ميساء البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3883 - 2012 / 10 / 17 - 19:53
المحور:
الادب والفن
3
أتدري يا بحر .. بالرغم من قسوة هؤلاء البشر .. وفي قمة العذاب الذي يخلّفونه وراءهم كإعصار هائج حين يقلبون الطاولة رأساً على عقب .. ويمضون في طريقهم كأن شيئاً لم يكن .. وكأننا وراءهم ما كنا إلا أشباحاً أو ظلالاً .. ولم نكن أفئدة تعشقهم وفي هواهم تحتضر ..
على الرغم من كل ذلك وعلى الرغم أيضاً من أن هذا القلب أصبح كالصخر .. والمسافات غدت بعيدة جداً بين بني البشر .. والجدران ارتفعت أكثر فأكثر .. فما عادت الأعين تقوى على التلصص على ما يجري في حدائق الآخر وعلى شرفاته .. وما عاد يصلنا صدى أصواتهم في المساء حين يهدأ الكون ويهجع للنوم .. وما عادت تتسلل رنة ضحكاتهم إلينا ونحن في مخادعنا نسّبِح ونصلي وندعو الله أن يرحمنا من قسوة الآخر وعذابه .. قد تستغرب يا بحر أنه في هذا الأثناء نلتقي بأناس هم كذلك من بني البشر .. لكنهم ليسوا من بني البشر .. يمرون من أمام أعيننا كالسحر .. كالخيال .. كالحلم .. كالطيف .. كالنسيم .. كالسراب ..
يمسحون بأياديهم الطيبة على جراحنا فتشفى !
هل هم قادمون من زمن المعجزات يا بحر .. هل هم ممن يشفون المريض والضرير والمتيم بلا حبيب .. أم هم مجرد عابرون .. ونحن مجرد واهمون ؟
لست أدري يا بحر لكن وفي وسط هذا البركان الهائج من الحقد والسخط على الآخر نجد آخراً لا يشبهه من هؤلاء البشر أي أحد .. كأنه من عالم آخر .. كأنه من صنف آخر .. الملائكة مثلاً .. لكن بلا أجنحة .. ويسيرون على قدمين .. وقد يكونون ممن لا يجيدون الكلام .. لا بل قد لا ينطقون أبداً .. لكن حضورهم يكون ملائكياً بامتياز .. والنظرة الأولى منهم تشفي كل الجراح ..
هم كالحلم يا بحر .. يقطعون مسافة الحلم فقط .. يقفون بالخلف كالظلال .. يسحروننا كالسراب .. هم يرتقون كل ما ثقَبَه الآخر ومزقه من أوردة القلب .. ويرأبون كل ما تصدع بسببه من شغاف الروح .. ويزرعون البسمة على شفاه مزقتها الأعاصير وملامح شوهتها أصابع الغدر والخيانة ..
ويمضون !
هؤلاء يمضون ..
وهؤلاء يمضون ..
لكن البعض يجرح .. والآخر يداوي ..
وأنا أقص عليك يا بحري حكايتهم .. لكنك وحدك يا بحر من تشفيني وتشفي قلبي وروحي وملامحي من كل الجراح .. وحدك الحقيقة الكاملة في حياتي وكلهم مجرد عابرون . مجرد عابرون .
#ميساء_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟