|
الماويةُ وولايةُ الفقيهِ (1-2)
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 09:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تعتبرُ أفكار ماوتسي تونغ (1893-1976) تعبيراً عن إحدى الأشكال القومية لإحدى الأمم الكبرى في آسيا والعالم، في مرحلة المخاض والانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية، وقد تبنى الماركسيةَ بصيغتها الروسية الشمولية من شبابه، وكانت الصينُ ذات حشودٍ هائلة من الفلاحين الفقراء، وتطمح للانتقال للحداثة والتقدم وأن تواصل استقلالها التاريخي المهدد من قبل اليابان والغرب، وقد عبّر تبني ماوتسي تونغ للماركسية - اللينينية عن نقلِ صيغةِ رأسماليةِ الدولة الروسية كأداةِ تنميةٍ سريعة ومهيمنة كليةٍ على المجتمع، وهو أمرٌ يتيحُ تغييبَ الديمقراطية والنمو الرأسمالي الخاص الشامل، وفرض صيغ عليا حكومية، وسيطرة حزبية من البرجوازية الصغيرة على الكادحين. ولم يقم خصمُ ماوتسي تونغ: شيانج كاي شيك (1887-1975) إلا بتشكيل جمهورية عسكرية احتفظت بكيانها الإقطاعي - شبه الرأسمالي بدون تغييرات سريعة كما كان يخطط الماويون، لكنه كان يميل للحداثة والرأسمالية والديمقراطية وبشكل تدريجي، وكانت كلُ هذه الكتل نتاجُ القوى العسكرية فعبرتْ عن هيمنةِ قوميةِ (الهان) على القوميات الأقليات الأخرى، وتتراوح نسبة قومية الهان (91،5) من سكان الصين. إن تصاعد قوى العنف العسكرية وزوال المَلكية وعدم وجود طبقات حديثة متجذرة، والهواجس القومية المسيطرة، ومخاوف تفكك الصين قومياً، والخوف الغريزي من سيطرة الأجانب الذي غلبَ على الشعب الصيني خاصة خلال التاريخ الانعزالي الطويل، كل هذا رَجح غلبةُ الماوية على التيارات الديمقراطية والرأسمالية الأخرى، المتفتحة المنفتحة على العالم الخارجي والتي تقودُ حسب مخاوف الماويين إلى تفكك وذوبان الأمة الصينية في العالم الحديث. كانت سيرورةُ تطورِ الأمة الروسية مشابهةً لمسار القومية الهانية الصينية، ولهذا جاءتْ الماركسيةُ المؤدلجةُ شمولياً روسياً وصينياً والمشكلة لرأسماليةِ الدولة في كل من الأمتين متقاربةً في بدءِ النمو المشترك والمتداخل تبنياً أيديولوجياً صينياً ومساعدةً من الجار الشمالي للجنوبي بالسلاح والعتاد، وكان النمو المشترك في بدايته يعني تكوين دولتين استبداديتين قوميتين تنمو فيهما الرأسماليةُ حسب المصلحة القومية الداخلية المحضة، وعبر هيمنتيهما على القوميات المسيطر عليها في عهود الإقطاع العسكرية السابقة وبتغييب التطور الديمقراطي الداخلي. وقد نجحتْ الماويةُ في تكوين الصين المستقلة المحررة والمتجهة للتقدم، وقد كانت الصينُ مخربةً من الحروب وفقيرة وتحتاج لخطط عاجلة للتنمية وواسعة الأفق، ولكن قيادة ماو لم تستوعبْ الاقتصادَ الحديث والديمقراطية والتنوع، ولم تجعلْ المدنَ قياداتٍ لعمليات التنمية المركزية، وأن تنوع الاقتصاد، بل توجهت لخلق الكومونات في الأرياف وإنشاء المصانع الصغيرة وتجاهل آراء الخبراء، فكانت تجربةُ القفزةِ الكبرى كارثةً اقتصادية على الصين، وكان في تطبيقها اصرار من ماو برفض قوانين التطور الاقتصادي الرأسمالي الحديث، لكن هنا من موقع التجربة الصينية يأتي الرفضُ من قادةٍ عسكريين يتصورون التطور الاقتصادي مثل العمليات الحربية، متتبعين ستالين في مشروعاته العنيفة، لهذا يحدثُ الافتراقُ بين روسيا والصين، وهو الافتراقُ بين رأسماليةِ دولةٍ روسية تطورتْ بعد كوارث ولم تزل جامدة، وبين رأسماليةِ دولةٍ صينية مراهقةٍ سياسياً ترفضُ مقاربةَ الحداثة الغربية بشكل واسع وجوهري. فلم تكن الثورةُ الثقافيةُ سوى قفزةٍ أخرى لمنع التطور الليبرالي الديمقراطي في عروق المجتمع والدولة، وكانت محاكماتُ وتصفيات القوى والعناصر الديمقراطية قد خنقتْ تطورَ الحزب الشيوعي الصيني عن رؤية العالم بعينين موضوعيتين، فكان الإصلاحُ الرأسمالي الخاص الحاد مع الإبقاء على رأسمالية الدولة الشمولية، بل تجري معاداة أي مقاربة لليبرالية الديمقراطية وتوابعها من حرية الصحافة وحرية الأحزاب والديمقراطية عامة. عبرتْ هزيمةُ الماوية وانتصارُ إتباعِها في ذات الوقت عن حربائيةِ البرجوازية الصغيرة في سيطرتها على المال العام ومحاولات القيام بمغامرات لحلِ معضلاتِ التطور، ثم توجهها للاستغلال الداخلي للجماهير العاملة عبر أجهزة الدولة، وتكونها كبرجوازيةٍ كبيرة من خلال شعارات الاشتراكية المؤدلجة لمصالحها، ورفضها المراقبة والمسئولية والديمقراطية عن تاريخها وثرواتها النازفة للشعب، وعن إبقاءِ تراثِ ماو الفكري الهزيل. من استغلال الفلاحين عبر النموذج الماوي الذي رأى في الريفيين الدجاجة التي ستبيض ذهباً، إلى النموذج الرأسمالي الحكومي الذي رأى انخفاض السلع الزراعية وتصاعد أهمية الصناعات الكبرى الشعبية واستغلال البروليتاريا بأقل الأجور وخلق التصدير الواسع وتضخم ثروات الطبقة الحاكمة. في حراكِ الأممِ الكبرى في الشرق تعبيرٌ عن ظروفها وأوضاع شعوبها وقواها السياسية الاجتماعية، حسب مدى المقاربة والصراع مع الغرب، ولهذا نجدُ الانتقالات التدرجية لهذه الأمم من روسيا إلى الصين فإيران، لكن عبر موديلٍ واحد، يتأثرُ بتقاليد الشعب وتراثه وظروفه.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قوى توحيديةٌ بين المعسكرين
-
تجاوزُ التطرفِ المحافظ
-
الأزماتُ والتحولاتُ
-
التوحيدُ والتطورُ السياسي (2- 2)
-
التوحيدُ والتطورُ السياسي
-
سذاجةٌ سياسيةٌ
-
البيروقراطية والديمقراطية
-
انتهى زمنُ العمالِ الآليين
-
كيف تلاشتْ النصوصُ الحكيمة؟
-
صراعٌ طائفيٌّ متخلفٌ
-
الإخوانُ والرأسمالية الحرة
-
الطائفية وتدهور الثقافة
-
صراعٌ طائفي إقليمي
-
التطورُ الاقتصادي السياسي في الخليج
-
الأجهزة والتجارة
-
العسكرُ والقومية
-
ولايةُ الفقيهِ والقاعدة (٢-٢)
-
ولاية الفقيهِ والقاعدة (١-٢)
-
القيمة في التوحيد
-
بنتُ الشاطئ وأبوالعلاء المعري
المزيد.....
-
وسط ترقب لرسالة أوجلان.. ماذا يريد حزب -ديم- الكردي من زيارة
...
-
تركيا تشترط القضاء على حزب العمال الكردستاني لإعادة النظر في
...
-
مراقبون للشأن اللبناني: مهاجمة المتظاهرين السلميين عمل مشين
...
-
إضرام النار في الجسد: وسيلة احتجاجية تتكرر في تونس بعد 15 عا
...
-
حصيلة عمل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب بمناسبة اختتا
...
-
افشال السياسة العنصرية لترامب واسرائيل بحق الفلسطينيين مهمة
...
-
الحزب الشيوعي يرفض اتفاق إنشاء قاعدة عسكرية روسية في السودان
...
-
-ميول إسلاموية- ـ المشتبه به يقر بتعمد دهس متظاهرين في ميوني
...
-
كلبة الفضاء السوفييتية -لايكا- تشارك في -يوروفيجن 2025-
-
جبهة البوليساريو تنفي تواجد مقاتلين تابعين لها في سوريا
المزيد.....
-
الذكاء الاصطناعي، رؤية اشتراكية
/ رزكار عقراوي
-
نظرية التبادل البيئي غير المتكافئ: ديالكتيك ماركس-أودوم..بقل
...
/ بندر نوري
-
الذكرى 106 لاغتيال روزا لوكسمبورغ روزا لوكسمبورغ: مناضلة ثور
...
/ فرانسوا فيركامن
-
التحولات التكتونية في العلاقات العالمية تثير انفجارات بركاني
...
/ خورخي مارتن
-
آلان وودز: الفن والمجتمع والثورة
/ آلان وودز
-
اللاعقلانية الجديدة - بقلم المفكر الماركسي: جون بلامي فوستر.
...
/ بندر نوري
-
نهاية الهيمنة الغربية؟ في الطريق نحو نظام عالمي جديد
/ حامد فضل الله
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
المزيد.....
|