|
قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (3)
زاغروس آمدي
(Zagros Amedie)
الحوار المتمدن-العدد: 3875 - 2012 / 10 / 9 - 19:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
وقد ذكرابن سعد هذه القصة أيضاً في طبقاته الكبرى عن رواية مسلمين آخرين، ولم يفرد ابن سعد فصلاً خاصاً لها وإنما ذكرها في فصل تحت عنوان" " ذكر سبب رجوع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أرض الحبشة ". حيث ذكر التالي: " أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني يونس بن محمد بن فضالة الظفري عن أبيه قال وحدثني كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قالا: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه كفاً عنه فجلس خاليا فتمنى فقال ليته لا ينزل عليَّ شيء ينفرهم عني وقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ودنا منهم ودنوا منه فجلس يوما مجلسا في ناد من تلك الأندية حول الكعبة فقرأ عليهم والنجم إذا هوى حتى إذا بلغ أرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألقى الشيطان كلمتين على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ،ثم مضى فقرأ السورة كلها وسجد وسجد القوم جميعا ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود ويقال إن أبا أحيحة سعيد بن العاص أخذ ترابا فسجد عليه رفعه إلى جبهته وكان شيخا كبيرا فبعض الناس يقول إنما الذي رفع التراب الوليد وبعضهم يقول أبو أحيحة وبعضهم يقول كلاهما جميعا فعل ذلك فرضوا بما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده وأما إذ جعلت لها نصيبا فنحن معك فكبر ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم من قولهم حتى جلس في البيت فلما أمسى أتاه جبريل عليه السلام فعرض عليه السورة فقال جبريل جئتك بهاتين الكلمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت على الله ما لم يقل فأوحى الله إليه: وان كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لأتخذوك خليلا ، إلى قوله: ثم لا تجد لك علينا نصيرا. ويتابع ابن سعد روايته قائلاً: "أخبرنا محمد بن عمر قال حدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام قال فشت تلك السجدة في الناس حتى بلغت أرض الحبشة فبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل مكة قد سجدوا وأسلموا حتى أن الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة قد سجدا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال القوم فمن بقي بمكة إذا أسلم هؤلاء وقالوا عشائرنا أحب إلينا فخرجوا راجعين حتى غذوا كانوا دون مكة بساعة من نهار، لقوا ركبا من كنانة، فسألوهم عن قريش وعن حالهم، فقال الركب ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعه الملأ ،ثم ارتد عنها فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشر فتركناهم على ذلك.(الطبقات الكبرى لابن سعد ص 90 ـ 91). ثم يتابع ابن سعد الحديث عن الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة: " أخبرنا محمد بن عمر بن واقد الأسلمي قال حدثني سيف بن سليمان عن بن أبي نجيح قال وحدثني عتبة بن جبيرة الأشهلي عن يعقوب بن عمر بن قتادة قال سمعت شيخا من بني مخزوم يحدث أنه سمع أم سلمة قال وحدثنا عبد الله بن محمد الجمحي عن أبيه عن عبد الرحمن بن سابط قالوا لما قدم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مكة من الهجرة الأولى اشتد عليهم قومهم وسطت بهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا فأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى أرض الحبشة مرة ثانية...(الطبقات الكبرى لابن سعد ص 92) مع أن ابن سعد هنا كغيره من الرواة المسلمين الأوائل يتحدث عن قصة الغرانيق دون تردد او تخوف أو إرتباك ، لأنه يصدق محمداً ويصدق الحكاية ، ويجدها حادثة طبيعية لاتنقص كما لاتزيد من دعوة "المقفى والمصطفى"، ولانراه يعلق عليها حتى بكلمة ، أويشكك في حدوثها، مما يؤكد لنا أنها واقعة حدثت كغيرها من الوقائع، ومما يدعم هذا الرأي ذكره لعودة المهاجرين من أرض الحبشة بأسمائهم وتفاصيل إقامتهم القصيرة في مكة ومن ثم حديثه عن الهجرة الثانية بتفاصيلها أيضاً، والتي ذكرتها هنا لهذا المقصد. ومن الغباء والظلم أن نفترض أن ابن سعد وابن اسحاق والواقدي والطبري وغيرهم قد افتعلوا الحديث عن سرد عودة المهاجرين والهجرة الثانية فقط من أجل أن يرووا في سياق ذلك قصة الغرانيق هذه. وهذا لوحده كاف لإثبات أن هذه الواقعة قد وقعت فعلاً. إذ من غير المحتمل أن يلفق كل هؤلاء الحديث عن الهجرة إلى الحبشة والعودة إلى الوطن من أجل إثبات صحة نزول الآيات الشيطانية دون أن يذكروا سبباً آخر لذلك.
وبالرغم من أن ما رواه ابن سعد والطبري كافٍ لأن نعلم أن قصة الغرانيق هذه قد حدثت فعلاً ، ومع ذلك من الأفيد لنا أن نستبين ماكتبه غيره من المؤرخين والمفسرين المسلمين، لنتعرف على موقف الكثير من هؤلاء، لما لهذه القصة من تأثير على صدق نبوة محمد من جهة ، ومن جهة أخرى إختلاف المسلمين حول حقيقة حدوثها، إذ يعتقد البعض منهم، أن هذه القصة تشكك في وحي محمد، وتبرز دور الشيطان الخطر، لذلك يروا هؤلاء أنه من الأفضل انكار وقوعها أصلاً ، وتجنيب المسلمين شر الشك والريبة والحيرة الذي يمكن أن يصيب نفوسهم الضعيفة، حتى ولوكان ذلك تجنياً على الحقيقة نفسها. فلا حقيقة فوق حقيقة الإسلام كما يدعون. ومن الذين ذكروا هذه الواقعة العديد من كبار المفسرين والرواة المسلمين،كما اسلفت، كابن اسحاق في سيرته والطبري في تفسيره، والبيهقي في دلائله والواحدي في أسباب النزول وكذلك ابن كثير في تفسيره وابن حجر العسقلاني في فتح الباري في شرح صحيح البخاري وغيرهم، وفي رواية ابن كثير جاء مايلي: " لما أنزلت سورة النجم، وكان المشركون يقولون : لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير ، أقررناه وأصحابه ، ولكن لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم ، وأحزنته ضلالتهم ، فكان يتمنى هدايتهم فلما أنزل الله سورة " والنجم " قال : "أفرءيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى. "النجم" الآيتان 19-20 ، ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الطواغيت ، فقال : " وإنهن لَهن الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لَهِيَ التي تُرتَجى " فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته. فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة ، ودلقت بها ألسنتهم ، وتباشروا بها ، وقالوا : إن محمداً قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه ، فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر "النجم " سجد وسجد كلُّ من حضر من مسلم ومشرك ، ففشت تلك الكلمة في الناس ، وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة ، فأنزل الله "ومآ أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي" "الحج" 52 ، فلما بيّـن الله قضاءه ، وبرّأه من سجع الشيطان ، انقلب المشركون بضلالتهم وعدوانهم للمسلمين ، واشتدوا عليه"( تفسير ابن كثير الآية 52 من سورة الحج)
ويسرد السهيلي في الروض الأنف، وتحت عنوان: "قصة الغرانيق وإسلام مكة" الآتي: " وذكر ما بلغ أهل الحبشة من إسلام أهل مكة ، وكان باطلا ، وسببه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قرأ سورة النجم فألقى الشيطان في أمنيته أي في تلاوته عند ذكر اللات والعزى ، وإنهم لهم الغرانقة العلى ، وإن شفاعتهم لترتجى ، فطار ذلك بمكة فسر المشركون وقالوا : قد ذكر آلهتنا بخير فسجد رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في آخرها ، وسجد المشركون والمسلمون ثم أنزل الله تعالى : " فينسخ الله ما يلقي الشيطان " الآية، فمن هاهنا اتصل بهم في أرض الحبشة أن قريشا قد أسلموا ، ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق من غير رواية البكائي وأهل الأصول يدفعون هذا الحديث بالحجة ومن صححه قال فيه أقوالا ، منها : أن الشيطان قال ذلك وأشاعه . والرسول عليه السلام لم ينطق به وهذا جيد لولا أن في حديثهم أن جبريل قال لمحمد ما أتيتك بهذا ، ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها من قبل نفسه وعنى بها الملائكة إن شفاعتهم لترتجى . ومنها : أن النبي عليه السلام قاله حاكيا عن الكفرة وأنهم يقولون ذلك فقالها متعجبا من كفرهم والحديث على ما خيلت غير مقطوع بصحته والله أعلم."
ولعل من المفيد إيراد ماقيل عن هذه القصة في "مختصر السيرة" للإمام محمد بن عبدالوهاب : "ومما وقع أيضا : قصته صلى الله عليه وسلم معهم "لما قرأ سورة النجم بحضرتهم - فلما وصل إلى قوله: "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" ألقى الشيطان في تلاوته تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ففرحوا بذلك فرحا شديدا ، وتلقاها الصغير والكبير منهم وقالوا كلاما معناه هذا الذي نريد نحن نقرأ أن الله هو الخالق الرازق المدبر للأمور ولكن نريد شفاعتها عنده . فإذا أقر بذلك فليس بيننا وبينه أي خلاف . واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها ، فلما بلغ السجدة سجد وسجدوا معه . وشاع الخبر : أنهم صافوه . حتى إن الخبر وصل إلى الصحابة الذين بالحبشة فركبوا بالبحر راجعين لظنهم أن ذلك صدق. فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاف أن يكون قاله فخاف من الله خوفا عظيما ، حتى أنزل الله عليه: "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته" إلى قوله: "عذاب يوم عقيم""
فهنا لايقوم الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب فقط بسرد قصة الغرانيق هذه ، وإنما يشدد على صحة وقوعها أيضاً،وأنها في غاية الوضوح، إلا عمن طبع الله على قلبه، إذ يقول بعد سرده لقصة الغرانيق نقلاً عن الأوائل مايلي: " فمن عرف هذه القصة وعرف ما عليه المشركون اليوم وما قاله ويقوله علماؤهم ولم يميز بين الإسلام الذي أتى به النبي صلى الله عليه وسلم وبين دين قريش الذي أرسل الله رسوله ينذرهم عنه وهو الشرك الأكبر فأبعده الله فإن هذه القصة في غاية الوضوح إلا من طبع الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة ، فذلك لا حيلة فيه ولو كان من أفهم الناس كما قال الله تعالى في أهل الفهم الذين لم يوفقوا" ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء "" الأحقاف الآية:26. إن موقف محمد بن عبدالوهاب من قصة الغرانيق هذه هوأكثر المواقف وضوحاً وصدقاً، ولكن يبدو أنه في تشديده الملحوظ على وضوحها وبيان صحتها واتهام من لايعي ذلك بأن الله طبع على قلبه وسمعه وأن لاحيلة له بعد ذلك سبيل إلى فهمها،إشارة واضحة إلى رجال الدين الشيعة الذين ينفون هذه القصة من أساسها نفياً هيستيرياً قاطعاً، ولهم أسبابهم في ذلك وسآتي عليها لاحقاً في سياق موقفهم العام من قصة الغرانيق أو الآيات الشيطانية. أما ابن سلامة فاقر هو بدوره أيضاً بترديد محمد للأيات الشيطانية، وصنفها من ضمن المنسوخ في القرآن وذلك في كتابه: " الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم ": " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صلى بأصحابه وقرأ سورة النجم، وانتهت قراءته إلى قوله: أَفَرَأَيتُمُ اللاتَ وَالعُزّى. وَمَناتَ الثالِثَةَ الأُخرى، وأراد أن يقول: أَلَكُمُ الذِكَرُ وَلَهُ الأُنثى. فقال الشيطان: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجي. ثم مضى في قراءته حتى ختم السورة. فقالت قريش: قد صبأ إلى ديننا، فسجدوا حتى لم يبق بمكة متأخر غير الوليد بن المغيرة، فإنه أخذ كفا من حصى المسجد، فرفعه إلى وجهه، تكبراً. فأنزل الله عز وجل جبريل عليه السلام: ما هكذا أنزلت عليك. فقال: وكيف أنزلت علي ؟، فأخبره بالقرآن على حقيقته، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحزن لذلك، فأنزل الله عز وجل تسلية له: وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلّا إِذا تَمَنّى أَلقى الشَيطانُ في أُمنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَهُ ما يُلقي الشَيطانُ ثُمَّ يُحكِمُ اللَهَ آياتِه. وبينها ، والله أعلم بإمرة حكيم بصنعه وتدبيره."
كما أن ابن حجر العسقلاني رجَّح بوضوح صحة ورود آيات الغرانيق ثم تمَّ نسخها ،فقد جاء في شرحه لصحيح البخاري الآتي: " وقد أخرج ابن أبى حاتم والطبرى وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبى بشر عنه قال:" قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم، فلما بلغ: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ، ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية" وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال فى إسناده:"عن سعيد بن جبير عن ابن عباس"فيما أحسب، ثم ساق الحديث وقال البزار: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، قال: وإنما يروى هذا من طريق الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس،انتهى." ويتابع الباحث الإسلامي الكبير ابن حجر العسقلاني بحثه في آيات الشيطان قائلاً: "وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدى، وذكره ابن إسحاق فى السيرة مطولا، وأسندها عن محمد بن كعب، وكذلك موسى بن عقبة فى المغازى عن ابن شهاب الزهرى، وكذا ذكره أبو معشر فى السيرة له عن محمد بن كعب القرظى ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبرى، وأورده ابن أبى حاتم من طريق أسباط عن السدى، ورواه ابن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبى عن أبى صالح وعن أبى بكر الهذلى وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمى عمن حدثه ثلاثتهم عن ابن عباس، وأوردها الطبرى أيضا من طريق العوفى عن ابن عباس، ومعناهم كلهم فى ذلك واحد، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبرى من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثنى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوه، والثانى ما أخرجه أيضا من طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبى هند عن أبى العالية، وقد تجرأ أبو بكر بن العربى كعادته فقال: ذكر الطبرى فى ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وهو إطلاق مردود عليه ، وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا قوله: ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فى ذلك ضعيفة واهية، قال وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبى بشر عن سعيد بن جبير، مع الشك الذى وقع فى وصله، وأما الكلبى فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفهم، رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم، قال: ولم ينقل ذلك انتهى. ويتابع العسقلاني: " وجميع ذلك لا يتماشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح، وهى مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل ،وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ماوقع فيها مما يستنكر وهو قوله:"ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد فى القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته. وقد سلك العلماء فى ذلك مسالك، فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر، فلما علم بذلك أحكم الله آياته ، وهذا أخرجه الطبرى عن قتادة، ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبى صلى الله عليه وسلم ذلك ولا ولاية للشيطان عليه فى النوم، وقيل إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره، ورده ابن العربى بقوله تعالى حكاية عن الشيطان: " وما كان لى عليكم من سلطان " الآية قال: فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقى لأحد قوة فى طاعة. ويضيف العسقلاني: " وقيل: إن المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك، فعلق ذلك بحفظه صلى الله عليه وسلم فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا. وقد رد ذلك عياض فأجاد، وقيل لعله قالها توبيخا للكفار، قال عياض وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد ،ولا سيما وقد كان الكلام فى ذلك الوقت فى الصلاة جائزا، وإلى هذا نحا الباقلانى. وقيل إنه لما وصل إلى قوله:"ومناة الثالثة الأخرى"خشى المشركون أن يأتى بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه فى تلاوة النبى صلى الله عليه وسلم على عادتهم فى قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه، ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس، وقيل: المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات الله ويعبدونها، فسيق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى: " ألكم الذكر وله الأنثى "، فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا: قد عظم آلهتنا، ورضوا بذلك، فنسخ الله تلك الكلمتين وأحكم آياته وقيل: كان النبى صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان فى سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه ،فظنها من قوله وأشاعها، قال: وهذا أحسن الوجوه ويؤيده ما تقدم فى صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير "تمنى" بتلا . وكذا استحسن ابن العربى هذا التأويل وقال قبله: أن هذه الآية نص فى مذهبنا فى براءة النبى صلى الله عليه وسلم مما نسب إليه ، قال: ومعنى قوله: "فى أمنيته" أى فى تلاوته، فأخبر تعالى فى هذه الآية أن سنته فى رسله: إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص فى أن الشيطان زاده فى قول النبى صلى الله عليه وسلم لا أن النبى صلى الله عليه وسلم قاله، قال: وقد سبق إلى ذلك الطبرى لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده فى النظر، فصوب على هذا المعنى وحوم عليه"
ويبدو أن ما توصل إليه العسقلاني في بحثه أوقف الكثير من الأئمة المسلمين عن إعتبار هذه الآيات الشيطانية هي وضعية أختلقها بعض المنافقين أو المشركين لتشويه صورة "سيد البشر" وأن بإمكان الشيطان أن يخضعه لمشيئته. لأن الغالب في الروايات وبخاصة الأقدم منها وجه الصحة فيها،وقد رجح أغلب الباحثين المسلمين القدماء ذلك،أما أغلب الباحثين المسلمين المعاصرين فيفضلون السكوت عن هذه القصة كما ذكرت ،لما يمكن أن تحدثه من أثر سلبي في نفوس المسلمين. لكن وبدافع الأضطرار للرد على ماينشر عن هذه القصة في بعض الكتب أو على صفحات الأنترنيت حول هذه القصة بمالايرضي المسلمين، ألف بعض الداعين المسلمين من المعاصرين مؤلفات يردون بها بشكل غير مباشر على ذلك. أحد هؤلاء هو الشيخ الألباني الذي ألف كتاباً صغيراً بعنوان يبعث على الخوف وهو: " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق " وقد كتب الشيخ الألباني في مقدمة مؤلفه هذا مادحاً له مايلي: " فجاءت رسالة فريدة في بابها ، قوية في موضوعها ، ترفع حيرة الأخ المؤمن ، وتطيح بشبهة الملحد الأرعن ، وقد سميتها: " نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق". ولاأخفي أن هذا العنوان قد أخافني بعض الشىء، وقد قرأت ماكتب تحته بحذر شديد مترقباً في كل لحظة كرة نارية تسقط على رأسي ، لكني والحمد لله أنهيت قراءة رسالته فلم أرى فيها لامجانيقاً ولامناجيقاً ولاقذائف اسفلتية أو كتانية. ثم يورد بعض الروايات المتأخرة لبعض الفقهاء القلائل الذين أنكروا وقوع هذه القصة، لأنها تنال من صاحب الرسالة وتناقض قوله عز وجل: "إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين الحجر." 42. متناسين أن هذه الآية ذاتها تتناقض مع العديد من الآيات الأخرى هنا، ويذكر الشيخ الألباني عن بعضهم قولهم: "إن المسلمين لم يسمعوها، و إنما ألقى الشيطان ذلك في أسماع المشركين و قلوبهم". وكأنه هنا يخاطب مريده المسلوبين الإرادة والعقل. ثم يتابع الشيخ الألباني ويروي بسذاجة بالغة عن سجود أهل مكة بقوله: "يجوز أن يكونوا سجدوا لدهشة أصابتهم و خوف اعتراهم عند سماع السورة لما فيها من قوله تعالى: "وأنه أهلك عاداً الأولى ، و ثمود فما أبقى" ثم يوكد مرة أخرى إنكار القصة بقوله:"ثم عقبت على ذلك بذكر بعض البحوث والنقول عن بعض الأئمة الفحول ذوي التحقيق في الفروع والأصول ، تؤيد ما ذهبنا إليه من نكارة القصة وبطلانها ، ووجوب رفضها ، وعدم قبولها". ثم يلقي الشيخ الألباني بمنجنيقه على قرائه المساكين بقنبلة خلَّبيَّة تقول: "فَحذارِ أيها المسلم أن تغتر بشيء منها فتكون من الهالكين" ، و"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك."
ومن الجدير بالذكر أن تجرأ الألباني على مخالفة مذهبه السني في هذه القصة والإدعاء ببطلان هذه الواقعة،على عكس معلميَّه الكبيرين شيخ الإسلام الفقيه والمتكلم ابن تيمية والإمام محمد عبد الوهاب عدا عن الفطاحل من الأوائل كالطبري وابن كثير وابن حجر العسقلاني وغيرهم،يوقع أهل مذهبه في مزيد من الحيرة، بدل أن يرفعها عنهم كما يدعي. فقد قام ابن تيمية بتثبيت هذه القصة وبيَّن أن محمداً بقصته تلك يبين أن الله قد أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب. ففي كتابه الفتاوي الكبرى ، قسم الطهارة جاء مايلي عن قصة الآيات الشيطانية: " بحديث ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فسجد وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس . وهذا السجود متواتر عند أهل العلم . وفي الصحيح أيضا : من حديث ابن مسعود قال : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بمكة النجم ، فسجد فيها وسجد من معه غير شيخ أخذ كفا من حصى ، أو تراب ، فرفعه إلى جبهته وقال : يكفيني هذا ، قال : فرأيته بعد قتل كافرا. قال ابن بطال : هذا لا حجة فيه : لأن سجود المشركين لم يكن على وجه العبادة لله ، والتعظيم له ، وإنما كان لما ألقى الشيطان على لسان النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر آلهتهم في قوله : أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . فقال : تلك الغرانيق العلى وأن شفاعتهن قد ترتجى . فسجدوا لما سمعوا من تعظيم آلهتهم ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم وما ألقى الشيطان على لسانه من ذلك أشفق وحزن له ، فأنزل تعالى تأنيسا له ، وتسليمه عما عرض له : وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، إلى قوله: والله عليم حكيم. أي إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته ، فلا يستنبط من سجود المشركين جواز السجود على غير وضوء ، لأن المشرك نجس لا يصح له وضوء ولا سجود ، إلا بعد عقد الإسلام . فيقال : هذا ضعيف ، فإن القوم إنما سجدوا لما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا. فسجد النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه امتثالا لهذا الأمر ، وهو السجود لله ، والمشركون تابعوه في السجود لله.".
كما جاء في نفس الكتاب لابن تيمية ، قسم "مسائل منثورة" في سياق حديثه عن عصمة الأنبياء عن قصة الغرانيق مايلي: " والعصمة فيما يبلغونه الأنبياء عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين . ولكن هل يصدر ما يستدركه الله فينسخ ما يلقي الشيطان ويحكم الله آياته؟ هذا فيه قولان . والمأثور عن السلف يوافق القرآن بذلك . والذين منعوا ذلك من المتأخرين طعنوا فيما ينقل من الزيادة في سورة النجم بقوله : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى ، وقالوا : إن هذا لم يثبت ، ومن علم أنه ثبت : قال هذا ألقاه الشيطان في مسامعهم ولم يلفظ به الرسول . ولكن السؤال وارد على هذا التقدير أيضا . وقالوا في قوله : " إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته " هو حديث النفس . وأما الذين قرروا ما نقل عن السلف فقالوا هذا منقول نقلا ثابتا لا يمكن القدح فيه والقرآن يدل عليه بقوله : " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ، ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد ، وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم "، فقالوا الآثار في تفسير هذه الآية معروفة ثابتة في كتب التفسير ، والحديث ، والقرآن يوافق ذلك فإن نسخ الله لما يلقي الشيطان وإحكامه آياته إنما يكون لرفع ما وقع في آياته ، وتمييز الحق من الباطل حتى لا تختلط آياته بغيرها . وجعل ما ألقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض ، والقاسية قلوبهم إنما يكون إذا كان ذلك ظاهرا يسمعه الناس لا باطنا في النفس والفتنة التي تحصل بهذا النوع من النسخ من جنس الفتنة التي تحصل بالنوع الآخر من النسخ . وهذا النوع أدل على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده عن الهوى من ذلك النوع ، فإنه إذا كان يأمر بأمر ثم يأمر بخلافه وكلاهما من عند الله وهو مصدق في ذلك ، فإذا قال عن نفسه إن الثاني هو الذي من عند الله وهو الناسخ وإن ذلك المرفوع الذي نسخه الله ليس كذلك كان أدل على اعتماده للصدق وقوله الحق ، وهذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: لو كان محمد كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية : " وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه " ألا ترى أن الذي يعظم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ولو كان خطأ ، فبيان الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أحكم آياته ونسخ ما ألقاه الشيطان هو أدل على تحريه للصدق وبراءته من الكذب ، وهذا هو المقصود بالرسالة فإنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم تسليما ، ولهذا كان تكذيبه كفرا محضا بلا ريب."
هنا يُظهر شيخ الإسلام ابن تيمية بوضوح تام لاغبار عليه أن محمدا النبي أيضاً يمكن أن تختلط عليه الآيات ، فيأتي الله هنا ليبين للنبي العربي الآيات التي تأتيه من الشيطان فينسخها ويبين له آياته فيحكمها.
إن هذا الإختلاف بين المتقدمين والمتأخرين حول هذه القصة وأشياء كثيرة اخرى، يدل على أن الفقهاء والباحثين القدماء كانوا أكثر موضوعية وصدقاً وجرأة في تناولهم للموضوع الديني من قرآن وسنة، من الباحثين المسلمين المحدثين الذين يغلون في التعصب الديني لدرجة تدعو إلى الضحك أحياناً كرضاهم على بعض الصحابة المنافقين ومبايعاتهم وتأيديهم لأغلب الخلفاء المسلمين المنحرفين والفاسدين أمثال يزيد بن معاوية وكذلك تمسكهم بالكثير من الأحاديث الخرافية والتافهة التي جزم العلم ببطلانها.
أما الشيخ الوهابي المتبحر في العلم الديني عبدالعزيز بن عبدالله بن باز فلم يعارض بشدة معلمه الشيخ الماجد ـ كما يسميه ابن باز ـ ابن تيمية فيما يتعلق بقصة الغرانيق بعكس الشيخ الألباني، ففي الجزء الثامن من مجموع فتاويه جاء على ذكر قصة الآيات الشيطانية في رده على سؤال، وفيما يلي السؤال ورد الشيخ ابن باز عليه: " س : ورد في تفسير الجلالين في سبب نزول الآية ( 52 ) من سورة الحج : أن الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يقرأ : " أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى " أن الشيطان ألقى على لسانه : تلك الغرانيق العلى ، وإن شفاعتهن لترتجى . فهل هناك ما يدل على صحة هذه القصة من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أم هي من الإسرائيليات؟ أفيدونا أفادكم الله . "ج : ليس في إلقاء هذه الألفاظ في قراءته صلى الله عليه وسلم حديث صحيح يعتمد عليه فيما أعلم ، ولكنها رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث مرسلة ، كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير في تفسير آية الحج ، ولكن إلقاء الشيطان في قراءته صلى الله عليه وسلم في آيات النجم وهي قوله : " أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى " الآيات ، شيء ثابت بنص الآية في سورة الحج ، وهي قوله سبحانه : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ " فقوله سبحانه : إِلا إِذَا تَمَنَّى أي : تلا ، وقوله سبحانه : " أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ " أي : في تلاوته ، ثم إن الله سبحانه ينسخ ذلك الذي ألقاه الشيطان ويوضح بطلانه في آيات أخرى ، ويحكم آياته ؛ ابتلاء وامتحانا ، كما قال سبحانه بعد هذا : " لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ " الآيات. فالواجب على كل مسلم أن يحذر ما يلقيه الشيطان من الشبه على ألسنة أهل الحق وغيرهم ، وأن يلزم الحق الواضح الأدلة ، وأن يفسر المشتبه بالمحكم حتى لا تبقى عليه شبهة ، كما قال الله سبحانه في أول سورة آل عمران : " هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الْأَلْبَابِ " وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أنه قال : إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم . متفق على صحته . والله ولي التوفيق."
يظهر أن "النبي الأميّ" وجد نفسه قد ذهب بعيدا جدا في تجاوبه مع خصومه اللدودين ، وأحس بخطأ إتفاقه وفعلته هذه في تعظيم أصنام أهل مكة، وأنها بإمكانها أن تشفع للمشركين، فحاول أن يستدرك الخطأ باستدعاء جبريل الذي سرعان ما أسعفه وأنقذه من هذه الورطة الكبيرة حين أنزل عليه: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ". الحج 52، وبهذه الآية برأ محمد نفسه مما جرى على لسانه من آيات شيطانية، وهذا يدل على أن من السهولة بمكان أن ننسب أخطاءنا إلى هذا الكائن اللعين الذي لايستطيع أن يدافع عن نفسه مع كل كيده ومكره وملعنته، ونتبرأ من أقوالنا ووعودنا.ولو تمكن الشيطان من أن ينطق يوما لحصلت بلاوي لاحصر لها. يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية التي أسعف بها جبريل محمداً: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ" ،إن السبب الذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول الله, أن الشيطان كان ألقي على لسانه في بعض ما يتلوه مما أنزل الله عليه من القرآن مالم ينزله الله عليه, فاشتد ذلك على رسول الله واغتم به, فسلاه الله مما به من ذلك بهذه الآيات. ذكر من قال ذلك : عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا: جلس رسول الله في ناد من أندية قريش كثير أهله, فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فينفروا عنه, فأنزل الله عليه: "والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى" .النجم 1-2، فقرأها رسول الله, حتى إذا بلغ: "أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى" النجم 19-20 ألقىعليه الشيطان كلمتين "تلك الغرانقة العلى, وإن شفاعتهن لترجى" فتكلم بها. ثم مضى فقرأ السورة كلها. فسجد في آخر السورة, وسجد القوم جميعا معه, ورفع الوليد بن المغيرة ترابا إلى جبهته فسجد عليه, وكان شيخا كبيرا لا يقدر على السجود. فرضَوْا بما تكلم به وقالوا: قد عرفنا أن الله يحيي ويميت وهو الذي يخلق ويرزق, ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده, إذ جعلت لها نصيبا, فنحن معك! قالا: فلما أمسى أتاه جبرائيل عليهما السلام فعرض عليه السورة; فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين! فقال رسول الله: افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل. فأوحى الله إليه: "وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك, لتفتري علينا غيره." الإسراء 73 إلى قوله: "ثم لا تجد لك علينا نصيرا".الإسراء 75.
في القصل التالي سأورد لكم موقف الشيعة من هذه القصة، ولماذا يشددون في إنكار هذه القصة بصورة غير طبيعية؟
#زاغروس_آمدي (هاشتاغ)
Zagros__Amedie#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى كان أكراد سوريا يلجؤون للسلاح؟
-
ألا يمكن تدمير إسرائيل دون تدمير سوريا؟
-
كَيف لِمَنْ يَخافُ ريشَةَ رَسامٍ سَاخِرْ أنْ يقاومَ أوْ يُما
...
-
المسيح يقول: -زوجتي- إكتشاف جديد، عن صحيفة ألمانية
-
قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (2)
-
قِصّةُ الآيَاتِ الشَّيْطانِيَّة (1)
-
هل الوصاية الدولية على سوريا يمكن أن يكون حلاً ؟
-
لاتَقتُلوا بَناتَكمْ وَأَوْلادَكمْ
-
بعض المستور في حياة -سيف الله المسلول-
-
تأريض الإسلام 10
-
تأريض الإسلام 9
-
(8) تأريض الإسلام
-
(7) تأريض الإسلام
-
(6) تأريض الإسلام
-
(5) تأريض الإسلام
-
(4) تأريض الإسلام
-
تأريض الإسلام-الفصل الأول الحلقة الثانية
-
(1) تأريض الإسلام
-
(2) تأريض الإسلام
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|