|
الشريعة الإسلامية كتبت لحل مشاكل القرون المنصرمة وغير صالحة للقرن الحادي والعشرين
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 3884 - 2012 / 10 / 18 - 11:37
المحور:
مقابلات و حوارات
الشريعة الإسلامية كتبت لحل مشاكل القرون المنصرمة وغير صالحة للقرن الحادي والعشرين
حوار مع صحيفة الطيف (2-2) اجرى الحوار: معد الشمري
عبد الخالق حسين للطيف: الشريعة الإسلامية كتبت لحل مشاكل القرون المنصرمة لكنها غير صالحة للقرن الحادي والعشرين -أعارض تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق، وفي أي مكان آخر في العالم - لست طائفياً وأدين الطائفية بقوة لأنها سبب خراب العراق، وانقسام شعبه - اتهموني بالتحول من العلمانية إلى الإسلام السياسي، لمجرد ذكري كلمة (المظلومية) - لا يمكن تجاوز المرحلة الراهنة عبر تحدي المشاعر الدينية - أنا واثق من انتصار الديمقراطية في النهاية، لأن ليس للعراق حل آخر - الكتاب الشيعة الذين يهاجمونني مصابون بعقدة النقص - أنا علماني ديمقراطي ليبرالي أؤمن بحرية الفرد وحقوق الإنسان والحيوان - كامل الجادرجي يتهم صالح جبر بالطائفية لأنه تزعم حزباً سياسياً
الطيف: انت متهم بالانحياز للمالكي ولهذا الاتهام ما يبرره إذ أصبحت مقالاتك تنشر على موقع (عراق القانون) المتشدد في دعمه للمالكي؟
عبد الخالق: وكذلك مقالاتي تنشر على مواقع متشددة في عدائها للمالكي، فأنا أنشر في أكثر من ثمانين موقعاً وبدون مقابل، بينما يكتب خصوم المالكي مقابل مكافئات سخية لقاء هجومهم على المالكي في الصحف الخليجية وغيرها، ليعاد نشرها على بعض المواقع العراقية التي صارت ذيولاً أو ملاحق لتلك الصحف. فغاية الكاتب إيصال أفكاره إلى أكبر عدد ممكن من القراء، ولا يهمه الموقع. وإذا كان أعضاء هيئة تحرير موقع عراق القانون يرحبون بمقالاتي فأنا أشكرهم، وأشكر أي موقع آخر ينشر لي ومنهم صحيفة الطيف الغراء، فهل صحيفة الطيف متشددة في دعم المالكي؟ بالمناسبة، لو تزور موقع عراق القانون ستجد فيه مقالات وتقارير وتعليقات ضد المالكي وضد كتلة دولة القانون. فهذه التعددية في الآراء تجربة ديمقراطية جديدة على العراقيين، يجب أن نرحب بها، لا أن نتطير منها.
الطيف: مالذي يجمعك، وأنت العلماني اليساري، مع الإسلاميين الذين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق التي كنت تعارضها؟ عبد الخالق: أنا مازلت أعارض تطبيق الشريعة الإسلامية في العراق، وفي أي مكان آخر في العالم، لأن الشريعة فشلت في التطبيق حتى في عهد الخلافة الراشدة، ولذلك قتل ثلاثة خلفاء راشديين من أربعة. فالشريعة الإسلامية كتبت لحل مشاكل قبل 15 قرناً، ولا تصلح لحل مشاكل القرن الحادي والعشرين، فهل يقبل أي مريض اليوم بأن يعالج بطب مورس قبل 15 قرناً؟ كذلك إني واثق من أن الإسلاميين (سنة وشيعة)لا يستطيعون تطبيق الشريعة في العراق، لأن المعارضة العلمانية في البرلمان وخارجه أوسع من قدرات الإسلاميين. ولكن من حق الإسلاميين أن يبشروا بأيديولوجيتهم، فكل تيار يسعى لتطبيق أيديولوجيته التي يتبناها ويبشر بها، الإسلاميون يريدون تطبيق الشريعة، والشيوعيون يريدون تطبيق الماركسية- اللينينة، والبعثيون والقوميون العرب يريدون إلغاء الدولة العراقية وصهرها في بوتقة الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، والعلمانيون الديمقراطيون، وأنا منهم، يريدون تطبيق النظام العلماني الديمقراطي، والحفاظ على وحدة الدولة العراقية أرضاً وشعباً. وهكذا نرى كل حزب بما لديهم فرحون. وأنا أعتقد أنه يجب التمسك بالديمقراطية وإنجاحها، لأن الديمقراطية، رغم أنها لا تخلو من أخطاء، إلا إنها تمتلك آلية تصحيح أخطائها. وأنا واثق من انتصار الديمقراطية لأن ليس للعراق حل آخر، وفي نهاية المطاف، لا يصح إلا الصحيح.
الطيف: بعد كل هذا التأييد للمالكي، هل ما زلت علمانيا أم أن تحولا أيديولوجيا قد طرأ على أفكارك؟ عبد الخالق: كما بينت في الاجابة السابقة، أنا علماني، ديمقراطي، ليبرالي، أؤمن بحرية الفرد، وحرية التعبير، وحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، وحماية البيئة...الخ، ولكن هناك البعض لم يجد عليَّ شائبة فاضطر إلى تلفيق إدعاءات باطلة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، اتهمني أحدهم بالتحول من العلمانية إلى الإسلام السياسي، ودليله هو أن وردت كلمة (المظلومية) في إحدى مقالاتي، وادعى أن هذه الكلمة هي إسلامية ودليل على انتمائي الإسلامي!! والمفارقة، أرسل لي أحد الأصدقاء مقالاً لنفس الكاتب، بعنوان: (أسئلة حول مقالة من الاصلح للدكتور عبد الخالق حسين)، نشر قبل مقالي المشار إليه بعامين، وكان قد استخدم فيه كلمة (المظلومية) عدة مرات. فتصور مدى الإسفاف وبؤس فكر هؤلاء وحججهم.
الطيف: هناك من يتهمك بالطائفية لأنك تقف مع الأحزاب الشيعية رغم اختلافك السياسي معها فكيف ترد؟ عبد الخالق: شكراً على هذا السؤال المهم جداً، لأن هذه التهمة تتردد عند البعض، وخاصة من قبل كتاب منحدرين من خلفيات شيعية. ومشكلتي أني أيضاً منحدر من خلفية شيعية، ويبدو أن هذه الخلفية لا تخلو من خطورة. لذلك أرجو أن تسمح لي بأن أتوسع في الإجابة على هذا السؤال، وربما يصلح ليكون مقالاً مستقلاً بذاته.
الطائفية سبب خراب العراق
كلا، أني لست طائفياً، وأدين الطائفية بقوة، فالطائفية هي سبب خراب العراق، وانقسام شعبه على نفسه. والطائفية أساس معظم مشاكل العراق، وإذا قال كارل ماركس "أن تاريخ البشرية هو نتاج الصراع الطبقي"، فأنا أقول: "أن تاريخ العراق الحديث هو نتاج الصراع الطائفي". ولذلك، أعتقد أنه لا يمكن حل مشكلة الحكم في العراق إلا بالتخلص من الطائفية. وهذا الحل لا يأتي بالسكوت عن الطائفية، كالنعامة التي تطمس رأسها بالرمال وتكشف مؤخرتها للصياد. فالطائفية مرض اجتماعي وبيل لا بد من تشخيصه وفضحه، وبالتالي إيجاد العلاج الناجع له. ولكن، وللأسف الشديد، يرى بعض المثقفين والسياسيين، وخاصة المنتفعين منها، أن من يتعرض للطائفية هو كمن يدعو لها، ولم يسلم من إلصاق تهمة الطائفية به. لقد أكدت في كتابي (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق)، أنه نظراً لتعددية مكونات الشعب العراقي، الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية، لا يصلح للعراق إلا نظام حكم علماني ديمقراطي ليبرالي. والمفارقة، أني عندما أنشر مقالاً أدافع فيه عن الأقليات الدينية، والأثنية المضطهدة في العراق، أو عن الأقباط في مصر، أو أي مكان آخر في العالم، تصلني رسائل الثناء والإطراء والشكر. ولكن ما أن أنشر مقالاً أفضح وأدين فيه مظلومية الشيعة عبر التاريخ في العراق والبحرين والسعودية ومصر، وما يتعرض له الشيعة من حرب الإبادة من قبل الإرهاب البعثي- القاعدي في العراق، حتى ويشهر في وجهي سيف تهمة الطائفية، والانحياز للشيعة، وكأن الشيعة ليسوا بشراً، ولا يجوز الدفاع عنهم في حالة تعرضهم إلى الظلم، ولا تشملهم مواثيق ومبادئ حقوق الإنسان الدولية.
نقادي الشيعة مصابون بعقدة النقص والمفارقة الأخرى، أن معظم موجهي هذه الاتهامات الشنيعة لي هم من الكتاب الشيعة ولأغراض سياسية انتهازية، وهذا ناتج عن إصابتهم بعقدة النقص والشعور بالدونية بسبب تعرضهم للمظالم طوال التاريخ حتى صار عندهم تعرض الشيعة إلى الاضطهاد أمر طبيعي ومسلم به، لا داعي لإثارته والاحتجاج عليه للتخلص منه. وصار في عرفهم، أن أية إثارة لمشكلة الطائفية، خاصة من قبل كاتب صادف أن يكون من خلفية شيعية، فلا بد وأن تلصق به تهمة الطائفية والترويج لها. فالفئات التي حكمت العراق ومارست الطائفية عملياً لم تسمح بالحديث عنها، بل فرضت الصمت على ضحايا الطائفية، وإذا ما تجرأ كاتب ولو بالشكوى منها، شهروا سيف تهمة الطائفية عليه لإسكاته. وهذا خطأ، فكما ذكرت، أن الطائفية مرض سياسي عضال لا ينتهي بالسكوت عنه، بل بتشخيصه وفضحه وإيجاد العلاج الناجع له.
معظم مرتكبي جرائم الإرهاب هم من السنة كذلك ربطوا تهمة الطائفية بتهمة التهجم على العرب السنة. وهذه التهمة طبعاً باطلة وشنيعة ولا أساس لها من الصحة، يراد منها الابتزاز وممارسة التخويف والإرهاب الفكري، فأنا أفضح جرائم البعثيين الذين تسببوا في تدمير العراق. ولسوء حظ الجميع، أن معظم البعثيين الذين ارتكبوا الإرهاب ضد الشعب العراقي بعد سقوط حكم البعث هم من السنة، وتلقوا الدعم من السنة وبعض الشيعة والدول العربية، بحجة مقاومة الإحتلال، ولكن أكثر الضحايا كانوا من الشيعة، وهذا معروف لا يختلف عليه اثنان. وهذه السياسة هي ضمن تكتيكات حزب البعث. فالمعروف أن البعث يستميل له الأقلية في كل بلد عربي يهيمن فيه على السلطة، ويستغلها لدعم سلطته، فيغدق عليها بالمال والنفوذ والمناصب في السلطة ليربط مصيرها بمصير الحزب. ففي سوريا مثلاً، ربط البعث السوري مصير العلويين به، وأكد لهم أنه إذا ما ذهب الحزب فسيبادون. ولذلك نرى العلويين في سوريا متفانين في الدفاع عن حكم البعث لأنهم في هذه الحالة يدافعون عن أنفسهم. وحصل الشيء نفسه في العراق. وقد نجح البعثيون بعد سقوط حكمهم، في طرح أنفسهم بأنهم الممثلون الشرعيون للسنة العرب في العراق. وقد وقع العرب السنة في هذا الفخ البعثي، فراح كثيرون منهم يدافعون عن البعثيين ويأوون الإرهابيين الجناة الوافدين من السعودية وغيرها من أتباع القاعدة لقتل الشيعة، وأعلنوا أن قانون اجتثاث البعث هو اجتثاث للعرب السنة. ليس هذا فحسب، بل راح البعثيون والمتعاطفون معهم يعتبرون أي نقد للبعث هو تهجم على السنة العرب. لذلك كتبتُ في مناسبات عديدة حذرتُ أنه على العرب السنة أن ينأوا بأنفسهم عن البعثيين، ويدينوا جرائمهم، ولكن دون جدوى...
السنة يعتقدون أنهم وحدهم لهم الحق في الحكم والمشكلة الأخرى التي نواجهها في العراق منذ تأسيس الدولة العراقية وإلى الآن هي، أن الكثير من السياسيين العرب السنة صارت عندهم عقيدة راسخة أشبه بالبديهية المسلَّم بها ولا تقبل النقاش، مفادها أنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق، واستلام المناصب الرئيسية في الدولة، والتفرد بصنع القرار السياسي، وبالأخص منصب رئيس الوزراء الذي صار عندهم خط أحمر لا يجوز التجاوز عليه، ولا يمكن أن يخرج منهم. وهذا الموقف تبنوه منذ العهد الملكي، فأقاموا الدنيا ضد رئيس الوزراء الشيعي صالح جبر عام 1948 بحجة الاعتراض على معاهدة بورت سموث، بدليل أنه حتى بعد إلغاء هذه المعاهدة، وإسقاط حكومة صالح جبر، وتبديله بشيعي آخر وهو السيد محمد الصدر لتهدئة الوضع وامتصاص غضب الشارع العراقي، ولكن بعد ثلاثة أيام من تعيين الصدر رئيساً للوزراء، وكما أخبرني شاهد عيان ثقة، خرجت مظاهرة من جامع الشيخ عبدالقادر الكيلاني ضد الصدر، يرددون هتاف (ردناك عون، طلعت فرعون يا بو لحية النايلون)!!
وحتى في عهد الرئيس الراحل عبدالرحمن محمد عارف، عندما اختير الفريق ناجي طالب، القومي العروبي الشيعي، رئيساً للوزراء، خرجت مظاهرة في الأعظمية تطالب بإقالته لأنهم لا يريدون حكومة يرأسها "شروكي!!" على حد قولهم. المشكلة أنهم لا يعتبرون رفضهم الشيعي لمنصب رئاسة الوزراء سلوكاً طائفياً، ولكنهم يتهمون كل من يعارض هذا السلوك طائفياً، يعني: "رمتني بدائها وانسلتْ".
لذلك، أعتقد أنه يجب الوقوف بحزم إزاء هذا الموقف الطائفي الخطير، والذي هو موروث تركي، إلى أن يتم التخلص منه، ومن هذا الادمان على احتكار السلطة واحتقارهم للشيعة. فالشيعة عندهم شراكوة، وعجم، وتبعية إيرانية، وصفوية... إلى آخر النعوت التي ما أنزل الله بها من سلطان. فإطلاقهم هذه التسميات على أكثر من 60% من الشعب العراقي لا يعتبر موقف طائفي وإهانة للشعب، ولكن من يطالب بالتخلص منها هو طائفي!!
على السياسي الشيعي أن يضطهد الشيعة كي يثبت عدم طائفيته كذلك نشروا مفهوماً آخر راحوا يرددونه باستمرار حتى صار أشبه بالبديهية، وهو أن كل شيعي سياسي، هو طائفي. وليثبت هذا السياسي الشيعي عدم طائفيته لا بد وأن يساهم في اضطهاد الشيعة إذا كان في السلطة، كما شاهدنا ذلك في لقطات الفيديو الذي بيَّن سلوك عزيز صالح نومان الخفاجي، ومحمد حمزة الزبيدي، حيث كانا يتنافسان مع علي حسن المجيد (الكيمياوي) في ركل وتعذيب ثوار انتفاضة آذار 1991. وإذا كان الشيعي كاتباً، فهو طائفي ما لم يساهم في شتم السياسيين الشيعة ويتهمهم بالطائفية، والتبعية الإيرانية، وأنهم يريدون تطبيق حكم ولاية الفقيه...الخ. وقد بلغ الأمر حداً أنه حتى السيد حميد مجيد موسى، زعيم الحزب الشيوعي العراقي، لم يسلم من هذه التهمة، إذ أخبرني صديق أن شيوعياً سنياً ترك الحزب، ولما سألوه عن السبب قال: ما كنت أعرف أن سكرتير الحزب شيعي طائفي... فتصور لا يجوز للشيعي أن يتبوأ حتى زعامة حزب معارض مثل الحزب الشيوعي، المفترض به فوق القوميات والأديان والطوائف!!
خلاصة القول، إذا أراد العراقيون بمختلف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم أن يعيشوا بسلام، عليهم أن يتحلوا بروح التسامح، ويتقبلوا التعددية والاختلاف في الأديان والمذاهب، واعتبارها معتقدات شخصية بين الإنسان والإله، وليس من حق السياسيين، أو أي إنسان آخر التدخل فيها، ومن حق الإنسان أن يؤمن بما يشاء، إذ (لا إكراه في الدين)، وعلى العراقيين أن يدركوا أن العراق وطنهم جميعاً، ويركزوا على ما يوحدهم، وهو الانتماء للعراق والولاء له، ليعيشوا بسلام آمنين مرفهين، ويتبنوا الشعار (الدين لله والوطن للجميع).
* ألا تعتقد أن اتهامك للعرب السنة بأنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق فيه قدر من الظلم والاجحاف لأنك وضعتهم كلهم في خانة واحدة بينما هم يختلفون حول الأمور السياسية وغيرها كباقي شرائح المجتمع؟ ألا ترى في هذا الطرح نوعا من الطائفية التي تقول إنك تعارضها؟
عبدالخالق: بالتأكيد هناك عرب سنة علمانيون، وضد الطائفية، ومع مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي في الحكم وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع، وأنا لم أضعهم جميعاً في خانة واحدة، معاذ الله، كما جاء في سؤالك. ولكن المشكلة أن أغلب هؤلاء، صامتون وإن كتبوا فأغلب نقدهم للطائفية موجه ضد الأحزاب الشيعية، فالإنسان يرى القشة في عين غيره ولا يرى الخشبة في عينه. فالأكثر شيوعاً هو الاتجاه المعارض لمشاركة الشيعة بالسلطة بما يناسب ثقلهم السكاني، وما تفرزه صناديق الاقتراع. وكل ما نشاهده ونقرأه هو نزعة الحط من الشيعة واتهامهم بالتبعية الإيرانية ونعتهم بالصفوية، وحتى التشكيك بعروبتهم وانتمائهم للعراق، دون أن نسمع أو نقرأ أية إدانة من السياسيين العرب السنة، بمن فيهم العلمانيون، لهذه الحملة الضارية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الآن. ففي الثلاثينات من القرن الماضي نشر كاتب يسمى (عبدالرزاق الحصان)، وبدعم عدد من رجال السلطة في ذلك العهد كتاباً بعنوان (العروبة في الميزان) واصفاً فيه الشيعة بأنهم "شعوبيون بالإجماع، فرس بالإجماع، وهم من بقايا الساسانيين في العراق، ولا حق لهم في السلطة، أو أي تمثيل في السلطة!! لأن الأجنبي ليس من حقه المساواة مع ابن البلد". أي أنه اعتبر الشيعة الذين قادوا ثورة العشرين أجانب!
وهل يجوز أن تلام طائفة على أفكار شخص كتب كتابا قبل ثمانين عاما؟ لو تقرأ تاريخ العراق الحديث، وخاصة كتاب حنا بطاطوا، وكتب حسن العلوي، والدكتور سعيد السامرائي، وعبدالكريم الأزري...وآخرين، مروراً بسلسلة مقالات صحيفة الثورة عام 1991 بعنوان (لماذا حصل ما حصل)، وإلى الآن ما ينشر من شتائم ضد الشيعة على مواقع الانترنت، تجد الاتجاه المناهض للشيعة هو السائد لدى أغلب السياسيين العرب السنة إلا ما ندر. وحتى الراحل كامل الجادرجي، الديمقراطي الليبرالي، لم يخفِ مشاعره المعادية لصالح جبر (الشيعي)، واتهامه بالطائفية، لا لشيء إلا لأن الأخير تزعم حزباً سياسياً. كما وإن الجادرجي رفض مذكرة الشيخ محمد رضا الشبيبي عام 1965 في عهد الرئيس عبدالسلام عارف، والتي طالب فيها بالإصلاح السياسي والتخلص من الطائفية. وتهكم مرة حول مطالبة زعماء الشيعة بحقوقهم، قائلاً أن الشيعة طلاب وظائف في الدولة. وكأن الشيعة العراقيين لا تشملهم حقوق المواطنة ولا يحق لهم الحصول على وظائف في الدولة. وإذا كان هذا هو موقف الجادرجي، رائد الديمقراطية الليبرالية من الشيعة، فما بالك بمواقف غير الديمقراطيين؟ وهنا نشير إلى قراءة كتاب الراحل عبدالكريم الأزري، الموسوم (مشكلة الحكم في العراق)، الذي خصص فصلاً كاملاً لهذا الموضوع. وهناك كتب كثيرة أخرى تؤكد على هذا الموقف المعادي للشيعة وضد مشاركتهم في الحكم حسب استحقاقهم الانتخابي. لذلك أؤكد مرة أخرى أنه لا تقوم للعراق قائمة، ما لم يتخلص الجميع من نزعة احتكار السلطة من قبل طائفة معينة، وأياً كانت هذه الطائفة، سنة أم شيعة. إن اتهام كل من يدين الطائفية بالطائفي هو بحد ذاته موقف طائفي ومسعى لتكريس الطائفية، وابتزاز كل من يدينها. ولهذا السبب وكما قال حسن العلوي: "يتحاشى معظم الشيعة بحث موضوع كهذا لكي لا يتهموا بالطائفية التي تلاحقهم وتثير فيهم الرعب".
* الطيف: ولكن بعد كل هذا الكلام عن طائفية السنة، ألا تعطي الحق لمن يتهمك بالطائفية وهو يجد هذا التناقض الكبير بين مدعيات عبد الخالق حسين بالعلمانية ومواقفه الحقيقية المؤيدة للحكم الشيعي؟ عبد الخالق: أين هو التناقض؟ للأسف الشديد، اعتاد العراقيون على التعامل مع الرأي الآخر المختلف بالعنف، سواء عنف الخطاب، أو العنف الجسدي، وتاريخنا مليء بالأمثلة المؤلمة. فلغة التخوين والعمالة والارتزاق، أصبحت هي السائدة في القاموس السياسي العراقي والعربي، يطلقونها بسهولة على كل من يختلف معهم في رأي أو موقف، ودون رادع من أخلاق أو وازع من ضمير. فكل إنسان يبحث عن تبريرات للطعن بخصمه، وتلفيق اتهامات ضده لتشويه صورته، وابتزازه، وتصفيته اجتماعياً وسياسياً، وحتى جسدياً لو تمكن من ذلك. ولكن، ولحسن الحظ، مقابل الذين يتهمونني بالطائفية والتناقض بين الأفكار والمواقف، هناك أضعاف مضاعفة من الأخيار الشرفاء الذين يتفقون معي، ويطالبونني بالاستمرار على نهجي الصريح في التصدي للأفكار الشوفينية والمواقف الخاطئة. فالسياسة موضوع مثير للجدل والاختلاف، ومن يخوضها، تنظيراً أو ممارسة، لن يسلم من النقد والهجوم الاتهامات الشنيعة. ومن يريد تجنب النقد، يجب عليه أن يكتب عن الأزهار والحدائق والطبخ، بدلاً من الكتابة في الشأن العام المثير للجدل والاختلاف وحتى الخصومة، إذ كما قيل: "رضى الناس غاية لا تدرك".
* الطيف: هناك من يقول إن عبد الخالق حسين يعيش مرفها وحرا في دولة علمانية كبريطانيا بينما يؤيد نظاما إسلاميا قاسيا في العراق لأنه بصراحة غير متضرر منه ولو عاش هناك لكان له موقف مختلف؟ عبد الخالق: نعم، أنا أعيش حياة مريحة نسبياً في بلاد متقدمة بلغت مبلغاً عظيماً في الحضارة والديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان. ولكن حياتي هذه لم تنزل عليَّ من السماء بطبق من ذهب، بل بذلتُ في سبيلها جهداً وعرقاً شديدين طوال حياتي الدراسية والعملية، سواءً في العراق أو في بريطانيا. وأنا من أشد المتضررين من الحكومات المتعاقبة في العراق وإلى الآن. وموقفي من الحكومة الحالية لا علاقة له بالأشخاص، وإنما بالعراق وشعبه فقط، فكل ما نريده للعراق هو أن يخرج من هذه المرحلة العصيبة بأقل الأضرار، إلى أن يستقر ويتحقق حلم العراقيين في بناء دولتهم الديمقراطية المزدهرة. وهناك من يقول أن عراقيي الخارج لا يعرفون ما يجري في العراق. وهذا خطأ، فنحن نعيش في عصر التقنية المعلوماتية، والانترنت، والفضائيات، وعلى اتصال دائم مع أهلنا وأصدقائنا في الداخل، ونتابع كل صغيرة وكبيرة لما يجري في العراق أولاً بأول. والتقنية المعلوماتية المتطورة قضت على الحواجز والمسافات والحدود، فحوَّلت العالم إلى قرية كونية صغيرة. لذا فتهمة كوني لا أعرف ما يجري في العراق لأني بعيداً عنه لا تصمد أمام أية مناقشة منصفة في ظروفنا الحالية.
* الطيف: هل لديك نية بالعودة النهائية إلى العراق خصوصا وأنك تؤيد حكومته الحالية؟ عبد الخالق: لا نية لي للعودة إلى العراق وذلك، لأني لا أملك أي شيء مادي فيه يساعدني على العيش هناك، لا أرض ولا سكن ولست في عمر التوظيف، إذ أني متقاعد الآن، وهذا لا علاقة له بموقفي من الحكومة، الحالية واللاحقة. * الطيف: لماذا لا تعود وتشارك الشعب العراقي شظف العيش وتؤيد الحكومة من الداخل؟ عبد الخالق: أحيل القارئ الكريم إلى جوابي على السؤال السابق. وأضيف هنا أني على اتصال بالعراقيين في الداخل، مع الأهل والأصدقاء، وكذلك أستلم رسائل الإيميل من القراء في العراق، والغالبية تؤكد لي أن المستوى المعيشي تحسن كثيراً عما كان عليه في عهد البعث بمئات المرات. فالأستاذ الجامعي الذي كان راتبه لا يزيد عن ثلاثة دولارات شهرياً، وكان يضطر لبيع أثاث بيته، ويعمل سائق تاكسي في الليل، بلغ الآن نحو ألف دولار وأكثر. وهكذا بالنسبة للفئات الأخرى، وكل حسب وظيفته وإمكانياته. لذلك، وبعد أن نسي الناس مصائب شظف العيش والاضطهاد أيام البعث الفاشي، استغل معارضو الحكم المشاكل الجديدة فراحوا يبالغون في الادعاءات عن التدهور المعيشي. ويمكن أن نعرف التحسن الكبير في مداخيل الناس من تصاعد أسعار العقارات والأراضي في المدن، وخاصة في بغداد، إلى مستويات خيالية تنافس حتى أسعار العقارات في لندن وباريس ونيويرك. وهذا دليل على ضخ كميات هائلة من النقد في السوق، حيث بلغ الناتج الوطني الإجمالي GDP لهذا العام نحو 12% وهو أعلى نسبة في العالم، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من الكساد الاقتصادي. طبعاً هذا الكلام يغيض أولئك الذين لا يستبشرون بالأخبار السارة للعراق، إذ صار كل همهم وديدنهم العزف على وتر التشاؤم، وبث الأخبار السيئة، والتأكيد على أن الحكومة الحالية هي أسوأ من حكومة صدام حسين، على حد قول أحدهم.
الطيف: هل تعقتد أن آراءك وأفكارك المؤيدة للمالكي ربما تتغير لو كنت تعيش في العراق؟ عبد الخالق: في سؤال سابق قلت أني تغيرت لصالح المالكي بسبب زيارتي لبغداد قبل ثلاث سنوات، وفي هذا السؤال تقول أني لو ذهبت إلى العراق لتغيرت أفكاري ضد المالكي!!، أليس في ذلك تناقض؟ على أي حال، جوابي هو: كلا، لا أعتقد ذلك، وكما بينت أعلاه، المالكي لم يفرض نفسه على أحد، بل اتفقت عليه الكتل السياسية، أي وضعته الأقدار في موقف صعب جداً، فالعراق يمر بمرحلة تاريخية عاصفة، ومن السهولة لأية كتلتين كبيرتين سحب الثقة منه وإسقاط حكومته لو أرادوا، ولكنهم لم يعملوا ذلك لأنهم لم يعثروا على البديل الأفضل. وأعداء العراق هم الذين أثبتوا أن المالكي مخلص للعراق بدليل تكالبهم عليه لإزاحته والتخلص منه لتخلو لهم الساحة لتدمير العراق مرة أخرى.
الطيف: وكيف تستشرف عراق ما بعد هذه الأزمات؟ عبد الخالق: الأزمات لن تنتهي، فالعراق بلد مأزوم منذ فجر التاريخ، ولكن هناك صعود وهبوط في الخط البياني للأزمات. وأنا متفائل بأن العراقيين سيتمرنون على الديمقراطية ويحسنون ممارستها واحترام نتائجها، إذ هكذا بدأت الديمقراطية في الدول الغربية المتقدمة، حيث مرت بمراحل صعبة، حروب وثورات، إلى أن تعودوا عليها وصارت جزءً من ثقاتهم وتقاليدهم. والعراقيون كغيرهم من البشر، لا بد وأن يتعودوا على الديمقراطية ويقبلوا بنتائجها، ويعيشوا معاً بسلام في السراء والضراء.
الطيف: ماذا يفعل عبد الخالق حسين حاليا؟ عبد الخالق:أنا أعتبر نفسي محظوظاً جداً لأني مدمن على القراءة، فبالإضافة إلى متابعتي للشأن العراقي، وما يجري في العالم من أحداث، أقرأ كتباً في مختلف المجالات، السياسية والفلسفية والاجتماعية والتاريخية، والعلمية، والأدبية. كذلك أحاول تنقيح مقالاتي، وإعادة تصنيفها وتبويبها حسب المحاور على أمل نشرها في كتب بعد العثور على ناشرين. ـــــــــــــــــ http://www.alteif.com/?p=12584 لمتابعة الجزء الأول من اللقاء: عبد الخالق حسين للطيف: لست تابعاً للمالكي.. والعلمانية أفضل نظام لحكم العراق (1-2) http://www.alteif.com/?p=12410
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لست تابعاً للمالكي، والعلمانية أفضل نظام لحكم العراق
-
من وراء رفع صور خامنئي في العراق؟
-
عراقيو الداخل... عراقيو الخارج
-
مخاطر تمرير قانون العفو العام عن مرتكبي الإرهاب والفساد
-
بهنام أبو الصوف في ذمة الخلود
-
الفيلم المسيء والرد الأسوأ
-
حول إغلاق النوادي الاجتماعية في بغداد
-
في مواجهة حرب الإشاعات
-
انفصام بعض السياسيين العراقيين عن الواقع
-
من المستفيد من الفتنة الطائفية؟
-
من هم سماسرة الطائفية؟
-
البعث والموساد، والذئب الذي لم يأكل يوسف!
-
فخري كريم واللعب بالنار الطائفية
-
من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟
-
القاعدة في سوريا
-
رايح زايد ويه المالكي!!!
-
سوريا تحترق..اللهم لا شماتة
-
هل ما حدث يوم 14 تموز ثورة أَم انقلاب؟
-
الديمقراطية المصرية أمام اختبار التحديات
-
دلالات فوز المرشح الإسلامي في مصر
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|