|
صوت الأبجدية - قراءة في تقويم للفلك لأدونيس
حسين سليمان- هيوستن
الحوار المتمدن-العدد: 1128 - 2005 / 3 / 5 - 10:57
المحور:
الادب والفن
كمشهد وداع، وببطء، تعبر الصورة والعبارة، تنتقل بين عالمين، وتبقى نصف مرئية وهي تتوارى في سراب العالم الآخر. أنها قصيدة الوداع، حيث نمر على التاريخ والزمان والأرض، على التكنولوجيا، على العام، تأمل كوني أخير، فيه غضب وحزن مرارة، وفيه قوة غير مألوفة، قوة الصوت الذي ينبع من أعماق سحيقة لاتبلغ. كيف يمكن أن نقول أو نقرأ القصيدة؟ أظن لو أنني طرقت باب أدونيس وفتحه لي فإنني لن أرى إنسانا من لحم ودم، بل أبجدية، أحرف ولغة شكلت ما أسمه أدونيس. واللغة وحدها لا تكفي، أحرفها وأبجديتها، فالصورة التي تتشكل في اليومي وتنقلها اللغة على شكل أغنية أو شعر، لا ترضي القصيدة، فالشـعر هنا يبحث عن يوم جديد، يوم لم يخلق بعد، ولن يخلق في عنصر هذا الزمان، لذا يجمع الشاعر أدواته ويخلق منطقه كي يغزو الخيال، فيفتتح مدنه ويبدل أنظمتها، وبهذا الفعل يقف وحده، لا أحد معه، أمام عالم مختلف، ليس من الموت ولا من الحياة في شيء، ليس من الحلم ولا من الرؤيا. ولذلك ترتبط صور المقطع الشعري وتنفصل، لا مكانها مكاننا ولا زمنها زماننا، نراها مثل شعاع حلم وحروفها أجنحة. لا نقرأها بل تقرأنا. والشاعر الذي لا يسمع صوت الأبجدية في مطلع القصيدة تراه في بيت لاحق يحاور الغابات، ويشك فيها فينزل صواعقه عليها: " لا أسمع صوتها ماذا تقول هذه الأبجدية؟ يشك الشاعر في الغابات التي تفترش حقولها وينزل عليها صواعقه.- " كيف إذن لا يسمع صوت الأبجدية؟ لايسمعها فقط بل يراها! لكنـه لا يرتضي حقول الغابات، فيبث الشك فيها، زعزعة الإيمان، كي يقيم أرضه الجديدة. ينزل حريقه على الغابة: لغة طيعة وحروفا كأنها الأجنحة. إن الحريق الذي تقوم به اللغة هنا هو ولادة جديدة للغابة ، غابة الشعر وشجره ، المكان الأول لبذرة الحياة. - هذه القصيدة ذكرتني بقول الفيزيائي باينمان بأن علوم الفيزياء حين تصل الى قممها فأنها تبدأ بالدخول الى ميدان الفن- إنه الفن وقد خرج بالكلمة، والكلمة هنا فيها الموسيقى وفيها الرسم والتشكيل، ولعلي انطلقت فيها كما لم انطلق من قبل. استقبلتها بدهشة وحيرة لم أعهدهما من قبل، فتمدد العالم واتسع نظامه، وهذا الاتساع لم أجد له مثيلا في مجمل القراءات الأخرى، وعلى سبيل المثال: لقد أصابتني صدمة- حيرة حين سمعت عن نظرية تطبيقية في الكومبيوتر تحاول إلغاء نظام العد الثنائي مستعيضة عنها بنظرية الكم لماكس بلانك، في تخزين المعلومات .. وكأن الخيال، عالم الجن والسحر، أصبح قاب قوسين أو أدنى من قبضة الإنسان. هو إذهال فنصاب بقشعريرة ودهشة، لكن كل ذلك سرعان ما يخبو ويضمحل ذلك حين نطّلع على أفق النظرية، فبعد سنين ستصبح النظرية التي كانت في أيامها خيالا وسحرا نظرية تدرس في المرحلة الابتدائية، إنه الوعي الإنساني يصعد خلف علمائه. إلا أن الأمر مع الشعر العظيم غير ذلك، فهو – روح - يظل يتلون، يأخذ أشكاله وأنماطه مع مرور العصور فلا يهبط الى مستوى آخر، يبقى من حصة السماء. والقصيدة لا تقرأ الماضي ولا تقرأ المستقبل، بل تقرأ الإنسان، قدرة الحياة على هـذا الكوكب، وليس التقويم، تقويم الماضي وتقويم الحاضر الا كتحصيل حاصل: " يرفض عصورا لا تفعل إلا أن تنتظر أنبياءها وتواريخ تُنقلُ كالسلاسل، بريئا من ماض إسفنجٍ يمتص الحاضر، سابحا في شمس خضراء تسبحُ في الحبر ." والقراءة تكشف المتاهة، متاهة الوجود التي وقع في شركها الإنسان، كشف يتم عن طريق عناق كلمات القصيدة. فالقصيدة بحالها لا تقرأ بالقراءة وحدها، بل هناك عامل آخر يتداخل معها، هو لمس أو حس كوني تنقله حالة غامضة، كأن بابا قد انفتح على إنساننا ورحنا نحدق في ملامحه مشدوهين، مضطربين بحمى الرؤيا، وهكذا فالكلام العادي، الشعر الذي نكتبه، والفن الذي نرسمه، بعيد ومفلوج أمام عالم القصيدة. لقد أخذت الكلمة قامتها، وامتلأت بقدرتها، وهاهي تتغلغل في جنس الحياة … وليس الحرف هو باب القصد بل القدرة التي يحملها فهي الجناح الذي ينقلنا الى عالم لا يسكنه يوم ولا واقع أرضي، أنه هدية الحياة يفتحها الشعر. في القصيدة يشعر القارئ بغضب مشرب بحزن، وبحكمة يمليها شيخ انحدر من هضبة أو جبل، فهناك مناجاة بل إملاء. والافتتاحية المسكونة بالحالة كشفت لنا السر، فالشاعر مأخوذ بوجد صوفي– تملّي الحياة في نهاية ألفية الزمان قرّب الماهية الغامضة التي يبحث عنها، وهذا الحيز الواسع من المكان والزمان .. ألف عام أو منذ تاريخ النزول، هو مدى مشهد الرصد، قد وسّع الرؤية الى الشمولية، شمولية الخطاب وشمولية الموقف. والخطاب ليس لنا نحن القراء بل الى أحد اثنين، إما الى الشاعر وإما الى الإنسان الكلي، بمعنى الله، بين الاثنين، انتقال بين لحظة الشعر وبين الزمن الأول، يوم البدايات لذلك تنكسر الصور والمعاني ثم تعود كي تلتحم بهذا الانتقال الطويل بين البداية والنهاية، مسافة معراج، معراجه معراجا لسماء صيرورة الزمن، وسيرفع الغطاء عن ثورة أو اعتراض، كانت بداياتها واضحة في مطلع القصيدة. إن الاعتراض أو ثورة الشاعر التي تسكن بين سطور القصيدة هي ثورة غير أرضية فيرفض ويتساءل من دون مؤيدين، لقد عزل نفسه كمتوحد أمامه العالم: رصاص، تكنولوجيا، مدن ثلج، الجانب المظلم من الحياة وتراه لا يريد أن يطهر الظلمات فالحياة هنا لها طريقها وأهواؤها وهو لن يغير ذلك الدرب بالشعر، لن يرفع صوته أمام مركبة الحياة الصاخب بل سيصف لها الدرب التي لا محال ذاهبة فيه: إنـه مشهد حزين، درب خال من الحكمة والحلولالتقمص. وهو هنا ليس انهزاميا أو سلبيا بل يريد ويرغب في التغيير، لكنه يعرف يقينا أن التغيير لن يأتي من تدبير فعل في الأرض، ويورد مقولة هيراقليطس "خير من السياسة أن نلعب النرد" الشطرنج" ايتها الحياة، الطفلة التي تلهو برقع الشطرنج" و "إن لم ننجح في قلب الآلهة فسوف نقلب الجحيم! " منذ البداية قد استشف هذه الحقيقة فثوب الصباح ضيق عليه وبالتالي فلا طعم للنهار الذي سمي واقعا: " أوه! متى سيعرف الواقع: لا يقدر أن يسكن، وإن هاجر، إلا في واقع الشعر. متى سيصغي الى تمزقه: لستِ جديرة بمني البحر أنت يا شواطئ العودة. .. هل الأرض للحب؟ أهي، حقا، لآدم وحواء؟ ". وهذا الواقع، واقع النهار الذي لا يرغبه الشاعر، هو واقع يفهمه كل الفهم، لقد اختبر الحياة، وموقفه منها ليس موقفا رومانسيا حالما. هناك اعتراض على المبادئ، مبادئ الزمان– الصيرورة، القوانين التي تلف الارض وركبها. وهو بعد أن تأمل النمط الكوني، لا يذهب في انتقاد حقبة من الزمان، مرحلة من مراحل هذا العالم، بل يذهب الى قولرواية الحركة الكونية، ومن نوع القول وصورته نستشف الفكـرة الخلق التي ابتعدت عن صيرورة العالم الشعر. هناك زيارة للجحيم تماثل زيارة المعري الخيام– غوته الذي فاجأه الشاعر يستنشق وردة الحكمة الشرقية وكانت الزيارة بحد ذاتها، من قبل الشاعر، لإتمام عمـل لم يتممه السلف: "ان يسأل مفيستو عن حفظ الطاقة في الجحيم كان يسأله عـن الزمن التخيلي في المكان. "فالزائر هنا لا يرغب في رؤية أبطال الكوميديا الإلهية بل يريد أن يحصل على السر، سر حفظ الطاقة وسر الزمن التخيلي في المكان. وهكذا نرى مقاربة مع فتوحات المتصوفة في اكتشاف السر: " الحب الجزء اكبر من الكون الكل. المرأة الأرض والسماء سرة واحدة." فالمعادلة أللأرضية للطاقة هي: الحب الجزء أكبر من الكون الكل. ومعادلة الزمن التخيلي: المرأة الأرض مع السماء هما سرة واحدة. يتحرك الشاعر على معراجه: " يضطرب الشاعر كمثل جسيم لا ينطق إلا بمبدأ الريبة يتحرك في مخروط ضوئي ويحرث المخيلة. " …" يقول لسمائه: لست لائقة بمعراجي ولغيبها: لك أن تلجأ آمناً حيث شئت في أرض الأسئلة." في الطريق : " تنتظرك، ايها الشاعر، عناكب الذرّة في شكل ملائك تحرس حـدائـق الغيب. تنتظرك الطاقة في صورة امرأة تتكئ على باب مغلق في أفق يحمـل مفتاحا أسود في فضاء فارغ اليدين." الطاقة تصبح في صورة امرأة: الحب الجزء اكبر من الكون الكـل، الآن، فـي صـورة المرأةالأرض مع السماء! تتكئ على باب الغيب المغلق، لن يدخلها الشاعر بدون الحب. هاهي المرأة الانثى التي أنزلت الانسان من الفردوس، تعود لتفتح لحبيبها بيديها باب الغيب. انها هي حفظ الطاقة، فالخسارة التي منينا بها في يوم النزول تعود لنا تعويضا. وبدون الحب الشعر، المرأة، فهناك أفق مغلق مفتاحه أسود وفضاءه فارغا مشلولا. يقول الشاعر: هل الأرض للحب؟ أهي، حقا، لآدم وحواء؟ هذا التساؤل الكبير، لا يأتي عند منتصف الطريق بل في نهايته أو الاستشراف على نهايته حين إسدال ستارة العالم: " الرصاص، الرصاص! يلبس جبة العالم، وينزل ضيفا على القمر في مركبة داروينية" لقد أرخ هذه القصيدة في 112001. وهو اليوم الذي تنتهي فيه الألفية، اليوم الذي من المفروض أن ينتهي فيه العالم.. فهي القصيدة، ربما تكون، قصيدة تؤلف ولا تؤلفان، هذه الأسطورة الحقيقة التي تحيا في خيال الانسان، وموت الكون الانسان ليس فناء: " كلا! ليس الموت أن تموت الموت ألا تعرف أنك الجوهر– حافيا لابسا قميص أهوائه مفلوجا في صحراء المعنى. هذا هو الموت وهذا هو عام نهاية الكون! بعد تداخل غرائبي بين الرصاص وتمويهاته، ثم الموت، ونهاية شمس العالم، نفاجأ بالعرس- قلب القصيدة ونبضها الخفي، الذي يحتمل أكثر من تفسير: " في شكل طنبور ظهر القمر على شرفة العرس كان سرير العروس يتشح بدمقس اللحظة والشموع حوله كمثل قوارير ملئت بزيت التاريخ" كيف جاء العرس والقمر والطنبور الى هذه القصيدة؟ إن استدرنا على البيت وقرأناه من نهايته فسنجد أن تلك الحياة التي مرت وأفلت، إن كانت قد أفلت! لم يبق منها سوى زيت، وما كلمة كمثل قوارير، وليس قوارير زيت التاريخ، إلا ضرورة فنية، فلو جاء البيت كما يلي: والشموع حوله، قوارير ملئت بزيت التاريخ، لأحسسنا أننا في مسكن أرضي حاضر قوي كالنهار لا يصلح لمعمار القصيدة. ان الزيت هو رشح الحياة وقيمتها الكبرى: شموع ترقص حول سرير العرس. الحياة قربان، تنتهي كي تنير، كما ينير القمر. مقطع طنبور القمر هو الجواب على التساؤل: هل الأرض للحب؟ أهي، حقا، لآدم وحواء؟ خمسة أسطر قصيرة في مقطع واحد من أثنين وعشرين مقطعا، شكلت معنى القصيدة الحياة. في مقطع القمر والعرس يتابع الشاعر: " ورأيت أن للوردة هي كذلك جدرانا ورأيت كأن الروح قبر لطفل ولد من هنيهة ورأيت كأن رحم الفراغ كمثل دب آلي.." بعد ظهور القمر، من دون إرادة الشاعر أو تخيله: يظهر القمر كأغنية وأسطورة رقص وعرس وشموع كأنه يعلن بداية الخلق أو أنه يعلن تمرده على منطق الحياة الآلي فيظهر بذلك الشكل. بعد ظهوره وانتهاء لحظة العرس، تنسدل ستارة الروح كي نرى بعد ذلك مع الشاعر حقيقة مآل العالم: جدرانا للورد، والروح تتحول الى مقبرة في مخابر الصناعة والأتمتة، رحمها هو صنـدوق دب آلي. والحقيقة ان هناك استقطابا حادا في المقطع الشعري، من تماس العرس والقمر والشموع مع جدران الوردة، كأن القمر على شكل طنبور هو روح القصيدة، والقصيدة بحد ذاتها من دونه، هي الجسد؛ لذلك تنفصل هنا الصور في المعنى الظاهري لكنها في المعنى الباطني وحدة واحدة كاملة. يتخيل الشاعر الزمن الشيخ" يملي على أنبيائه: ما أحب أنبيائي الذين نذروا حياتهم للمحسوسات ما أكرم الحياة الدنيا التي فهمت حواسهم واستسلمت لها. في مقطع لاحق يريد الشاعر أن يعمر بيته في الهواء، في لا مكان، وكان يرى "اندماجات نووية تنقش ابجديتها على الطرق… حشرات الآلة حيث الأشياء زرع الكتروني وحيث يتحول الفضاء الى ثقب اسود…. كأن الشرايين عصية على الدم كأن الرئة اسطورة الأولين! ربما ستنشأ ذراع ثالثة لاحتضان ما لا يحضنربما سيولد للأنف شقيق آخر يعيش الى جواره لكي يتنسم اللامرئي … ربما سيجيء جسد يمنح أعضاءه….او لكي يعاد رسمه من جديد: وأنت أيها الشاعر ايها العاشق بأي جسد ستكمل جسدك؟ " ما ليس مجديا هـو ما يجديني" لأنه شاعر عاشق جاء القمر كي يحضر ذلك الحضور الغريب، والحضور هنا هو حضور دائم لا يغيب. بأي جسد سيكمل جسده؟ لن يكمل جسده الكامل، فهو لا يريد أشياء مجدية خربت العالم، بهذا الجسد الإلهي سيبقى يسبح في الحبر وفي الشعر، في قصيدة الشعر، وفيها، هذه القصيدة الكاملة لا أجد فيها إلا صورة واحدة لم أفهمها أو لم استطع لحمها مع بنية القصيدة وحين يقول: عالم- خطوات تواكب جاراتها ثياب تعانق ثياب لكن ما بال الجسد يترنح مثقلا باشتباه الهي؟ وكيف أعطي له، هو المدنس أن يكون بيتا للمقّدس- لذلك الكائن السماوي الذي سمي الروح؟ هل هي كبوة قفزة رقص؟ "وكيف أعطي له، هو المدنس أن يكون بيتا للمقدّس" أظن أن هناك، في البيت الشعري، لحظة تأرض، لقد هبط بنا الى الأرض، وكنا في سابع سماء مع القصيدة، فجأة نجد أنفسنا عند بيت شعري عادي ليس من طبع القصيدة ولا من جوها، ذلك أن فكرة الجسد مدنس هي فكرة أرضية ضيقة، وجاءت في القصيدة تناقض البيت: المرأة الأرض والسماء سـرة واحدة. تنـاقض ظاهري صريح لا يؤدي الى التحام باطني. ويستدعي النار كي تطهر الجسد: " شبي ايتها الحرائق في أحشائه- طهريها كلا لن يتحرر الجسد إلا إذا تحرر من جنته التي وعد بها" لو أن حل المعضلة الكونية بهذه البساطة بوساطة النار التي تطهر الجسد لما كان الشعر ولا الفن؛ إلا أن الشاعر لا يكتفي بالحريق، إن الحريق لن يحرر إلا إذا تحرر الجسد من جنته. فالجنة هنا كفكرة هي التي تصحح مسار وسلوك المرء الذي يرغب بها فتسمح له بالمرور من هنا ولا تسمح له من هناك وضعت علامات المرور في مسيرة الانسان، تلك المسيرة التي ما انفكت تتسع وتمتد، وهو لن يتحرر، الجسد، إلا إذا تحرر من علامات الطريق التي ستقوده الى فكرة الجنة وارضها. أظن أن الأمر ليس كذلك، إنه أعقد بكثير، وإن كانت قصيدة تقويم للفلك ضاربة فـي اتساعها وعمقها فإن هذه الفكرة، فكرة الجسد والروح.. كي تبحر في مائها، كان على الشاعر أن ينقذها من عموميتها يرفعها الى سطح القصيدة. ان فكرة الجسد مع الروح هي فكرة ثنائية داخلها استقطاب محرك هو بحد ذاته سر الكون والوجود فكما الروح مقدسة فالجسد هو كذلك مقدس، والحياة في الجسد الانساني هي وحدة لا تقبل التفريق، ولن يتحرر الجسد بالنار ولا بفكرة إلغاء الجنة او التحرر منها. ان التحرر كما أظن سيتم بطريق آخر قد أشار اليه الشاعر في احد المقـاطع، المقطـع الثامن عشر، هذا اذا اعتبرنا SDR-3X هو مقطع مستقل: " انطلق ياسهم الرغبة وزمزم: سلاما فيثاغورس! سنقول للشعراء ما كنت ساررت به مريديك: تقمصوا لكي تعرفوا كيف تزورون اجساد النباتات في بيوتها تآخو من جديد في اسرة الغصون وفي احضان العشب لكي تلآموا الجراح بينكم وبين بقية الكائنات". إن التحرر هو الحلول في الوحدة الكلية، وبدونه لن يكون تحرر، لا بالنار ولا بالجنة. إن الشعر الذي ينبض في قلب الشاعر هو أبعد من السماء، إنه العنصر الـذي تطمح اليه السماء، انه الخالص النقي الذي تطمح اليه الكينونة "ساكنا في سريرة الخلق" :" كلا، لن أزوجك للشعر، أيتها السماء إلا عندما تصيرين أختا للتراب" فالشعر لن يكون من حصة السماء إلا إذا هبطت، كما كانت تفعل أيام بداية الخلق، هبطت السماء تتعرف من جديد إلى تراب الأرض، تلتحم به. فتحرر الجسد يوازي زواج السماء للشعر، فلن يتم التحرر إلا حين تهبط السماء الى أرض الخلق لتتعرف عن الذي يدور فوق التراب. وتنتهي القصيدة بمقطع القمر: " لكن، لكن لماذا يظهر القمر الآن، في شكل طنبورٍ على شرفة العرس؟ أهو تقويم للفلك، هذه السنة؟ الى جانب الجـرار المليئة بدمع الشجر سنمضي السهرة معا، هذه الليلة" هل الجرار التي يتحدث عنها الشاعر هنا، هي القوارير التي ملئت بزيت التاريخ؟ وهل هو العريس الذي كان غائبا -حاضرا يرى الى ظهور القمر، أو يظهر مع القمر في شكل طنبور على شرفة العرس؟
#حسين_سليمان-_هيوستن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النيل الذي لا يكف، إلا أن يجري ولو متأخرا - قراءة في قصيدة ك
...
-
ليليت لن تعود- قراءة في الثقافة العربية
-
كوة الحائط العالي حد الدنيا
-
رسالة إيميل- بعدما انتهى عيد الحب
-
اجنحة ماركيز المقلوبة
-
عن الحب فقط- مدن الحب
-
الأم في العام 1905
-
المرأة ذات الوجه الأبيض- 2
-
المرأة ذات الوجه الأبيض
-
حب إيــه بعـــد ثلاثــين عـامـا
-
الجنِِــة جيدة- قصة مكتوبة على حائط مهمل
-
طالعة من بيت -أبوها-
-
حبي لها كان كاذبا
-
ما حال القصيدة إن انقطعت الكهرباء
-
تترك قلبها على ظهر حصان يركض
-
لعبة ورق
-
تعبر من أمامه راكضة وهـي تخفق كطير( تمهــيد للقصــة – حرف ال
...
-
يصل صوتها عبر المحمول... من القاهرة
-
صحراء مثل الجنة
-
مقالة في الشعر العربي المعاصر- منذر المصري
المزيد.....
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|