|
المرأة العراقية و الفرصة التاريخية
نجيب المدفعي
الحوار المتمدن-العدد: 1127 - 2005 / 3 / 4 - 10:39
المحور:
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
إنّ عملية التغيير السياسي- الاجتماعي التي تضطرب، في يومنا هذا، في العراق تتطلب قراءة متفحصة لأجوائها و تشخيصا دقيقا لأدواتها من قبل مختلف مكونات المجتمع العراقي. و في مقدمتهم - حجما- يأتي المكون النسوي الذي يمثل الكتلة الأكبر. فهل تنجح المرأة العراقية في انتهاز هذه الفرصة و تـُنظـِّم صفوفها و تـُسخـِّر الأدوات المتاحة من أجل إحراز أكبر المكاسب- و هي حق مشروع- من اللعبة السياسية التي نأمل أن تستمر و تقنـًّن دستوريا.
و اغتنام المرأة للظروف المتاحة لا يعني أننا، معشر الرجال، نريد من المرأة أن تكمّـل و تجمّـل صورة المشهد السياسي العراقي. و بالمقابل يمكن للرجال، و مجمل الشعب، الإفادة من الكتلة النسوية بما يقود إلى الإيغال أكثر في العملية الديمقراطية و تعزيز سلطة القانون.
على المرأة العراقية أن لا تتوقع منحها مكاسبا و مواقعا متقدمة و مؤثرة، بل عليها انتزاعها في مجتمع يسيطر عليه الرجل منذ آلاف السنين. فنحن نسمع، هذه الأيام، أصوات نسائية-هامسة- تطالب بـ (منح) المرأة حقوقها الدستورية و السياسية...الخ، في حين إن واقع الحال يستلزم من الشريحة المطالـِبة بحقوقها، تفعيل الآليات المتاحة لـ (انتزاع) الحقوق.
فعملية (المنح) لا تأتي بالضرورة بأشخاص ذوي مكنة و كفاءة بقدر ما تأتي بأشخاص (يـُجمِّـلون) الصورة، و هؤلاء يبقون ممتنين لـِمَـن (منحهم) هذه العطايا و بالتالي الشعور بالاستلاب أمامه. في حين إن عملية (الانتزاع) تجعل مَن يحقق مكسبا يتمسك به لأنه يحسّ ُ بقيمته، و هي عملية ـ أي الانتزاع ـ تفرز أشخاصا تفاعلوا مع عملية المخاض التي قادت إلى تحقيق المكسب و بالتالي فهم ذوي قدرات تجعل الآخر شريكا لهم و ليس مهيمنا عليهم.
و أنا هنا لا أدعو إلى تمرد نسوي غير منضبط، بقدر ما أدعو المرأة العراقية لتنظيم صفوفها و إيجاد قواسم مشتركة فيما بين الكيانات النسوية و تحديد أهداف لها أرضية اجتماعية يمكن العمل على تحقيقها. إن ترتيب الأفكار و تنظيم الجهود يمكن أن يكون بعدة اتجاهات، فمثلا يمكن أن تأخذ مجاميع نسوية على عاتقها التأكد من تضمين الدستور القادم فقرات تحفظ للمرأة حقوقها، و لا أقول مساواتها لكي لا نقفز بعيدا عن الأرضية الاجتماعية. في حين تعمل مجاميع أخرى على التحرك ميدانيا بين النساء للتعرف على تطلعاتهن و تعريفهن بالآفاق التي يمكن أن يرتدنها و رفع مستوى هذه التطلعات من خلال التثقيف المستمر.
إن النجاح في تضمين الدستور بالفقرات أعلاه لن يكون كافيا لكي يحفظ للمرأة كرامتها، ما لم تتحرك التنظيمات النسوية لإيجاد و استنباط آليات لتفعيل مثل هذه الفقرات. فعلى سبيل المثال يمكن للمرأة العراقية الإفادة من المؤسسة التربوية التي يشكل الكادر النسوي ثقلا أساسيا فيها، و بالتعاون مع وزارات التربية و المرأة و حقوق الإنسان، لتثقيف النشء الجديد بثقافة حقوق الإنسان و احترام المرأة.
إن تحرك المرأة بشكل فعّـال و أخذ دورها يسهم أيما إسهام في حماية المجتمع العراقي. فالمرأة بطبيعتها غير ميالة لاستخدام العنف لتحقيق تطلعاتها، و بالتالي فهي لن تلجأ إلى التغيير المسلح الذي كان ـ و مازال ـ سائدا في العراق. و هذا سيستلزم منها إجتراح و تفعيل آليات أخرى ـ حضارية ـ لإبقاء دورها حاضرا و مؤثرا في الساحة. إنّ هذه الآليات الحضارية ستخدم ـ بالنتيجة ـ مجمل المجتمع العراقي.
و كلمة لمن ينظرون للمرأة نظرة دونية، لا أريد أن أضرب أمثلة بعيدة عنكم تاريخيا و جغرافيا، و لكن لينظر كل منكم لمن حوله من النساء من أقارب و معارف، و أكاد أجزم بأنه سيكتشف امرأة أو أكثر كافحت و ما زالت تكافح من أجل أسرتها و تستحق الاحترام و التبجيل. لقد استطاعت المرأة العراقية أن تثبت عمليا قدرتها على الاضطلاع بكثير من المسؤوليات الوظيفية و الأسرية خلال الحرب العراقية الإيرانية. و هي لعمري تجربة أنتجت العديد من الكفاءات النسوية التي تحتاج إلى تحفيز و تنظيم عملها في الفترة الراهنة.
إني لأجد بائعة الخضروات و الفلاحة و العاملة والممرضة و المعلمة و الطبيبة، و تلك التي ينطفئ نور عينيها جرّاء انكبابها على ماكنة الخياطة و غيرهن كثيرات، لأحقّ ُ في أن يتقدمن الصفوف من أولئك الذين لم يجن ِ العراق منهم غير العنجهية و الشعارات الفارغة.
#نجيب_المدفعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاولة لقراءة نتائج الأنتخابات العراقية
-
نريد مشاركة المرأة بقوة
-
رسائل إنتخابية
-
أنا أنتخب..إذا أنا موجود
-
لا يهمني مَـن يكتب الدستور
-
النابلسي و العرب و العراق
-
عباس المستعجل
-
رأس الدولة والقانون..حكاية من العهد الملكي
-
انطباعات حول جلسة التحقيق الأولى مع صدام
-
أعطوا الناس فرصة...ثم احكموا
المزيد.....
-
خليل الحية: أسرى الاحتلال لن يعودوا إلا بوقف العدوان على غزة
...
-
كيف تباين موقف ترامب وهاريس من الإجهاض والرعاية الصحية؟
-
النساء في ريف مصر.. عمل بدون أجر مقابل “اللقمة”
-
ماذا لو شدّ شخص ما غطاء رأسك؟ هكذا تدرب امرأة في دبي النساء
...
-
حقق حلمك بالزواج.. قرض الزواج من بنك التنمية بتمويل يصل إلى
...
-
-ملكة جمال السباحة- تتلقى عرضا مثيرا من شركة دمى جنسية (صور)
...
-
ما هي طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة في البيت بالجزائر
...
-
حياتك هتتغير للأفضل.. طريقة التسجيل في منحة المرأة الماكثة ف
...
-
عبر موقع الوكالة الوطنية للتشغيل.. طريقة التسجيل في منحة الم
...
-
بعد مزاعم عن وقوع جريمة اغتصاب.. طلاب يتظاهرون في باكستان و
...
المزيد.....
-
الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات
/ ريتا فرج
-
واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء
/ ابراهيم محمد جبريل
-
الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات
/ بربارة أيرينريش
-
المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي
/ ابراهيم محمد جبريل
-
بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية
/ حنان سالم
-
قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق
/ بلسم مصطفى
-
مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية
/ رابطة المرأة العراقية
-
اضطهاد النساء مقاربة نقدية
/ رضا الظاهر
-
تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل
...
/ رابطة المرأة العراقية
-
وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن
...
/ أنس رحيمي
المزيد.....
|