الدولة المدنية والعدالة الاجتماعية

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث
(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

الحوار المتمدن-العدد: 3875 - 2012 / 10 / 9 - 21:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

يتميز شكل الدولة السابقة المرتهن عمقها بعمق الأزمات والعقد, الذي عاشتهُ تلك الدولة تاريخياً , لمعرفة تاريخ المواجهات والصراعات التي أنتجتها مهيمنات الدولة من أنماط العقد والتناقضات التي عاشها المجتمع القديم تحت القهر والرعب مما حول المجتمع إلى جماعات خاضعة للراعي, الذي أنهكها بالحروب والصراعات , مما أصبحت الدولة تحت ظل أزمات وحروب طويلة استنزفت الموارد البشرية والمادية , وأنهكن القوى الحية في المجتمع , مما مهدّ المجال لبروز مرحلة جديدة وصعود قوى جديدة لها حساباتها الخاصة ومصالحها المتعددة , والتي تنتمي بكل أساليبها لإرادة السلطة ومفهوم الدولة في جميع مجالاتها سياسياً وثقافياً وفي المجالات الأمنية والحقوقية .
لكن في المرحلة الجديدة يجب النظر إلى مفاهيم الحرية والعدالة الاجتماعية والعلاقة مع الآخر , نظرة إنسانية محكومة بالقانون والوعي والمسؤولية خارج عقد الأزمات والصراعات التقليدية في الخارج والداخل ,لكن هذه الدولة قد فشلت في إنتاج أنماط الحكم , وأكدت فشلها في التمثيل لقيم الحداثة في الإدارة السياسية مما ظهرت وساهمت في إبراز مظاهر واضحة لتشوه الدولة, ولطبيعة قواها الاجتماعية والسياسية , مما حددت بدولة جديدة ظاهرها الانقطاع التاريخي والانقطاع المعرفي حسب توصيف (باشلار) .
من هذا تدعوا كل التيارات اليسارية والليبرالية والعَلمانية إلى الدولة المدنية , أي دولة المؤسسات والنظام لمواجهة التحديات ,والبناء العضوي لمؤسساتها من خلال تأمين نظام وفق الدستور والقوانين المحركة لهُ , وتحقيق أطرّ واضحة لضمان الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية , خاصة لجميع مكونات المجتمع وتعددية أطيافهم وانتماءاتهم , لكن نلاحظ إن الدولة العراقية الجديدة تعاني من الاغتراب الثقافي في البيئة العراقية المليئة بالصراع والعنف والإقصاء , وكأن مفهوم هذه الحداثة ظلَ في الكثير من مظاهرها قريناً بأزمة التأريخ القديم المسكون بصناعة الأعداء والكاره لمظاهر الخروج عن نسقه, والوقوع في فخاخ الفتنة والزندقة والكفر والطائفية الدينية والقومية المتصارعة بصمتّ منذ قرون ,والخاضعة لمركز السلطة والجماعة والطائفة , وانتهاء بتحديات السلطة القهرية التي صنعت لها خلال عقود أنماط من الحاكميات المرعبة والمؤسسات الأمنية الشرسة التي جمعت بين الثروة والإعلام وقوة الرمز والعسكر والعائلة , واعتماد أشكال من الثقافات السرية والأنماط الطائفية مسكونة بفكرة العنف والتكفير والإقصاء .
أغلب القوى يسارية تدعو إلى الدولة المدنية كسياق حاضن للمعنى الاجتماعي والسياسي وأهمية قراءة شروطها على أساس نموذج الدولة المدنية وأساس لصناعة المستقبل, وتخص النظام الاجتماعي والسياسي على أساس تعزيز التنوع والتعدد على أساس الوعي بالحريات المدنية والحقوق العامة والخاصة وتعزيز فاعلية الدستور العراقي كقانون عام يؤطر الحراك الاجتماعي والسياسي والحقوقي , أي قيام مؤسسات المشروع الوطني بما فيها الإصلاح الاجتماعي والسياسي والقانوني والتعليمي وصولاً إلى البنى الأساسية الفاعلة في إنتاج ظاهرة الدولة بدءً بالإصلاح السياسي وانتهاء بالإصلاح الديني .
الدولة المدنية من أهم مبادئها إنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة, كما أنها لا تعادي الدين أو ترفضه فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملا في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم, حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة.
أما العدالة الاجتماعية الذي كان عنوان شعارا لمؤتمر الحزب الشيوعي العراقي التاســع ، فهي نظام اقتصادي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع تسمى أحيانا العدالة المدنية، و تصف فكرة المجتمع الذي تسود فيه العدالة في كافة مناحيه، بدلاً من انحصارها في عدالة القانون فقط بشكل عام، تفهم العدالة الاجتماعية على أنها توفير معاملة عادلة و حصة تشاركية من خيرات المجتمع,هناك عدة مبادئ ينبغي توافرها في الدولة المدنية والتي إن نقص أحدها فلا تتحقق شروط تلك الدولة أهمها أن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات، بحيث أنها تضمن حقوق جميع المواطنين، ومن أهم مبادئ الدولة المدنية ألا يخضع أي فرد فيها لانتهاك حقوقه من قبل فرد آخر أو طرف آخر, فهناك دوماً سلطة عليا هي سلطة الدولة والتي يلجأ إليها الأفراد عندما يتم انتهاك حقوقهم أو تهدد بالانتهاك, فالدولة هي التي تطبق القانون وتمنع الأطراف من أن يطبقوا أشكال العقاب بأنفسهم.
من هنا نجد من الضروري انبثاق مفاهيم جديدة في إطار حراك العقل السياسي لصناعة دولة حاضنة لفعاليات تنمية أشكال الثقافات , وصياغة علاقاتها وفق المشاريع الإنتاجية ومراكز البحوث الفاعلة وانتعاش برامج التعليم العالي والتخصصي وتطوير مفهوم الأكاديمية كمفهوم مؤسسي وعلمي يتجاوز المدرسة التقليدية , والابتعاد عن المشاكل المعقدة فيما يسمى بمناطق الحكومة والعرف القبائلي, والوصاية السياسية وعلاقاتها التبعية ونبذ الإرهاب والعنصرية والطائفية , والدعوة لتشريع قانون الأحزاب وطبيعة تعاطيه مع مفهوم الدولة المدنية التي حددها الدستور والتي تضع شروط التعددية.

#نبيل_عبد_الأمير_الربيعي (هاشتاغ)       Nabeel_Abd_Al-_Ameer_Alrubaiy#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات