|
ستالين والحرب الوطنية العظمى
طريف سردست
الحوار المتمدن-العدد: 3880 - 2012 / 10 / 14 - 15:08
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تقوم سمعة ستالين ، بمجملها، على قيادته انتصار شعوب الاتحاد السوفيتي على الطاعون النازي. غير ان الدعاية السوفيتية، بإدارة ستالين نفسه، لاتذكر ابدا دور ستالين في سوء استعداد الجيش السوفيتي، بما فيه مجزرة ستالين ضد ضباط الجيش السوفييتي، الامر الذي ادى الى تحمل الشعب خسائر هائلة، كان بالامكان التقليل منها، في اسوء تقدير. هذا الدور يصل الى حد ان بعض المؤرخين يشيرون الى ان الاتحاد السوفيتي قد انتصر على الرغم من قيادة ستالين له وليس بفضله.
خطة بربروسا وسوء تقدير ستالين سقوط فرنسا سبب قلق شديد لستالين، وارسل الى برلين وزير خارجيته فايشيسلاف مولوتوف Vyacheslav Molotov بمهمة الشروع بمحادثات والمماطلة فيها قدر الامكان. كان ستالين على ثقة انه إذا لم تقوم المانيا بالهجوم على الاتحاد السوفيتي في صيف 1941 فسيتم الامر في عام 1942. لم يتوقع احد أبدا، أنه بفضل الفشل السوفيتي على ساحة المعارك مع فنلندا، سيقوم الالمان بالهجوم في الشتاء، مستهينين بالجيش الاحمر.
المانيا شعرت بتفوقها امام السوفييت مما جعل الوصول الى اتفاق معها غير ممكن بالشروط الالمانية، لذلك اضطر مولوتوف الى قطع التفاوض. على الفور اعطى هتلر اوامره بالتحضير لعملية بربروسا. كانت الخطة تنص على ان عمليات الاجتياح تبدأ في 15 مايس، وأن ذلك كافي، لانهاء الاتحاد السوفيتي قبل بدء الشتاء، إنطلاقا من سوء أداء الجيش الاحمر في حربه مع فنلندا.
الانباء عن خطة بربروسا وتاريخ الهجوم وصلت الى سمع ستالين من عدة مصادر مختلفة. ريتشار سورغيه Richard Sorge, العميل الذي كان يعمل في الاوركسترا الحمراء في اليابان، ارسل رسالة شخصية الى ستالين في ابريل من عام 1941، وصف فيه الخطة الالمانية للهجوم على الاتحاد السوفيتي. غير ان ستالين كان لازال غارقا في الشك، معتقدا ان الامر برمته خدعة من تشرشل لخداع ستالين لأجباره على إعلان الحرب على هتلر.
عندما لم تصدق إخبارية سورغيه التي تقول ان الحرب ستبدأ مايس عام 1941، اصبح ستالين اكثر ثقة في ان الحرب ستكون عام 1942. غير ان التأخر كان بسبب ان المانيا هاجمت يوغوسلافيا في ابريل. كان هتلر يتوقع ان يوغوسلافيا ستستسلم على الفور، ولكن التعنت في المقاومة الغير متوقع اجبرت هتلر على تأخير عملية بابروسا بضعة اسابيع.
في 21 يونيو من عام 1941 هرب سرجينت الماني الى الجانب السوفيتي واخبرهم ان الجيش الالماني سيهجم عليهم عند الفجر في اليوم التالي. غير ان ستالين رفض تصديق القصة وأنتظر الى اليوم التالي ليتأكد من صحتها، وليجد ان توقعاته هي التي فشلت. حتى اليوم السابق للحرب، كان الاتحاد السوفيتي يرسل العربات الطويلة محملة بشحنات من النفط وفلزات المعادن الى المانيا. كما ان العديد من ضباط جيشه وطياريه ، قرب الحدود الشرقية، كانوا في الاجازات. مئات الطيارات جرى تدميرها على الارض.
الجيش الالماني المؤلف من ثلاثة ملايين جندي و 3400 الف دبابة اخترق الجبهة السوفيتية على ثلاثة محاور. محور الشمال في اتجاه ليننغراد ومحور الوسط في اتجاه موسكو ومحور الجنوب في إتجاه اوكراينيا. خلال ستة ايام استسلمت مينسك، عاصمة روسيا البيضاء. ديميتري بافلوف Demitry Pavlov, المسؤول عن حماية مينسك، واثنين من مساعديه جرى استدعائهم الى موسكو ورموا بالرصاص ، بعد ان جرى تحميلهم مسؤولية فشل القيادة واتهامهم بعدم الاهلية. اليوم يقوم البعض بتصوير وحشية الاجراءات التي ارتكبها ستالين على انها هي التي وقفت وراء انتصار السوفيت على الفاشية. البعض الاخر يشير الى ان انتصار الشعب السوفيتي كان على الرغم من وجود ستالين وسوء إدارته وإبادته للكفاءات.
الاشهر الاولى من الحرب كانت كارثة وخيمة على الاتحاد السوفيتي، اظهرت بوضوح ان ديمتري بافلوف ومساعديه، الذي جرى تحميلهم المسؤولية، لم يكونوا الاستثناء، في الجيش الاحمر، وانما القاعدة. جيش الشمال حاصر لينينغراد في حين ان محور الوسط وصل الى حدود موسكو، كما ان محور الجنوب سيطر على جزء كبير من اوكرانيا وعاصمتها كييف كانت محاصرة. القائد العسكري لمنطقة اوكراينيا Georgi Zhukov, اقترح انسحاب الجيش المدافع عن كييف من اجل إعادة ترتيبه في خط دفاع قابل للبقاء بعيدا الى الشرق. غير ان ستالين، الذي شعر بمسؤليته العميقة عن هذه الكارثة، اصر على البقاء، فقد كان يحتاج الى مثال اخلاقي يرفع عنه عار الخسارة. في النهاية، سقطت كييف، واستسلم بقايا الجيش، بعد ان نفذت ذخيرته وطعامه. كان هذا اكبر عدد من المستسلمين في تاريخ السوفييت. يبرر ستالين الامربأنه :"ضرورة لابد منها لتأخير الهجوم على موسكو".
مع اقتراب الشتاء ودخول القوات الالمانية في اعماق روسيا، اصبحت خطوط الامداد اكثر صعوبة وطولا، خصوصا في موسم الامطار، وحيث كانت اغلبية طرق الاتحاد السوفيتي غير مسفلتة. ستالين اعطى الاوامر بحرق كل مايمكن ان يستفاد منه العدو في حالة الانسحاب وترك المنطقة. تكتيك الارض المحروقة هو نفس التكتيك الذي استخدمه الجيش القيصري في حربه ضد نابليون. لقد أحرق الحقول والمستودعات وسبب مصاعب جمة للالمان الى جانب المصاعب الطبيعية.
في اكتوبر من عام 1941 وقفت القوات الالمانية على بعد 150 كلم من موسكو. أعطيت الاوامر بإخلاء موسكو ، وخلال اسبوعين جرى ترحيل مليونين من السكان نحو الشرق. غير ان ستالين بقي في موسكو لاسباب نفسية. في مأوى، تحت الارض، محصن ضد القنابل في الكرملين، بقي ستالين يدير المعارك على إعتباره القائد العام للقوات المسلحة. جميع القرارات الحاسمة من قادة الجبهات يتوجب التشاور فيها مع ستالين.
في نوفمبر من عام 1941 قام الجيش الالماني بحملة جديدة ضد موسكو. غير ان الجيش الاحمر تحمل الصدمة وتمكن من الثبات. طلب ستالين بالقيام بهجوم مضاد غير ان القائد العسكري للجبهة عبر عن شكه. ستالين اصر على رأيه ليقوم الجيش الاحمر بهجوم مضاد في 4 ديسمبر. تفاجئ الجيش الالماني بالهجوم الروسي، إذ ان الروس لم يعهد عنهم القيام بمبادرة من هذا النوع. بنتيجة المفاجأة اضطر الالمان الى التراجع لمسافة 200 كيلومتر.
الالمان اصيبوا بالشلل التام بسبب الشتاء الروسي القاسي. كانت معداتهم لاتعمل في درجات الحرارة المنخفضة كما انهم لم يكونوا مزودين بالالبسة الملائمة. عندما جاء الربية بدأ الالمان بالهجوم المضاد. كانت الهجومات الالمانية ناجحة على الاخص في الجنوب وتقدمت قواتهم من ستالينيغراد.
أصيب ستالين بالغضب عندما علم ان الجيش الاحمر، وفي خلال استعجاله الانسحاب من اوكراينيا، ترك خلفه سلاحه ومعداته. لم يكتفي ستالين بإعدام الجنود بتهمة الهروب وانما ايضا سمح بنشر بضعة مقالات تنقد الجيش بقسوة، الى حد الاتهام بالخيانة. نفس الجيش الذي حصل على مديح سابقا اصبح متهم بالخيانة الان.
ستالينغراد تحمل اسم ستالين بنتيجة حمايته للمدينة في الحرب الاهلية. آصر ستالين على ان المدينة لايجوز الانسحاب منها مهما بلغ الثمن. احد المؤرخين ادعى ان ستالين " رأى في المدينة رمزا لقيادته وسمعته". مليون جندي جرى استدعائهم الى منطقة ستالينغراد مدعومين بالدبابات والصواريخ والطائرات، القادمة مباشرة من المعامل في منطقة الاورال.
على رأس الدفاع عن ستالينغراد وضع القائد الفذ جورجي جوكوف Georgi Zhukov, الذي لم يخسر ولا معركة واحدة. في 19 نوفمبر من عام 1942 اعطى ستالين موافقته على بدء هجوم مضاد من الشمال والجنوب. وحتى على الرغم من ان االجيش الالماني السادس استمر بتطوير هجوماته في ستالينغراد، إلا انهم اصبحوا محاصرين اكثر واكثر. ارسل قائد الجيش السادس Friedrich Paulus, طلب الى ادولف هتلر ليسمح له بالتراجع غير ان طلبه رفض، وأعطي الاوامر بضرورة الاستمرار في اتجاه ستالينغراد.
كأعتراف من هتلر بشجاعة الجنرال الالماني باولوص جرى ترفيعه الى رتبة فيلدمارشال، بتاريخ 30 يونيو 1943. بعد بضعة ايام اضطر الجيش السادس إلى الاستسلام وغضب هتلر على باولوص. وصلت خسائر الالمان في معركة ستالينغراد الى 1500 قتيل، 3500 دبابة، 3000 طائرة. منذ خسارة النازيين لمعركة ستالينغراد اصبح الجيش الالماني في تراجع دائم.
بعد استعادة الجيش الاحمر للمناطق السوفيتية، من ايدي النازيين الالمان، استوعب ستالين حجم جرائم الحرب التي ارتكبت ضد مواطنيه. اسرى الجيش السوفيتي جرى تجويعهم حتى الموت. من اصل 5 ملايين جندي سوفيتي اسير بقي على قيد الحياة مليون واحد فقط. في واقع الامر، لايوجد مايدل على ان حال الاسرى الالمان والفلنديين لدى السوفييت كان أحسن. في الوقت الذي عاد نصف اسرى الجنود السوفييت من فنلندا عاد واحد من عشرة من الاسرى الفنلنديين فقط. لاأدري الى أي مدى كانت انباء إبادة الاسرى السوفييت لها قيمة لدى ستالين. كان جهاز الدعاية السوفيتية نفسه يحرم الاستسلام للاعداء ويتهم المستسلمين بالجبن والخيانة.
ستالين وتقاسم اوروبا
#طريف_سردست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ستالين والتحالف مع هتلر
-
ستالين وسياسة إرهاب الدولة
-
ستالين وتصفية رفاق الحزب
-
ستالين والاستيلاء على قيادة الحزب
-
تاريخ ستالين بدون رتوش
-
تاريخ إكتشاف أن العقل في الدماغ
-
الاعتقادات الذكورية عن المرأة من المسيحيين الى المسلمين
-
هل ينشأ السوبر إنسان؟
-
نجاح الانسان في تصليح اخطاء الخلق
-
إنجاز قبيلة الاسلام - وفشل الامة -4
-
محمد بين محاباة العرب وكراهية الاعراب -3
-
القبلية العنصرية في فكر محمد -2
-
العنصرية في الثقافة الاسلامية -1
-
راقبوا اليوم قذف الشياطين بالشهب
-
القبط، بين عهد الرسول ونكث الصحابة
-
الخطيئة من الفطرة الى قبيلة الاسلام والمسيحية
-
السكر السم الابيض
-
استخراج الطاقة من العدم وقانون حفظ الطاقة
-
ذاكرة الخلية وعلاقتها بالسرطان
-
دور العبيد في صعود وسقوط الاندلس
المزيد.....
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
-
تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل
...
-
في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو
...
-
التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل
...
-
السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي
...
-
الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو
...
-
بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
-
محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان
...
-
المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
-
القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟
...
المزيد.....
-
الاقتصاد السوفياتي: كيف عمل، ولماذا فشل
/ آدم بوث
-
الإسهام الرئيسي للمادية التاريخية في علم الاجتماع باعتبارها
...
/ غازي الصوراني
-
الرؤية الشيوعية الثورية لحل القضية الفلسطينية: أي طريق للحل؟
/ محمد حسام
-
طرد المرتدّ غوباد غاندي من الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) و
...
/ شادي الشماوي
-
النمو الاقتصادي السوفيتي التاريخي وكيف استفاد الشعب من ذلك ا
...
/ حسام عامر
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
/ أزيكي عمر
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
المزيد.....
|