|
حوار أملاه الحاضر 6 الشريعة وتطبيق الحدود ....الزنا (1)
عبد المجيد حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 3882 - 2012 / 10 / 16 - 23:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حوار أملاه الحاضر ... 6 الشريعة وتطبيق الحدود ..... الزنا (1) قلت لمحدثي : موضوع الزنا ، وهو فاحشة وإحدى الكبائر السبعة ، كونه العلاقة بين رجل وامرأة ، خارج إطار الزوجية ، هو أكثر الموضوعات حضورا عند الوعاظ ، وأئمة المساجد ، ومتصدري الجلسات العامة ، ومظهريي التدين ...الخ . والدعوة لتطبيق حد الزنا يتصدر الدعوات لتطبيق الشريعة وحدودها ، أليس كذلك ؟ قال : نعم هذا صحيح . ذلك أن تخليص المجتمع مما يتردى فيه من فساد ، ومعالجة ما تشهده مجتمعاتنا من فسق وفجور ، لا بد وأن يبدأ من هذه القضية المركزية . انتشار الزنا ، كما تعلم ، سببه غياب العقوبة الرادعة . والسكوت عليه يعني انتشار الرذيلة ، وإصابة الأسرة ، اللبنة الأساسية في تكوين أي مجتمع ، بخلل يعقبه عطب ، يشكل المرتكز والأساس لكل الأمراض المجتمعية اللاحقة . تلك الأمراض التي تعطل طاقات وقدرات وإمكانات أي مجتمع على البناء والنمو والتقدم ....الخ . قلت : ولأن هذا الموضوع شائك ، وتركيبته معقدة ، وحدوده وتطبيقها أكثر تعقيدا ، فدعنا نحاول ، بأكبر قدر من الهدوء والمنطق ، فك طلاسمه ، علنا نفيد ونستفيد . قال : من قال أنه موضوع شائك ومعقد ؟ وعن أي طلاسم تتحدث ؟ على العكس تماما هو موضوع شديد الوضوح ، سهل وبسيط ، والحدود فيه أيضا شديدة الوضوح ، لا تعقيد فيها ولا ما يحزنون ، وتطبيقها في منتهى السهولة . مجتمعات ما قبل الحداثة : قلت : تعال إذن نلقي معا نظرة على خريطة العالم ، ونستعين بالانترنيت ، ندخل إلى موسوعة من الموسوعات ، ونسأل : ترى هل كان هناك مجتمع واحد ، حتى قبل مائة سنة ، وليس في عصر نزول الدعوة ، يرى في العلاقة خارج إطار الزوجية ، علاقة شرعية ؟ هل يوجد مجتمع واحد على ظهر كوكبنا الأرض ، الآن ، يسمي هذه العلاقة باسم آخر غير اسم الزنا ؟ وهل يوجد مجتمع لا يقدس الأسرة ، ولا يعمل على صحة روابط أعضائها ؟ ألا تقوم تعاليم الأديان كلها ، الوضعية قبل السماوية ، الوثنية قبل التوحيدية ، بالحض على قدسية هذه الروابط ؟ قال : طبعا توجد مجتمعات كثيرة . ماذا تقول في الغرب إذن ؟ الغرب الذي يشرع الزنا ، ويعيش تفكك الأسرة ، وانعكاساتها السيئة على الأبناء ؟ قاطعته قائلا : رويدك يا صاحبي . لا أريد الدخول معك في جدل ، حول أي الأسرتين ، المسلمة أو الأوروبية ، توفر بيئة صحية أفضل للطفل ، لأنه ، أي هذا الحوار ، سيدفع بنا إلى خارج دائرة موضوع حوارنا هذا . أنا سألتك عن مجتمعات العالم حتى قبل مائة سنة . والمجتمعات الغربية ، وهي كثيرة ، وشديدة التنوع ، بدأت تخطو نحو ، وعرفت هذا التسامح تجاه هذه العلاقة ، أي خارج إطار الزواج ، بعد الحرب العالمية الأولى وأهوالها ، ثم تقدمت خطوات أوسع وأعمق ، بعد الحرب العالمية الثانية ، الأشد هولا من الأولى . وهذه المجتمعات ، ويمكنك أن تتأكد من أي مصدر معرفي شئت ، ما زالت تصنف العلاقة خارج إطار الزوجية ، كخطيئة ،وتسميها بنفس التسمية الأولى ، أي الزنا . والتسامح الذي حدث ، كان تجاه العقوبة التي كانت قاسية ، بل وشديدة القسوة ، وحتى وصلت إلى ما هي عليه حاليا ، أي الانفصال . وافقني هذه المرة بهزة من رأسه ، ولأعاود سؤاله : في تقديرك كيف كان حال المجتمع الحجازي قبل الدعوة ؟ هل كان ينظر للعلاقة خارج إطار الزوجية ، كعلاقة محبذة ؟ مرغوبة ؟ محببة ؟ مقبولة ؟ هل كان لا يعتبرها زنا ومن ثم خطيئة ؟ وهل كانت هذه العلاقة متفشية في المجتمع ، أم انطبق عليها ذات الحال ، كما هي في مجتمعاتنا الحاضرة ؟ قال : كانت الرذيلة متفشية في مجتمع الحجاز – مكة المدينة ، التي كان اسمها يثرب ، الطائف ، وما جاورها من البوادي – . كان ذلك المجتمع فاسدا . وكما تعرف كان الإسلام صاحب الفضل في إخراجه مما كان فيه . قلت : هذا كلام خطير . ويبدو أنك مثل كثيرين غيرك ، واظبت على ترديده دون أن تتوقف لحظة للتفكير فيما يترتب على قولك من نتائج . قال : وكيف ذلك ؟ قلت : كان عرب الحجاز خصوصا ، والعرب عموما ، شديدي الفخر بأنسابهم . ولعلك لم تسأل نفسك ، كيف يتفق فخرهم هذا مع حقيقة تفشي الرذيلة ، حيث يمكن أن تكون الأم غير شريفة ، ويكون الأب الحقيقي غير الأب المنسوب إليه ؟ قال : ولكن تفشي الرذيلة كان حقيقة ساطعة . هكذا تعلمنا ، وبه تقول كل العظات التي وصلتنا على ألسنة الوعاظ ، وحتى الأئمة والفقهاء والعلماء . قلت : على مهلك يا صاحبي . أود أن أسألك ، ورجاء لا تعتبر سؤالي استفزازيا . لقد بلغ صحابة النبي أكثر من مئة ألف – 117 ألفا في بعض المراجع و119 ألفا في أخرى – فهل كان بينهم من كان مشكوكا في نسبه ؟ قال متحفزا : لا أحد . قلت : بلى ، ونعرف منهم اثنين فقط : زياد بن أبيه ، وعمرو بن العاص . قال : زياد بن أبيه نعم . هذا واضح . أما عمرو بن العاص ، فحاشا وكلا . قلت : عمرو بن العاص كان ابنا لواحدة من صاحبات الرايات الحمراء ، واسمها النابغة ، يملكها وغيرها أبوه العاص بن وائل السهمي ، يشغلهن في البغاء . وحسب قوانين تلك الفترة ، كما تعرف من أنواع الزواج آنذاك ، كانت الواحدة إذا حملت تجمع الرجال الذين دخلوا عليها ، وتقول لواحد منهم : أنت والد من في بطني . ويقضي عرف ذلك الزمان أن يعترف ذلك الشخص بأبوة ذلك الطفل ، وهو ما حصل مع العاص وابنه عمرو . قال : هذا محض افتراء ، وهذا الصحابي الجليل أرفع وأشرف من أن يقال عنه مثل هذا الكلام . قلت : إذن اقرأ تاريخ الطبري ، أو تاريخ ابن كثير ، أو من شئت ، وتوقف عند الحوار الذي جرى بين علي بن أبي طالب وعمرو بن العاص ، أثناء معركة صفين . شتمه علي قائلا ، يا ابن النابغة . فرد عمرو والله لن أجالسك بعد اليوم أبدا . ومعنى مثل هذه الشتيمة عند العرب ، أن الرجل حين ينادى باسم أمه ، يقال له أنت ابن زنا . ولذلك كان رد عمرو ما رأيت . قال : سأرى ، رغم أن كتب التاريخ ليست بالمصادر التي يعتد بها في مثل هذه الأمور ، ورغم أنني متأكد ، ولا يخالجني أدنى شك ، بأن هذا الصحابي الجليل أشرف وأرفع مقاما من أن يقال فيه مثل هذا الكلام الفارغ . قلت إذن ما معنى وصفك لمجتمعات مكة ويثرب والطائف آنذاك بالسقوط في الرذيلة ، ثم لا تجد واحدا من أبناء ذلك العصر يمكن أن يُطعن في نسبه ؟ إذن ألا يحمل مثل هذا الوصف الكثير من المبالغة ، والكثير من التجني على الحقيقة ؟ وأخيرا دعني أسألك ، بعد كل هذا التمهيد للدخول في مسألة الحدود : هل كان مجتمع الحجاز قد شرع عقوبة ، وقام بتطبيقها ، لارتكاب الحرة – وأرجوك أن تتوقف هنا عند كلمة الحرة – أو الحر لخطيئة الزنا ؟ قال : لا أدري ، وربما يكون قد شرع لها عقوبة . لكن ما أعرفه أن ذلك المجتمع كان متسامحا أو متساهلا ، وربما ما كان يطبق أية عقوبة . قلت : ها أنت تعود لمغالطة نفسك من جديد . ودعني أنعش ذاكرتك : ألم تقرأ أسباب نزول آيات اللعان أو الملاعنة ؟ قال : بلى قرأتها . قلت : ألم يلفت نظرك أن المسلمين ، صحابة النبي المقربين ، تذمروا ووجدوا صعوبة في تقبل حكم الشهود الأربعة ، ومعها منع من يجد زوجته في حضن رجل ، وعلى فراش الزوجية ، من المساس بأي منهما ، والبحث عن شهود أربعة ، عدول ، لإثبات واقعة الزنا ؟ قال : نعم ذلك لفت نظري ، ولكن ما العمل ، فذلك حكم الله . قلت : أنا الآن لا أسألك عن حكم الله ، أسألك إن كنت فكرت في أسباب تذمرهم . قال : في الواقع لا . قلت : تذمروا لأن حكم الله نقض حكمهم القاضي بقتل طرفي الفعل فورا ، وبدون أي تردد . ذلك كان حكم الجاهلية ، كما تسميها أنت وأمثالك ، وهو الحكم المطبق منذ ما بعد الخلافة الراشدية ، وابتعاد العهد بالنبي وبدء الدعوة . وهو الحكم الذي تدافعون عنه بكل ما نراه من حماس ، وبدعوى أنه حكم الشرع . قال : ولكن ماذا تريدنا أن نفعل ؟ أتريدنا في غياب دولة الإسلام أن نترك الجناة يفلتون بفعلتهم ، فنهيئ تربة للفساد أكثر مما هو مهيأ لها ؟ قلت : إذن دعنا ننتقل لمسألة حد الزنا ، ولأسألك : هل عقوبة الزنا حد من عند الله ، أنزله ليضبط حال المجتمعات ، أم هو في الحقيقة تشريع سنه الناس ، لضبط مجتمعاتهم ، فارتضاه الله لهم ، على عادة أن يرتضي للناس ما ارتضوه لأنفسهم ؟ مع البداية : قطعت على محدثي جوابه قائلا : قبل أن تجيب ، وقبل أن نبدأ في طرح وعرض أشكال وأنواع الزنا ، والعقوبات المقررة شرعا لكل نوع ، دعنا نعود قليلا إلى البداية . قال : أي بداية تقصد ؟ قلت بداية الخلق ، فبداية العلاقات بين البشر ، متدرجين فيها إلى ظهور الإسلام ، وفرض الحدود . وبعد أن تيقنت من موافقته أضفت : تتفق الديانات السماوية الثلاث في قصة خلق آدم وحواء ، وفي ظهور البشرية من نسلهما . كانت حواء تلد توأما ، في كل مرة ، ولد وبنت . وكان الولد يتزوج أخته من التوأم الثاني . نشأت البشرية ، تكاثرت وتطورت ، وظل عرف زواج الأخ من أخته قائما وساريا ، ردحا طويلا من الزمن . وكان الله راضيا طوال هذا الردح الطويل من الزمن . راضيا لأن هندسة نشأة وتكاثر وتطور البشرية ، بهذا النحو ، هي من فعله . هو من قال لفعل الزواج هذا ، زواج الأخ بأخته ، كن فكان . وراضيا لأنه لم يضمن رسالة أي رسول ، وتعاليم أي نبي ، شيئا ضد هذا الزواج . لم يشر حتى إلى كونه مكروها قبل أن يقول بحرمانيته . وبعد ظهور الإسلام بقليل ، مع بدء التشريع في المدينة ، غدا هذا النوع من الزواج ، فاحشة ، وكبيرة هي أكبر الكبائر . ومعنى هذا التشريع الإسلامي أن كل البشرية هم أبناء زنا . احتج محدثي قائلا : لا أسمح لك بمثل هذا الافتراء . قلت : لماذا هو افتراء ؟ ألا تقر كل الأدبيات الإسلامية بهذه البداية ؟ قال : ولكن القاعدة الشرعية تقول بأن الضرورات تبيح المحظورات . وزواج الأخ بأخته ، وحتى الصراع على الأخت الجميلة ، والذي أدى لأن يقتل قابيل أخاه هابيل ، هو من باب هذه الضرورات . قلت : أيعني قولك أن الله لم يكن قادرا على تغيير هذه الضرورات ، بأن يخلق أكثر من آدم واحد ، وأكثر من حواء واحدة ، وهو بالمناسبة ما تقوله نظريات التطور ، فلا يضطر الأخ للتزوج من أخته ، ولا تكون البشرية كلها بالتالي أبناء زنا ؟ . ولأني لاحظت أن محدثي يستعد لشن هجوم صاعق ، سارعت إلى تذكيره بحكاية لوط وزناه ببناته ، وكيف أن مكانته عند الله لم تتأثر بهذا الفعل . وأن ادعاء التوراة بأنه لم يعرف ما حدث لا يقبله رضيع ، قبل العاقل . كما ذكرته بأن إبراهيم أبو الأنبياء كان متزوجا من أخته . صرخ محدثي مستنكرا : هذا غير صحيح . هذا افتراء ، لا ينطق به مسلم مؤمن بالها وكتبه ورسله . قطعت عليه الحديث مذكرا إياه باتفاقنا عن عدم القذف بالتكفير ، ومضيفا : أنا لست من يقول هذا يا صديقي ، ولكنها التوراة هي من تقوله . والتوراة لا تكتفي بذلك ، بل وتضيف أن أبانا إبراهيم ، حين هاجر إلى مصر ، هربا من القحط الذي أصاب فلسطين ، وكانت زوجته سارة بما هي عليه من جمال ، وبما يعرفه عن عشق سادة المصريين للنساء الجميلات ، وبدعوى الخوف من احتمالية أن يقتله سيد مصر ، كي ينفرد بسارة ، اتفق معها على أن يقولا أنها أخته ، ومن ثم قدمها طائعا للحاكم ، ومعللا الأمر بأنه قد يصيبهما الخير بسبب ذلك . وتضيف التوراة أن ذلك هو ما حصل . استمتع بها الحاكم ، ثم اكتشف بالصدفة ، ومن مداعبة من إبراهيم لها ، أنها ليست أخته . لاحظ هنا ، وحسب كلام التوراة أن التقاليد المصرية قضت بمنع مداعبة ، ومن ثم زواج ، الأخ للأخت . اعترف إبراهيم بأنها زوجته ، وأنها أخته غير الشقيقة في ذات الوقت . غضب الحاكم وطردهما من مصر ، لكنه أعطاهما كل الخير الذي حصلت عليه بسبب استمتاعه بها ، وعادا به لفلسطين . احتج محدثي مذكرا أن ديننا نفى هذه الحادثة ، وأن الله تدخل في الأمر ، وحال بين الحاكم المصري وبين لمس سارة . قلت : نعم أوافقك في ذلك . لكن أنا هنا لا يعنيني الآن موقف المسلمين من التوراة . أو أن القرآن نفى أو لم ينف هذه الحادثة ، أو أنه حتى لم يشر إليها ، واكتفى بأن أشارت لها الأدبيات الإسلامية الأخرى . وبالمناسبة تقول التوراة أن إبراهيم كرر هذه الفعلة مرة ثانية ، لكن مع ملك جرار الفلسطيني هذه المرة ، وكان اسمه أبيمالك ، وحصل منه على الخير بسبب ذلك مرة أخرى . وأكثر من ذلك ، عاود ولده اسحق ذات الفعل ومع ملك آخر من ملوك جرار الفلسطينية ، وكان اسمه أيضا أبيمالك ، مطابقا لاسم الملك الأول الذي استمتع بأمنا سارة . ما يعنيني أن زواج الأخ من أخته استمر إلى أبعد كثيرا من نصف عمر البشرية . وأيضا أن الله لم يعتبر تقديم إبراهيم زوجته لاستمتاع الملوك بها ، على أنه دعارة ، أو زنا ، أو خطيئة ، أو فاحشة . ولم ينقص ذلك من قدر إبراهيم ، ومن بعده اسحق ، عند الله وزن خردلة . فهل لك أن تفسر لي ماذا عنى كل ذلك ؟ قال : أنت تطلب مني أن أفسر ما أعتبره كذبا وافتراء على الأنبياء ، وليس أي أنبياء ، بل على أبينا إبراهيم وعلى سيدنا اسحق ، ثم تقول لي فسر ؟ قلت لك أن المسلم لا يعترف بهذه التوراة المحرفة مرجعا له . وأنا أستغرب كيف تراها أنت مرجعا ، ثم تستشهد بما ورد فيها ، وتستند إليه . قلت : ليست صحة أو عدم صحة التوراة موضوع حوارنا الآن . ويمكننا أن نعود في جلسة أخرى ، ولكنني أريد أن أنبهك إلى أن قصصها ظلت من أكثر منابع التأثير في الثقافة الإنسانية . وأن مليارات البشر تربوا على هذه الثقافة . وأن هذه الحكايات دخلت ، بشكل أو بآخر ، في صميم تربيتهم . ولكل هذا سأتحفك بحكايتين أخريين . الأولى تتعلق بيعقوب ، أو إسرائيل بعد تحول اسمه . يعقوب هذا ، والقول للتوراة ، جمع بين الأختين . تزوج ليئة في البداية ، ثم تزوج بأختها الشقيقة راحيل . ولم يكتف بالجمع بين الأختين ، بل جمع إليهما خادمتيهما . يعني أن الزواج من أربع نساء ، هذا التشريع الإسلامي ، كان السبق فيه لإسرائيل ، يعقوب . والملفت للانتباه أن قدر يعقوب ، رغم جمعه بين أختين شقيقتين ، وهو خطيئة ترقى إلى مرتبة الفاحشة ، لم ينقص عند الله وزن خردله . وأكثر تمسك الله لهؤلاء الثلاثة بوعده في إعطاء أرض فلسطين لهم ، بعد إبادة شعبها . من جديد قال محدثي : هذا كلام لا وزن له عندي ، لأن التوراة الحاضرة ليست مرجعيتي . قلت وماذا عن داود ؟ أنت لاشك تعرف أن النبي لم يذكره مرة إلا ووصفه بأخي داود . وداود في القرآن صاحب التسع والتسعين نعجة ، الذي طمع في نعجة أخيه . وبالمناسبة هذه الحادثة مذكورة في التوراة بذات النص تقريبا . وفيها حرج داود الملك إلى سطح قصره ، فرأى من مكانه امرأة تغتسل في صحن بيتها . أعجبته . وباختصار أقام معها علاقة فحملت منه . ولأن زوجها ، واسمه أوريا الحثي ، كان في الحرب ، كان ظهور حملها سيشكل فضيحة . أرسل داود وراءه ، وجاء أوريا . لكنه رفض دخول بيته ، تطبيقا لقاعدة عسكرية تقول بعدم جواز اقتراب الجندي من زوجته ، وزملاؤه في المعركة . أعاده داود إلى الجبهة ، مع توصية بوضعه في الأماكن الأكثر خطورة ، وقتل . تزوج داود من زوجة أوريا ، وجاء ولدهما مشوها ، ومات بعد مدة . لكن هذه الزوجة ، واسمها بَثْشَيَع ، ولدت له فيما بعد سليمان المعروف بسلمان الحكيم ، والذي ورث الحكم من بعده . وأقول : نحن هنا ليس فقط أمام حادثة زنا صريحة وواضحة ، بل وأمام تآمر على الزوج انتهى بقتله . ومع ذلك لم تتأثر مكانة داود في عيني الرب ، وعلى العكس زاد رضا الرب منه . وانعكس هذا في تقديس كل الأمم التي آمنت بإحدى الديانات السماوية الثلاثة له . فكيف تفسر لي هذا ؟ قال لست مضطرا لتفسير أي شيء لأن ذلك مجرد محاولة لتشويه النبوة والأنبياء . ونحن كمسلمين ، نربأ بأي نبي عن فعل ما هو أقل من هذا بكثير . قلت : ولكن أنا لدي تفسير . وتفسيري أن الله دائما ارتضى للناس ما ارتضوه لأنفسهم . وما ارتضوه ، لم ينقص من قدر أنبيائه شيئا ، رغم أنه حرَّم مثيل ما فعلوه لاحقا ، بل وغلظ هذا التحريم تغليظا كبيرا . قال : لا أوافقك ، وكما قلت لك أنا غير مستعد لمجرد النظر فيه ، لأنني أعتبره زورا وبهتانا ليس غير . قلت : إذن دعنا ننتقل إلى نقطة أخرى . إلى أشكال الزنا ، وعقوباتها كما وردت ونص عليها الشرع . ولنرى إن كان ما قلناه زورا وبهتانا ، أم حقيقة ساطعة . أشكال الزنا : قلت : أنت تعرف أن الزنا ، الذي وصف بالفاحشة ، وبالكبيرة ، وبإحدى الكبائر السبعة ، يتعدى الزنا المتعارف عليه ، بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج . هذا الزنا يأخذ أكثر من شكل وصورة . قال : نعم هذا صحيح . قلت : أول أشكال الزنا هو الذي يقع بين امرأتين ، المثليات كما نصفه الآن ، وقد نصت عليه الآية 15 من سورة النساء . والثاني هو ما يحدث بين ذكرين – المثليين – أو ما يعرف باللواط ، ونصت عليه الآية 16 من ذات السورة . ثم هناك ثالثا سفاح القربى ، والاغتصاب رابعا ، ثم الزنا المعروف لنا خامسا . وسألت : هل نسيت شيئا ؟ قال : حسب معرفتي لا . قلت : عقوبة النوع الأول حددته الآية بالحبس في البيت حتى الوفاة أو يجعل الله لهن سبيلا ، التوبة مثلا . والثاني حدد عقوبته بالإيذاء ، وعلى مرأى من الناس ، حسب نص الآية . ولأن الله عاقب قوم لوط ، الذين استمرأوا هذه الفاحشة ، بإهلاك المدينتين – سادوم وعاموراه - بحمم بركان مدمر ، فهم المسلمون أن حد الإيذاء هو الحرق بالنار . وهذا الحد ظل يقام في خلافة أبي بكر ، ثم في خلافة عثمان . أما عمر وعلي فاستبدلوا الحرق بقتل الفاعلين ، برميهما من مكان عال ، من فوق جرف صخري ، أو من فوق بيت سكني عالي . الآن لا ينبس المطالبون بتطبيق الشريعة ، ببنت شفة عن هذين الشكلين من الزنا . وأنت تعرف أن السكوت على الشيء يعني الرضا به ، وإجازته . قال : هذا غير صحيح . لا يجيز ، لا الشرع ولا حتى التقاليد والأعراف ، هذين الشكلين . قلت : أنا أقول أن الوعاظ والأئمة ، وهم يصرخون ضد الزنا ، ويتحدثون عن الفضيلة والرذيلة ، يتجاهلون واقع أن هذين الشكلين موجودان ، وممارستهما قائمة . وحتى لو أنك سألتهم فإنهم ينكرون وجودهما . وهذا لا معنى له سوى الرضا بما هو قائم . وأريدك أن تفهم رأيي وهو أنهم خيرا يفعلون . غمغم محدثي بشيء لم أفهمه ، ولذلك تابعت : أما الشكلان الثالث والرابع فأنت تعرف أنه رغم أن عقوبتهما مغلظة ، وهي قتل الفاعل ، لكن القائمين على الشرع يقومون بعملية طبطبة على الموضوع ، ولا حيز له في خطبهم وعظاتهم . وما يحدث أنه في حال افتضاح جريمة زنا المحارم ، أو سفاح القربى ، يقدم الأهل على قتل الأنثى ، وتحت ما يسمونه بغسل العار ، أو الدفاع عن شرف العائلة ، فيما لا يُمس طرف العلاقة الثاني ، على عكس ما ينص الشرع . والأهم أن جريمة غسل العار هذه تحظى دوما بمباركة رجال الدين ، ومن منطلق ما يصفونه بمحاربة الرذيلة . وتابعت : الأسخم ما يحدث مع النوع الرابع . فإذا كانت الضحية بكرا يأتي الحل بتزويجها من المغتصب . وهذا الحل يعني ليس فقط عدم تطبيق الشرع ، وإنفاذ عقوبة الحد بحق فاعل الجريمة ، بل ومكافأته بالزواج من الضحية . وعلى الناحية الأخرى يتم عقاب الضحية مرتين . مرة وقت الاغتصاب ، وثانية كل حياتها الزوجية اللاحقة . قال : في غياب دولة الإسلام ماذا تتوقع من رجل الدين ، أيبارك ما يحدث أم ماذا ؟ قلت : ولكن القانون الوضعي أيضا يعاقب الفاعل عقابا صارما . فلماذا لا تطلبون تطبيقه ، وفيه ردع للجناة أكثر مائة مرة مما يتم تطبيقه ؟ قال : نحن يا سيدي نريد تطبيق شرع الله ، ولا شيء أقل . لكن حتى يقام شرع الله لا بد أن تقوم دولة الإسلام ، وهذا ما نسعى إليه . قلت : وماذا عن النوع الخامس ، هل أنتم بالفعل ملتزمون ب ، وعازمون على ، تطبيق شرع الله ؟ قال : نعم بالتأكيد نحن ملتزمون وعازمون . قلت : لكن مسألة التطبيق هنا في غاية التعقيد ، وقبل ذلك تتناقض مع التربية ، التي اجتهدتم سنين طويلة ، في تنشئة الناس عليها . قال : أنت وأمثالك من تقولون أنها معقدة . وفي واقع الحال أحكامها واضحة وضوح الشمس ، ومن ثم فتطبيقها يكون سهلا وبسيطا ، ورادعا في ذات الوقت . رادعا بحيث ينتشل شعوبنا من هذا الفساد ، ومن أحضان الرذيلة التي تدفقت علينا من الغرب الفاسد ، ووصفت بألفاظ كبيرة مثل التقدم والرقي والمدنية والعلمانية والحضارة . قلت : المسألة تماما غير ما تقول ، وأنت تعرف ومتأكد من ذلك . فالزنا ، وهو العلاقة غير الشرعية ، بين رجل وامرأة ، حظيت باهتمام كبير في النص القرآني . والنص وقف على تفاصيل أنتم يا من تطالبون بتطبيق الشرع أول من يرفضها . قال : من أين لك ذلك ؟ قلت من مسلككم وتركيزكم على بعض التفاصيل ، وقفزكم عن أخرى ، لا تقل أهمية ، وقد تزيد . قال متحفزا : وكيف ذلك ؟ قلت : لدينا النص القرآني ، ولدينا تطبيق النبي له . وأنت تعرف أن النبي طبق حد الزنا مرات عدة ، وعلمنا من هذا التطبيق ، عن التفاصيل التي لم يذكرها النص . قال : ذلك صحيح . قلت : لنبدأ أولا ، وكما علمنا النبي ، ومن بعده الخلفاء الراشدين ، بتعريف خطيئة الزنا التي توجب إيقاع الحد على فاعلها . فعل الزنا هو فعل الجماع ، أي دخول عضو الرجل في عضو الأنثى ، كالمرود في المكحلة ، أو الرشا في البئر . وسألته هل هذا صحيح ؟ قال : نعم صحيح . قلت : ومن التطبيق النبوي ، ومن بعده الراشدي ، يكون كل الفعل السابق له ، الممهد له ، كالاحتضان ، التقبيل ، وحتى المفاخذة والفاعلان عاريان ، ليس بزنا . ولا وجود لنص بعقوبة عليه . ومن التطبيق النبوي والراشدي ، لا يستوجب إقامة حد ، ولا حتى تعزير . صرخ محاوري : من أين لك ذلك ؟ وما هذا الافتراء على الشرع ؟ وكيف لفعل يمهد لوقوع الفاحشة لا تكون له عقوبة ؟ ألا تعلم يا سيدي أن تبرج المرأة زنا ؟ ألا تعرف أن صبغ الشفاه زنا ؟ ألا تعرف أن ضحكات الغنج زنا ؟ ألا تعرف ...؟ أوقفته قائلا : أعرف أن ذلك ما تقولونه أنتم . أعرف أنكم تتحدثون بشرع آخر غير الشرع الذي نزل به النص القرآني ؟ صرخ : وهل مثلك من يعلمنا بم يقوله النص ؟ قلت : للأسف نعم مثلي من يعلمكم . أعلمكم لأنكم كالعادة تقبلون من الشرع ما يتفق مع رغباتكم ، وتروجون له ، وترفضون ما لا يتفق مع تعصبكم ، ولا تذكرونه أو تتذكرونه . قال : ألم نتفق ، من بداية حوارنا ، على عدم التسفيه ، والاتهام . قلت : نعم اتفقنا ، وأنا لا ألجأ لأي منها . قال : كيف ذلك وأنت تتهمنا بأننا لا نرضى بآيات من القرآن ، ونهمل أخرى ، وأنت تعرف أن معنى ذلك هو الكفر . فمن آمن ببعض القرآن ، ولم يؤمن ببعضه الآخر كافر . قلت : ليس أنا من يقول ذلك ، ولكنها فتاواكم وأفعالكم ؟ قال : اللهم طولك يا روح . وكيف ذلك ؟ وقفة مع النص : قلت : تعال معي إلى وقفة مع النص أولا ، ثم إلى أخرى مع التطبيق النبوي . بعد الموافقة مضيت قائلا : أنت تعرف أن رجم الزناة بالحجارة ، وحتى الموت ، لم ينزل به نص . قال : نعم صحيح . قلت : عقوبة الرجم ، وهي عقوبة زنا المتزوجين ، مأخوذة عن اليهود ومن التوراة . وفي هذه لا تقولون أن التوراة مزورة . فقد جاء إلى النبي حاخامات من يهود المدينة ، يسألونه الرأي في زنا رجل وامرأة منهما . سألهم النبي عن نص في التوراة يحدد العقوبة لهذه الفاحشة ، فأنكروا وجوده . ولأنه كان متأكدا من وجود نص ، طالبهم بإحضار التوراة ، وقراءة الآيات الخاصة بفعل الفاحشة هذا . وأثناء القراءة ، وكان عبد الله بن سلام يقف إلى جانبه ، تخطى القارئ الآية ، فنبهه عبد الله بن سلام لذلك . قرئت الآية ، وفيها النص بعقوبة الرجم . وكان أن النبي نفذ العقوبة بالزانيين اليهوديين . وبعد هذه الحادثة تم إقرار هذه العقوبة في الشرع ، رغم خلو النص منها . ولعلك تتذكر ، أضفت ، أن عمر بن الخطاب ، وهو على فراش الموت خاف على المسلمين ترك هذه العقوبة ، بسبب خلو النص منها . ونُسب إليه القول : كنا نقرأ " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة " ولكنها رفعت وبقي حكمها ، ولولا أنني أخاف أن يقال أن عمر أحدث في القرآن لأعدتها . وقلت : نُسب إليه لأن النص من الضعف بما لا يتناسب إطلاقا مع بلاغة النص القرآني . على كل الأحوال ، وأخذاً ، كما يبدو بنصيحة عمر ، تم تثبيت هذه العقوبة في الشرع . نأتي الآن إلى العقوبة التي قررها النص ، وفي الآية 2 من سورة النور . قررت الآية العقوبة ب 1 – مائة جلدة لكل من طرفي الواقعة . 2 – أن يتم الجلد بدون رأفة أو شفقة ، يحتمل أن تحفف من شدة العقوبة . 3 – أن تنفذ العقوبة في مكان عام ، وأن يشهدها طائفة من الناس . وأنت تعرف ، قلت لمحدثي ، أن إيقاع العقوبة هو نهاية الحدث ، لا بدايته . ما يعنينا هنا أن الآية لم تحدد نوع الجناة . أعزب أم متزوج ، بكر أم ثيب . النبي هو من فسر الآية وحدد نوع الجناة بأنهما من العزاب ، أو أبكار . هذا أمر ، والأمر الثاني أضيف لها عقوبة غير منصوص عليها في الآية وهي التغريب سنة ، والثالث وهو الأهم ، من وجهة نظري ، أن العقوبة نهائية . بمعنى لا عقوبة بعدها . بعد تنفيذها يعود كل إلى بيته ، والذي فيه لا تنفذ أي عقوبة جديدة . وسؤالي لك : بعد كل ما قامت به قوى الإسلام السياسي من تعبئة ، وبعد كل ثقافة الفضيحة ، هل يمكن لأي مسلم ، في شرقنا العربي قبول مثل هكذا عقوبة تطبق بحق ابنته الزانية ؟ هل يمكن أن لا يمسها أحد من الأسرة بعد وقوع الفضيحة وعلى رؤوس الأشهاد ؟ تلكأ محاوري قليلا ثم قال : ولم لا ؟ أليس هذا هو شرع الله ؟ قلت : لو ، لا سمح الله ، وقع هذا لأختك ، لابنتك ، لابنة أخيك ، لأي واحدة من محارمك ؟ فهل يمكنك أن تتخيل ، وأن تخبرني ، كيف ستتصرف ؟ ألن تقتلها في فورة غضب ؟ ثم ألا تعرف أن القضاء ، واستنادا لحكم الشرع ، سيحكم بقتلك بسبب ذلك ؟ قال : أيا كان الحال فذلك شرع ربنا ويجب أن يطبق . قلت : تعال إذن لنتوقف عند الخطوات السابقة على هذه الخطوة النهائية . بداية مثل أي قضية يبدأ الأمر برفع الأمر إلى القضاء ، بالتبليغ ، أو بالشكوى . ونظر الدعوى يحتاج إلى شهادة شهود . ورفع الدعوى بدون شهود يقع في باب قذف المحصنات ، كما حددته الآية 4 من نفس السورة . وقاذف المحصنة ، غير القادر على إقامة الدليل ، وكذلك الشاهد الذي لا يقنع المحكمة بصحة شهادته ، يقع تحت طائلة الحد ، وهو ثمانون جلدة ، ثم الوصم بصفة الفاسق ، التي تسقط شهادته ، وليس في هذه الدعوى فقط ، وإنما في أية قضايا مستقبلية ، تتطلب الشهادة . وفقط ينجو من ذلك إذا عاد وأعلن التوبة . والآية كما ترى لم تحدد مضمون الشهادة ، التي تثبت واقعة الزنا . والنبي هو من قام بهذا التحديد ، حيث يتوجب على الشاهد أن يرى فعل الجماع . أن يرى ، عضو الرجل داخل عضو المرأة ، مثل المرود في المكحلة ، ثم يشهد بذلك . وغير ذلك تكون شهادته باطلة ، حتى لو رأى الاحتضان ، وسمع التأوهات ، وشاهد ولمس حرارة القبل ، وتشابك السيقان ، وحتى حركات الدفع ....الخ . وأكثر يتطلب الحكم بحدوث الواقعة ، ومن ثم تقرير العقوبة ، وإيقاعها بعد ذلك ، تطابق شهادات الشهود الأربعة ، وحيث عدم مطابقة واحدة تفسد الأخريات ، ويأتي الحكم بالبراءة . في وقت نزول الحكم كان من الممكن مفاجأة الفاعلين . البيوت آنذاك كانت بدون أبواب محكمة ، وبساتر من الجلد أو القماش ، في أغلب الأحيان . ثم أن توفر شهود أربعة معا ، وعدول أيضا ، ومضمون الشهادة ، يضع إثبات واقعة الزنا في خانة المستحيل ، أو شبه المستحيل . وحسب معلوماتي ، لم تطبق عقوبة واحدة ، لا في عهد النبي ، ولا في عهد الخلفاء الراشدين ، استنادا إلى شهادة الشهود الأربعة . وفي عصرنا وحيث الأبواب محكمة ، يصبح إثبات واقعة الزنا ، استنادا لمتطلبات الشهادة ، أشد استحالة . وعليه يكون لا سبيل إلى تقرير وقوع الجريمة ، ومن ثم فرض العقوبة ، أو إقامة الحد ، إلا بالاعتراف الذي هو سيد الأدلة . مع ملاحظة أمر هام ، وهو أن الاعتراف يسري على صاحبه ، ولا يسري على طرف العلاقة الآخر ، الذي يبقى في وضع المتهم . وحيث تسقط التهمة عنه إن أنكر . ولأن محاوري وافق على ما سبق طرحه تابعت القول : هذا يعني أن الإصرار على الاحتكام فقط لآية الشهود الأربعة ، يعني منح رخصة عمل لكل من يرغب في إقامة هكذا علاقة ، متفق على تصنيفها بفاحشة الزنا . فالزانية تستطيع بإقفال باب غرفة النوم من الداخل ، الإفلات من العقوبة ، حتى لو حضرت ثلة من الأمن ، وعلى رأسها ضابط برتبة لواء . إذ بعد فتح الباب ، أو حتى بعد كسره ، يكون طرفا العلاقة قد أعادا لبس ثيابهما ، يستقبلان الداخلين ، وكل منهما في طرف من أطراف الغرفة ، أو حتى على السرير . قال محاوري : ولكن هذا افتراض ينفيه الواقع . فهيئة الفاعلين ، وارتباكهما ، وضبطهما في هكذا حالة تلبس ، كل ذلك كفيل بإثبات الواقعة . قلت : ذلك صحيح لو تخلينا عن منطوق ومضمون آية الشهود الأربعة العدول ، وحيث لو صح الطعن في شهادة واحد منهم ، تسقط كل الشهادة . والآية لا تتحدث لا عن هيئة الفاعلين ، ولا عن ارتباكهم ، ولا عن كونها في وضع مخل . تتحدث بوضوح عن رؤية الإيلاج ، وإلا فالكل باطل . هنا بدا محاوري مشدوها ، مصدوما ، حائرا ، غير مصدق ، لما بدا أنه ليس فقط يسمعه لأول مرة ، بل ولأن مروره على خاطره يحدث كذلك لأول مرة . قلت : هناك حل . حل تقني يخرج الجميع من هكذا ورطة . قال : ما هو ؟ قلت : استبدال منطوق ومضمون نص آية الشهود الأربعة بتحليل مخبري . هذا التحليل يقدم الدليل ، وبكل دقة ، فيم إذا كانت فاحشة الزنا وقعت أم لا . ومن هذا الشخص الماثل أمامنا أم من غيره . قال : أعوذ بالله من هكذا حل . هل يعقل أن يقبل مسلم بنسخ حكم لله ؟ بإبطال آية من آيات الله ؟ لأن تكون هذه مقدمة لفعل لا أحد يدري إلى أين سينتهي ؟ قلت : إذن دعنا نتوقف مؤقتا عن متابعة آية الشهود الأربعة ، وأن نحاول التعمق أكثر في فعل هذه الفاحشة . اللعان أو الملاعنة : كما سبق وأشرت ، حيرت آية الشهود الأربعة الصحابة . وبهدف التغلب على هذه الحيرة ، حاوروا النبي ، كما تشير لنا أسباب نزول آيتي اللعان ، أو الملاعنة . بدأ الحوار سعد بن عبادة ، أحد أرفع سادة الأنصار مقاما ، وسيد الخزرج ، القبيلة الأكبر والأقوى في المدينة . سأل النبي : هل يتوجب عليه إن عاد لبيته ووجد امرأته تحت رجل ، أن لا يهيجه أو يمسه ، وأن يعود باحثا عن شهود أربعة ، لضبط الواقعة ، وإقامة الحد عليهما ؟ من ردة فعل الأنصار الحاضرين ، بدا أن السؤال أزعج النبي . الأنصار أخذوا يعتذرون للنبي ويوضحون له بعض صفات زعيمهم ، ومنها شدة غيرته التي تذهب حد منع أي أحد من الاقتراب من مطلقة له ، لطلب الزواج منها . لكن سعدا ، وموجها حديثه للنبي ، أضاف : والله أعلم أنها – آية الشهود – لحق ، ولكن إن ذهبت للبحث عن الشهود ، يكون الفاعل قد قضى وطره وخرج . هنا أخذ النبي يوجه السؤال للحاضرين بادئا بأبي بكر ، ثم بعمر ، عن الكيفية التي سيتصرف بها إن عاد لبيته ووجد امرأته تحت رجل . أبو بكر رد بأنه سيقتلهما ، كما كان يفعل السلف من قبله ، فيما تردد عمر وبانت عليه الحيرة ، وأبدى آخرون تذمرهم ، لأنه إن ترك الجانيين يفلتان ، فسيعتبره المجتمع ديوسا ، وإن قتلهما ، أو واحدا منهما ، يُقتل بحكم الشرع . وهم على هذه الحال دخل عليهم رجل من الأنصار ، كبير في السن ، وصحته على قد الحال . قال أنه عاد من بستانه فوجد امرأته تحت رجل ، سماه للحاضرين . شاهد بعينيه ، وسمع بأذنيه ، ولم يهيجهما ، وجاء يرفع الأمر للنبي . وجاءت ردة فعل النبي غاضبة . قال له : أثبت وإلا حد في ظهرك . انزعج الأنصار ، إذ قبل قليل أحرجهم سعد ، وها هو أنصاري آخر سيخزيهم ، لأنه سيتعرض للجلد . طالبوه بالاعتذار للنبي وبالتراجع عن شهادته ، كي يتجنب عقوبة الجلد . رد قائلا لا والله لن أفعل . ألم يكفيني ذل تركهم يكملون فعلتهم . ثقتي أن الله سيجعل لي منها مخرجا . في هذه اللحظة غشي على النبي . انتظر الصحابة ما سيجيء به الوحي . وكان آيتي اللعان ، وهما الآيتان 6 و 7 من سورة النور . ونص الآيتين يوجب وقوع مواجهة بين الزوجين ، المدعي والمدعى عليها . يتقدم المدعي ويحلف أربع مرات أنه صادق في ادعائه ، ويحلف الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم يأتي دور المدعى عليها ، في حال عدم اعترافها ، فتحلف أربع مرات بأنه كاذب ، وتحلف الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . والقاضي في مثل هذا الحال يقوم بتطليقهما ، وخروج كل واحد منهما من باب . النبي طلب من الصحابة ملاعنة هذين الزوجين . أنكرت الزوجة التهمة . وبعد توضيح الصحابة خطورة اليمين لهما ، حلف هو ، وحلفت هي ، وتم تطليقهما . النبي بعد هذا الحكم ، طلب من صحابته مراقبة المرأة ، وصفات الطفل الذي ستضعه ، إذ كانت حاملا . وأوضح إن جاء الطفل بصفات كذا وكذا فهو من الأب المدعي ، وإن كانت صفاته كذا وكذا فهو ابن الرجل المتهم بواقعة الزنا . وبعد الوضع جاءت صفات الطفل مطابقة لصفات الشريك في واقعة الزنا . الصحابة طالبوا النبي بإعادة محاكمة الزوجة الخائنة ، لكن النبي رفض ، لأنها سبق وحوكمت ، ولا مجال لمحاكمتها ثانية . قلت لمحاوري : أنت طبعا تعرف هذه القصة التي سردتها بلغتي ، لصعوبة مفردات اللغة الأصلية ، وبالتالي صعوبتها على فهم القارئ المعاصر . قال : بالطبع أعرفها ، وسردك لها كان دقيقا . قلت : وأنت تعرف بالطبع ، أن المسلمين تخلوا عن تطبيق أحكام آيات اللعان ، ومن ثم عملية الملاعنة كلها ، منذ وقت مبكر ، ولست متأكدا أفي أثناء الخلافة الراشدية أم بعدها . قال : أيضا أعرف ذلك ؟ قلت : وأنتم تطالبون بإعادة تطبيق حد الزنا في الشريعة ، هل ستعيدون العمل بالملاعنة وحكمها ؟ وقلت : ورغم أن هاتين الآيتين لا تتطرقان بشيء للمرأة التي تفاجئ زوجها في حضن أخرى ، فكيف بعد كل التعبئة التي قمتم بها ستعيدون الحياة إلى حكم هاتين الآيتين ؟ قال : عن أية تعبئة تتحدث ؟ قلت لقد طال حديث حوارنا اليوم ، وما بقي من حديث التعبئة ، وحديث تطبيق النبي والخلفاء الراشدين لحد الزنا ، يتطلب حوارا ، إن لم يكن أطول ، فبقدر الذي مضى . وإذن دعنا نرجئه لجلسة قادمة . أو نقول : يتبع .
#عبد_المجيد_حمدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار أملاه الحاضر 5 الشريعة وتطبيق الحدود ....الخمر
-
حوار أملاه الحاضر 4 العورات بين المجتمعي الإنساني والرباني
-
حوار أملاه الحاضر 3
-
حوار أملاه الحاضر 2
-
حوار أملاه الحاضر
-
عفوك يا سماحة المفتي 3
-
خطوة للأمام ... عشر للوراء
-
عفوك يا سماحة المفتي 2
-
تسونامي إسلامي يضرب جامعة بيرزيت
-
يافخامة الرئيس لم تقدم شعوبنا كل هذه التضحيات لتحصل على ديمو
...
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 17 اختطاف الثورة قبل الأخ
...
-
عفوك يا سماحة المفتي هذه ليست مساواة
-
تغيير يوجب تغييرات
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 16 تغيير ام إصلاح
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 15 المثقفون وأدوارهم 4 سو
...
-
آفاق المرأة والحركة النسوية بعد ثورات الربيع العربي
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 14 المثقفون وادوارهم 3 مخ
...
-
قرراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 13المثقفون وأدوارهم 2
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 12
-
قراءة تأملية في ثورة الشباب المصري 11مخاطر على الديموقراطية
...
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|