003
- معجم المصطلحات الادبية المعاصرة – د.سعيد علوش – دار الكتاب اللبناني – بيروت 1985
- المعري ذلك المجهول – الشيخ عبد الله العلايلي – دار الجديد – بيروت ط3 – 1995
- المعنى الادبي (من الظاهراتية الى التفكيكية) وليم رايت – ترجمة د.يوئيل يوسف عزيز – دار المأمون – بغداد
- المفارقة – د.سي ميوميك – ترجمة د.عبد الواحد لؤلؤة – موسوعة المصطلح النقدي – 13 – دار الرشيد – بغداد – 1982
- النص وتفاعل المتلقي : الخطاب الادبي عند المعري – حميد سمير – منشورات اتحاد الادباء العرب – دمشق – 2005
الخيال والسرد والتناص في ( جنة أبي العلاء )
لعبد الكريم كاصد



#سامي_علي_جبار_المنصوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الفرقة الشعبية الكويتية.. تاريخ حافل يوثّق بكتاب جديد
- فنانة من سويسرا تواجه تحديات التكنولوجيا في عالم الواقع الاف ...
- تفرنوت.. قصة خبز أمازيغي مغربي يعد على حجارة الوادي
- دائرة الثقافة والإعلام المركزي لحزب الوحدة الشعبية تنظم ندوة ...
- Yal? Capk?n?.. مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 88 مترجمة قصة عشق ...
- الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقاف ...
- نقط تحت الصفر
- غزة.. الموسيقى لمواجهة الحرب والنزوح
- يَدٌ.. بخُطوطٍ ضَالة
- انطباعاتٌ بروليتارية عن أغانٍ أرستقراطية


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي علي جبار المنصوري - الخيال والسرد والتناص في -جنة أبي العلاء-