أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 3878 - 2012 / 10 / 12 - 17:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المواقف الحرجة التي تمر بها الأنظمة الحاكمة تعطي أفضل الفرص لرؤية أفضل ما لدى تلك الأنظمة من إستعدادات لمواجهة تلك المواقف الطارئة ، و بالتالي تقدم لنا الفرصة لرؤية أفضل ما لدى تلك الأنظمة من إبداع عقلي ، ذلك أن معظم الأنظمة الحاكمة تعد مسبقا ، و بدون ضغط الوقت ، مخططات للتعامل مع معظم ، إن لم يكن لكل ، المواقف الحرجة التي يحتمل أن تتعرض لها .
ثورة 2011 المصرية كانت فترة حرجة لنظام مبارك ، و يكفي إنها تسببت في سقوط مبارك ؛ لكنها كانت قصيرة ، و غير مكتملة ، بسبب السذاجة الثورية التي إتصف بها أغلب المشاركين فيها ، و بالتالي لم تعط الفرصة الكافية للأجهزة الأمنية المباركية لتظهر أفضل ما لديها من إبداعات فكرية لمواجهة الثورة ، فلم يظهر من إبداعاتها ، و التي تدل على ضحالة فكرها ، سوى إستخدام الأساليب الدموية ، مثل القناصة الذين حصدوا أرواح المئات من المشاركين في الثورة ، و مثل الإستعانة بالحمارة و البغالة و الخيالة و الجمالة من منطقة الأهرامات ، و كذلك تنفيذ ما كنا نتوقعه ، و أعني إطلاق المجرمين من السجون ، و تنشيط قطاع البلطجة في وزارة الداخلية ، لإحداث حالة فوضى إجرامية تجعل الشعب يلعن الثورة و يتمنى عودة الإمن و الإستقرار تحت حذاء السلطة كما كان الحال طوال حقبة أسرة يوليو اللعينة .
لكن إذا كان عمر الثورة قصير لإنه تم إجهاضها على يد معظم المشاركين بها ، فإن فترة حكم طنطاوي الدموي وفرت الوقت الكافي للأجهزة الأمنية لتظهر معظم إبداعاتها الخبيثة النجسة ، فرأينا محاولات إشعال الفتنة الطائفية ، مرة إسلامية - إسلامية ، و مرات إسلامية - مسيحية ، و هي المحاولات التي بلغت قمتها عندما حرضت الإذاعة المرئية الرسمية الشعب المصري على الفتنة الطائفية و الحرب الأهلية في مساء التاسع من أكتوبر من العام الماضي ، 2011 ؛ كذلك رأينا إستمرار محاولات دفع الشعب المصري ليلعن الثورة ، بنشر الجريمة ، و غيرها من الإبداعات الأمنية ، التي و إن كانت في معظمها دموية ، إلا إنها غبية ؛ غبية لأن من يحاول إستغفال شعب هو المغفل .
اليوم ، في الساعات الأولى ليوم الجمعة الثاني عشر من أكتوبر 2012 ، أريد أن أتحدث عن إبداع فكري أمني آخر يتعدى في إنتشاره الحدود المصرية ، فهو يكاد أن يكون إبداع مشترك بين الأجهزة الأمنية العربية الإستبدادية ، و يدل على إنه تم إعداده سلفا ، قبل ربيع العرب ، و تم الإتفاق بين الأجهزة الأمنية العربية الإستبدادية ، و بخاصة في الأنظمة العربية التي كانت تدعى بالأنظمة المعتدلة ، على تبنيه عند الضرورة .
كلنا يعرف من هو السلفي ، إن لم يكن من خلال معرفة فكرية ، بالإطلاع على الفكر السلفي ، فعلى الأقل من المظهر ؛ ذلك لأن المذهب السلفي - و الذي أكن له الإحترام كمسلم مثلما أكنه لكافة المذاهب الإسلامية ، و لكافة الأديان و المعتقدات الأخرى - مذهب يهتم بالمظهر الخارجي ، بما يجعل الأتباع الحقيقيين للمذهب السلفي مميزين بمظهر يخصهم ، و يميزهم عن معظم المسلمين من أتباع المذاهب الأخرى .
السلفية ، تعني بإختصار : التأسي بما كان عليه السلف الصالح ، بدأ بخاتم النبيين و المرسلين ، محمد ، صلى الله عليه و سلم ، و مروراً بالصحابة الكرام ، ثم التابعين بإحسان .
لكن في عهد طنطاوي وجدنا وجه آخر للسلفي ، رأينا مرشح سلفي ، ليس له من المظهر السلفي سوى شارب محفوف ، و لحية ، بالمناسبة مشذبة ، و لكنه يرتدي الملابس الحديثة ، أو ما يطلق عليها بعض السلفيين الحقيقيين ، الملابس الأفرنجية ، و هو لم يكتف بهذا ، فهو لم ينس إرتداء رابطة العنق .
لقد رأيت رأي العين الكثير من الدعاة ، من مذاهب إسلامية مختلفة ؛ و صراحة فإن مظهر المرشح السلفي الذي تم إستبعاده ، يجعله أقرب للداعية الإخواني ، أو الداعية الصوفي ، من أن يكون داعية سلفي .
الأمر لا يقف عنده - و إلا كان الحديث عن حالة فردية لا تمثل ظاهرة - فقد لاحظت ، من خلال شاشات القنوات الفضائية ، أثناء التظاهرات التي شبت بالعباسية ، بعد إستبعاده من ترشيح نفسه للرئاسة ، أن كل المتظاهرين لا يمتون في مظهرهم للمذهب السلفي ، عدا متظاهر واحد كان ملتحي ، و لكنه كان يرتدي الملابس الحديثة ؛ و هذا يشابه ما حدث في الشهر الماضي ، سبتمبر 2012 عندما تم إقتحام السفارة الأمريكية بالقاهرة على يد مجموعات لم يكن معظمها يمت في مظهره للمذهب السلفي ، رغم إنهم كانوا يلوحون بإعلام تنظيم القاعدة ؛ لقد نسوا إطلاق لحاهم ، و نسوا أن يرتدوا الزي السلفي ، لكنهم لم ينسوا أن يأتوا معهم بأعلام تنظيم القاعدة .
الأهم من مظهر ذلك الداعية السلفي ، و مظهر من غضبوا لإستبعاده من خوض الإنتخابات الرئاسية ، إن كانوا غضبوا حقا ، و مظهر من إقتحموا السفارة الأمريكية في مصر ، هو موقف الأحزاب السلفية في الإنتخابات الرئاسية التي جرت هذا العام ، 2012 ، فبينما أعلن حزب كل مصر - حكم صراحة في الأول من مارس الماضي دعمه لمرسي إذا لم يستطع الحزب خوض الإنتخابات الرئاسية ، ثم أعلن في التاسع من مارس من نفس الشهر ، و بعد أن تأكد الحزب من إنه لن يستطع خوض الإنتخابات الرئاسية ، إنه سوف يدعم مرسي ، فكان أول حزب من خارج الإخوان ، يعلن ذلك ، كانت الأحزاب السلفية تعلن في الجولة الأولى دعمها لأبو الفتوح ، الذي كان يتودد للتيارات المدنية ، الليبرالية على وجه الخصوص .
موقف غريب من تيار سلفي ، لأن المنطق السليم يقول إنه كان على الأحزاب السلفية أن تدعم مرسي ، الأقرب لهم عقائديا و فكرا سياسيا من أبو الفتوح .
إذا نحن أمامنا نموذج سلفي ، يرتدي فيه دعاته الملابس الحديثة ، بما في ذلك رابطة العنق ، و أتباعه لا يطلقون لحاهم أبداً ، و إن حف معظمهم شواربهم و بعضهم أطلقها ، و أحزابه تفضل و تدعم المرشح الرئاسي الذي يتودد للمدنيين ، من ليبراليين و يساريين .
إنه السلفي المودرن ، أو التيار السلفي المودرن .
رأينا السلفي المودرن في ليبيا أيضا ، و ذلك في إقتحام القنصلية الأمريكية ببنغازي في الشهر الماضي ، و الذي تزامن مع إقتحام السفارة الأمريكية بالقاهرة ؛ رأيناه في ليبيا أيضا حليق اللحيه و الشارب ، و إرتدى واحد منهم فانلة داخلية على جذعه ، أو تي شيرت أبيض بدون أكمام كما يفعل لاعبي الرجبي ، و يرفع يد بعلامة النصر ، المأخوذة من أول حرف لكلمة نصر بالإنجليزية ؛ إنه مودرن لا يجد غضاضة في تبني ما يروق له من ثقافات الغير .
فهل السلفي المودرن هو وجه جديد ؟
لا ، إنه مجرد وجه من أوجه ما سبق أن أطلقت عليه : السلفي الحكومي ، و ذلك في مقال سابق عنوانه : السلفي الحر ، و السلفي الحكومي ؛ و هو المقال الذي كتبته و نشرته في الخامس و العشرين من مايو من العام الماضي .
إنه وجه من الأوجه العديدة لما أطلقت عليه من قبل السلفي الحكومي ، الذي هو من إبداع الأجهزة الأمنية ، و هو إبداع يبدو إنه لا يقف إنتشاره عند حدود مصر ، بل نراه في دول ربيع العرب في شمال أفريقيا ، و كأنه سبق أن إتفقت عليه الأجهزة الأمنية في الدول العربية التي كانت تنعت قبل ربيع العرب بالدول المعتدله .
إلا إننى أرى حاليا أنه من الأفضل أن أغير اسمه من السلفي الحكومي إلى السلفي الأمني ، و ذلك مراعاة للتطورات السياسية التي حدثت في بعض دول ربيع العرب ، و إن كان هذا لا يشمل مصر ، فالحكومة القنديلية هي حكومة مباركية ، و ذلك في إطار تقاسم السلطة بين الإخوان و المباركيين .
فكيف نتعامل مع السلفي الأمني ؟
المواجهة لا تكون بالتصادم مع التيار السلفي ، فهذا ما تريده الأجهزة الأمنية المباركية و في بقية دول ربيع العرب في شمال أفريقيا ، و هذا ما لا نريده ، و لا يريده السلفيون الحقيقيون أيضا ، الذين تمتعوا بالبصيرة ، عندما حاولت الأجهزة الأمنية في عهد طنطاوي الدموي الوقيعة بين الصوفية و السلفية بإحراق بعض الأضرحة الصوفية ، فأصدروا ، و أعني السلفيين الحقيقيين ، بيان مطبوع أشاروا فيه إلى إنهم لا صلة لهم بما حدث ، و أن ما حدث هو محاولة للوقيعة .
المواجهة تكون بتطهير مصر و ليبيا و تونس ، بالوسائل القانونية ، و بأيدي من حديد أيضا ، من بقايا الأجهزة الأمنية ، التي تحرك و تدعم السلفيين الأمنيين و تخطط لهم تحركاتهم ، فلو نجح التطهير سيسقط السلفيون الأمنيون من تلقاء أنفسهم ، كما تهمد حركة دمى مسرح العرائس عندما تنتهي ساعات العمل بالمسرح ؛ و نكون بذلك تجنبنا شق صف الشعب في دول ربيع العرب .
التطهير لا يتوقع أن يتم في عهد مرسي ، فهو ليس إلا دمية في يد المباركيين ، كما ذكرت في مقال سابق الشهر الماضي ، و حكمه قائم على صفقة خبيثة أبرمت أثناء الثورة .
رسالة ، تعد جزء من المقال ، لأعضاء حزب كل مصر - حكم ، و لمؤيديه : سنبدأ ، بإذن الله ، أولى خطوات تسجيل حزب كل مصر - حكم ، هذا الشهر : أكتوبر 2012 ، من أجل إستعادة مصر ، و يحظر على الأعضاء القدامى و الذين إنضموا للحزب قبل ثورة 2011 أو أثناءها ، الإشتراك في عملية تسجيل الحزب أو المشاركة في أي نشاط له قبل تسجيله أو بعده ، و يسري هذا أيضا على كل مؤيدي الحزب و الذين شاركوا في ثورة 2011 ؛ العقلاء سيتفهمون و الحكماء سينفذون ؛ طريقنا سلمي دائماً .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسني
حزب كل مصر - حكم ، شعار الحزب : تراث - ضمير - حرية - رفاهية - تقدم - إستعيدوا مصر
الثاني عشر من أكتوبر 2012
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟