|
كلمة قصيرة لمن يخاف -ثورة- في الكويت
حسن محسن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 3879 - 2012 / 10 / 13 - 19:34
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
الثورات، في التاريخ الإنساني القديم والمعاصر، تقوم على أكتاف الطبقة المسحوقة الفقيرة التي تتطلع إلى "حالة" أفضل ولو بقليل مما هي فيه. إنها تقتل وتدمر لأنها لا يوجد لديها شيء تخاف عليه، فهي ميتة ابتداءاً أو تعيش في حالة العدم أصلاً. هي لن تفقد، في حال ثورتها، إلا القيود والأغلال التي كانت تكبلها في حالة العدم، تلك القيود التي كانت ستقتلها في نهاية الأمر. الثورة تعبير عن "حالة معاناة إنسانية" اكتسبت صفة الشمولية أولاً وأخيراً، وليست الشعارات السياسية التي يرفعها هؤلاء الثوار إلا تعبير عن هذه المعاناة الإنسانية الشخصية التي يتشاركون فيها، ولكنها، أي الشعارات، ليست أبداً في حقيقتها "مطلب" سياسي في حد ذاتها. فأغلب، إن لم يكن كل، العامة من الثوار عندما يرفعون شعار "الحرية" أو "المساواة" أو "الديموقراطية" لا يفهمون من هذه الشعارات إلا ما يمس لقمة الخبز التي خرجوا ثائرين لأجلها أو الكرامة المهدورة في غرف المخافر وزنازين المعتقلات لعقود وعقود طويلة. وإذا لم تصدقوا ما قلته أعلاه اقرأوا التاريخ أو استعرضوا الثورات الحديثة من أول البلشفية ومروراً بالإيرانية ونهاية بالتونسية والمصرية لتعرفوا أن من قام بها هم هؤلاء الفقراء المسحوقين مهدوري الكرامة، وأن هؤلاء الفقراء أصحاب الشعارات لم يعرفوا "المجهول" الذي كان ينتظرهم، ولم تُترجم شعاراتهم المرفوعة إلى "حالة" تعكس أنهم كانوا يعرفون معناها أو يملكون تصوراً واضحاً لكيفية تطبيقاتها. إنها الأحزاب والجماعات السياسية والدينية هي التي تستفيد أولاً وأخيراً من مثل هذه الثورات، ثورات الفقراء والمسحوقين والكادحين لأجل لقمة عيش لا يجدون ما يكفيهم منها في نهاية كل يوم.
فإلى الذين يتكلمون عندنا في الكويت عن احتمال "ثورة"، وإلى الذين "يخافون" منها … كـــفــاكـــم ســــخـــافـــــة.
عفواً على هذه الكلمة السابقة، ولكنها تعبير صادق عن قناعتي فيهم. فالشعب الكويتي، بطبقاته وتصنيفاته ومذاهبه، بقناعاته الريعية، بمصالحه المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأموال النفط التي تصرفها الدولة عليهم من دون انتاج فعلي، لا يملك، ولن يملك في المستقبل القريب ولا المتوسط، مقومات "ثورة" ولا حتى بدايات طريقها. نحن شعب فئوي عنصري ضمن نسيجه الاجتماعي حتى النخاع، ينظر بعين الريبة والشك لمن يخالفه بالأصل والمعتقد والمذهب، وتلك الفئوية الواضحة المتصارعة لن تصطف بجانب بعضها على حقيقة الأمر مهما كانت الأحوال وإنْ بدا على السطح والظاهر أنهم مجتمعون. كيف يفعلون ذلك والجميع يستخدم "وساطاته" للافتئات على حقوق الآخر المختلف عنه لصالح مصالحه الفئوية والمذهبية؟! كيف يفعلون ذلك والجميع يطعن في المذهب المخالف والعِرق المختلف عندما يكون مع المتشابهين معه عرقياً وطائفياً؟! لا توجد بيننا طبقة جائعة مسحوقة فقيرة، مادة الثورات ومكونها الأساس، تشكل نسبة مهمة ضمن نسيجه الاجتماعي. الجميع في الوضع الراهن متمصلح (مع التركيز الشديد على كلمة "متمصلح") بصورة غير قانونية من حالة الفساد الشامل حتى من بين الأطياف التي تنادي بـ "الإصلاح السياسي والإداري". أغلب المطالبات السياسية والشعارات التي ترفعها المعارضة الجديدة في الكويت كان دافعها الأساس هو "قضية" تعرضت لها طائفة دون طائفة أو قبيلة دون أخرى، أو رغبة جامحة في الاستحواذ بحيث تقتصر على فئة دون أخرى، إذن حتى الشعارات دافعها الحقيقي لم تكن قناعة "عامة" ولكن فئوية، ومن يقول لكم غير ذلك هو كاذب محتال. الجميع يعلم ذلك، ولكنه يصمت أو يتجاهل لسبب أو لآخر. بل إن أكثر معارضيه ضجيجاً وصراخاً هو إما نتاج لعملية فئوية عنصرية خارجة على القانون الذي ينادي باحترامه اليوم عندما تغيرت المصالح، أو متمصلح من مركزه الانتخابي بصورة ملتوية، أو متقلب بين "ولي نعمة" قديم وربما حديث، أو صاحب آمال شخصية جامحة تحطمت على مشارف أسوار الحكومة التي يعارضها اليوم بينما حتى الوثائق البريطانية تقول بأنه كان صنيعتها. حتى المعارضين السياسيين في الكويت يقبضون راتبهم من الحكومة التي يعارضونها، وهذه النقطة الأخير من أشد جوانب السياسة الكويتية طرافة ومدعاة للسخرية عند المراقب في الخارج. استعرضوا أسماء المعارضين الجدد ثم حاولوا أن تعرفوا جهة عملهم لتتأكدوا من هذه الحقيقة المضحكة. فــهــل هـــذه حـــالـــة "شعب" يـــريــد أن يــثـــور أو أنـــه في مــــقـــدمــــة حــــالــــة "ثورة"؟! أيثور أي إنسان على "حالة" هو متمصلح منها وإن بدا ظاهرياً (ربما "تمثيلياً" هي الكلمة المناسبة هنا) أنه يرفضها؟!
إلا أنه ما يبدو وكأنه "ثورة" في الكويت ضمن قطاعات محددة تميزت بخطابات تجنح نحو تجريح رموز الدولة وتحديهم هو لسبب واحد وحيد، وهو ضعف مؤسسة الحكم في الكويت. إذ عامل السن، وعدم تبني مناهج الإدارة السليمة في آليات اتخاذ القرار، وعدم وجود مراكز استشارات استرايجية للسياسيات الداخلية، وتدخل المزاجية الفردية في توجيه السياسات، والتباطؤ في تقدير الوضع السياسي وتأجيل حلوله، وبعض ممارسات أسرة الحكم في الكويت، وتهاوي السلطة المعنوية لمنصب الإمارة، وتراجع قمة الهرم السياسي في الكويت عن قراراته العلنية لصالح قوى قبلية سهلة التفكيك، وغيرها كثير، أدت إلى تصوير تلك "الزوبعة في الفنجان" على أنها ما يشبه مقدمات ثورة في الكويت، وأدت أيضاً إلى إعطاء وزن سياسي غير مستحق لمن يطلقون على أنفسهم لقب "معارضة".
فلمن يتكلم عن ضغط "الشارع" … كونوا صادقين مع أنفسكم وتمعنوا جيداً في وجوه "الشارع" لتعرفوا حقيقة ما كتبته أعلاه. ولمن يتكلم عن "ثورة" أو حتى مقدماتها عندنا في الكويت … كفاكم سخافة.
#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لأنكم مجتمع يمثل شذوذاً في كل شيء
-
حتمية الصدام بين المنهج السلفي والدولة المدنية
-
ميسون سويدان ... أيتها الرائعة
-
أيها السياسيون الكويتيون العباقرة … يا أيها الشعب
-
باغافاد غيتا – المعرفة السرية القصوى
-
التدليس في الخطاب الإعلامي الديني ... محمد العوضي كنموذج
-
إشكالية النص المسيحي وشخصية يسوع
-
مَنْ كتب الإنجيل؟
-
في نقد الطب الإعجازي المسيحي والإسلامي
-
حوادث أكل لحوم البشر في التاريخ الإسلامي
-
شذوذ مفهوم الوطنية في الذهنية العربية
-
في إشكالات السيرة النبوية
-
في إشكالية العصمة النبوية
-
من إشكالات المجتمع الكويتي
-
هل لا تزالون أمة ً أمّية؟
-
رسالة يهوذا، الذي خان المسيح، إلى الحُكام العرب
-
إشكالية اغتصاب المرأة في الفقه الإسلامي
-
مقالة في أن العلمانية تحمي الدين من احتمال الاستبداد
-
إلغاء ملتقى النهضة وزيف شعارات الحرية
-
مقالة في أن لا كهنوت في الإسلام مقولة خاطئة
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!!
/ محمد الحنفي
-
احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية
/ منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
-
محنة اليسار البحريني
/ حميد خنجي
-
شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال
...
/ فاضل الحليبي
-
الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
مراجعات في أزمة اليسار في البحرين
/ كمال الذيب
-
اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
/ فؤاد الصلاحي
-
الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية
/ خليل بوهزّاع
-
إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1)
/ حمزه القزاز
-
أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم
/ محمد النعماني
المزيد.....
|