أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الشخصية المصرية وتعاملها مع القهر فى مجموعة (الحنان الصيفى)















المزيد.....



الشخصية المصرية وتعاملها مع القهر فى مجموعة (الحنان الصيفى)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 3874 - 2012 / 10 / 8 - 13:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الكاتب أحمد الشيخ يكتب القصة القصيرة منذ الستينيات . وقد تميّزكــُـتاب تلك الفترة بخلق أشكال جديدة للقصة ، متجاوزين من قبلهم فى الإبداع ، متأثرين بالكتابة الحديثة فى أوروبا . ولكن البعض أغفل اختلاف الظرف التاريخى لكل من الواقعيْن المصرى والأوروبى . واختلاف البنية الاجتماعية والاقتصادية واختلاف التناقضات وطبيعة الصراع . والأهم اختلاف المُكوّن الثقافى (بمفهوم الثقافة القومية) لكل شعب . وقد تسبّب ذلك الإغفال فى أنهم نجحوا فى نحت تشكيلات جديدة (جمالية) للقصة ، ولكن فى الصخرة الأوروبية. وبالتالى ضاعت فرصة خلق تيارجديد للإبداع ، يخلق أشكالا- لاتشكيلات – جمالية فى التربة المصرية ومن طينتها .
وقد حاول عدد من الكتاب فى ذلك الإتجاه ، أدركوا فروق الواقعيْن . وخطورة إغفال تلك الفروق ، ونبذوا الغموض المُستغلق على ذاته. الذى قد يُبهرالعين حينـًا ولكنه لايدوم متواصلا . وكتبوا فنـًا بمفردات مصرية. وقاوموا إغراء النحت فى صخرة لاتخصهم . وكان أحمد الشيخ من بين أولئك الكتاب (1) الذين حاولوا إيجاد صيغة لهذه المعادلة ، إنّ العمل الفنى بقدرما يسعى إلى الارتقاء بالحس الجمالى لدى القارىء ، بقدرما يُضيف إلى وعيه الاجتماعى . وأنه ليس ثمة تعارض قط بين الخطيْن ، بل هما خطان متلاحمان ، يسقط العمل بإهدارأحدهما (2)
والمتابع لأعمال أحمد الشيخ يلاحظ – ثانيًا – أنّ العالم الذى يكتب عنه ، عالم متغلغل داخله. وتكون لحظة الكتابة هى لحظة الخلاص من ذاك العالم (رغم حميميته وبؤسه) إنها لحظة إعادة الصياغة والاكتشاف معًا . هذه العلاقة الحميمة تتضح أهميتها عند تقييم العمل الفنى بمعيار: تعميق الحس الجمالى وتعميق الوعى بجوهرالعلاقات فى المجتمع والكون . وبمراجعة أعمال أحمد الشيخ تتأكد هذه المقولة : كلما اقترب الكاتب من شخصياته ، كلما تحقق المعياربشكل كبير، ويكون الصدق الفنى أبرزعلامات هذا التحقق .
000
يمكن تقسيم مجموعته القصصية (الحنان الصيفى) كالآتى : ثلاث قصص تدورأحداثها فى المدينة. تتناول التغيرات التى طرأتْ على بنية الشخصية المصرية نتيجة التغيرات الاجتماعية فى السنوات الأخيرة . ففى قصة (الحنان الصيفى) نجد الأصدقاء / الغرباء . لم تكفِ عوامل الاغتراب الداخلية ، فجاءتْ الغربة خارج الوطن لتـُعمّق وتـُكثف الاغتراب . يلتقى البطل بصديقه بعد سنوات من العمل فى الخارج . لايهتم الكاتب برصد ظاهرة العمل خارج مصر، وإنما ركزعلى كشف التناقض الداخلى . فالصديق العائد رغم ما حققه من كسب مادى يشتكى من ((ضياع السنوات بعيدًا عن أرض الوطن)) ويُبدى ندمه على ما فات ويسعى لجلسة هانئة مع صديق يعتزبه. ويُعلن أكثرمن مرة أنه لن يخرج من مصرمهما كانت المـُغريات ، ولكنه فى سلوكه اليومى يحتقرجيرانه. ثم يعود فيُبرّرالسفرمن جديد ، بل ويتعالى على صديقه.
فى قصة (وليمتان) يلتقى البطل – أيضًا – بصديقه العائد من الخارج. وفى هذه القصة يلقى الكاتب الضوء على الاغتراب من منظورآخر، فالصديق العائد هوالحجرالمقذوف فى البركة الآسنة لحياة البطل وزوجته. فالزوجة تنعى حظها لأنّ زوجها بلا سيارة مثل صديقه. وحيال هذا العجزتــُحدّث الصديق العائد عن اخوتها الذين يعيشون فى نعيم أوروبا وتتمادى فى رسم هذه الصورة . فيتوترزوجها ويتملكه القلق إزاء هذا الخيال المـُختلق ، لأنّ زوجته ليس لها أشقاء على الاطلاق . وتنتهى القصة فى شقة البطل . يجلس مع صديقه. وتنسحب الزوجة لتتركهما وحدهما بعد أنْ مضى وقت طويل لم يتبادل الثلاثة خلاله الحوارحتى برد الشاى .
فى قصة (فارس) يتوجّه البطل إلى احدى الشركات العالمية فى مصرلاستلام العمل ، ولكنه يكتشف أنّ الوظيفة التى حصل عليها بواسطة احدى الشخصيات المهمة ، والمرتب الكبيرالذى سيتقاضاه ، مقابل ألاّ يعمل شيئا . وأنْ يُمارس الكسل بإتقان مثل كاتب المستخدمين الذى استقبله. ويرضى – على نفسه- أنْ يكون رقمًا على ملف بلا اسم ، فيرفض ويهرب من المبنى الكبير.
فى هذه القصص الثلاث تطل الفكرة برأسها ، فيختنق الهمس ، ويكون الإمتداد الأفقى على حساب التغلغل الرأسى ، وبالتالى تكون المباشرة فى بعض المواضع مثل النهاية فى قصة الحنان الصيفى ((وقلتُ لنفسى إنها حماسة صيف زائفة سرعان ماتزول بإنتهاء موسم الإجازات)) ومثل ((وتحيّركيف يتكلم مع هذين الجريحيْن اللذين ساهم فى جرحهما بتلبية الدعوة العابرة لشرب الشاى)) (وليمتان ص59) وتكون التقريرية فى بعض المواضع مثل كاتب المستخدمين فى قصة (فارس) وأحيانـًا افتقاد المبررالفنى أوالواقعى مثل الشركة العالمية التى تعطى مرتبات ضخمة لمجرد ممارسة الكسل . بالطبع فإنّ المعنى هنا رمزى (خاصة وأنّ لفظة الكسل ومشتقاتها وردتْ على لسان كاتب المستخدمين 19مرة) وإذا بحثنا فى القصة عن الرمزفلا نجده ، وعلينا أنْ نبحث عنه خارجها . والعمل الفنى لايكون إلاّ بتكامل عناصره عضويًا ومن داخله.
000
القسم الثانى ويشتمل على قصتين تدورأحداثهما فى المدينة ولكن جذورهما فى القرية. فى قصة (الزائرة) نجد امرأة غامضة الهوية. تعرف البطل ولايعرفها . تزوره فى أوقات متفرقة- ليلا عادة – ومعها سلة مليئة بالطعام . تـُفجّرداخل البطل حقه فى الميراث الضائع . وفى النهاية يكتشف أنها أقرب إليه من حبل الوريد وأنّ ملامحها أقرب إلى ملامح وجه أمه وأخته وطفلته.
والقصة الثانية (ابتلاع) نجد الموضوع الأثيرلدى أحمد الشيخ – الميراث المسلوب – يستخدم الكاتب هنا تكتيكـًا مختلفـًا ، فيـُـقدّم صورتيْن متوازيتيْن منفصلتيْن : الأولى الطفل الذى بلغ الرابعة واستمرفى سرقة لبن أخته الصغيرة الصناعى . والثانية صورة الشقيق الأكبرللبطل والذى اغتصب حقه وحق اخوته فى الميراث .
فى هاتين القصتيْن نقترب من العالم الحقيقى للكاتب – عالم القرية- ولكن مستواهما أقل من مستوى القسم الثالث فى المجموعة. ففى قصة (الزائرة) نجد الإمتداد الأفقى حيث الاستطراد الطويل مثل حادثة السرقة فى الأتوبيس ومرض البنت . وفى قصة (ابتلاع) نجد الحِكم المباشرة مثل (من يُفرّط فى حق طفلة لم تـُكمل عامها الأول ، مستعد أنْ يتعامى عن حقوق شعب واستلاب وطن) ومثل التقابل الآلى بين الطفل سارق اللبن والأخ سارق الأرض . والملفت للنظرأنّ الفكرة الواحدة تلح على الكاتب أكثرمن مرة ، فنجد أنّ الأخ الأكبر- مثلا – المُستبد الناهب حقوق اخوته ، يتكررفى أكثرمن قصة. وهنا يتراوح الإبداع الفنى من عمل لآخر، فنجد مثلا أنّ قصة (كشف المستور) وقد نـُشرت فى أكتوبر79، أكثرعمقــًا وصدقــًا من قصة (ابتلاع) التى نـُشرت فى أغسطس 84 بفارق خمس سنوات . والقصتان عن الأخ الأكبرالمسيطر. فهل هى طبيعة الشحنة الأولى ، أدّتْ إلى هذا التباين – فنيًا – بين القصتيْن ؟
000
فى القسم الثالث ندخل إلى العالم القريب من وجدان الكاتب ، يُعيد خلقه واكتشافه بيسرفتختفى الصنعة تمامًا ، ويأتى نابضًا بالفن ، لأنه هنا قدّم الإنسان : أحلامه وهواجسه ومعتقداته الروحية. أى تراثه الثقافى . هنا يتعامل أحمد الشيخ مع شخصياته لامع الفكرة – رغم حضورها القوى – ولكن الجمال يكون من حيث أنّ الفكرة تأتى مُبطنة فى حنايا الإنسان ، فتبدو قوتها فى خفوتها .
فى قصة (الشملولة) نجد الفتاة الصغيرة (شوق) تقف على الصراط بين أمها وعمتها (فطوم) نرى شوق فى القاعة أوالمندرة أوتحت ضرع الجاموسة. هذا هو واقعها المادى المحسوس. ولكن لغة الفن تتركها أمامنا – فى نهاية القصة وفى كل القصص التى تناولتْ علاقة شوق بعمتها فطوم – فى مهب الريح ، عارية إلاّمن أحاسيسها المتضادة المتصارعة بين ضفتىْ الصراط : العمة والأم . السيطرة والإذعان ، جبروت العمة وتخاذل الأم . سطوة المال واستكانة العوز. وشوق تـُجلد بسياط الإثنتيْن : العمة فطوم لاتكتفى بالسيطرة ، بل إنها تـُعامل أم شوق باحتقار، وسيطرتها تمتد إلى أخيها – والد شوق – إلى الدرجة التى تـُجبره أنْ يُطلق أم شوق لأنها لا تـُنجب إلاّ البنات ، وهى تريد ذكرًا من صلب شقيقها . وكلما توغلنا فى القصة عرفنا سبب الإذعان : العمة فطوم تمتلك ميراثــًا كبيرًا ولن يرثها إلاّ شقيقها . بل إنها أعطته فرصة عمره بأنْ جعلته يستثمرأموالها . هذا بخلاف إغداقها عليه وعلى أسرته. يتسلل سبب الإذعان خافتــًا ، ولكنه يصل مُجسّدًا للبشاعة التى تـُحطم أقوى النفوس وأصلبها ، بسبب هذا الخفوت . ففى احدى زيارات العمة فطوم لأسرة شقيقها ، وبعد أنْ تنصرف قال شقيقها لزوجته مريم ((إوعى يامريم تكونى زعلتيها بكلمه كدا)) فترد مريم ((ينقطع لسانى.. أزعلها دا إيه. دا لجل خاطرك أحطها فى حبابى عنيه. وأعمل لها خدى مداس)) برع الكاتب فى جعل الحواركاشفـًا للشخصية معبرًا عن أعماقها لحظة اكتشافه هولها . يُعقب الزوج على زوجته متغاضيًا عن الامتهان المريع فى كلماتها ، مُبررًا سبب الإذعان الذى يوجب – من وجهة نظره – التغاضى عن امتهان كرامة زوجته. فقال لها ((دا إحنا لولاها ماكناش بقينا كدا . دى هىّ رسمالنا يامريم . قرشها فى عبنا ولا لهاشى حد غيرنا . إنْ جرى لها حاجه كله ح يبقى للبنات)) ويكون رد زوجته بسيطـًا قويًا ((عارفه)) وبعد أنْ هجرالرجل زوجته سبع سنوات تلبية لرغبة شقيقته فطوم ، وبعد أنْ عاد لزوجته فإنه فى كل مناسبة يُدافع عن شقيقته وعن تصرفها قائلا ((فطوم كانت عايزه مصلحتى . فطوم دماغها ناشف وكلامها زى كلام الملوك)) بل إنه لايكتفى بذلك فيُضيف : كويس إنها نسيتْ يامريم . دى قلبها حنين وبتحب البنات . هنا وظف الكاتب الحوارتوظيفـًا دراميًا ، حيث نتعرف على الشخصيات وعلى أسباب أزمتها فى وقت واحد بكلمات بسيطة وبلا مباشرة .
الموقف التراجيدى لشوق :
تقف شوق فى موقف عسير. فالعمة فطوم المتسلطة على الأم والأب ، المُحتقرة لكل بنات شقيقها ، تقف موقفـًا مغايرًا تجاه شوق . تـُمثل شوق بالنسبة لها الحلم والأمل العسيرفى نفس الوقت . إنْ كانت فطوم تشتم الأم والبنات ، فهى تضع شوق فى حجرها وتضمها إلى صدرها . وإنْ أرادتْ بنتـًا كى تنام معها – فهى لم تـُنجب – فلا تختارإلاّ شوق . بل إنها رغم قسوتها ، تـُعلن فى مواجهة الأم والأب ((شوق دى حته منى)) تشعرشوق بذلك العطف الجارف نحوها . بل تشعربالتميزعن أخواتها ، ولكنها فى المقابل تنكسرأمام انكسارأمها ، وأنّ تميزها فى عين العمة لايمحوإحساسها بضعة أمها . ويبدوذل الأم ذلها وهزيمة الأم هزيمتها . وكلما تعمّقتْ حيرة شوق بين عطف العمة عليها وإذلالها لأمها وأبيها ، كلما تعرّتْ إلاّمن أحاسيسها ، فتـُعلن فى كشف شعورى محملا بكثافة الأحاسيس وتراكمها ، ضاغطـًا ، صادقـًا – وهى الصغيرة – عن رغبتها وأملها فى غضبة مدوية تقوم بها الأم ((كانت أمى توافق أبى فى كل مرة ولاتعترض . رغم ماكنتُ أشعربه من أنها تغضب على روحها وتحتمل . كنتُ أثق فى أنّ أمى سوف تواجهها مرة . تثورفى وجهها أوترفض فكرة تقول بها لكنها لم تفعل أبدًا)) إنّ المبدع هنا – وهويكتشف شخصياته أثناء الخلق وإعادة صياغة الواقع – لايكتفى بتعرية شوق . لايكتفى بشطرها . لايكتفى بوقوفها على حافة الصراط الدقيق بين شاطئيْن كليهما مرغوبًا ومكروهًا فى آن ، بل يضرب معوله الأخيرليزيد تمزقها وليُعمّق إحساسنا بها . فإذْ تدخل شوق – فجأة – على أمها تسمعها تشتم فطوم . ولكن الأم – بمجرد أنْ ترى ابنتها – تتغيرالكلمات على لسانها فقالت ((عمتكم فطوم يا بنات مافيش أشطرمنها فى الدنيا دى بحالها . شملوله وكلمتها صايبه. بس ياخساره . أيوا يا خساره)) كانت شوق تفهم أنّ ذل الأم لايتعدى دائرة تسلط العمة. ولكنها الآن ترى أنّ الدائرة تتسع . وأنّ ذل الأم يتمدّد . وأنّ التسلط يشملها هى (شوق) وبذلك تكون سببًا فى تراكم إحساسات الأم بالذل . فى حين أنّ شوق تتعذب بسبب هذا الهوان الواقع على أمها وأنها لاتثورعليه. فكيف تضمها أمها لصف العمة- فى جبهة واحدة – لتعميق امتهانها لنفسها ؟
إنّ شوق شخصية مُميّزة فى الأدب المصرى لاينساها القارىء أبدًا . وهى شخصية يعرفها المبدع جيدًا فتناولها فى أكثرمن قصة. وأفرد لها قصة تعد واحدة من أبرزمعالم القصة القصيرة فى مصر، وأعطى لعنوانها اسم بطلته الأثيرة لديه (شوق) فى مجموعته (النبش فى الدماغ)
مريم وملامح الشخصية المصرية :
يـُقدّم أحمد الشيخ – بلا عمدية- وهويرسم شخصية الأم مريم ملمحًا من ملامح الشخصية المصرية. وهى تتعامل مع الظلم والاستبداد . إنها تدورمع المستبد . تلتف حوله. تـُظهرله الطاعة والإذعان . تـُداهنه. ترفعه لأعلى المراتب . تصل أصله بالأنبياء . ولكن يظل الجوهرهوالجوهر، الازدراء والاحتقار، وانتظاراللحظة المواتية للإنقضاض والتمرد والثورة . فمريم رغم الإذعان المطلق للعمة فطوم ، بل ورغم استعدادها لأنْ تجعل من خدها مداسًا لها ، تـُعلن فى خلوتها مع بناتها – بعيدًا عن شوق – عن احتقارها لفطوم وسبها بأقذع الألفاظ . ولكنها لاتثوركما تتمنى شوق . فحيث علاقة المصلحة مستمرة فإنّ الإذعان قائم ، وبالتالى فإنّ الثورة مؤجلة. لأنّ القصة لم يكن همها الوصول إلى لحظة الصدام ، وإنما هى مأساة كل من شوق والأم وفطوم . وهنا نجد وعى الكاتب بطبيعة البناء الذى ارتفع على يديه. وبالتالى تأتى أهمية الإشارة إلى أنّ المبدع لم ينزلق مع رغبة شوق والإغراء بثورة الأم ، لأنه لوفعل لجاء الفعل من خارج البناء .
العمة فطوم والتناول الإنسانى للشخصيات :
ولأنّ أحمد الشيخ كاتب مُتمرّس فى فن القصة والرواية. ولأنّ فطوم احدى شخصياته الأثيرة ، لذا جاءتْ شخصية إنسانية. تحس وتتعذب وتتألم . ولها عالمها الخاص . لها أشواقها وأمنياتها وإهتماماتها . ولم تكن مجرد رمزبارد للسيطرة والسطوة فهى – فى وحدتها – امرأة بكل معانى الكلمة. ترتعش من اللذة وتهتم بالطعام الجيد ويكاد الجدب – لأنها عاقر- أنْ يقتلها فلا تخجل – وهى بهذا الجبروت – من أنْ تمارس شتى أنواع طقوس الحبل مهما كانت الخطورة مثل النوم على قضبان السكة الحديد ليمرالقطارفوقها . أومهما كان الفعل مـُشينـًا مثل عريها أمام القمر، ووضع صوفة على جسدها . بل إنها - رغم قسوتها بسبب ثرائها – تهزمشاعرالقارىء شأنها شأن أى فن صادق . فهى كثيرًا ما تطلب شوق لتنام معها وتضعها فى السريربينها وبين زوجها . تأخذها فى حضنها تـُقـبّـلها وتهمس لها (( قولى لى يامه)) هذه الكلمة تـُعذبها . وهى تستعذب وجه شوق وحضنها . وعندما تلبى شوق رغبتها ، فإنّ العمة تشدها إليها أكثرإلى الدرجة التى تشعرفيها شوق بالألم . فهى تظل تضغط وتضغط على الصغيرة وهى تهمس لها بتكرارملحاح ((قولى لى يامه)) إلى الدرجة التى جعلتْ زوجها يهمس لها ((على مهلك يافطوم)) فلا نعرف إنْ كان يخشى على البنت من الضغط المتواصل أم أنه يعتذرلأنه لم يستطع أنْ يملأ بطنها .
والمتأمل لانتاج أحمد الشيخ يلاحظ وجود علاقة استبداد متبادلة بينه وبين عالم القرية. كلاهما يمسك بخناق الآخرويستبد به. ومن الصراع تتولد الرؤى ، وبعد أنْ تطول المسافة ويتغيرالزمن، يجلس الكاتب مُستدعيًا ذلك العالم مُستخلصًا رؤاه أثناء إعادة صياغته. وفى وهج الاكتشاف فإنّ العمة فطوم وزوجها الحاج فرج وشوق فى قصة الشملولة ، هم نفس الشخصيات بنفس الأسماء فى قصة (الفعالة) (3) ولأنّ إعادة صياغة العالم اختلفتْ فإنّ الرؤى اختلفت وبالتالى فإنّ اكتشاف الكاتب لابد وأنْ يختلف . فالعمة فطوم فى (الفعالة) تقتل زوجها الحاج فرج بل ولاتتورع فى أنْ تـُشرك شوق معها فى القتل . وإنْ كانت فى الشملولة تكتفى بإغداق الحب المُتوهج لشوق ، فهى فى (الفعالة) تـُعلن صراحة أنّ معظم الميراث سيكون لها . وكأنّ المبدع يضعنا أمام إشكالية فنية. فهو- فى قصصه عن القرية- كأنما يكتب رواية متناثرة الفصول . وتكمن الإشكالية خاصة وأنّ كل قصة بناء فنى متكامل قائم بذاته وبالتالى يبدوأنه لاتوجد إشكالية. وأنّ تعدد القصص عن ذات الموضوع والشخصيات ، هوتنويعات على الفكرة الواحدة . ومع أهمية قصة الشملولة تبقى بعض الملاحظات : تقول شوق (( أحزن من أجل أمى التى تعجزعن المجادلة)) ، (( لتتأكد العمة من دوام ولاء أمى وخضوعها للأوامر)) (ص19) وتقول عن أبيها ((كان بارعًا فى تغيير الحديث)) (ص34) ، ((بكيتُ بحرقة لأنّ أمى تلوّنتْ أمامى)) (ص38) فى هذه الأمثلة كلمات مثل (المجادلة. دوام الولاء. تلوّنتْ ) وهى كلمات وإنْ كانت تصعب على غيرالمتعلم – صياغة لا معنى أوالإحساس بها – فهى أكثرصعوبة على وعى طفلة. وكذا فإنّ تعقيب شوق على تلون أمها ((وأجبرتْ نفسها على الكذب . خافت منى وأنا التى أعشقها وأكره ضعفها )) أفسد لذة اكتشاف القارىء لهذا التلون من الأم فى السطورالسابقة مباشرة ، فجاءتْ كلمات شوق تزيدًا لامعنى له. ومباشرًا بالإضافة إلى أنها أكبرمن مستوى وعى طفلة خاصة وهى تقول ((وأكره ضعفها))
كلاب السيجة :
الشيخ عمران واحد من عائلة أولاد عوف . وهى العائلة التى خصّها الكاتب بالجزء الأول من روايته المهمة (الناس فى كفرعسكر) وأولاد عوف – فى الجذورالأولى فى الرواية والتى تمتد من أواخرالقرن التاسع عشرحتى النصف الثانى من القرن العشرين – قد فرّطوا فى أرضهم وباعوها لخصومهم من عائلة أولاد شلبى . ورغم هذا الإمتداد الزمنى تظل فكرة بيع الأرض قائمة. بل ومُتسلطة على الأجيال التالية من أولاد عوف . ولكن أحمد الشخ وهويكتب قصة (كلاب السيجة) جعل بطلها من الجيل المعاصرللفترة الحالية. كان يعى التغيرات التى طرأتْ على المجتمع ، فأهل القرية الذين يُمالئون أولاد شلبى ، لايكتفون بإقناع الشيخ عمران ببيع أرضه فقط ، وإنما يُزيّنون له فكرة السفرإلى الخارج وتطليق الأرض طلاقـًا بائنـًا . فالكاتب هنا ضفــّر الفكرة التى يُلح عليها – بيع الأرض والتفريط فيها – بهجرة الوطن والسفرإلى الخارج .
يقف الشيخ عمران وحده شامخـًا صلبًا دون أولاد عوف . فهويرفض البيع بإصرار، ويرفض السفر. ولم يكن بحاجة إلى تقديم تبريرلرفضه السفر، ولكن الكاتب يدس تبريرًا إنسانيًا وبشكل غير مباشر، فتتعمّق القناعة لدى القارىء بهذا الموقف البسيط . كان يستمع إليهم فى تلك الأمسيات ويطوف بخياله فى تلك العوالم التى ينسجونها بالأمنيات والكلمات ، ولكنه يتذكرأمه العجوزالراقدة فى الدارعاجزة عن إطعام نفسها أوملء كوزماء من الزير، فتذوب الأحلام وتتلاشى الخيالات المُبهجة. وهكذا تصلنا الرسالة بهذه الصورة البسيطة المؤثرة . فالتمسك بالأرض ورفض فكرة هجرة الوطن لاينفصلان عن تقديره لأمه والوقوف معها فى مرضها. ولكن عمران عندما تتضاعف الضغوط عليه لبيع أرضه ، يضطرإلى أنْ يكون حادًا وصريحًا ومباشرًا . وهى ضرورة حتمية يدفعه إليها التركيب النفسى والاجتماعى بوصفه واحدًا من سلالة أولاد عوف الذين فرّطوا فى أرضهم. وهويرفض لسببيْن بالغىْ الأهمية : فهوإنْ باع ستمتد أرض شلبى وتضربحقوق آخرين . والسبب الثانى مُحمّل بالجذورالاجتماعية والنفسية حيال الصراع الأبدى بين أولاد عوف وأولاد شلبى . فالشيخ عمران يمقت أولاد عوف – وهومنهم – ويلعنهم ، لأنهم كثيرًا ماكانوا (يتشدّقون بالكلام عن ضرورة أنْ تبقى أرض أولاد عوف فى حضن أولاد عوف) ولكنهم بعد التغيرات الأخيرة ، بعد ارتفاع سعرالأرض ، بعد تخلى الفلاح مرغمًا – ولأسباب عديدة – عن الزراعة ليُتاجرفى الملابس الداخلية للنساء – يضعفون ويوافقون على بيع أراضيهم ولمن ؟ لأولاد شلبى ، أى لأعدائهم التاريخيين . وهنا نفهم معنى صرخة عمران ونحس به وتخنقنا أزمته. إنه يهتف ((باعوها لنفس الخصم)) هنا يكون ألمه الخاص وأزمته الفريدة .
وتأتى أهمية كلاب السيجة فى أنها قصة عن البشربأكثرمن إهتمامها بالفكرة رغم وضوحها . لأنّ الفكرة فى هذه القصة تظل كامنة تحت تيارمن مشاعرالشيخ عمران . إننا نرى سطح البحر الهادىء وفجأة يضربنا إشتداد الموج وهياجه دون أنْ نرى التفاصيل المباشرة لثورته المُـفاجئة. لذلك لاتهتم قصص أحمد الشيخ وأغلبها عن الصراع بين أولاد عوف وأولاد شلبى بالحدث ، إذْ أنّ موقف الاختيارالذى تتعرّض له الشخصية و(التركيب المشاعرى) لها عبرإمتداد زمنى للعائلتيْن المتصارعتيْن أهم من أى (حدث) بالمعنى التقليدى المتعارف عليه فى فن القصة. لذلك فإننا نرى تيارالحياة اليومى للشيخ عمران بالغ الدلالة. فهو وسط هذا الصراع النفسى بين إغراء البيع وبين الرفض ، ووسط دوامة من التناقضات الاجتماعية التى جعلت أولاد عوف يتنازلون عن أرضهم ويُفرّطون فيها لنفس الخصم التاريخى ، ووسط أزمته الخاصة المُتمثلة فى حاجته للمال للإنفاق على مرض أمه. والمُتمثلة- ثانيًا – فى أنه لم يتزوّج وقد أوشك على بلوغ الأربعين. وسط هذا كله فإنه يتفنّن – وبلا قصد – فى إيجاد المخرج لأزمته. فهويُمارس لعبة السيجة بحب وشغف ويجد لذة فى ((جمع الحصوات الصغيرة من الطوب الأحمريُكوّرها بالحك فى جدار الدكان . يُحكم تدويرها ويقذف بها إلى أعلى ويلتقطها وفى عينيه علامات رضى . ونفس الشىء يفعله وهويصنع قطع الجيرويُكوّرها لتكون فى يد خصمه الذى يُلاعبه. وعمران يتصرّف بعفوية الأطفال ، فهولايتحرّج من وضع قطع الطوب (كلاب السيجة) فى جيبه ويدخل بها إلى زاوية الصلاة . هذا التصرف العفوى الذى يُذكرنا بتصرفات الأطفال ، وهذا الشغف باللعب واللعبة ، يلقى ظلاله على سلوكه الحضارى البالغ الأثرمع أمه. فهويعى قلقها وانشغالها على اخوته الذين سافروا إلى بلاد الغربة. فماذا يفعل ؟ ((يُطمئنها دون أنْ تطلب منه ذلك بأنهم سوف يعودون فى القريب العاجل وأنهم لابد أنْ يوافوها برسائل أكثرفى مستقبل الأيام)) عمران هذا ، رقيق المشاعر، نجده وهويلعب شخصًا آخر، إذْ نحس به وهويقتل كلاب سيجة خصمه وكأنه يُصارع أولاد عوف الذين فقدوا الدماء وخلعوا برقع الحياء، فتنطعوا وصاروا أتباعًا للسيد شلبى. عمران بهذا الموقف الحاد من أولاد عوف – وهومنهم – أرسل لنا رسالة غيرمباشرة قال فيها ((إنْ كنا نعى من هوالعدوالرئيسى – السيد شلبى – فإننا لايجب أنْ نغفل عن المُتعاونين معه. الأتباع المُتنطعين حوله. حتى ولوكانوا من صلبنا ويجب أنْ نضربهم بشدة وأنْ نضعهم فى خندق واحد مع الخصم الرئيسى (أولاد شلبى)
وفى السطورالأخيرة يهمس لنا الكاتب بمعلومة بالغة الدلالة. فأهل القرية يلتفون حول عمران وهويلعب . يفرحون به وهويقتل كلاب سيجة خصمه. فيُهللون ويتهامسون فى حضوره وغيابه. إنه أبرع من يلعب السيجة فى السنوات العشرالأخيرة . إنه فارس اللعبة فى البندرمثلما كان أبوه فارسًا فى لعبة التحطيب ، أيام كان التحطيب لعبة الرجال فى الزمن الفائت . فهل يكون عمران – قصد الكاتب أولم يقصد – شأن أى فن عظيم ، هو(دون كيشوت) المصرى المعاصر؟ المحروس الثانى :
تبدأ القصة بالأب عبدالقادر(4) وهويحتضر، فتكون دائرة الميراث الجهنمية. تتصور المحروسة أنّ شقيقها يتعجّل موت الأب . وعندما ترى تحرك أصابع قدمىْ أبيها ، تـُطلق زغرودة بكل قواها ثم تواجه شقيقها وتبصق فى وجهه وتصرخ ((إيدك يا أهبل . أبوك لسه صاحى مش ح يموت السنه دى . بص لصوابع رجليه)) فلماذا تقف المحروسة هذا الموقف من شقيقها ؟ لأنه يُشاع – مجرد إشاعة- أنّ شقيقها أخذ بنت شلبى وعقد عليها عند مأذون البندروهو من أولاد عوف . والمحروسة كانت وظلتْ تكره أولاد شلبى ونسل أولاد شلبى إلى حد المقت المُميت وترفض بإصرار وعناد فكرة أنْ تدخل دارهم فتاة منهم . وهى لاتكتفى بالرفض بل تُحرّض الأب ضد شقيقها . قالت له بعد أنْ قام من مرضه ((إنّ أخاها كتب على بنت شلبى وأنت راقد ياكبير. وبيقولوإنه حاش لها دارفى البندر. وبيصرف عليها من خيرك يا سيد الرجال)) تفعل ذلك وهى تعلم أنّ الأب ليس فى حاجة إلى تحريض ، فالعداء بين العائلتيْن متأصل ، ورد الفعل جاهز، فردّ الأب ((عجايب. إنْ كان عمل كدا يبقى الولد خاب . مايدخلش الدار. ولايمشيش فى مشهدى . وإنْ رجع دربكم بعد موتى ينضرب بالنار))
إنّ عبدالقادر- الجد والأب – هوالإمتداد لأولاد عوف ، منذ رواية (الناس فى كفرعسكر) وهو يعى الدرس جيدًا ، يعى المصيبة التى حلتْ بأولاد عوف ، منذ أنْ تسلل أولاد شلبى لإحتلال أرضهم . مرة بالشراء ومرة بالزواج . إنهم لايزالون يفعلون نفس الشىء – بالضبط – مثلما فعل الجدود فى الرواية. فى قصة المحروس الثانى تتداخل كل الخيوط : الثأرالقديم . الغل حيال المسيرة الطويلة للتفريط فى الأرض . العداء لكل أولاد شلبى وأحفادهم . الموت لمن يتعاون معهم حتى ولوكانوا من أولاد عوف . حتى ولوكان الابن نفسه ((وإنْ رجع دربكم بعد موتى ينضرب بالنار))
إنّ أحمد الشيخ يـُـقدّم انعكاسات علاقات الانتاج القائمة على الملكية الفردية بصورة غاية فى الشفافية. ويبقى العمل الفنى طويلا فى نفس القارىء ، لأنّ تحت هذه الشفافية تكمن بشاعة الملكية الفردية دون صراخ . بل بلغة الفن وحده إلى الدرجة التى تجعل الأب لايتورع ولايتردّد فى قتل ابنه حتى لاتنتقل الأرض إلى أولاد شلبى . حتى لاتتأكد هزيمة الأحفاد من أولاد عوف على يد الأعداء من أولاد شلبى .
ومشكلات الأرض : من إحتلال عائلة شلبى – وهى عائلة دخيلة على كفرعسكر- لأرض أولاد عوف إلى الكابوس الجاثم بسبب سطوة أولاد شلبى ، إلى الغل المُترسّب بسبب تراث مُمتد من العداء ، إلى محاولة الخلاص والفكاك ، إلى مشكلات الميراث داخل العائلة الواحدة ، وتفكك صلة الرحم بين العائلتيْن بسبب الرغبة فى السيطرة على الأرض ، كل ذلك يتضفـّـرعند أحمد الشيخ مع نظرة البعض فى الريف للفرق بين الولد والبنت . فرغم أنّ المرأة المصرية على إمتداد التاريخ المصرى كله وقفتْ بجانب زوجها وأبيها فى الغيط ، إلاّ أنّ الأب – فى القصة- ظلّ ينظر إلى الولد على أنه قوة العمل الأساسية من جانب ، ورمزالفحولة من جانب آخر. ومظهر التباهى من جانب ثالث . فامرأة عبدالقادرظلتْ تـُنجب البنات باستمرار، وفى احدى المرات عندما أنجبتْ بنتـًـا أيضًا ، قرّرعبدالقادرأنّ يشيع فى البلد أنّ امرأته أنجبتْ ولدًا وأطلق عليه اسم المحروس . وبعد ساعات جاءها طلق جديد . وكان المولود هذه المرة ذكرًا حقيقيًا . فأطلق عليه المحروس الثانى . وأشاع عبدالقادرفى البلد أنه أنجب ولدين توأم سماهما المحروس الأول والمحروس الثانى ، ليكيد خصومه من أولاد شلبى الذين كانوا يدّعون أنه عاجزعن إنجاب خلفة من الذكور، رغم إدعائه الفحولة مثل بقية أولاد عوف ((وظلّ الأمرسرًا لمدة تسع سنوات ، فصارالمحروس الأول المحروسة. والمحروس الثانى المحروس فقط . وكان من الطبيعى أنْ يمتد تضخم الإحساس بالذكورة لدى المحروس من حيث إدراكه وهوصغيرأنّ الأسرة ما إهتمتْ بالمحروسة شقيقته إلاّمن أجله هو، وأنها عاشتْ بفضل وجوده هونفسه))
من هذا التداعى المُتدفق فى القصة والتى تخلوأيضًا من (الحدث) بمفهومه التقليدى ، نفهم موقف المحروس إزاء شقيقته. فهويُعلن فى وجه أولاد عوف ((المحروسة كبرت وخرّفتْ وح تركب دماغكم وتمشيكم على هواها . تعترض على شرع الله. ومن إمتى بقى يارجاله كان للحريم فى العيله رأى فى جوازالرجاله وطلاقهم ؟))
يؤخذ على هذه القصة الجميلة بعض الملاحظات مثل قول الكاتب عن أهل القرية ((إلاّ أنّ أكثرهم وعيًا وإيمانـًا بعلمانية العالم.. إلخ)) (ص 94) فهذه الجملة فضلا عن تقريريتها ، فهى لا تتفق إطلاقــًا مع القروى الأمى الذى لاينشغل بالتنظيرلعلمانية العالم أوعدم علمانيته. وإنْ كان له- المصرى عامة- من تراثه المُمتد عبرآلاف السنين وجهة نظرنحوالكون والحياة والعلاقات ، ولكنها تـُعبّرعن نفسها سلوكــًـا وألفاظــًا بعينها .
وفى الختام أعترف بأنه قد تحقق ما كنتُ أخشاه . فقد إنتويتُ – بداية- أنْ أكتب عن مجموعة (الحنان الصيفى) ولكننى كلما أعدتُ قراءة المجموعة. وقصص القرية بالأخص ، وجدتنى أذهب مشدودًا إلى جذورالكاتب حيث (الناس فى كفرعسكر) ووجدتنى – وأنا أكتب عن هذه المجموعة أزداد فهمًا واكتشافـًا لعالمه الحقيقى ، لذلك تضمّـنتْ إشاراتى إلى بعض قصصه عن الصراع بين عائلتىْ عوف / شلبى . ومن هنا يكمن عتابى للكاتب ، حيث لم يُوفق فى اختيارقصص المجموعة إذْ أرى أنه كان من الأوفق لواختارللمجموعة بعض القصص التى تتناول هذا العالم بدلامن قصص المدينة. وهى ليستْ فى مستوى الأولى من ناحية وأفقدتْ المجموعة تجانسها من ناحية ثانية. وأتصورأنّ دافعى لهذا العتاب هوأنّ دقة الاختيار، تـُحقق الإتساق . وعلى سبيل المثال فإنّ قصص القرية تتناثرفى مجموعاته القصصية السابقة بنفس الشكل فى هذه المجموعة. وإنْ كانت له قصص عن هموم المدينة ومُتغيراتها لاتقل أهمية عن قصص القرية ، إلاّ أننى أرى أنّ عالمه المُتفرد هوعالم أهل القرية الذى امتلك خفاياه تمامًا ، شأنه شأن المُبدعين الكبارالذين فهموا شعبهم وأحبوه وانتقدوه وقدّموه بلا رتوش وبلا ذواق ، رغم أنهم درسوا وتعمّقوا فى خصوصية ثقافته القومية ، إلاّ أنهم كانوا يُبدعون فنـًا قبل كل شىء.
ــــــــــــــــــ
(1) يُعتبربهاء طاهر، جميل عطية إبراهيم ، عزالدين نجيب ، يحيى الطاهرعبدالله ، بيومى قنديل ، رمسيس لبيب وعبدالحكيم قاسم من أبرزمُمثلى هذا الإتجاه . وقد ساهم سليمان فياض – وهومن الجيل السابق – فى تأصيل ذاك الإبداع .
(2) تـُراجع الشهادة المهمة لأحمد الشيخ فى مجلة الثقافة الجديدة – عدد مارس 1987.
(3) نـُشرت قصة الشملولة فى يونيو84 بمجلة إبداع . والفعالة فى مارس 87 فى نفس المجلة.
(4) يذكره الكاتب فى بعض المواقف على أنه الجد ، مما أحدث بعض اللبس .



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسطورة والواقع فى أطفال بلا دموع
- وصف اللغة بالفصحى غير علمى لأنّ الفصاحة للإنسان
- علم الآثار وغياب الحس القومى
- رؤية الواقع ورؤى الخيال فى (أغنية الدمية)
- أسماء المصريين بين المُعلن والمسكوت عنه
- قصة للمرحوم بيومى قنديل من مجموعته أمونه تخاوى الجان
- ميريت آمون - قصة قصيرة
- فى نص الليل - قصة قصيرة
- العودة إلى العتمة - قصة قصيرة
- سندريلا مصرية وليست أوروبية
- نقد الفن بالكلمة خيرٌ وأبقى
- أفغانستان بين الاستعماريْن الإنجليزى والروسى
- الليبرالية المصرية بين الفشل والنجاح
- لويس عوض و(إلحاد) الأفغانى
- جمال الدين الأفغانى فى الثقافة السائدة
- العلاقة بين الشعر والفلسفة
- شخصية فى حياتى : بورتريه للسيدة ن. ن
- الأصولية تلاحق الشاعر أحمد شوقى
- الدم العربى فى قصور الوحدة العربية
- المواطنة من المنظور الأصولى الإسلامى


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الشخصية المصرية وتعاملها مع القهر فى مجموعة (الحنان الصيفى)