|
الأقليات في الدول الإسلامية المعاصرة - المسيحيون والصابئة المندائيون نموذجاً!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 3875 - 2012 / 10 / 9 - 17:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تمهيد يثير مصطلح " الأقليات" إلتباساً في المعنى والدلالة وزاوية النظر إليها، مثلما يثير ردود فعل متباينة من خارجها ومن داخلها، إزاء موقعها القانوني والاجتماعي والثقافي والسياسي، لاسيما بخصوص الحقوق والواجبات وما يترتب عليها من مسؤوليات. وعلى الرغم من أن المصطلح مستخدم من جانب الأمم المتحدة، خصوصاً "بإعلان حقوق الأقليات"Minority rights (1) أو "إعلان حقوق الشعوب الأصلية"(2)، لكنني أميل إلى استخدام مصطلح " التنوّع الثقافي" والتعددية الدينية أو الإثنية أو اللغوية أو غيرها، وأجده الأقرب إلى مبادئ المساواة والتكافؤ وعدم التمييز، بغض النظر عن حجم التكوينات وعددها، أقلية أو أكثرية، وذلك في إطار الحقوق المتساوية، لاسيما حقوق المواطنة. وسيكون هذا المنطلق مدخلاً لدراسة موضوع الأقليات الذي سنستخدمه مجازاً بما يعني المجتمع المتعدد الثقافات، مثلما هو المجتمع العراقي المتنوّع والمتعدد الثقافات والأديان، حيث سيكون استخدامنا من زاوية الإقرار بالتنوّع والتعددية الثقافية وليس طبقاً للنظرة التي سادت في سنوات ما بعد الاحتلال المتعلقة بنظام المحاصصة الطائفية- الإثنية، ــــــــــــــ • كاتب ومفكر عراقي- أستاذ مادة اللاعنف وحقوق الانسان في جامعة أونور AUNHOR، في بيروت، له أكثر من 50 كتاباً في قضايا الفكر والقانون والسياسة والأدب والثقافة. تلك التي تختزل المجتمع العراقي الموحد، المتعدد، المتنوّع، إلى مجرد مكوّنات وكأنه جزرٌ متباعدة أو حتى متناحرة، لاسيما حين يراد فرض حدود وحواجز بين الأديان والقوميات والطوائف، حيث لا جسور تربط بينها ولا يمكن عبورها أو حتى التفكير بإلغائها ولو افتراضياً، وهكذا ستلغى الهوّية الجامعة، ذات الأركان الوطنية العراقية الموحّدة، التي عاشت تحت ظلالها الأديان والقوميات والطوائف، وإنْ لم تتمتع بالمساواة والتكافؤ بسبب سياسات لأنظمة حكم سلطوية واستبدادية، وثقافة سائدة ومهيمنة وأخرى مطلوب منها أن تكون تابعة أو مستتبعة، دون أن يعني عدم وجود مشتركات إنسانية تجمعها، باعتبارها الأساس في هوّيتها المتعددة والموحدة في آن، حتى وإنْ كان لها هوّيتها الفرعية أو الخصوصية الثقافية دينياً أو قومياً أو حتى مذهبياً، وهو أمر طبيعي في الغالبية الساحقة من المجتمعات البشرية. وقد سبق للروائي اللبناني العالمي أمين معلوف أن بحث في كتابه الموسوم " الهوّيات القاتلة" وقد مثّل هو شخصياً هذا البُعد المتحرك في الهوية بحمله الثقافتين العربية والفرنسية وقدرته في أن يكون جسراً للتواصل بين هوّيات مزدوجة متعددة ومتنوّعة وبينها هارموني منسجم (3). وقد توقف عند هذه المسألة المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد في كتابه "خارج المكان" الذي هو بحث في الهوّية التي ظلّت تشكل هاجسه الإنساني (4). وكان أدونيس في كتابه " موسيقى الحوت الأزرق" (5) قد ناقش فكرة الهوّية مستهلاً بعبارة قرآنية تضيء بقدَمِها نفسه حداثتنا نفسها، بمعايشة الآخر داخل حركته العقلية ذاتها في لغته وإبداعاته وحياته اليومية، أي الحركة بين الانفصال والاتصال في آن، فالهوّية ليست سوى معطىً ثابتاً، بل هي متحركة وتتأثر بغيرها. وقد يحمل الإنسان أكثر من هوّية في إطار من التعايش والانسجام، بل والتفاعل والتكامل الذي لا فكاك منه. لهذا فإن استخدام مفهوم "الأقلية" و"الأكثرية"، سيحمل في ثناياه معنى التسيّد من جهة، والخضوع أو الاستتباع من جهة أخرى، أي اللامساواة، وذلك سيكون انتقاصاً من دين أو قومية أو لغة أو غيرها من المكوّنات بزعم كونها أقلية، فضلاً عن تعارضه مع مبدأ التكافؤ والمساواة في الحقوق ، فحق المسلم مثل حق المسيحي وغيره من أبناء الأديان الأخرى، مثلما هو حق الكردي مثل حق العربي، دون أي افتئات أو استصغار من هذا المكوّن أو ذاك على أساس عددي، فذلك سيعني مخالفة صريحة لمبادئ الشرعة الدولية لحقوق الانسان، التي تقول ديباجته بالاعتراف بالكرامة الأصلية لجميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، التي هي أساس الحرية والعدل والسلام في العالم... حيث يولد جميع الناس أحراراً متساويين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً، وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء، كما جاء في المادة الأولى (6). ولذلك لا ينبغي أن يشمل مصطلح الأقليات، القوميات أو الأديان، بل هو أقرب إلى التوازنات والاصطفافات السياسية في البرلمان وخارجه، وفي تمثيل القوى السياسية أو المهنية أو النقابية أو مؤسسات المجتمع المدني. أما بخصوص القوميات والأديان واللغات والأصول السلالية والإثنية، فينبغي أن تكون على قدر من واحد من المساواة، لأن الأمر يتعلق بالحقوق، وهذه متساوية وتشمل جميع البشر، ولا يمكن التمييز بينهم بسبب عددهم: أقلية أو أكثرية، كما أن هذه الحقوق شاملة وعامة، وتخصّ الإنسان بغض النظر عن عرقه ودينه وقوميته ولغته وجنسه وأصله الاجتماعي، وهي حقوق، لا يمكن تجزئتها أو الانتقاص منها أو المفاضلة بينها لأي سبب كان. وإذا كان المجتمع العراقي يتكون من العرب والكرد والتركمان والكلدان والأشوريين، وغيرهم كتكوينات قومية وإثنية، فإنه في الوقت نفسه يتألف من المسلمين والمسيحيين والصابئة (المندائيين) والإيزيديين واليهود كأديان تاريخية(7)، يضاف إليها الشبك والكاكائين وغيرهم. وتنقسم الديانة الإسلامية والمسيحية، إلى طوائف في العراق، حيث يتوزّع المسلمون على طائفتين كبيرتين هما: السنّة والشيعة، ويتألف المسيحيون من الكاثوليك والروم والسريان الارثوذكس والبروتستانت والأرمن. وتتنوّع اللغات في العراق، بين العربية التي يتحدث بها سكان العراق بشكل عام إلى الكردية والتركمانية والسريانية والأرمنية وغيرها، وأحياناً تتعايش الإثنيات والسلالات والأديان والطوائف واللغات في أمكنة واحدة متداخلة ومتجاورة ومنسجمة، لاسيما في المدن الكبرى مثل بغداد وأحيائها الكثيرة التداخل والاختلاط، والبصرة والموصل وكركوك وغيرها، وتلك إحدى سمات الدولة العراقية مجتمعياً. ولم يعرف العراق المعاصر أية احتدامات دينية أو طائفية، الاّ باستثناءات محدودة ولظروف خاصة، كما أنها لم تكن ظاهرة عامة، بل كانت سرعان ما تنتهي أو يتم تطويقها، خصوصاً بالاجتماع الوطني والشعارات ذات الهوّية العراقية الجامعة، وإنْ كان الأمر يتم أحياناً على حساب الهوّيات الفرعية، لكنه في الوقت نفسه يمتص عوامل الاصطدام أو الاحتكاك ويعظّم من عوامل التعايش والمشترك الإنساني دون إهمال المطالبة بالحقوق، ولاسيما بالمساواة والمواطنة، ليس فقط من أبناء الأقليات حسب، بل من عموم أبناء الشعب العراقي، لاسيما من القوى الوطنية العراقية، وخصوصاً قوى اليسار والتيار الديمقراطي والليبرالي، الذي كان وجودهما مؤثراً في العراق، في فترة العهد الملكي بكاملها أو خلال فترة الحكم الجمهوري ولاسيما لسنوات الستينيات.
قلق ومخاوف لقد ساور الكثير من أبناء "الأقليات" مخاوف وقلق إزاء مصيرها ومستقبلها، لاسيما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وارتفاع نبرة الكراهية والإقصاء والتوجّهات الطائفية والمذهبية، خصوصاً من جانب بعض الجماعات السياسية التي ادّعت أنها تنطق باسم الأغلبيات أو حتى أنها تمثلها أو تعبّر عنها، وذلك في محاولة لفرض التقاسم المذهبي والإثني ليصبح أمراً واقعاً. وقد سادت موجة الاحتدام الطائفي والإثني التي اتّسمت بالتكفير والتأثيم ومحاولات تسييد نمط ديني أو طائفي على الآخرين، وكان لتنظيم القاعدة وممارسته أعمال إرهاب دوراً كبيراً في ذلك، فضلاً عن بعض الجماعات المتطرفة الشيعية أو السنّية، بحيث شملت عملياتها كل من يخالفها بالدين والمذهب والرأي، وإنْ كان ما قاموا به من ممارسات لا علاقة له بالدين أو بالقيم الإنسانية والأخلاقية، لكن انعكاساته كانت كبيرة على أبناء الديانات والقوميات الأخرى، فضلاً عن أبناء الطوائف الأخرى، وبالطبع فإن أكثر ما يتأثر به هو أبناء "الأقليات"، حيث يكون استهدافهم استئصالياً، لكونهم ينتمون أو ينحدرون من أديان أو أصول أخرى، فضلاً عن طوائفهم المختلفة. ومثل تلك الممارسات اتّخذت مبررات مختلفة تارة دينية إقصائية ضد الآخر وأخرى كونهم طابوراً خامساً، لاسيما وقد عمل بعضهم مع الأمريكان بصفة مترجمين أو لتسهيل بعض أعمالهم الخدمية، وربما اتّهم بعضهم بأنه من أنصار النظام السابق، ورابعة ذهبوا "فرق عملة" كما يقال، أي لتصفية الحسابات بين المجموعات الطائفية، ولاسيما في الطريق إلى عمليات التطهير الطائفي والمذهبي والإثني، وخامسة لتشويش وارتباك المواقف واختلاطها، وخصوصاً لإضاعة الأثر، وكل ذلك كان يشكّل ذرائع جديدة للتطهير الطائفي والإثني، وهو الأمر الذي شمل مئات الألوف من الفريقين السني والشيعي، لكنه كان أشد قسوة على الأقليات، لاسيما المسيحيين والمندائيين (الصابئة) والإيزيديين وغيرهم، الذين بدأ عددهم يتناقص على نحو ملفت، لدرجة أن الفسيسفاء العراقية الملّونة موزائيكياً، بدت أكثر شحوباً، حيث هاجر ما يزيد عن ثلثي من تبقى من الصابئة، فبعد أن كان عددهم قبيل الحرب العراقية- الإيرانية نحو 70 ألفاً، انخفض هذا العدد الى النصف حتى الاحتلال الأمريكي للعراق، وقد هاجر ثلثي هؤلاء، بعد احتلال العراق ولم يبق منهم أكثر من 5 آلاف صابئي، كما تعرض الإيزيديين إلى عمليات تطهير وإجلاء وتفجيرات (8) سببان مشروعان للقلق ولعل قلق ومخاوف أبناء الأقليات إتّسعت لسببين أساسيين الأول: هو ما صاحب الإحتلال والإطاحة بالنظام الدكتاتوري السابق وما أعقبهما من فوضى وأعمال عنف استهدفت بهذا القدر أو ذاك التنوّعات الثقافية، سواءً المسيحيين أو الصابئة المندائيين أو الإيزيدين أو التركمان أو غيرهم من الكرد، ولاسيما الفيلية في بعض المناطق، فضلاً عن أن الإرهاب شمل التكوينات المختلفة التي شهدت تململات لا تزال تمور في أحشائها، لكنه لم يجرِ التعبير عنها على نحو واضح ومعلن، على الرغم من الإرهاصات التي ظهرت هنا وهناك بشكل محدود، وخصوصاً بعد ردود الفعل. وبالطبع فقد كان هناك طرف قوي أو أطراف قوية وأخرى ضعيفة وأصبحت هذه الأخيرة مهددة بوجودها واستمرارها بعدما تعرضت له من استهدافات وانتهاكات، الأمر الذي لم يبق أمام الكثيرين من أفرادها سوى الهجرة في الغالب. وإذا كانت بعض الأطراف القوية والقريبة من السلطة لديها مليشيات، فالإقليات لا تملك سوى وجودها الانساني والحضاري، ولم تكن في يوم من الأيام حاكمة أو قريبة من السلطة كما لم تكن لديها ميليشيات، لا في السابق ولا في الحاضر، بل إنها فئات وتكوينات مسالمة وتحاول قدر الامكان أن تتجنب أي اصطدام أو أعمال عنف لأنها ستكون الخاسرة بلا أدنى شك والضحية باستمرار. والثاني هو صعود التيار الإسلامي، في العراق بجميع تكويناته، فضلاً عن النفوذ الإيراني الذي عرف بتوجهه المذهبي الآيديولوجي وهو تيار بالمعلن أو المستتر، بالشريعة أو دونها، يحاول أن يفرض شكلاً من أشكال الهيمنة بحجة أنه أغلبية، ولاسيما عددية، وأحياناً أغلبية طائفية، ومثل هذا الأمر انعكس على بلدان الربيع العربي، لاسيما في تونس ومصر والمغرب حيث فازت القوى الإسلامية في أول انتخابات بعد الربيع العربي، ناهيكم عن انتعاشه في ليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وهي الدول التي شهدت حركات احتجاج واسعة تكلّل بعضها بتغيير الأنظمة السابقة، وظلّت تراوح في بعضها الآخر، الأمر الذي زاد من المخاوف المشروعة في الغالب، خصوصاً ما أثير من علاقة الدين بالدولة فضلاً عن علاقته بمفهوم الهوّية والحقوق الفردية والجماعية ومبادئ المواطنة والمساواة والمشاركة في إدارة الحكم وتولّي المناصب العليا، لاسيما بالنسبة "للأقليات"، وكذلك في الموقف من حقوق المرأة!(9) ولعل الحذر لدرجة الهلع أحياناً من تكرار موجة العنف والتطرف والتعصب وتفجيرات الكنائس والاختطاف الذي تعرّض له المسيحيون وكنائسهم ومقدساتهم، كان الهاجس العام لهم ولبقية الأقليات، بعد الموجة الطائفية التي بلغت ذروتها في العام 2006، حتى وإن انتشرت مثلها في المجتمع ككل، لكن تأثيرها على الأقليات كان واسعاً وعميقاً، حيث بدأت بعض ملامح ووجهة الدولة ومستقبلها تتحدّدان، الأمر الذي لم يكن خارج نطاق أعمال " بلطجة" وعنف منفلت من عقاله، لاسيما لمليشيات قريبة من السلطة، رافقت بعض التغييرات حيث انطلق ذلك من قاع المجتمع في لحظة ضعف الدولة وانهيار أو تفكك بعض مؤسساتها في وقت بالغ الدقة، ولاسيما في غياب رؤية موحدة وعدم القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة والخوف من المساءلة عن أوضاع الماضي، وأوضاع الحاضر، وخصوصاً المتعلقة بالانتهاكات بشكل عام وانتهاك حقوق الأقليات بشكل خاص. لقد انزلق العنف في العراق إلى منحدر مجتمعي تمارسه مجموعات ضد أخرى بدوافع مختلفة، فبعد أن كان العنف في العراق مقتصراً على الدولة ضد معارضتها أو مقاومة هذه المعارضة بالعنف ضد السلطة، لكنه خرج عن هذا السياق وانحدر إلى مستويات غير مسبوقة حيث أصبح يمارس باسم فئات أوطوائف لأسباب أحياناً يعجز الإنسان عن إدراك دوافعها الحقيقية، إذا استثنينا محاولة الهيمنة وإملاء الارادة. الأقليات ومرجعية الدولة لعل الحكومات العراقية السابقة في غالبيتها كانت تزعم سواءً تعبيراً أو تمثيلاً لطرف أساس سائد (أقلية أو أغلبية) على الأطراف الأخرى الخاضعة (أغلبية أو أقلية)، لا بالمعنى السياسي بل، بقدر علاقته بالتكوين القومي أو الديني أو المذهبي أو حتى الجهوي والمناطقي أحياناً، لأسباب تتعلق بالاستحكام بالسلطة أو الاستئثار فيها، من خلال شبكة من الأتباع والمريدين، لاسيما من ذات الجهة الحاكمة والمتحكّمة، الأمر الذي يطرح موضوع المواطنة على بساط البحث بشكل راهن وغير قابل للتأجيل، خصوصاً بسبب التمييز القومي والديني وعدم الاعتراف بالتنوّع الثقافي والتعددية المجتمعية، في بلد متعدد التكوينات الثقافية دينياً وقومياً ولغوياً. وهي المشكلة التي ظلّت تعاني منها الدولة العراقية منذ تأسيسها في 23 آب (أغسطس) العام 1921 وحتى العام 2003، حين وقع العراق تحت الاحتلال. (10) ولأن الغالبية الساحقة من العراقيين وبسبب غياب أو ضعف الديمقراطية مفاهيماً وحقوقاً ومؤسسات وممارسات وشحّ الثقافة الحقوقية والقانونية، خصوصاً ثقافة حقوق الإنسان، فقد نظرت إلى التغييرات التي أرادتها وضحّت من أجلها، بشيء من الإرتياب بعد حسم الصراع مع السلطات الحاكمة السابقة، بل أنها ظلّت مذهولة وعاجزة أحياناً في ظل غياب مرجعية الدولة وإحداث نوع من الفراغ أوجدته نظرية الصدمة والترويع الأمريكية، فضلاً عن ما سمّي بالفوضى الخلاّقة، التي قامت على أساس التفكيك ومن ثم إعادة البناء بمواصفات المحتل والقوى التي تعاونت معه، فلجأ العراقيون في لحظة حساسة ودقيقة إلى المرجعيات الدينية والمذهبية والعشائرية والمناطقية تلك التي لها مكانتها الكبيرة، لكنها لا تمثّل مرجعية جامعة، بقدر ما تمثّله من هوّيات فرعية، سواءً كانت دينية أو إثنية أو طائفية، وبكل الأحوال ومع احترام خصوصيتها، فإنها لا ترتقي إلى الهوّيات الجمعية الموحّدة. ولعل تلك المسألة أحدثت نوعاً من الاستقطاب الطائفي والمذهبي والديني والاثني، تم تغذيته في ظروف الصراع المحموم والرغبة في الحصول على المكاسب وبتشجيع من القوى الخارجية المحتلة، الأمر الذي كان أولى ضحاياه هم أبناء الأقليات. لقد كانت مرجعية الدولة بغض النظر عن الموقف منها مرجعية وطنية موحِّدة ، حتى وإن اختلفنا حول طبيعة الدولة، لاسيما الاختلال في تأسيسها واستبداد أجهزة الحكم والسلطة، خصوصاً تماهي السلطة مع الدولة في محاولة ابتلاعها وعدم التفريق بينهما، لكن غياب تلك المرجعية على ضعفها وعوارها ساعد في ظهور الهوّيات الفرعية، وهو أمر لا بدّ له أنه يظهر في ظل عوامل الكبت والاستلاب، ولكن ظهوره بهذا الشكل كان على حساب الهوّية الوطنية العامة، التي ينبغي أن لا تلغي الهوّيات الفرعية، بل تقوم على احترام خصوصياتها وحقوقها، وتعضدّها لكي تعبّر عن نفسها في إطار مواطنة سليمة ومتكافئة، تلك التي كان فقدانها أو الانتقاص منها سبباً في الانقسام والتشظي الذي وصل إليه المجتمع العراقي بعد الاحتلال، الذي حاول تكريسه بصيغة مجلس الحكم الانتقالي وبناءً على قرار من بول بريمر الحاكم المدني الأمريكي للعراق (13 أيار (مايو) 2003- 28 حزيران (يونيو) 2004) وقد سارع التيار التقليدي ليتصدّر المشهد، ويسعى لملء الفراغ ونجح في ذلك، لاسيما الاتجاهات الدينية والمذهبية والإثنية، في محاولة لركوب الموجة وقيادتها، خصوصاً وقد كانت هذه التيارات قد تعرّضت إلى قمع شديد من الأنظمة السابقة(11). وكان التيار الإسلامي، المعتدل أو المتطرف، بما فيه الإسلامويين، وإن اقتبس شعارات الديمقراطية وحاول التكيّف ببراغماتية عالية مع توجهاتها، ينظر إلى الغرب (باعتباره المنبع للفكرة الديمقراطية) بكثير من الشك معتبراً كل بضاعته مغشوشة أو غير صالحة للاستعمال في بلداننا، ساعياً إلى إعادة انتاج خطاب جديد، يروّج له، مستغلاً التضييق على نشاطه في السابق وملاحقته، ليتصدر الشارع السياسي، معتمداً على عدد من الجمعيات والمنظمات الدينية، المهنية والخيرية والإنسانية والخدمية التابعة للمرجعية الدينية، التي تماهت في الفترة الأولى مع التيارات الحزبية الإسلامية، للتبشير بآرائه، ناهيكم عن محاولة مدّ جسر بينه وبين الناس باعتباره الطريق الموصول بالله وباليوم الآخر، لاسيما بارتداء ثوب المرجعية بالنسبة لغلاة الشيعة وعلماء الدين لغلاة السنّة وبحثاً عن الشفاعة المنشودة، خصوصاً وأن كلا الفريقين يعتبر نفسه من الفرقة الناجية، مخطئاً للآخرين ومستخفّاً بطقوسهم وشعائرهم. وكانت تلك الجهود قد أثمرت عن فوز التيار الاسلامي الشيعي وبقيادة حزب الدعوة حيث توالى على رئاسة وزراء العراق في الدورة الأولى (الانتقالية) الدكتور ابراهيم الجعفري ولدورتين كاملتين نوري المالكي، وبالمعدّل فإنه منذ العام 2005 فإن حزب الدعوة وحلفاءه يعتبرون حكاماً فعليين، للعراق، في ظل انقسام طائفي وإثني، وقانون انتخابات لا ينجم عنه سوى نتائج مشابهة في ظل القائمة المغلقة في انتخابات العام 2005 ثم القائمة المفتوحة في انتخابات 2010، ولكن مع قاسم انتخابي ومقاعد تعويضية وأخرى للأقليات بما يكرّس التمترس الطائفي والإثني، فضلاً عن استمرار ظواهر المحاصصة والارهاب والفساد الإداري والمالي، تلك التي تطال الأقليات قبل غيرهم، بل وتجعلهم هدفاً سهلاً للميليشيات أو لسياسات التهميش والعزل. ولذلك لم تكن النتائج التي أحرزها التيار الإسلامي الشيعي ونظيره السنّي مفاجئة تماماً، وإن كانت لبعضهم صدمة قوية، لأنها لم تدرك ولم تتحسّب ماذا يعني استمرار حكم الاستبداد لعقود من الزمان؟ وماذا يمكن أن ينتج من بدائل سياسية؟ وهو ما حاول النظام السابق، مثله مثل الأنظمة العربية السابقة قبل موجة الربيع العربي العزف على هذا الوتر، زاعمة أن بديلها سيكون متطرفين وربما ارهابيين من تنظيمات القاعدة أو غيرها، وفي أحسن الأحوال سيكون "الاسلاميون السلفيون" وهم جميعاً معادون للغرب بديلاً عنهم، حيث ستتهدد هوامش الحريات المحدودة وحقوق المرأة وستزداد معاناة الأقليات، لاسيما التلويح بتطبيق مبادئ الشريعة حسب التعاليم المتشددة السائدة لدى الجماعات الاسلامية، الأمر الذي كان رسالة للداخل من جهة وأخرى للخارج من جهة أخرى. وإذا كان التيار الوسطي واليساري الماركسي والعروبي، الأقرب إلى العلماني والمدني والعقلاني والليبرالي هو من دفع أثماناً باهظة في الماضي، فإن التيار الإسلامي والإسلاموي هو الذي حصد نتائج ما بعد الحكم الدكتاتوري في العراق، وسواءً كان الأمر باستحقاق من خلال التعبئة والتحشيد والشحن الطائفي، أو دون استحقاق في لحظة فراغ تاريخية ولحظة تخدير للوعي، فإنه أصبح واقعاً وعلى الجميع التعامل مع هذه الحقيقة. لقد أعاد التيار الإسلامي تنظيم نفسه وقواه على نحو سريع مستفيداً من امكاناته المالية واللوجستية وتأثيره العاطفي على الناس باستمرار تفاعله معهم من خلال اللقاءات اليومية في الجوامع والمساجد وأماكن العبادة، فضلاً عن دعم المرجعية، لدى الشيعة، وعلماء الدين لدى السنّة، خصوصاً وقد انقسمت وزارة الأوقاف العراقية إلى وقفين: شيعي وسني وسرت الدماء الطائفية في عروق الكثيرين، علماً وأن وظائف الدولة العليا بفعل نظام المحاصصة توزّعت على الطوائف، "ومن المشير إلى الخفير" كما يُقال، ولم تكن للكفاءة والمساواة أي اعتبار في ظل تلك الأوضاع وهو ما انعكس على ظروف الأقليات، لاسيما المسيحيين والصابئة وغيرهم. ولمجرّد صعود التيار الإسلامي ساورت كثير من الشكوك المشروعة موقفه من الأقليات التي ظلّت "محرومة" إلى حدود غير قليلة من مواطنة متساوية ومتكافئة وعلى قدر من الندّية مع الآخرين، خصوصاً وأن التاريخ المعاصر للأقليات لقي مثل هذا التمييز أو العنف، سواءً كانت أقليات قومية أو إثنية أو دينية أو طائفية أو غيرها. لقد إزدادت وتعاظمت مسألة الأقليات في البلدان العربية، بل أنها اشتبكت لدرجة التعقيد ووصلت في بعض البلدان إلى طريق مسدود لأنها لم تجد حلولاً عقلانية وعلى أساس المواطنة واحترام حقوق الإنسان ومبادئ المساواة وعدم التمييز، على الرغم من التطورات التي حصلت في العالم على هذا الصعيد، لاسيما في أوروبا التي شهدت حروباً طاحنة في القرون الوسطى، إلاّ أنها استقرت بإقرار الدولة المدنية وإعلان مبادئ المساواة طبقاً للقانون، تلك التي تعمّقت في القرن العشرين بخصوص حقوق المرأة والأقليات وحقوق الإنسان عموماً. لقد عانت الأقليات في بلداننا العربية، وفي العراق بشكل خاص من إشكالات تاريخية كثيرة، ففي فترة الدولة العثمانية، ولاسيما الحقبة المتأخرة منها والتي عُرفت باسم الرجل المريض، سعى الغرب للتدخل فيها على نحو سافر، بحجة حماية الأقليات الدينية وضمان حقوقها(12)، ولم تكن فكرة الاعتراف بالمِلَلِ والنِحَلِ كافية لتلبية هذه الحقوق للولايات العثمانية وللأديان والقوميات المتكوّنة منها، وهذه الفترة هيّأت لفترة أخرى أعقبتها، خصوصاً بانتشار الوعي القومي من جهة، والشعور بالهوّية الدينية من جهة أخرى، واتخذت شكلاً آخر في فترة الاستعمار. وكان يفترض بعد تأسيس الدولة العراقية في العام 1921 وفيما بعد استكمال استقلالها ودخولها عصبة الأمم في العام 1932 أن تبحث في حلول لمشكلة الأقليات على أساس المواطنة والمساواة والمبادئ الدستورية للدولة العصرية التي انتشرت في العالم، لاسيما في الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، والفترة التي أعقبتها وذلك بعد انهيار الفاشية والنازية، وتأسيس منظمة الأمم المتحدة وإقرار مبدأ حق تقرير المصير كأحد أركان المبادئ الآمرة في القانون الدولي Jus Cogens وفيما بعد بإقرار الاعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 باعتباره الشجرة الوارفة التي أثمرت عشرات الغصون والفروع طيلة السنوات الستين ونيف، حيث تم إبرام نحو 100 إتفاقية دولية بهذا الخصوص. لكن مشكلة الأقليات تفاقمت بالتدريج، وإذا كانت فترة العهد الملكي في العراق 1921-1958 قد اتسمت بأنها الأقل تمييزاً، "من الناحية الواقعية"، بخصوص الأقليات، فإنها شهدت احتدامات لاحقة بسبب تعقّد الوضع السياسي في العراق وظروف الحرب والحصار وفيما بعد الاحتلال التي عاظمت من مشكلة الأقليات، خصوصاً عدم الاعتراف بحقوقها وبالتعددية الثقافية والتنوّع الديني والقومي، الأمر الذي زاد الطين بلّة وعمّق من مشكلة الحكم، سواءً إزاء حقوق الكرد القومية، بما فيها حقهم في تقرير المصير واختيار شكل العلاقة مع أشقائهم عرب العراق، أو اعتماد مبدأ عدم التمييز والمساواة إزاء الأديان والتنوّعات الثقافية الأخرى، ولاسيما المسيحيين والصابئة المندائيين وبقية الأقليات، في حين كانت أوروبا الغربية قد وضعت اللمسات النهائية أو شبه النهائية للإقرار بالتنوّع والمساواة والمواطنة، ولحقت بها أوروبا الشرقية في أواخر الثمانينيات. وإذا كانت القوى الوطنية العراقية ما بعد الاستقلال رفعت شعارات ما فوق دينية وما فوق إثنية أو مذهبية وسعت لعبور التكوينات المختلفة في إطار الدولة الوطنية وهو أمر صحيح، لكن ما كان ينقصه هو الاعتراف بالأقليات على القدر نفسه من المساواة، ناهيكم عن احترام خصوصياتها وهوّياتها الفرعية. وقد كان عدم الاعتراف، فضلاً عن التمييز سبباً في تعميق المشكلات، التي تراكمت وتعقّدت خصوصاً عندما صاحبها قمع وتهميش. ولا شك أن مسألة التنوّع الثقافي التي وجدت لها أرضاً خصبة لدى أطراف سياسية يسارية وديمقراطية، وخصوصاً بالنسبة للكرد انعكس ذلك في الدساتير العراقية بعد ثورة 14 تموز (يوليو) العام 1958 وفي دستور العام 1970 وإن كان الأمر ظل دون حلول عملية باستمرار القمع والاضطهاد، لكن مسألة المساواة وعدم التمييز ظلّت إشكالية بالنسبة للأديان الأخرى وقد انتعشت في الثمانينيات وعشية انهيار النظام الدولي القديم القائم على القطبية الثنائية وانتهاء عهد الحرب الباردة وتحوّل الصراع الآيديولوجي من شكل إلى شكل آخر، الأمر الذي عزّز الشعور بضرورة انبعاث وتعزيز الهوّيات الفرعية وإيجاد حلول عقلانية وعملية لمشكلة الأقلّيات، سواءً كانت قومية أو دينية أو غيرها. ولم يعد بالإمكان غضّ النظر عن حقوق قوميات أو أديان تحت أية مبررات أو شعارات كبرى، سواءً مواجهة العدو الصهيوني أو الخطر الخارجي أو التفرّغ لبناء الدولة وتسليح جيشها وتدريبه، لأن بالاعتراف بالحقوق والحريات، لاسيما للأقليات، بإمكانه تعزيز المشاركة التي من شأنها تعميق التوجه نحو التنمية وتوسيع دائرة المواجهة مع الأخطار والتحديات الخارجية، وليس العكس. ولم تكن المقايضات في قضايا الحريات والحقوق، لاسيما فرض ثقافة سائدة بحجة الأغلبية والتنكر لتعددية المجتمعات المتعددة الثقافات، كما هو المجتمع العراقي، سوى مبررات لأنظمة شمولية لتثبّت سلطاتها وادعاء أفضلياتها وزعم نطقها باسم الشعب كل الشعب، تارة باسم العروبة والوحدة ومواجهة العدو والخطر الأجنبي الذي يدّق على الأبواب، وثانية باسم مصالح الثورة ولاسيما الكادحين، وثالثة باسم الإسلام والشريعة، والحرام والحلال والمقدّس والمدنس بذريعة أنها تمثل السماء، كما هي الفترة الراهنة. ولعلّ الجماعات الإرهابية لم تعطي نفسها حق تمثيل العدالة حسب، بل عملت على استخدام السلاح وأصدرت أحكاماً خارج القضاء، بل ونفذتها باسم الله لدرجة أن الذبح أصبح على الهويّة في بلد عرف التسامح والتعايش الديني والقومي مثل العراق، على الرغم من استمرار مشكلة الأقليات، وهكذا سعت المجموعات الإرهابية والميليشيات لتكون هي جهة التشريع والقضاء والتنفيذ في آن واحد دون أية قوانين أو مؤسسات شرعية أو رسمية ومعلنة، بل كان كل شيء يتم في الخفاء وفي ظروف بالغة السرّية. أخطاء معتّقة لم تتعامل الحكومات العراقية في العقود الثلاثة الماضية مع هذه الظواهر الجديدة والتطورات في موضوع الأقليات بشكل إيجابي وبإنفتاح لقبول الواقع القائم على التنوّع، وحاولت تسويف الاعتراف بالحقوق الحريات أو المداورة على حساب الأقليات أو إعلان بعض الحقوق والمراوغة عليها أو جعلها أقرب إلى مكرمات، ولكن الواقع الجديد، لاسيما الاحتلال كان هو الأسوء فيما يتعلق بالأقليات، لدرجة أن ما تعرّضت له من انتهاكات وارهاب أصبح أكثر إشكالية سواءً فكرية أو موقف استعلائي أو رغبة في الهيمنة أو سعي للانتقاص من الحقوق، والنظر إلى الأقليات بمنظار أدنى، بل أصبح الأمر تهديداً للوجود بالكامل في محاولة استئصال وإقصاء وتهجير. وهكذا شعرت "الأقلّيات" لا الانتقاص من حقوقها فحسب، بالتهديد من فقدان أمنها وأمانها، ولهذا ظلّت تتقدّم خطوة أحياناً وتؤخر أخرى، لأنها غير متيقّنة أن وضعها اللاحق سيكون أحسن من وضعها السابق، على الرغم من معاناتها في ظل الحكم الدكتاتوري، لكنها كانت تعيش في ظل مجتمع يتقبّل وجودها ويحفظ أمنها وأمانها، حتى وإن كانت مبررات الدولة لا تأخذ بمبدأ المساواة والمواطنة المتكافئة، لكن المجتمع بشكل عام كان ينظر إليها نظرة إيجابية بشكل عام. ولم نعرف أو نسمع أن ثمت استهدافات جماعية أو حتى فردية طالت الأقليات لكونها أقليات، وإن حصل الأمر على نحو محدود وفردي ولا يكاد يذكر وهو محصور جداً بظروف خاصة، في حين أن استهدافهم أصبح مجتمعياً من جانب جماعات متطرفة باسم الإسلام: سنة وشيعة، فضلاً عن التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة: والأكثر من ذلك هناك محاولات لإضفاء الطابع الإسلامي أو الإسلاموي على الدولة العراقية بشعارات استفزازية والقيام بأعمال عنفية، طالت الأقليات بمقدساتها وأفرادها، وهو أمرٌ لم يحصل في السابق منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى وقوعها تحت الإحتلال. ولعل هذا ما حاول آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا أن ينفخ فيه عندما قال: أن مسيحي الشرق قلقون على ديمومة وجودهم، ولاسيما في ظل صعود التوتر الطائفي، ولهذا ينبغي تفهّم مخاوفهم، وإذا كان هذا الكلام صحيحاً، فإن الوجه الآخر له ولكيلا يستغل ويستثمر على كونه كلام حق، حتى وإن أريد به باطل، ينبغي النظر إليه من زاوية مواقف الدولة العراقية ونواقصها إزاء مسألة حقوق المواطنة والمساواة وعدم التمييز. وإذا كانت شعارات الربيع العربي، تأمين الحرية والكرامة الإنسانية، فإن الحق في المواطنة المتساوية يكون في صلب أهدافه، ذلك لأن ضياع هذه الأهداف، سيكون ضياعاً للربيع العربي أو تأخيراً لنتائجه وزيادة في معاناة السكان التي طال انتظارها. (13) وقد دفعت أعمال عنف واسعة النطاق في العراق ضد المسيحيين والتنوّعات الثقافية الأخرى مثل الصابئة والأيزيديين والتركمان والشبك بما فيها تفجيرات لكنائس أو المطالبة بإقامة دولة إسلامية أو وضع المسيحيين والصابئة وغيرهم بين خيارين أما الدخول في الإسلام أو دفع الجزية، والاّ مغادرة البلاد، والاستيلاء أحياناً على بعض مساكنهم وبيوتهم، وهو ما أدى إلى زيادة درجة الاستقطاب والهلع من استهدافهم، وتهديد مصيرهم ووجودهم، فالارهاب والعنف ضدهم يختلف عن استهداف المكوّنات الأخرى مثل المسلمين أو العرب أو الكرد في كردستان أو المكوّنات الكبرى، لأنه مهما حصل فلن يؤدي إلى هجرتها كاملة أو زوال تأثيرها.(14) وقد لعب تنظيم القاعدة في العراق وما سمّي بدولة الرافدين الاسلامية دوراً في إذكاء نار العداوة ضد الأقليات، فضلاً عن جماعات إسلامية متطرفة، سواءً تعلن مواقفها أو تضمرها أحياناً، ولكن بيئة التطرف والتعصب والإقصاء التي سادت في العراق، كانت مشجعة لاستهداف الأقليات، خصوصاً في ظل الفوضى، وهو ما حصل بُعيد الربيع العربي في العديد من البلدان العربية. مشكلة المسيحيين العرب عانت المنطقة من عناصر تطرف وتعصّب لرفض وجود المسيحيين العرب وجرت حملات منظمة معلنة ومستترة لاجلائهم، وبشكل خاص في إسرائيل بعد قيامها وطرد سكان البلاد الأصليين، ولاسيما باستهداف المسيحيين لكي يُقال أن الصراع ديني بين مسلمين ويهود وليس صراعاً وطنياً بين مستوطنين وكيان عنصري مغتصب وبين شعب عربي فيه مسلمون ومسيحيون ودروز ويهود كذلك. فبعد أن كانت نسبتهم في فلسطين تزيد عن 20% أصبحت اليوم نحو 1.5% وكان عددهم في القدس وحدها قبل العام 1948 نحو 50 ألف وإذا بها لا تزيد اليوم عن 5 آلاف. وحصلت هجرة مسيحية سورية أيضاً فبعد أن كان عدد المسيحيين ما يزيد عن 16% أصبح اليوم نحو 10%. أما في العراق فقد هاجر ما يقارب ثلثي عدد المسيحيين خلال ثلاث فترات الأولى فترة الحرب العراقية- الإيرانية والثانية فترة الحصار الدولي، أما الثالثة فهي الأوسع والأشمل فقد كانت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في العام 2003، ولاشك أن النسبة الأكبر كانت خلال اندلاع موجة التطهير والقتل، ولاسيما في العام 2006- 2007. وإن كانت عملية نزوح داخلي بدأت من البصرة إلى بغداد وكذلك من الموصل وكركوك إلى بغداد، وفيما بعد إلى كردستان ومنها إلى الخارج. وبعد أن كان عدد المسيحيين في العراق قبل الحرب العراقية- الإيرانية نحو مليون مسيحي في مجتمع لا يزيد عدد نفوسه عن 17 مليون إنسان، أصبح عددهم بعد ثلاثين عاماً أقل من نصف مليون، في حين أصبح سكان العراق أكثر من 30 مليوناً، علماً بأنه لا توجد إحصاءات دقيقة، وهذه هي إحصاءات تقريبية، ولكنها باعتقادي قريبة من الواقع. وحصلت هجرة مسيحية كثيفة في لبنان أيضاً فقد هاجر نحو 700 ألف لبناني من أصول مسيحية ومعظمهم من الكفاءات إلى الخارج، ولاسيما خلال الحرب الأهلية 1975-1990 وبُعيد اتفاق الطائف، ولم يسلم أقباط مصر من التمييز، وشهدت أحداث تفجير كنيسة الاسكندرية في العام 2011 وأحداث امبابة استخدام هذه الورقة، بل التعويل عليها أحياناً أما لاستمرار الاستبداد أو لجعل الاصطفاف دينياً، الأمر الذي يعقّد من مشكلة الأقليات، التي لا تتعلق باستبدال الأنظمة أو تغييرها، بل تتطلب تغيير العقليات المهيمنة واستبدال الثقافة السائدة ونشر الوعي الحقوقي والقانوني وتعزيز احترام حقوق الانسان، بل والعمل على وضعها أساساً في الدساتير والتشريعات لكفالة مبادئ المساواة والمواطنة والعدالة ولضمان حقوق الأقلّيات وهوّياتهم الثقافية وخصوصياتهم دينية كانت أم قومية، والأمر يحتاج أيضاً إلى إعادة النظر بالمناهج التربوية والتعليمية التي تحتوي على الكثير من الانتقاص من الأقليات أحياناً بل إنها تنظر إليهم باستصغار، وهذا يتطلّب أن يلعب الإعلام دوراً على هذا الصعيد وكذلك ما يمكن أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني من خلال تعزيز القيم القانونية والأخلاقية لمبادئ المساواة وعدم التمييز. ولعل هذه واحدة من مفارقات غريبة، إذا كانت الأنظمة العراقية السابقة كابتة للحريات ولحقوق الجميع، بما فيه الاقليات التي يقع عليها الإضطهاد مضاعفاً ومركباً، لكن ما حصل من تغييرات، لم تجعل هذه القضية في الصدارة، لاسيما وقد تعرّض الكثير من أبناء الأقلّيات إلى أعمال عنف وتنكيل واضطهاد، بل وإن الفتاوى التحريضية انتشرت ضدهم وازداد التعصب والتطرف بحقهم، الأمر الذي يثير علامات استفهام كبيرة حول المستقبل، وهو يحتاج إلى وقفة جدية للبحث في موضوع الهوّيات والجدل التي خلقته في الماضي والحاضر. والأمر يحتاج إلى جهود غير قليلة، فموضوع الأقلّيات لا يزال يثير ردود فعل متباينة وحتى الآن، فإن النخب الفكرية والسياسية والدينية، تتعامل معه من منظور ذاتي أحياناً دون رؤية شاملة لموضوع الدولة والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها بدءًا من المواطنة ووصولاً للمساواة في إطار احترام الحقوق والحريات الأساسية الفردية والجماعية انطلاقاً من عدم التمييز وعلى قاعدة ومنظور حقوق الإنسان. وإذا كان الشعار الكبير الذي واجه النظام السابق في العراق، ونعني به انتهاكاته السافرة والصارخة لحقوق الإنسان، فإن ما شهدناه، لاسيما على صعيد الممارسة بعد الاحتلال والحكومات التي أعقبته كان تعارضاً كاملاً مع منظومة حقوق الانسان الدولية، سواءً للحقوق الجماعية أو الفردية تلك التي تقرّ بحق الأمم كبيرها وصغيرها بالمساواة في الحقوق، واعتبار جميع الثقافات جزءًا من التراث الإنساني المشترك للبشرية بما فيها من تنوّع واختلاف بتأكيد واجب الحفاظ على الثقافة ورعايتها وضمان حق كل شعب في تطوير ثقافته، إضافة إلى حق كل فرد في المشاركة الحرّة في حياة مجتمعه وحقه في التمتع بالفنون والآداب والمساهمة في التقدم العلمي وحقه في الحرية الفكرية الخ ... ولعل ذلك يعني فيما يعنيه إقرار بمبدأ المساواة، لا على أساس أغلبية دينية أو قومية، بل على أساس مبادئ المساواة والهوّية المشتركة المتعدّدة، المتنوّعة، والقائمة على مبادئ المواطنة، دون التوقف عند التمييز بسبب الأقليات أو الأكثريات. وتقرّ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بالمساواة بين الثقافات ورفض التمييز بين الأمم والشعوب وعدم الاعتراف بفكرة التفوّق أو الهيمنة، وهو ما أكدته منظمة اليونسكو وما تبنّاه إعلان مكسيكو عام 1982 حول الحق في احترام الهوّية الثقافية. إن الحق في الهوّية الثقافية للشعوب والجماعات يعطي الأشخاص والجماعات الحق في التمتع بثقافاتهم الخاصة وبالثقافات الأخرى المحلية والعالمية، ذلك أن إقرار الحق في الثقافة يعني : حق كل ثقافة لكل أمة أو شعب أو جماعة في الوجود والتطوّر والتقدّم في إطار ديناميتها وخصائصها الداخلية واستقلالها، ودون إهمال العوامل المشتركة ذات البعد الانساني وقيم التعايش والتفاعل بين الأمم والشعوب والجماعات. وقد شهد القانون الدولي في العقود الثلاثة الماضية تطوراً ايجابياً في موضوع الأقليات، حيث تناولت العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية موضوع عدم التمييز، كما حظيت " الحقوق الخاصة" باهتمام كبير، خصوصاً بعد إبرام " إعلان حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية أو اثنية أو دينية أو لغوية " الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1992 كما تم ذكره في مقدمة هذا البحث والذي عُرف باسم " إعلان حقوق الاقليات " Minority Rights، حيث أنشئ على أساسه فريق معني بحقوق الأقليات عام 1995 اعتماداً على الحقوق الثقافية ( 15). وعودة إلى تعريف الأقلية فإنه ليس محل إجماع، بل يثير الكثير من الالتباس والجدل إلاّ أن التوصيف الوارد في الإعلان، أو مقاربته بخصوص الأقليات أو الجماعات القومية والإثنية والدينية يكاد يكون الأقرب الى تحديد مفهوم الأقلية. إن الهوّية الثقافية لبعض الأقليات تعتمد على شعور قوى بالتاريخ، خصوصاً عندما تكون تلك الأقلية قد تمتعت بشيء من الاستقلالية، أو الخصوصية المتميزة في إدارة نفسها. ويقصد بالحقوق الخاصة، الحفاظ على تلك الهوّية والخصائص الذاتية والتقاليد واللغة في إطار المساواة وعدم التمييز. ونصّت المادة (27) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: " لا يجوز في الدول التي لا توجد فيها أقليات إثنية أو دينية أو لغوية، أن يُحرم الأشخاص المنتمون الى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافتهم الخاصة، أو إعلان ممارسة دينهم أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم". وتؤكد هذه المادة على الحق في الهوّية القومية أو الإثنية أو الدينية أو اللغوية، وحق الحفاظ على الخصائص المتميزة، التي لا بد من تنميتها وحمايتها، ولا يعفي ذلك دولة من الدول من الالتزام بهذه الحقوق اعترافها أو عدم اعترافها رسمياً بوجود أقلية من الأقليات.(16) ويمنح إعلان حقوق الأقليات الصادر عام 1992، والمؤلف من 9 مواد، الأشخاص المنتمين الى أقليات عدداً من الحقوق منها: • حماية الدول لوجودهم وحقوقهم (م/1). • الحق في التمتع بثقافتهم الخاصة (م/2). • الحق في المشاركة في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصادية العامة (م/2- الفقرة الثانية). • الحق في إقامة صلات سلمية، ومواصلتها مع سائر أفراد جماعتهم، والحق في إنشاء روابط خاصة( م/2 –الفقرة 495). • حق ممارسة الحقوق فردياً وجماعياً، ودون تمييز (م/3).
وبالقدر الذي يتطلب مراعاة الخصوصية الثقافية والقومية والدينية وتعزيزها بوجه محاولات " الإلغاء" و"التهميش" و"الإلحاق" و"الاستتباع"، بحجة "الشمولية" والثقافة السائدة أو العالمية، إلاّ أنها لا ينبغي أن تكون وسيلة للانتقاص أو التملص أو التحلل من المعايير والالتزامات الدولية، خصوصاً في القضايا الأكثر راهنية وإلحاحاً بما أبدعه الفكر الإنساني وما توصلت اليه البشرية، وهو ملكها جميعاً، تعمق على مرّ العصور، وهو لا يقتصر على قارة أو أمة أو شعب أو جماعة، بل هو مزيج من التفاعل الحضاري للثقافات المتعددة المشارب والتكوينات والمصادر. الإسلام والتنوّع الثقافي أعتقد أن الإسلام ساهم برافده الثقافي في تعميق توّجه البشرية الحضاري باتجاه احترام التنوع والتعددية والخصوصية الثقافية والدينية، ولعل "حلف الفضول" الذي أبرم في عهد الجاهلية في دار " عبدلله بن جدعان"، حين تعاهد فضلاء مكة على ألاّ يدعوا مظلوماً من أهلها أو ممن دخلها من سائر الناس إلاّ ونصروه على ظالمه، خير دليل على العمق الحضاري العربي، حيث أبقى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيما بعد عكست تعاليم الإسلام والقرآن الكريم النزعة الانسانية المتأصلة. وهناك من يعتبر " حلف الفضول" أول رابطة لحقوق الانسان في العالم، وأراني منذ نحو عقدين ونيّف من الزمان وأنا أدعو إلى ذلك، أن أقرّ بالدور الريادي للمفكر العربي السوري د.جورج جبّور الذي واصل الفكرة بإصرار لا نظير له لتصبح "واقعاً " بدأت تعترف به بعض المنظمات والجهات الدولية الحقوقية. وكان دستور المدينة أول دستور مكتوب في العالم يتناول الحقوق والواجبات ويتضمن حقوق الطوائف والأديان والتكوينات التي تعيش في المدينة (يثرب) التي جاء الرسول (ص) مهاجراً وكتب فيها شرعة أو دستور المدينة. وإذا كان دستور المدينة قد ضمن حقوق اليهود فإن صلح الحديبة كان قد ضمن حقوق نصارى نجران التي تعني الاعتراف بالتنوع الثقافي والديني. أما العهدة العمرية فهي عبارة عن وثيقة أصدرها الخليفة عمر بن الخطاب (رض) بعد معركة اليرموك الشهيرة التي انتصر فيها العرب على الروم، وعند دخول الفاروق مدينة القدس استقبله أهلها دون أن تراق قطرة دم واحدة وأعطاهم العهد المشهور " العهدة العمرية" وتضمن العهد حفظ الحقوق، مؤتمناً على نصارى وطوائف القدس على حياتهم وأمنهم وكنائسهم وأموالهم. كما تضمنت وثيقة فتح القسطنطينية التي أعطاها محمد الفاتح الى سكان اسطنبول (الاستانة) منح الحقوق الى أهلها والأمن والسلامة الشخصية وحفظ المال والعرض وحق تأدية الطقوس والشعائر الدينية خصوصاً وأن معظمهم من المسيحيين.(17) إن ضمان حقوق الاقليات الثقافية تبدأ خطوته الأولى من الاعتراف بالتنوّع والتعددية!! لقد استهدفت "الأقليات" سواء كانت مسيحية أو مندائية (صابئية) لكونهم مسيحيين وصابئة أولاً، ثم استهدفوا لأنهم جزء من الاستهداف العام، ولكن ذلك ليس بمعزل عن محاولات لتفريغ العراق من المسيحيين والصابئة الذين قدّموا على مدى تاريخهم خدمات جليلة للعراق وللامة العربية، على جميع الصُعد الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية والأدبية والفنية والتاريخية والقانونية والعلمية. لقد كان المسيحيون والصابئة هدفاً سهلاً للارهاب، وضحايا جاهزون لفرض نمط سياسي وديني واجتماعي معيّن، في إطار صراع أصولي- طائفي ومذهبي وإثني، وغالباً ما يتم التشكيك بأصولهم ووطنيتهم وولائهم، وينسى هؤلاء أن مسيحيي الشرق هم أهل الشرق، والمسيحية كانت موجودة في منطقتنا قبل الإسلام، وأن السيد المسيح شرقي بتراثه وليس غربياً، فالمسيحيون ليسوا طارئين أو مهاجرين جاءوا ليستقروا في هذه البلدان. إنهم ليسوا رعايا، بل إنهم مواطنون لهم الحقوق وعليهم الواجبات ذاتها التي على الآخرين. وإذا افترضنا حقوقاً للمواطنة، فينبغي أن تقوم على أساس المساواة وعدم التمييز بسبب الدين أو العرق أو اللغة أو المنشأ الاجتماعي أو غير ذلك. شخصياً لا أنظر إلى المسيحيين كأقلية، كما لا أنظر إلى أي تنوّع ثقافي وخصوصية تعددية قومية أو دينية باعتبارها "أقلية"، وأشعر بقدر من الانزعاج عند استخدام مصطلح "الأقلية" على المكوّن الثقافي المسيحي أو غيره قومياً كان أم دينياً، على الرغم من أن الأمم المتحدة جاءت على ذكر حقوق الأقليات كما تمت الإشارة إليه، لأن للمسيحيين خصوصية، وتميّزاً وتاريخاً وعادات وطقوساً مختلفة وهم جزء من مكوّن كوني تاريخي واسع ومتشعب وعميق. وقد يكون مناسباً استخدام مصطلح الاقلية والأكثرية في المعادلات السياسية وفي نتائج الانتخابات النيابية أو غيرها وليس للأديان أو القوميات أو اللغات، تلك التي أجد في استخدام مصطلح التنوّع والتعددية أقرب من غيره للتعبير عن الحالة، لأنه دليل على المساواة والتكافؤ، بغض النظر عن العدد، وهو إقرار بالاختلاف والحق في التميّز. إن تعاظم الهجرة المسيحية، سيؤدي إلى قيام مجتمعات آحادية بعيدة عن التنوّع والتعددية، وستدور هذه المجتمعات حول نفسها، وتتعرض إلى التآكل، لاسيما لمكوّنات مهمة في نسيجها الثقافي، على ما في ذلك من خسارة لمقوّمات وكيانات جوهرية تشكّل جزءًا من الفسيفساء الاجتماعية والدينية والثقافية ومن البنيان الاجتماعي للدول العربية المشرقية. إن اضطرار المسيحيين إلى الهجرة من " اسرائيل" هو أمر مفهوم بسبب السياسة العنصرية الاستعلائية الاجلائية، لكنه فيما يتعلق بالبلدان العربية والمشرقية الأخرى وخصوصاً العراق هو رسالة سلبية وسوداء إلى العالم أجمع بأن مجتمعاتنا تضيق ذرعاً بالتنوّع الديني والاختلاف الثقافي، لاسيما لغير المسلمين، ولعلّ ذلك سيدفع المسلمون ثمنه باهظاً قبل غيرهم ، فهو خسارة لطاقات وكفاءات وسكان أصليين في بلداننا، يشكّلون جزءًا مهماً من حضارتنا وتاريخ مجتمعاتنا وشعوبنا. ولا يمكن تصوّر بلدان عربية ومشرقية دون وجود مسيحي مؤثر في المشهد العام. لقد تصدّر فرنسيس المراش وفرح انطون وشبلي شميل وأديب اسحاق الدعوات التي نادت منذ القرن التاسع عشر إلى قيام دولة الحرية والعدالة والمساواة، دولة أساسها العقل والعقلانية، وما أحوجنا اليوم إلى مثل تلك الدعوات، التي أريد بها تعضيد مجتمعاتنا لتسير في دروب التنوير وتحرز استقلالها وتتطلع إلى وحدتها. ويكفي ذكر إسم أنستاس الكرملي ودوره في الثقافة العراقية في القرن العشرين، لنتأكد مدى التأثير الذي تركه على مجتمعنا وثقافتنا. أما بخصوص المندائية (الصابئة) فقد اشتقت من الجذر (مندا) ويعني حسب اللغة المندائية (المعرفة أو العلم) في حين أن كلمة الصابئة جاءت من كلمة (صبا) والذي يعني اصطبغ أو تعمّد أو غطّ أو غطس في الماء وهي من الشعائر الدينية المندائية. والمندائية هي أقدم الديانات الشرقية الموحدة والعارفة بوجود الخالق الأزلي وقد ولدت ما قبل المسيحية من بلاد الرافدين وفلسطين، وقد ورد ذكرها في القرآن، وتعود أصولهم إلى النبي إبراهيم الذي عاش في مدينة أور السومرية- "مدينة القمر إنانا" ولهم كتاب مقدس يُعرف "كنز ربا " (الكنز العظيم) وهم شعب آرامي ولغته الآرامية المتأثرة بالأكدية العراقية القديمة، وأكثر ما يشار إليهم بأبي إسحاق الصابئي وزير الطائع والمطيع. اشتهر منهم في العصر الحديث عبد الجبار عبدالله العالم الفيزياوي الذي كان رئيساً لجامعة بغداد بعد ثورة 14 تموز (يوليو) العام 1958، وبالطبع فإن عدداً من الأدباء والفنانين والمربين والسياسيين ولاسيما لجهة الحركة الشيوعية واليسارية كانوا من الصابئة المندائيين. وكما تمت الإشارة إلى أن عددهم أخذ بالتناقض بسبب تسارع وتيرة القتل، فضلاً عن الهجرة بسبب الخوف الدائم وحسب أحد الشخصيات المندائية "بشار السبتي" فإن أكبر المخاطر التي تتهدد المندائيين هي الانقراض (18) وذهبت منظمة العفو الدولية إلى القول أن الصابئة المندائية تعرضوا إلى القتل، لاسيما الصاغة منهم وهي مهنة برعوا بها. وكان عدد كبير من الصابئة قد انضموا الى الحزب الشيوعي وغادروا العراق بعد حملة الإرهاب التي تعرّض لها، وازداد عدد المهاجرين منهم خلال فترة الحصار الدولي. ويتذكر الباحث أنه ألقى محاضرة في أواخر التسعينيات في مدينة " لوند" السويدية (قرب مدينة مالمو في جنوب السويد) عن الكاتب والروائي العراقي شمران الياسري المشهور باسم " أبو كاطع" بدعوة من الجمعية المندائية، وصادف أن حضرها ما يزيد عن 300 شخصاً أغلبهم من الصابئة المندائيين، بمن فيهم من تجاوز أعمارهم الثمانين، وتلك واحدة من مفارقات الأقليات العراقية، فمن يتصوّر وجود صابئة عراقيين بهذا العدد في مدينة سويدية واحدة فما بالك عن وجودهم على المستوى العالمي!؟. ويشكو سعد سلوم وهو أستاذ جامعي ومحرر مجلة " مسارات" التي تصدر عن الأقليات في العراق أن الديانة والعرقية يسيران جنباً إلى جنب في العراق... فالصابئة غالباً ما يندرجون في المجموعة الثانوية التي تضم المسيحيين وغيرهم... لذا فإنهم يفتقرون إلى بعض الإمتيازات مثل التمثيل في البرلمان والمجالس المحلية (19). وهناك أمثلة عديدة على استهداف الصائبة، فالمعبد الوحيد لهم في البصرة تم تدميره من قبل ميليشيات شيعة في أواسط العام 2006 وطلب من أبناء الصابئة اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو مغادرة البصرة، وقد غادر معظم الصابئة المدينة بعد حوادث قتل عديدة. وفي مدينة الفلوجة حسب تقرير نشرته إذاعة لندن BBC فقد دوهمت منازل نحو 35 عائلة من الصابئة عاشت في المدينة منذ قرون واقتيد الرجال إلى إحدى الساحات العامة وتم اجبارهم على اعتناق الإسلام، وقيل أنه تم ختان الرجال بناء على تعليمات من تنظيم القاعدة. أما من رفض ذلك فقد تم نحره، وذكرت منظمة مندائية أنه تم تزويج بعض النساء المندائيات بالقوة إلى مسلمين (20). وتقول إحصائيات انه من العام 2003 وإلى آذار (مارس) 2006 قتل 504 من المندائيين وخطف 118 وغادر العراق 4663 عائلة كما رحل قسم غير قليل منهم إلى كردستان. وفي مدينة الناصرية قامت مجموعة مسلحة إرهابية تدعى " كتائب القصاص العادل" بتوزيع منشورات تُمهل الصابئة 72 ساعة لمغادرة المدينة. واكتظّت دول الجوار العراقي، لاسيما سوريا والأردن بالمئات من أبناء الصابئة (21). لعل استهداف الصابئة بهذه الوتيرة سيؤدي إلى إفراغ العراق من أقدم وأعرق مكوّن ديني مثّل تراثاً وثقافة عراقية فريدة ومتميّزة، وفي ذلك خسارة كبرى للعراق. لقد تعرّضت الكنائس والأديرة ودور العبادة وشخصيات مسيحية ومندائية ومواطنون عاديون إلى تفجيرات وأعمال إرهابية وعنف، تركت ندوباً عميقة في نفوس المسيحيين والصابئة وأعطت انطباعاً، لاسيما في الغرب، عن خطط وبرامج لاستهداف المسيحيين والصابئة وبقية الأقليات العراقية، ولعل دوافع تلك الحملة استهدفت دفع المسيحيين والصابئة للهجرة، مثلما سعت إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع العراقي الذي ظل متعايشاً على الرغم من النواقص والثغرات والسلبيات، التي تتعلق بالحقوق وبمبدأ المساواة والمواطنة الكاملة، وهي تعني سيادة الفكر المتطرف والممارسات المتعصبة، وهو بحدّ ذاته إعلان عن شحّ فرص الحرية، لاسيما حرية التعبير وحق الاعتقاد وحق المشاركة السياسية. كما تعني تلك الأعمال المنكرة "إثبات" صحة الإسلاموفوبيا، التي طالما عزف عليها الغرب بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) الإجرامية. ولعلها دليل مضاف على عدم قبول الآخر ومحاولة استئصال الأديان الأخرى، وهو ما تردّده "إسرائيل" مدّعية بأن صراعها مع العرب والمسلمين، هو صراع ديني تناحري، إقصائي، لأن العرب والمسلمين يريدون القضاء على اليهود وهم لا يتقبّلون اليهودية، وهكذا يختفي الجانب العنصري الصهيوني المتعصّب من الصراع مع العرب والمسلمين. وستكون نتائج الهجرة استنزافاً لطاقات علمية وفكرية وفنية وأدبية يمتلكها المسيحيون والصابئة. إن استهداف المسيحيين والصابئة على الرغم من مواقفهم المبدئية يثير أكثر من علامة استفهام حول القوى الضالعة والمستفيدة من تلك العمليات، خصوصاً وأن المسيحيين والصابئة ليسوا طرفاً في الصراع الدائر على السلطة، وليس لديهم دعماً أو حمايةً داخلية أو خارجية، فلماذا حصل ويحصل كل ذلك لهم، لاسيما في العراق ؟. من هنا أرى أن الأمر يجب أن لا يكتفي بإدانة ما يحصل، بل يتطلب اتّخاذ مبادرة وطنية على مستوى الحكومة والبرلمان والشعب تشارك فيها جميع التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية والمؤسسات الدينية الإسلامية وغير الإسلامية، وكذلك منظمات المجتمع المدني، لدعم الوجود المسيحي والمندائي والعمل على ملاحقة المرتكبين وتقديمهم للعدالة. كما يتطلب الأمر جهداً تشريعياً عراقياً لتنقية القوانين والأنظمة السائدة عن كل ما له علاقة بالتمييز لأي سبب كان، وكذلك تدقيق المناهج الدراسية في المراحل المختلفة عن كل ما يسيء إلى المسيحيين أو الصابئة أو ينتقص منهم ومن شعائرهم وطقوسهم، ويمكن للإعلام أن يلعب دوراً إيجابياً على هذا الصعيد بالدعوة لفقه التسامح وثقافة السلام والمساواة والمشترك الإنساني، ولفضح وتعرية النزعات الاستعلائية والنظرة الدونية- التشكيكية المسبقة. إن عملاً حاسماً وسريعاً يتطلب تكاتف الجميع لتقديم كل أنواع الدعم المؤقت والدائم للمسيحيين والصابئة وبقية الأقليات، وتأكيد حقهم في الحرية وأداء الشعائر والطقوس الدينية أسوة بالمسلمين وغيرهم دون أي تعرّض لأي سبب كان، وذلك يتطلب احترام حقوق الإنسان وتأكيد حق المواطنة المتساوية واحترام العيش المشترك والخصوصية والهوّية الفرعية في إطار الهوّية الموحّدة التي تقوم على التنوّع والتعددية. والمقصود بالحقوق الثقافية الخاصة هو الحفاظ على الهوّية والخصائص الذاتية والتقاليد واللغة في إطار المساواة وعدم التمييز، وهو ما نصّ عليه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وقد ذهب إلى ذلك أيضاً إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن حقوق السكان الأصليين كما تمت الإشارة إليه. إن الإقرار بالتنوّع الثقافي والديني والإثني هو إقرار بواقع أليم، فقد كان ثمن التنكّر باهظاً وساهم في تفكيك الوحدة الوطنية وهدّد الأمن الوطني واستخدمته القوى الخارجية وسيلة للتدخل وفي هدر الأموال وفي الحروب والنزاعات الأهلية، بدلاً من توظيفه بالاتجاه الصحيح، باعتباره مصدر غنى وتفاعل حضاري وتواصل انساني، وقبل كل شيء باعتباره حقاً إنسانياً غير قابل للتنازل أو الإفتئات !!
الهوامش (1) المقصود الاعلان رقم 135 الصادر عن الدورة السابعة والأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 كانون الأول (ديسمبر) العام 1992. (2) المقصود إعلان الجمعية العامة الصادر عن الدورة الثانية والستين رقم 61/295 في 13 أيلول (سبتمبر) 2007. (3) انظر: معلوف، أمين- الهوّيات القاتلة، دار الفارابي، بيروت، 2004. (4) انظر: سعيد، إدوارد- خارج المكان، ترجمة فوّاز طرابلسي، دار الآداب، بيروت، 2000. (5) قارن: أدونيس- موسيقى الحوت الأزرق (الهوية، الكتابة، العنف) دار الآداب، ط1، بيروت، 2002، ص 5-8 (الاستهلال). (6) انظر:" الاعلان العالمي لحقوق الانسان، مجموعة صكوك دولية، المجلّد الأول، الجزء الأول، الأمم المتحدة، نيويورك وجنيف، 2002. (7) كان اليهود في العراق يمثلون تكويناً متميّزاً ثقافياً وفنياً وعلمياً وسياسياً منذ بداية الدولة العراقية حتى صدور قانون رقم (1) لعام 1950 الذي عمل على تشجيع تسفيرهم، لاسيما بعد قيام إسرائيل في 15 أيار (مايو) 1948 واندلاع الحرب العربية- الإسرائيلية الأولى بعدها. أنظر: شعبان، عبد الحسين- من هو العراقي، دار الكنوز الأدبية، بيروت، 2002. (8) انظر: شعبان، عبد الحسين – الإيزيدون وملف الأقليات في العراق، جريدة الجريدة الكويتية، العدد 72، 23/8/2007 قارن كذلك: حمو، مصطفى- BBC لندن- الصابئة المندائيون مهددون بالزوال، 2/6/2007. (9) انظر: شعبان، عبد الحسين- الربيع العربي والأقليات، مجلة الديمقراطية، دار الأهرام، نيسان (أبريل) 2012. انظر كذلك: شعبان ، عبد الحسين- الشعب يريد... تأملات فكرية في الربيع العربي، دار أطلس، بيروت، 2012. (10) انظر: مشروع قانون تحريم الطائفية وتعزيز المواطنة في العراق، وهو القانون الذي اقترحه الباحث، في كتاب جدل الهويات في العراق، الدار العربية للعلوم، بيروت، 2009. (11) قارن: بريمر، بول، عام قضيته في العراق، ترجمة عمر الأيوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط/1، 2006. (12) انظر: شعبان، عبد الحسين- السيادة ومبدأ التدخل الإنساني، مطبعة جامعة صلاح الدين، إربيل، 2000. (13) انظر: جوبيه، آلان: مسيحيو الشرق والربيع العربي، 29 شباط (فبراير) 2012. (14) انظر: شعبان، عبد الحسين- سبعة أسباب لاستهداف المسيحيين، جريدة السفير اللبنانية، العدد رقم 11840 الخميس 17/3/2011. (15) انظر: اعلان حقوق الاقليات لعام 1992، لدى د. هيثم منّاع، الامعان في حقوق الانسان، دار الاهالي، دمشق، 2000. (16) انظر: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1966 ودخل حيّز التنفيذ في العام 1976 وهو أقرب إلى اتفاقية شارعة (أي منشئة لقواعد قانونية جديدة ومثبتة لها) مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الجزء الأول، مصدر سابق. (17) انظر: شعبان، عبد الحسين- فقه التسامح في الفكر العربي- الإسلامي، دار النهار، بيروت، 2005. (18) قارن: حمّو، مصطفى – BBC لندن " الصابئة المندائيون- مهددون بالزوال في العراق" 2/6/2007. (19) أنظر: الصابئة يتلاشون تدريجياً في العراق، جريدة المدى(العراقية)، 22/3/2012. (20) أنظر: تقرير الـ BBC، مصر سابق . (21) المصدر السابق.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصندوق الأسود!
-
عن فيتو الفقهاء في العراق!
-
حوار باريس 3
-
بين قلم الأديب وحبر السياسة!*
-
رياح التغيير: الوعي والسياسة
-
الطريق الوعر إلى الحرية: أوروبا الشرقية نموذجاً
-
الثورة وسؤال اللاعنف!
-
قبل وبعد الربيع العربي - الجيوبوليتيك ومفترق الطرق
-
الاستيطان
-
بغداد- أربيل : البيشمركة والجيش العراقي حدود الوصل والفصل
-
أوباما ورومني . . ونحن
-
جدارية الخلود وحضرة الغياب
-
بعض أوهامنا وصخرة الواقع
-
مشروع الدولة الكردية المستقلة
-
ويخلق من الشبه «البعثي» اثنين
-
التعذيب والإفلات من العقاب
-
سلطة الاعلام
-
المشروعان الإيراني والتركي في العراق
-
الطائفية: مقاربة قانونية وأكاديمية
-
العراق: نصف لأميركا ونصف لإيران
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|