أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة














المزيد.....

ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3879 - 2012 / 10 / 13 - 18:23
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

الغريب في الأمر، أنّه لم يفقد ذاكرته الشخصية فقط، بل أستعاد ذاكرة رجل آخر...
لم يفهم من أين تنهال عليه هذه الذكريات، ولماذا لا يذكرُ أنه كان فيها يوماً ما؟ كأنه يراقبها من بعيد، كيفَ يمكن لشخص أن يسترجع ذكريات شخص آخر، باسمه وتفاصيل طفولته وأول عشقه ومدرسته وجامعته وخلافاته العابرة والعميقة معاً، من أين تأتي كل هذه الذكريات فيما لا يستطيع هو تذكر اسمه الشخصي حتى؟

لم يغير هذا من عاداته التي يعرفها عنه الآخرون، فقد ظلّ يحب اللون الأزرق، ويأكل السمك بكثرة رغم بعد بيته عن مكان بيعه، وظل يحمل جهاز حاسوبه في حقيبة يعلقها على كتفه، فقط حين كان يروي قصصاً، كان يحكي عن أحداث في بلاد لم يزرها في حياته، لكنه يحكيها بتفاصيل من عاشها لحظة بلحظة، بل وتدل تعبيرات وجهه في كل كلمة على ألم هنا وفرح هناك وحزن بينهما، ولو أن أحداً من الجالسين لا يعرفه، لصدّق ما يقوله دون أن يرف له جفن، فقد كان راوياً مذهلاً، كما كان قبل أن تسقط ذاكرته الشخصية في الغياب.

أحد أصدقائه المحبين، حاول أن يجمع الحكايات التي يسمعها منه، أن يربطها ليعرف ما يحدث بالضبط، وبعد سنوات طويلة فهم ما لم يستطع تصديقه، فصديقه فقد ذاكرته لكنه استعاد ذاكرة شخص آخر، وحاول بالطبع أن يعرف من هو، لكن السؤال الذي كان دائماً يطرق رأسه كحبة مطرٍ غاضبة: وما الفائدة حتى لو عرفت؟

قال له الطبيب الذي أحرجته الحالة لأنه لم يستطع تشخيصها منذ البداية: إن الذاكرة تشبه الإناء، لا يمكن لها أن تكون فارغة، وإذا أفرغتها فعليها أن تجد ما تملأ نفسها به، وهذا ما يحدث حين نفقد ذاكرتنا الشخصية، تأتي ذاكرة شخص آخر لتحل محلها بكل تفاصيلها، والمحزن في الأمر، أننا لا نستطيع أن نكون هذا الشخص في الحقيقة، ولا نستطيع العودة إلى أنفسنا، فنتشوه، بالضبط كما حصل مع صديقك.

الذاكرة التي عبأت صديقه كانت لرجل عاش منذ قرون طويلة، كان على ما يبدو يعمل صائغاً، ولديه في البيت حيوانات كثيرة وأتباع أكثر، لم يفهم الصديق التفاصيل كاملة، لكنه تأكد أن هذا الرجل ذا سلطة لا تُقاوَمُ، وأنّه على ما يبدو كان قادراً على صبّ ذاكرته في ذاكرات الآخرين حتى بعد رحيله بقرون، ويحدث هذا دائماً مع أولئك الذين لا تعجبهم ذكرياتهم ويحاولون التخلص منها، كانوا يسلمون عقولهم للهباء، وبما أن الهباء عملياً غير موجود، فإنهم كانوا يسلمونها فعلاً لمن يستطيع ملأها، وهذا بالضبط ما حدث مع صديقه.

رواياته "الذكرياتية" كانت تتطور يوماً بعد يوم، تدخل في أماكن غريبة ومختلفة، والأكثر إدهاشاً أنها تدخل في أزمنة مختلفة، مما يؤكد نظرية صديقه عن الذاكرات التي ملأها ذلك الرجل عبر التاريخ.

في يوم نضجت شمسه كما يحلو للصيف أن يفعل بشموسه، فوجئ هذا الصديق بأصدقائه جميعاً وقد فقدوا ذاكراتهم وبدأوا في رواية تفاصيل تشبه إلى حد بعيد التفاصيل التي كان صديقه يرويها وحيداً، كان مشهداً لا يمكن احتماله، لماذا ظل هو الوحيد الذي لم تسِلْ ذاكرة ذلك الرجل في ذاكرته؟ ولماذا عليه أن يحتمل كل هذا الألم الناتج عن فقدان أجزاء هائلة من ذكرياته بسبب فقدان الآخرين لذاكراتهم؟ ففي كل ذاكرة هناك جزء من ذكرياتنا، وحين تُفقد هذه الذاكرة، نفقد بالتالي هذا الجزء، مثل أن تعيش وقتاً جميلاً مع امرأة جميلة، فإن هذا الوقت يشكل ذكرى تنقسم بين ذاكرتك وذاكرتها، وربما ذاكرة صبي المقهى الذي كان يقدم لكما القهوة مبتسماً، وحين تفقد هذه المرأة ذاكرتها، فإن جزءاً من هذه الذكرى يختفي، فتصبح ذكراك مبتورة، فاقدة لنصفها الآخر، تصبح بلا معنى، فماذا يحدث حين يفقد الجميع ذاكراتهم بما لك فيها من ذكريات؟

أخذ يمشي في ساحات المدينة، الجميع هنا يتكلمون عن ذكريات متشابهة، كأنهم انبثاق عن نفس الشخص، كأنهم صور متكررة لمشهد واحد، لذا كان عليه أن يفكر في أحد أمرين، إما أن يبحث عن طريقة ليفقد فيها ذاكرته الشخصية فيصبح مثل الجميع، أو، أن يحكم الحماية على ذاكرته مهما حدث.

في الحقيقة، أنه قام بتدوين كل شيء، منذ اليوم الذي بدأ فيه صديقه برواية ذكريات لا تخصه، وحين نقول كل شيء، فهذا يعني كل شيء، فهناك نوع من البشر، لا يمكن أن يقبلوا أن تحل ذاكرة أخرى مكان ذاكرتهم، حتى لو أدى ذلك إلى تحويل الأمر إلى معركة مع الذاكرات الأخرى، وما زالت ذاكرته في معركتها، وما زال الآخرون يزدادون، ويروون حكايات لم تعد تحتملها الأمكنة.

الثالث عشر من تشرين أول 2012



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا الدمشقيُّ!!!
- كسيّدٍ غيرِ مهذَّبٍ هو الحنين
- الإساءة للرسول، الإساءة للعالم
- ما يحدث في فلسطين لم يحدث بعد
- ضياع الحلم الفلسطيني
- معرض أزمات الشرق الأوسط
- مُتْ، فنحن لا نجيد التعامل مع الأحياء
- الفن والمحاكمة الأخلاقية
- علِّموا أبناءَكُم
- حاوِل أن تصادقَ جندياً إسرائيلياً
- ليلةُ انتحارِ الفرسِ البيضاءْ قصة قصيرة
- يُعيدُ الشّارعَ إلى وَعْيِهِ
- السُّقُوْطُ كقِطْعَةِ لَيْلْ
- امرأةُ اللاشيء، امرأةُ كلِّ شيء
- يوماً، ستعودُ المدينةُ إلى وردِها
- ما قالَهُ ابنُ عمروٍ* لحِصانِهِ جوارَ النَّهرِ
- وبي حزنٌ قديمْ
- وَرَأَيْتُهَا
- مقام سيدي يوسف البتّيري قصة قصيرة
- ما لا يعرفه أطفال غزة


المزيد.....




- بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في ...
- -الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
- حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش ...
- انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
- -سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف ...
- -مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
- -موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
- شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
- حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع ...
- تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة