أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - ) تأليف/ مؤمن سمير















المزيد.....



المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - ) تأليف/ مؤمن سمير


مؤمن سمير
شاعر وكاتب مصري

(Moemen Samir)


الحوار المتمدن-العدد: 3871 - 2012 / 10 / 5 - 18:50
المحور: الادب والفن
    


المجموعة المســرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى " تجليات الوحيد " )
تأليف/ مـــــــؤمن سمير

* صدرت عن الهيئة المصرية للكتاب2009 *
* رابط تحميل الكتاب بي دي إف : http://www.4shared.com/document/2k__3Tur/___-__.html

" ...... والحقيقة ، هناك لحظات سحرية ، فيها من الإرهاق البدني الشئ الكثير ، ونشاط حركي مكثف ، تظهر من خلالها رؤى لأشخاص تم التعرف عليهم في الماضي ، وعندما استعرض في ذهني هذه التفاصيل ، أتساءل إن كنت عشتها حقيقةً أو أنها تراءت لي في حلم ما .. "
إمبرتوإيكو

I
تجليات الأوتار
في العود السماوي .. الكبير

* تساهيل.
* الملك.
* مجرد أمور تحدث.
* مساءٌ شتويّ .
* اللؤلؤة .
* الرسالة .
* فيلم عربي.

• تساهــيل
يُفتح على ظلام دامس .. ثم تضاء بقعة ضوئية أعلى يمين المسرح .. كشك خشبي معلق .. من نافذته يظهر شخصان .. يرتديان أقنعة غامضة ..
شخص1 : لا أريد أن أطير اليوم ..
شخص2 : لن تطير اليوم ..
شخص1 : ولم أُتمَ تفقد الرياح بعد! ……
شخص 2 : لقد ألغيَ هذا العمل .. بينما كنت نائماً ..
شخص1 : جميل جميل .. إذن ماذا عليَّ اليوم .
شخص 2 : أن تدهن قبة السماء ……
شخص1 : لا أريد أن أدهن قبة السماء
شخص 2 : سوف تدهن قبة السماء ……
شخص1 : لا أريد ……
شخص 2 : سوف ……
شخص1 : لا ……
( إطفــــاء )
يُضاء المسرح على رجل وامرأة في منزل ..
مشهد -1-
المرأة : ما تزعلش نفسك ياخويا..ربك هيسهلها من عنده
الرجل : ( بيأس ) امتي بس .. والديون خنقتني .. وماعييش .. زي ما انتِ عارفه ..
المرأة : ما فيش غير إنك تروح تستسمح المعلم .. وتخليه يستنى علينا شوية......
الرجل : ( يقف ببطيء ) يظهر ما فيش غير كده .. أنا نازل أشوفه على القهوة اللي بيقعد عليها.......
إطفاء سريع ..
مشهد -2-
المرأة : ما تزعلش نفسك ياخويا .. ربك هيسهلها من عنده ..
الرجل : ( بيأس ) امتى بس .. والعملية الأخرانيه محتاجه كتير.. والموضوع الأيام دي.. زي ما انتِ عارفه ..
المرأة : مافيش غير إنك...(تفكر) إنت مش ليك فلوس كتير بره .. طالب بيها يا أخي …
الرجل : ( يقف ببطيء) يظهر ما فيش غير كده ..أنا نازل القهوة وربنا يعترني في واحد منهم...
إطفاء سريع ..
مشهد -3-
الرجل وحده ..
يجلس الرجل على مقعد خشبي وأمامه مقعد آخر .. بينهما منضدة .. الرجل شارد الذهن ويضع يديه على خده .. فجأة ينظر إلي الأمام .. ويقفز
الرجل : أهلاً .. أهلاً بسيد المعلمين .. أنا كنت عايز حضرتك في موضوع كده ..
يذهب إلى الاتجاه المقابل بسرعة
الرجل: اقعد بس .. ده أنا اللي كنت عايزك في موضوع ضروري ..
يأتي صوت من داخل المقهى : يا مسهل .. كش ملك !

( إطفـــــــــاء )

• المـــلك
يُنار على رجل يلبس رداءً تاريخياً ويضع تاجاً على رأسه ، يجلس على مقعد العرش ..
الملك : ( يقوم ويتمشى بعظمة ، حتى منتصف الخشبة ) أخيراً .. أصبحت أنا الملك .. أنا .. أخيراً
فجأة .. يدخل من الكالوس الأيمن رجل يرتدي ملابس ممزقة ويمسك سيفاً في يده ..
الملك : ( مفزوعاً ) من أنت .. ؟
يعاجله الرجل بطعنة قوية .. يترنح الملك ثم يسقط .. يرمي الرجل السيف .. ويخلع الرداء والتاج عن الملك ويلبسهما .. ثم يجلس علي العرش ..
الملك : ( يقوم ويتمشى بعظمة ) أخيراً .. أصبحت أنا الملك .. أنا.. أخيراً ..
فجأة .. يدخل من الكالوس الأيسر .. رجل يرتدي ملابس عصرية .. ويمسك مسدساً في يده ..
الملك : ( مفزوعاً ) من أنت ..؟
يعاجله الرجل بطلقة لا تصدر صوتاً .. يترنح الملك ثم يسقط .. يرمي الرجل المسدس .. ويخلع الرداء والتاج عن الملك ويلبسهما .. ثم يجلس علي العرش ..
الملك : ( يقوم ويتمشى بعظمة ) أخيراً .. أصبحت أنا الملك .. أنا .. أخيراً ..
ينظر إلي السماء .. يترنح .. يصيبه ضيقٌ في التنفس .. يمسك برقبته .. ثم يسقط ..
فجأة .. يدخل رجل من وسط الجمهور يرتدي ملابس الكناسين .. يحمل مقشةً كبيرة .. يكنس بها الجثث ، بهمةٍ عالية …

( إطفــــــــاء )

• مجرد أمور تحدث
يُفتح على ثلاثة من الموظفين على مكاتبهم …
موظف 1: يا ساتر .. هو القرف ده مش هينتهي ……
موظف2 : مالك يا سيدي …
موظف3: سيبه في حاله .. هوه دايماً كده .. مفيش حاجة عجباه …
موظف 1: وإيه بقى في الدنيا يا فالح عايزه يعجبني …
الغلا ولاّ الزحمة ولاّ رغيف العيش .. ولاّ المرتب اللي بيخلص يوم 8 في الشهر …ولاّ حتى عِشرة ناس زيكم …
موظف2 : انت ادورت علينا ليه دلوقت …
موظف3 : نفس الاسطوانه المشروخه بتاعة كل يوم ..
موظف 1 : بأه انتم ناس انتم.. بأه انتم عايشين في الدنيا …
موظف2: يا سيدي عايشين ولسه ما انقرضناش .... وبنحس كمان ، بس سيبك من ده كله …
موظف3 : … وقلّنا انت عايز ايه بالظبط …
موظف 1: عايز 100 جنيه لحد أول الشهر.
( إطفــــــاء)

• مسـاءٌ شتــوي
يُفتح على صالة صغيرة .. عارية إلا من مقعد فوتيه يتسع لاثنين ومنضدة عليها جهاز كاسيت
يدخل شاب وفتاة .. يقف فجأة في مواجهتها
الشاب : أريد أن أمارس الحب معكِ
الفتاة : ( تصدم ـ تنهار علي المقعد )
الشاب : ( ببساطة ) ماذا ..
الفتاة : ( تهز رأسها بغيظ )
الشاب : ( يتمشى ثم يواجه الجمهور ) لنجرب الأسلوب الكلاسيكي .. ( يرجع ويجلس بجوارها ) لمحتكِ فوق جبل الأحلام .. فتسلقته .. رأيتكِ واقعاً منيراً .. فتتبعت فيكِ الضياء ……
الفتاة : ( تقف مصدومة أيضاً )
الشاب : ( يُكمل ) إني أراكِ الآن بوضوح .. أنتِ التمني.. أنتِ حقيقتي .. وما سواكِ محض افتراء . أنتِ الزمن .. أنت ِهالة النور علي جبين الأحياء ……
الفتاة : ( تتمشى وهي تضع يديها على أذنيها بحزن)
الشاب : اتركي نفسك على هواها .. شجعيها على أن تمارس حقها .. لا تكوني قيداً .. اخلعي عنكِ صفة السجان …
الفتاة : ( تقف وتنظر إليه )
الشاب : عيشي اللحظة فقط . أنا أريدك بكل كياني وأنتِ تريدينني . فلماذا نتردد . دعينا نسرق من عمرنا الحزين لحظاتٍ من السعادة الصادقة . لحظاتٍ قليلة .. نعيش عليها بقية عمرنا
الفتاة : ( تتجه إليه .. حالمة )
الشاب : أنا أحبك ..
الفتاة : ( تجلس بجواره ثم تنام في حضنه )
فترة سكون ..
الشاب : ( ينتفض فجأة وينظر إلى فوق ويزيحها .. يجري إلى الكاسيت .. ويدوس على زر التشغيل .. ينطلق صوت قرآن )
الفتاة : ( تُصدم .. تولي هاربة )
الشاب : ( يقف مفكراً ، مواجهاً الجمهور ) أنا .. أنا أريد
أن أمارس الحب معها الآن .. الآن
( يجري وراءها )
( تنحسر دائرة الضوء ) .

• اللؤلـــؤة
يُنار على منضدة ومقعد ، يجلس رجل في الثلاثينات .. رأسه ملقى على ذراعيه المنعقدين .. الإضاءة طوال العرض تخفت وتعلو ..
الرجل :( يفتح عينيه ببطىء بعد أن يرفع رأسه .. نظراته زائغة .. ثم يثبت نظراته في لا شئ ) همَّ السبب ( يعدل من وضع ذراعيه ) زقوني للحيرة والتوهان ( يضحك بهستريا ) رغم إن زيي زيهم .. ما همَّ برضه في الهم نفسه ( يضرب كفاً بكف ) حاجة غريبة والله ( فترة صمت ثم يحاول أن يقف ـ ينهار ) مش أنا السبب .. مش أنا المحقوق .. ( بدهشة ) لكن اشمعنى أنا اللي تعبان( يصرخ ) اشمعنى أنا ياهوه .. اشمعنى .. أنا .. الضحية.. ( يخبط رأسه في المنضدة بعنف ) كانوا بيضحكوا وأنا باتألم .. بافرفر …
الرجل : ( يصمت .. يعاود التحديق في لا شئ .. يحاول النهوض .. ينهار مرة أخرى .. لا يستسلم .. ينجح في النهوض أخيراً .. يقف متخشباً )
الرجل : ( يُخرج من جيبه شنباً ويثبته ـ صوته يصير خشناً) حاول يكون لك رأي يا غبي ( يُسرع ويزيح الشنب.. يطأطئ رأسه ) حاضر يا بابا ( يحول رأسه بعنف إلى الجهة الأخرى بعد أن يرمي الشنب…) ها تخش أدبي ولاّ علمي ( صوته يعلو ويغمض عينيه في ألم ) آداب ولاّ حقوق ( يحول رأسه ) ها تخطب الحلوة ولاّ المؤدبة (يحول رأسه ) ها تسكن تحت جناحي ولاّ في شقة بعيدة ..
الرجل : ( يصمت .. يجلس .. ثم يقف منفعلاً ويخرج قبعة ضابط من أسفل المنضدة ويضعها علي رأسه ويقف في مواجهة المقعد) متطرف ولاّ شيوعي ( يرجع إلى جوار المقعد بعد أن يخلع القبعة .. يطأطئ رأسه )
الرجل : ( يعاود الكَرّة ) ناصري ولاّ ساداتي .. مسلم ولاّ مسيحي ( يخلع القبعة ويرميها بعنف ـ يقف في وسط الخشبة وهو ينظر إلى السماء ) نبي ولاّ حرامي ( يحول رأسه ) عبد ولاّ رب ( يحول رأسه ) إنسان ولاّ حيوان ( يحول رأسه ) أنا ولاّ غيري ( يحول رأسه ) أنا ولاّ غيري ( ينهار مثل الجثة )..
الرجل : ( فترة صمت .. يفيق تدريجياً .. يقف ببطيء ثم يدور حول المنضدة عدة مرات) مش همَّ السبب .. أنا السبب.. أنا اللي سايب القدر يتحكم فيّا .. سايب نفسي كورة يشوطها برجليه ( بغضب ) وبرجليهم .. كلهم .. كلهم ( يقف فجأة ) اللحظة دي هي اللحظة الوحيدة في تاريخي .. اللي مش هاكون سلبي ومتردد ( برزانة ) ماهو لازم لحظة نفوق فيها .. ونقرر ( تعود نظراته للزيغ ) مدام مش قادر أعيش وانا متقطع ستين حته .. ( يبتعد عن المنضدة متخبطاً ) لازم أتكلم .. قراري مكتوب في نِن عيني من ألف سنة .. ألف سنة ( بجنون كامل ) لازم قرار ما الحقش أندم عليه .. زهقت بقه .. خلاص .. ( ينظر للمنضدة كأنما يراها للمرة الأولى ... يتحرك ويجلس فوقها متربعاً ) الشيء الوحيد المظبوط هو إني أموت ( يرق صوته ) أموت .. ( يبكي ) يا عيني عليا ( يصيبه فرح مفاجئ ) انت بتعيط ليه دلوقت ده انت ها ترتاح .. وتنام أخيراً ( ينام في وضع جنيني ) ...
الرجل : ( يقوم ببطيء .. وينزل من على المنضدة .. يتمشى عاقداً يديه خلف ظهره ) لكن هاموت ليه .. وعشان مين .. افرض همَّ اللي ارتاحوا مش أنا ( يواجه الجمهور ) .. ثم هاموت ازاي .. ( يتجه إلى المنضدة ويجلس ببطيء على المقعد ) بالمسدس .. ولاّ بالسم .. ولاّ بالسكّينة .. ( يخفت صوته تدريجياً ) .. بالمرض .. ولاّ في خناقة .. ولاّ .. ولاّ .. ولاّ ( يعود وضعه مثل البداية ، رأسه ملقى على ذراعيه ) .
( تنحسر بقعة الضوء تدريجياً )
• الرســالة
يُنار على فتاة في العشرينات.. ترتدي مريلة المطبخ وبيدها رياشة تزيل بها التراب .. صالة عادية
الخادمة: ( تغني ) الواد ده ماله ومالي يا مّه .. الواد ده ماله ومالي بس ( ترقص ) آه ماله ومالي بس
يدق جرس التليفون
الخادمة: ألو .. أيوه مين .. الهانم الصغيرة مش موجودة .. العفو يا خويا ( تضع السماعة) مننفعش احنا يعني ( تُخرج من جيب المريلة مرآةً مستديرة .. تنظر فيها ثم تشرد وهي ترجعها إلى الجيب .. تمشي قليلاً ، بعدها تأخذ في تحسس جسدها .. )
يدخل شاب في منتصف العشرينات .. يلبس بيجاما متهدلة .. على عينيه نظارة مستديرة .. شعره أشعث..
الخادمة : ( تتمالك نفسها ـ بصوت منخفض ) هو انت ..
الشـاب : مين اللي كان بيتكلم .. هيَّ مش كده …
الخادمة: هي مين بس يا سيدي .. انت مش ها تعقل بقى
الشـاب: صدقوني يا ناس .. ها ترجع وتاخدني معاها .. هناك .. بعيد ..
الخادمة: ( تتجاهله وتعود للتنظيف )
الشاب:( يُكمل ) ستعود من المرفأ الذي لم تمسه الأحقاد البشرية .. في البحر الإلهي .. هي لم تغادره منذ فترة لكنها ستعود .. لتكسب الكون النقاء( يتحرك ) أعلم أنها في الأعماق .. تؤدي رسالتها هناك .. لكنها ستصير هنا ( يخاطب الخادمة ) هنا وهناك ( لا تعيره اهتماماً) في كل مكان( يخاطب الجمهور ) هل تعلمون .. عندما تعود ستعود للأحياء الصبغة الحقيقية .. التي فقدوها .. سيكون معها المسحوق الصافي .. ستعود وتأخذني .. لنكمل الرسالة .. رسالتنا .. رسالتنا المقدسة ( يذهب جارياً ).
فترة صمت .. ثم تجلس الخادمة علي أحد المقاعد جامدة .. تخُرج المرآة .. تنظر فيها وتعبث في شعرها .. يدخل متلصصاً .. شاب يرتدي ملابس عصرية .. يقترب منها وهي لا تنتبه له .. يدغدغها ………
الخادمة: ( تنتفض ) مين ( تلقي بالمرآة ثم تتغير ملامحها إلي الفرحة عندما تتأكد أنه هو .. فيعاود دغدغتها ) الله ( بدلال ) ما بلاش كده يا سيدي .. باغير من كل حتة في جسمي ..
الشــاب: ما هو جسمك ده اللي ها يجنني ( يشدها إليه )
الخادمة : ( تهرب منه .. لكنها تُحبط عندما لا يلاحقها )
الشـاب : محدش سأل عليَّ ..
الخادمة : ( بغيظ ) أبداً ..
الشـاب : ( ببساطة ) طيب ما تخليهمش يستنوني على الغدا .. باي ..( يخـرج)
الخادمة:( تُمسك بالرياشة ثم تخبطها في عنف .. بعدها تجلس بعصبية على نفس المقعد .. تشرد لفترة .. ثم بآلية تتناول المرآة وتنظر فيها ) .....
يدخل رجل في الخمسينات .. بخطوات واثقة .. ملابسه رزينة .. تقوم الخادمة بسرعة .. وتتناول الرياشة
الرجـل : ازيك يا بنت ..
الخادمة : طول ما حضرتك بخير أنا بخير يا سيدي ..
الرجـل:( يجلس علي مقعد كبير ) كملي شغل .. وقفتي ليه ..
الخادمة:( تبتسم ) أمرك يا سيدي ( تعود للعمل وهي تتمايل وتتدلل وتتعمد أن تعرض كل زوايا جسـدها أمامه )
الرجل : ( يكاد يأكلها بعينيه .. فجأة ينظر في ساعته ) يآه أنا اتأخرت قوي ( يخرج مسرعاً )
الخادمة:( يكاد يأكلها الغيظ . ما أن تجلس علي المقعد حتى تبكي .. بعد فترة تهدأ.. وتتناول المرآة .. تُخرج من جيب المريلة أدوات مكياج .. تضعها بهدوء .. باروكةً بيضاء .. وحواجب .. بما يوحي بأن العمر مر عليها .. تجلس جامدة )
يدق جرس التليفون ..
الخادمة: ( تقوم إليه متثاقلة لكبر سنها .. صوت غناء يأتي من التليفون : الواد ده ماله ومالي يامه .. الواد ده ماله ومالي بس .. تضع السماعة ) ناس رايقة والله..
يدخل الشاب الأول بنفس البيجاما المتهدلة والهيئة المزرية ولكن قد ظهر عليه التقدم في العمر..

الشاب : مين اللي كان بيتكلم .. هيَّ مش كده
الخادمة: هيَّ مين بس يا سيدي .. انت مش ها تعقل بقى
الشاب: صدقوني يا ناس ها ترجع وتاخدني معاها .. هناك بعيد .. ها نرجع للدنيا آدميتها ..
الخادمة: ( بينما يقول جملته الأخيرة تكون قد أخرجت مرآتها ونظرت فيها .. تتجه إليه بهدوء .. وتأخذه في حضنها) أنا بحبك ، طول عمري يا سيدي ….
( إطفــــــــاء )

• فيـلم عــربـي
مشهد -1-
يُنار على خشبة المسرح عارية .. يدخل شاب من جانب وفتاة من الجانب المقابل .. ينظران لحظة لبعضهما ثم تمد له يدها.. يقبلها .. ثم يمشط شعرها بحنان .. موسيقى رومانتيكية وتخفت الإضاءة .. فجأة يدخل رجل ضخم ويختفي وراءه رجل آخر ضئيل الحجم .. مع دخوله تعود الإضاءة قوية كما كانت .. يفصل بينهما بعنف .. ثم يمسك بيديها ويعطيها للرجل الضئيل .. الذي يشدها .. وهي تقاوم .. يحاول الشاب إنقاذها .. يمسك به الرجل الضخم .. يشيران لبعضهما في يأس .. ينجح الرجل الضئيل في الخروج بها .. ينهار الشاب بينما يمشي الرجل الضخم براحة واطمئنان.
( إطفـــاء )
مشهد -2-
يُنار على مقعدين ، يجلس عليهما الفتاة والرجل الضئيل .. الرجل يشرب شيشة وهمية .. الفتاة تشتغل بتريكو وهمي . يقوم فجأة محاولاً تقبيلها .. تشيح عنه .. يحاول مرة أخرى .. تقوم وتقف في مواجهة الجمهور وهي تبكي .. يعود هو إلى الشيشة .. ( إطفــاء )
مشهد -3-
يُنار على الشاب وهو يجلس علي مقعد صغير .. وأمامه منضدة عليها آلة كاتبة .. خلفه فتاة تجلس على مقعد صغير وأمامها منضدة عليها آلة كاتبة .. ينظران لبعضهما ثم يعودان إلى العمل .. ينظران مرة أخرى ثم يعودان إلى العمل .. لا ينظران بعدها ..
( إطفـاء )
مشهد -4-
يُنار على الشاب وهو يمشي في الطريق .. ربى شاربه .. والفتاة الأولى وهي تدفع عربة أطفال وهمية .. هو شارد ويضع يديه في جيبه وهي تنظر إلى العربة .. فجأة تلتقي نظراتهما .. تظهر عليهما السعادة الشديدة .. يمسكان بأيدي بعضهما .. ثم ينظران هنا وهناك بحذر .. بعدها يتسللان إلى الجانب الأيمن .. يأخذها في حضنه .. تعود الموسيقي الرومانتيكية والإضاءة الخافتة .. لحظات ثم تعود الإضاءة قوية .. ويدخل الرجل الضئيل مع الفتاة الأخرى .. يفرقان بينهما .. صراع بين الأربعة أشخاص..
( إطفــاء )
مشهد -5-
يُنار على الرجل الضئيل على يمين المسرح .. يجلس ويتناول الشيشة الوهمية .. هي بجواره تبكي .. يقوم ويحاول أن يقبلها .. ترفض بشدة .. يشير لها بالخروج .. في نفس الوقت يسار المسرح به الفتاة وبجوارها الآلة الكاتبة .. تشير للشاب على الآلة .. يرفض .. تشير له بالخروج .. يلتقي الحبيبان القديمان .. تملؤهما السعادة .. يحضنان بعضهما البعض .. تعود الموسيقي الرومانتيكية .. والإضاءة الخافتة .. ( إطفــاء )
مشهد -6-
يُنار على الشاب والفتاة .. هو جالس على مقعد ضخم في أقصي اليمين .. وهي تجلس على مقعد ضخم أقصي اليسار .. ينظران لبعضهما في برود .. يقومان ويلتقيان في المنتصف .. ينظران .. ويفكران .. ثم يعطي كلاهما ظهره .. ويخرج .
( إطفـــاء )


II
تجليــــــات الرؤى والأحوال
" القصيـــدة "
المشهد الأول
خشبة المسرح عارية ، إلا من مقاعد متناثرة . المنظر يعبر عن مكان مخصص لبروﭭـات فرقة مسرحية ..
فترة سكون بسيطة ثم يدخل المخرج حاملاً أوراقاً ..
المخرج: وبعدين في النص المهبب ده .. مش ناوي يخلص في سنته.. ده قرب يخلص علينا احنا الأول .. ما فيش مسرحية تعبتني بالشكل ده .. كل يوم المؤلف الغلبان نبعتله يعدل معانا .. وبعد ما يحفظ البهوات ( ينظر حوله.. يخفض صوته ) الممثلين .. أدوارهم .. نُصهم يعتذر.. اللي يجيله مسلسل .. واللي حامل وراحت تولد في أمريكا عشان الننوس ياخذ الجنسية ( يرفع صوته ) بيعتذروا .. قصدي بيهربوا .. الجبنا .. وندور على غيرهم .. ونعيد من الأول ونقيف.. حاجة تقرف ..( يهدأ ) يكونش النص دسم ومليان ..( يضحك فجأة ) أكيد حد من الفرق التانية عامل لينا عمل ( يخبط رأسه ) عمل إيه وهباب إيه .. أنا هابتدي اخرف ( يتمشى قليلاً ثم يقف فجأة ) يا نهار أبيض ( ينظر في ساعته ) المعاد جه..( ينادي ) فين المساعد النيلة ..
قبل أن يدخل المساعد يسرع المخرج ويجلس ويضع سـاقاً
على ساق ..
المساعد : ( يدخل مهرولاً )
المخرج : ( يعاجله ) إحنا مستنيين إيه لغاية دلوقتي ..
المساعد: ولا حاجة .. بإذن الله ها نبتدي البروﭭـة .. يعني
هي هاتروح فين .. ما هو لازم نبتدي ..
المخرج : ( يقف منفعلاً ) وإيه اللي مانعها يا بني آدم ..
المساعد : أصل ..
المخرج : .. أصل إيه .. انطق
المساعد : أصل .. ما فيش حد هنا
المخرج : ما فيش حد يعني إيه
المساعد : .. يعني ما وصلوش لسه
المخرج : ( يرمي الأوراق على الأرض بعنف )
المساعد : ( يسرع ويجمع الأوراق )
المخرج: يا عالم حرام عليكم .. إنتم ناويين تشلوني .. مافيش مواعيد ثابتة للبروﭭـات واللا إيه.. رد عليَّ
المساعد : ( يرمي الورق مرة أخري ) فيه والله .. فيه
المخرج: طب لما هو فيه .. ما حدش شرّف ليه .. اتفضل من هنا.. اتصل بيهم واحد واحد .. وواحدة واحدة .. خليهم يتعطفوا وينورونا .. ياللا
المساعد: حاضر.. أمرك .. اهدى انت بس ( يأخذ في جمع الأوراق مرة أخرى )
المخرج: ( صارخاً أكثر ) سيب الزفت ده
المساعد: ( يلقي الأوراق .. ويسرع خارجاً ) حاضر .. حاضر ..
المخرج: إهمال .. تسيب .. مافيش احترام لأي حاجة .. مافيش احساس بالمسئولية ( يهدأ تدريجياً ويجلس على المقعد.. فترة ثم ينظر إلى الأوراق .. يقوم بهدوء ويجمعهم ورقة ورقة) النص ده لما يكمل ( يقف ثابتاً ) كل الواقع المسرحي ها يتهز ( يُسقط الأوراق ثم يضع يديه في جيوبه .. يتحرك ) ومش بعيد البرلمان ييجي كله هنا ولما يقولوا يتلغي .. هيقولوا " موافقة " .. وارفع الموضوع للدنيا كلها .. واسمي يبقى بعد كده" شهيد الفكر والرأي والفن " ..أو حتى" الباحث عن الحرية "..(يخاطب الجمهور ) ماهو شئ طبيعي.. نص بالجرأة دي .. ينسف كل النفاق .. ويفتح الستارة على آخرها ويفتح قوس كبير ويقول ويقول( يعود ويجلس علي المقعد .. يصمت .. ثم ينظر إلى الأوراق .. يقوم بهدوء ويجمعهم ورقة ورقة .. يرتبهم ثم يضعهم على الأرض .. وينظر لهم من فوق .. بعدها ينزل ويجلس على الأرض وأمامه الأوراق .. يرفعها )
" نشيد أمنموبي " .. الله .. اسم يشد أي إنسان .. ويخليه ييجي جريْ .. على الأقل عشان يعرف مين هو أمنموبي .. ويتفرج على نُص الفصل الأول عقبال ما يعرف إنه حكيم مصري قديم .. وفي الآخر خالص يكتشف إنه رمز .. وكل الزيطة دي .. رسالة ..و الحدق يفهم .. بعد ما يفك الشفرة .. أمال إيه .. هو دوا ها يشربه ! .. ده لازم يفصص وياخد المعني سِنّه سِنهّ .. دا إخراج .. مش بطاطس ..
يدخل الممثل المغمور .. خطواته مترددة ..
المخرج : ( يفاجأ .. يحمل الأوراق ويقف سريعاً ) مين ( يرمي الأوراق ) هو انت .. ( يتحرك بعظمة ويجلس على المقعد واضعاً ساقاً على ساق )
الممثل : ( يسرع ويجمع الأوراق )
المخرج : اشمعنى انت بقه اللي بتيجي كل يوم في ميعادك ومواظب قوي .. مع إن دورك ……
الممـثل : ( يأخذ الأوراق في حضنه ) أبداً .. أ .. أصلي بحب الشغل مع حضرتك
المخرج : ( يبتسم بفخر) أنا يا بني من زمان حاسس انك خامة كويسة قوي ..
الممـثل : .. كل اللي يهمني .. رضاك عن إلقائي ..
المخرج : ( يعكس وضع ساقه ) كل حاجة سيبها عليَّ .. مدام فيك الموهبة والبذرة .. سيبلي نفسك خالص .. وأنا ها طلع كل الفن المكبوت جواك ( يتذكر أن الممثل ما زال كومبارساً ) لكن ده طبعاً قدام .. قدام قوي .. لسه بدري عليك
الممـثل : وكمان أنا …
المخرج : كمان إيه
الممـثل : وقعت في غرام
المخرج : ( يقف ) نعم ؟ .. غرام .. كده من أولها .. يا صلاة النبي .. غرام مين بقه يا حبيبي
الممـثل : .. غرام النص
المخرج : ال.. نص .. ( ينظر له قليلاً ) انت كمان ..( يتمشي ) وبعدين بقه في النص المهبب ده .. هي دي أول مرة ها خرج مسرحية مكتوبة كويس واللا إيه .. ( يتجه إليه .. يحاول أن يشد الأوراق منه .. يتمسك بها الممثل .. يرجع قليلاً للوراء ثم ينظر إليه .. ويعود للتمشية ) كنت من زمان مستني رواية فيها كل ده .. أبعد شوية عن الهلس اللي حطيت نفسي فيه كذا مرة .. ( يجري إلى الممثل ويمسكه من ذراعيه ) دا كان غصب عني ( يهزه بعنف ) أكل العيش مر .. وأنا متجوز واحدة تانية في السر .. ( ينتبه لما قال .. يبتعد عن الممثل سريعاً .. ينظر للجمهور وكأنما يستطلعه إن كان أحد قد علم بما قال .. يعود إلى نفسه مرة أخرى .. يرجع بهدوء إلى المقعد ويضع ساقاً على ساق .. يُخرج من جيبه علبة سجائر .. يتناول واحدة .. لا يُنزل نظرته من على الممثل .. الذي أخذ يرتعد وأصابه الذهول ) ولّعلي
الممـثل : ( يُخرج من جيبه علبة ثقاب بحذر .. يتقدم من المخرج خائفاً )
المخرج : ( يخطف منه علبة الثقاب .. ويعطيها له مرة أخرى) بقولك ولعلّي
الممـثل :( بلغ فزعه حداً كبيراً .. يحاول كثيراً أن يشعل عود الثقاب.. ينجح أخيراً)
المخرج : أيوه .. الدور بتاعك
الممـثل : ……………
المخرج : يا بني دورك إيه
الممـثل : ……………
المخرج : ( يقوم ويربت على كتفه بهدوء) انت خايف ليه .. انت كويس والله .. وطول ما أنا راضي عنك هاتفضل كويس .. هه .. طلع دورك من الورق .. ياللا ..
الممـثل : ( ينظر له قليلاً .. ثم يقلب في الأوراق ) الدور مش هنا ... مش هنا … خالص
المخرج : ما هو لازم يكون مش هنا .. انت يا بني دورك .. بين كل مشهد ومشهد بتقول جزء من القصيدة .. ست أجزاء على ست مشاهد
الممـثل : ( ينتفض وكأنه مس شيئاً مقدساً ) ستة إصحاحات ..
المخرج : ( يفاجئ برد فعله .. ثم بعد ذلك بسخرية ) ماشي يا سيدي .. ما غلطناش في البخاري .. ستة إصحاحات .. والشاعر بتاعنا متأثر بأمل دنقل .. وآخر إصحاح مقسوم تلات حتت .. ( يهم الممثل بالكلام لكّن المخرج لا يمهله ) وأنت متهيألي ادرّبت كويس .. بس ( يصمت ) استنى .. استنى .. أنا مش كنت عاطيك دور غير ده .. أيوه صح .. مش انت برضه ؟
الممـثل : أيوه أنا(بثبات) بس طلبت منك .. ومن المساعد الدور ده بالذات .. ووافقتوا بعد إلحاح
المخرج : ( يخاطب الجمهور) حمار .. غبي ( للممثل) ومتهيألي الدور التاني كان أكبر
الممـثل : صحيح .. لكن
المخرج : ( للجمهور ) مش قولتلكم .. حمار
الممـثل : القصيدة أهم .. أشمل ( يتمشى ) الرمز في القصيدة واضح .. سيف بينزل على اللحم الميت .. طلقة بتضرب في النايم بتصحيه
المخرج : بس النص بيقول كل ده .. وبيعمل كده بالظبط
الممـثل : أيوه بس النص رغم عظمته .. فيه أجزاء سخنة .. وأجزاء باردة .. حاجة عشان توصل لحاجة .. لكن .. لكن القصيدة ……
المخرج : ( مهتماً بشدة ) كمل .. القصيدة إيه
الممـثل : القصيدة كرباج بيضرب .. القصيدة مسرحية .. القصيدة نص كامل
المخرج :( يدور في المكان عاقداً يديه خلف ظهره ) لكن دا انت بتطلع بعد كل مشهد .. يعني بين كل جزء وجزء .. قصدي بين كل إصحاح وإصحاح مشهد كامل
الممـثل : ( متحمساً أكثر) أنا ما بحسش أبداً إن القصيدة مجزأة .. أبداً .. أنا بقولها في نفس واحد .. سخن .. طالع من القلب .. حتى لو الكل شافه متقسم
المخرج : ( يصيبه الحماس ـ يمسك بالممثل ) قوم بسرعه مثل .. قصدي إلقي .. إبدع قبل ما حماسك يموت طلع كل اللي عندك النهارده .. أنا حاسس إني ها شوفك النهارده غير كل مرة ( يجلس بعد أن يأخذ الأوراق )
الممـثل : ( يتردد قليلاً ، يواجه الجمهور ، يظهر التصميم علي وجهه .. بصوت جهوري ) " سفر الباقي "
ـ نشيد أمنموبي ـ
ـ صوت ضرب المقرعة ، إظلام ، بقعة ضوئية على الممثل .. موسيقى تدخل من لحم الظلام شيئاً فشيئاً .. تناسب الكلمات ..

المشهد الثاني

( الإصحاح الأول )

العزة للمـارد
سيد الأرواح
من صرخ بالقوس
في وجه من نادوا بالسلام
من حاوط الناس
من طوى بردائه الأيام
من قفز بالصمت
فنال الخلود
وظل لوناً
تحيا به الأقلام .

( الإصحاح الثاني )

أمنموبي . فخر الأسفار
أمنموبي . رحمات القرى
عرفته الطيور
وآمنت به اللحظات
أمنموبي . صاحب الأقدار
طالت في زمانه الأصنام
لكنّ الفخر لمن كفر
والنور لمن عادى
فرعون الإله .

( الإصحاح الثالث )
العشقَ
العشقَ
لمن ساق الأخبار .
( الإصحاح الرابع )
أيها الصامتون على بوابة المعركة
أشهروا الأحاديث
في وجه الأعادي
هلك الموت
فاستحال القلب سيفاً
ليس يعلوه الصدأ
أيها العاشقون
قد بدا الصمت نافقاً
تخافه عيون الإبتداء
قد صارت المأدُبة
بحاراً من سموم
قد مات في المأدُبة
كل السموم .
( الإصحاح الخامس )
الحاكم في بلادي يموت
وعلى مدى الأحقاب
الحكيم في بلادي يبقى
فرعونٌ مات والراوي
لكنَّ النصل عاش
فلتكن أغنياتكم . لم تخمد المعركة
فلتكتبوا على خفقاتكم
أناشيد الفرسان
والفخر للأضرحة .

( الإصحاح السادس )
-1-
النصر حقاً . من الناصر
والوقتُ : من البقاء
لا بقاء بعد الآن
لا بعد الآن ناصر .

-2-
خلق ذاك الصبح
في بلاد الرمح بهاء
كان أمنموبي
يحيا فينا صباحاً
فينا يحيا في المساء .
كان يوحي لفرعون بالنبض
يصنع من عقله
لقلب الكون وسادة
كان يحيي للصابئين
كل ذكرى للعبادة
مات فرعون
وأمنموبي خلق العزاء
صنع لوقت الذكرى شمساً
ومن قسوة الأصوات
رداء .

-3-
إبداعنا قد طاول السماء .. السماء
أمنموبي نال القداسة
عليه سلام الله الحاكم
بيديه الإغاثة
والمجد عندنا
قد صار للنسيان
المجد عندنا
قد صار للنسيان .

المشهد الثالث
ينتهي الممثل .. يكون الانفعال قد نال منه .. بمجرد أن يضاء المسرح مرة أخرى .. يندفع متخبطاً نحو الكواليس .. ولا ينتبه للمخرج الذي قفز وأخذ يصفق بحماس .. يدخل المساعد
المساعد : ( يفاجأ بتصفيق المخرج ) خير .. بتسقف لمين .. وبعدين مالك عرقان كده ليه
المخرج : ( كلما يحاول الرد يقاطعه المساعد )
المساعد : أنا آسف .. اتأخرت كتير .. بس برضه كل تأخيرة وفيها خيرة ..
المخرج : …………
المساعد : عارف . عارف .. رحتلهم كلهم .. وكلهم مش هاييجوا
المخرج : …………
المساعد : أيوه يا سيدي .. معزومين عندها
المخرج : …………
المساعد : واحنا كمان كنا معزومين .. بس انت نسيت
المخرج : …………
المساعد : قصدي أنا اللي نسيت
المخرج : …………
المساعد : ( يأخذه من يده ) ياللا بينا .. الكل مستنينا هناك .. مش مهم بروﭭـة النهارده
المخرج : ( يشد يده بعنف ) اسمعني يا بجم
المساعد : ( يفاجأ ) انت مش عايز تروح واللا إيه
المخرج : ( ينظر له بغيظ .. فيطأطئ المساعد رأسه ) البروﭭـة تمت خلاص
المساعد : ( يرفع رأسه ) بروﭭـة ايه اللي تمت
المخرج : بروﭭـة المسرحية .. المسرحية كلها اتمثلت .. ووصلت الرسالة تمام
المساعد : ( ينظر له بدهشة ) رسالة إيه يا عم اللي وصلت ( ينظر للجمهور ) الراجل اتهبش من كتر القعدة لوحده .. يا عيني عليك ( يبكي )
المخرج : ( لا ينتبه له ) كان نفسي تحضرها .. هو ده التجديد .. هو ده الفن .. فكرة ما حدش عملها قبل كده .. النص ها يبقي الكومبارس والكومبارس ها يبقي نص
المساعد : نص إيه وكومبارس إيه .. فهمني يا أستاذ الله لا يسيئك
المخرج : ها تفهم .. بس بعد ما اقفل المسرحية
( يتجه إلى وسط الخشبة .. بصوت جهوري )
النهاية .. ستار

( تغلق الستار تدريجياً )

III

تجليـــات الزمــــــان والمكــــان
" سهرة مع الجليلة بنت مرة "

• شخـوص المسـرحية :

ـ الملك حسان اليماني .
ـ الوزير نبهان .
ـ الأمير مُرّة .
ـ الأمير كليب بن ربيعة .
ـ العابد نعمان .
ـ الرَّمال .
ـ رجال وشيوخ .
ـ خدم وحراس .
ـ ………أشخاص .
ـ المخرج .

الستار مغلق .. يقوم شخص كان يجلس بين المتفرجين .. ويتمشى بينهم .. لا يسلط عليه ضوء …
الشخـــص : مساء الخير عليكم .. اسمحولنا نكون ضيوفكم النهارده .. بس احنا ايه بقى .. ضيوف إنما ايه .. المفروض تقعدونا في فنادق 10 نجوم .. 6 نجوم .. انتم وذوقكم .. متهيألي موافقين ( يرفع صوته ) الموافق يتفضل برفع السبابة أو الوسطى( الجميع يرفعون ) .. موافقة .. نخش بقى في المسائل .. كل واحد فيكم يفتح عنيه وقلبه وعقله .. الموضوع بصراحة كده قديم.. كتبوا فيه لما ورم .. إنما إيه اللي يمنع ان احنا نقول كمان .. حد ها يحاسبنا ولا انتوا حتى ها تقدروا تاخدوا فلوس التذاكر تاني .. دا احنا ما صدقنا .. نحط شوية رموز جديدة عشان الأوضاع الحالية .. ما فيش مشكلة .. نجيب اللي حصل زي ماحكوا بالظبط .. حتى عشان يقولوا : الإحتماء بالماضي في وجه الآتي القاسي .. زي بعضه .. كله ماشي والدنيا حلوه .. ( يسأل أقرب شخص إليه) مش الدنيا حلوه برضه يا بيه ؟
شخـص 1 : لأ مش حلوه
الشخــــص : ( يسأل من يجاوره ) وانت يا باشا ؟
شخـص 2 : لأ مش حلوه
الشخــــص : ( يسأل التالي ) وسيادتك يا حاج ؟
شخـص 3 : لأ مش حلوه
الشخـــص : ( يسأل التالي ) وحضرتك يا باشمهندس ؟
شخـص 4 : لأ مش حلوه
الشخــــص : برضه مش ها تغلبونا .. ها نقول الاختلاف لا يفسد...كملوا بقه.. المهم إن الملك "حسان اليماني " بعد ما انتصر على عرب الشام .. وقتل أميرهم " ربيعه " اللي هو قعد3 سنين عيان .. فاكرين طبعاً .. وبعد ما شتت قبائلهم بين الوديان والبراري .. بنى قصر شبابيكه من خشب الصندل .. وحجارته طوبه دهب وطوبه فضه .. ولغاية كده وكفاية .. دوري خلص ( يقترب من باب الخروج ) ألحق مساعد المخرج واهنيه إن الصالة كومبليت .. وبعدها يحط ايده في جيبه …وعن إذنكم(يخرج )

يُفتح الستار .. المسرح مقسوم إلى قسمين .. يفصل بينهما لوح من الزجاج لا يصل إلى السقف .. القسم الأيمن ، الأصغر جداً ،عبارة عن أرضية سوداء .. وجوانب سوداء . عليها أربعة مقاعد سوداء .. يجلس عليها أربعة رجال متشحين بالسواد.. يجلسون كأنهم تماثيل وهذا القسم إضاءته ثابتة .. القسم الأيسر .. ديكور ملكي .. الملك " حسان اليماني " في الصدر .. وأمامه اصطف القوم في صفين ....
المــــــلك : .... وما قولكم في النساء ؟
رجل 1 : ( يُلعّب حاجبيه ) قل هن متاعٌ لنا ...
المــــلك : ( يشير إلى رجل في الصف الآخر ) وما رأيك أنت ؟
رجل 2: أري أنهن أداة التنغيص الشرعية في هذه الدنيا ..
رجل 3: أتقول ذلك وأنت المشهور بصولاتك وجولاتك ؟!
رجل 2 : ( بتفاخر ) لا أكذبكم القول .. لقد سئمتهن ..
رجل 3 : آه .. إنها لحظوظ .. سئمهن يا مولاي .. وأنا .. وأنا لا أجد واحدة ترضى بي ..
يضحكـــــون
المـــــلك : ومن هي في رأيكم .. أشهر الموصوفات بالجمال والكمال والفضل في زماننا هذا ؟
رجل 1 : أنا أرى أنه لا يوجد إلاها يا مولاي ....
رجل 4 : أجل .. وأنا أوافقك الرأي ..
المـــــلك : أي رأي ؟
رجل 2 : الجليلة بنت مُرّة .
المـــــلك : ( بابتسام ) الجليلة .
رجل 3 : هي وليست غيرها .
رجل 4 : هي المليحة الفصيحة كاملة الأوصاف .
رجل 2 : والمخطوبة لابن عمها الأمير كليب .
المــــــلك : الأمير كليب بن ربيعة ( بسخرية ) ابن الأمير الشهير( يضحك فيضحكون ) ربيعة ....
رجل 1 : لقد ذاع صيت كمال الجليلة وحسنها في كل أرض العرب ولكن ....
رجل 3 : أجل .. ولم لا ؟
رجل 4 : ونعم الرأي .
المــــــلك : هل تقصدون ....
الجميــــع : نعم يا مولاي
رجل 4 : الرجل المناسب دوماً للمرأة المناسبة
رجل 2 : وهل هناك من يناسب أجمل نساء العصر إلا أعظم رجال العصر ....
رجل 1 : ( مكملاً ) .... مولانا المفدي ؟
المــــــلك : ( يقف ) إذن ترون أن نأمر أباها فيبعث بها زوجة لنا ..
رجل 3 : لكن ....
المـــــلك : ( يتحرك ) لكن ماذا
رجل 2 : إن لم يفعل يا مولاي
المـــــلك : ( بسخرية ـ يتمشى عاقداً يديه خلف ظهره ) إن لم يفعل .... إن لم يفعل ( يقف ) سندعه لا يفعل
الجميــع : ( يقفون ) ماذا يا مولاي ؟!
المــــلك : ( يضحك ) وبعدها سأمحوه هو وجموعه الباقية من على وجه الأرض ....
الجميــع : ( يجلسون ) حقاً .. حقاً
رجل 1 : إذن فليحمل الرسالة الوزير نبهان
رجل 4 : أجل فهو فصيحٌ فطن
رجل 3 : وكذلك هو أدرى الناس بهم
المــــــلك : ( يرجع إلى كرسيه) نعم .. ليذهب نبهان .. وسنرى إن كانت كما سمعت عنها أم لا ....
يطفأ هذا القسم ..
يقوم الرجال المتشحون بالسواد .. واحداً وراء الآخر .. يقلدون حركات النساء .. يمشون بتدلل ..يثبت واحد ويعطي إيحاءاً بالشموخ بينما يخفض الباقين رؤوسهم ..
ثم يعودون أماكنهم واحداً وراء الآخر مثلما كانوا ...

يُنار ..
راقصون يؤدون رقصة بدوية بالسيوف .. ينتهون فتطفأ الإضاءة مع انطلاق أغنية حماسية .. رجال القسم الأول ينتفضون فجأة من مقاعدهم فيتبارز كل منهم بسيف وهمي .. ثم يقتل كل واحد زميله فيحزن الاثنان الباقيان ويحملان زميلاهما إلى المقاعد ببطئ ويعودوا كما كانوا ......
يُنار ..
خيمة كبيرة في البادية .. الأمير مُرّة والشيوخ
يدخل الوزير نبهان
نبهــــان : عمتم صباحاً يا أولاد العم
ينهض الجميع سريعاً
مـــــُــــرّة : مرحباً .. مرحباً بالوزير الهمام ( يعانقه ) تفضل
بالجلوس ( يجلسه مكانه ويجلس إلى جواره )
شيخ 1 : كيف حال الملك .. المعظم .. حسان
نبهــــــان: بخير الأحوال طبعاً
شيخ 2 : أدامه الله .. ذخراً .. للعدل و ......
نبهـــــان: ( يقاطعه ) .. والمجد والغلبة .. أليس كذلك
شيخ 2 : (باختناق) .. نعم .. نعم .. كذلك يا وزيرنا الغالي
نبهــــــان: ( إلى مُرّة ) والله يا أمير .. لقد بعثني ملك الأعارب لأطلب ابنتك زوجةً له .. وليقيني بأنك ستفرح وتقر عيناً .. آثرت أن ألقي إليك الأمر بلا مقدمات .. هل يا ترى أخطأت في تقديري ؟
أثناء حديثه يقوم الشيوخ ويخرجون من الخيمة .. ثم يقفون كالتماثيل بجوار لوح الزجاج .. يقف شخصٌ من القسم الأول ويحضر من الكواليس حلة مليئة بالماء ..
ثم يدلقها عليهم من فوق الحاجز الزجاجي .. ويعود كما كان .. بينما يتحركون هم ببطىء منكسي رءوسهم إلى الخيمة ......
مُــــــــرّة : ( ينتفض ) ماذا .. لا .. أعني .. نعم .. لكن .. كيف.. إن الجليلة مخطوبه لابن عمها كليب .. وزفافها بعد يومين..
نبهــــان : ( ببساطة ) إنها مجرد خطبة يا أمير Don t worry
مُــــــــرّة : وماذا أقول لابن أخي
نبهــــان : قل له .. قل له .. آه .. قل له أي شئ
مُــــــــرّة : ................
نبهــــان: ( يقف بجواره .. واضعاً يده علي كتفه ) ما بالك يا مُرّة لقد عهدتك عاقلاً
مُــــــــرّة : ................
نبهـــان:(بنفاذ صبر) ماذا قررت ؟
مُــــــــرّة : والقوم .. ماذا سيقولون عني ؟
نبهـــان: سيحسدونك على الشرف العظيم
مُــــــــرّة : وكليب
نبهـــان: ( يشير بيديه علامة الاستهزاء ويجلس )
مُــــــــرّة : ( يخرج من الخيمة .. يتمشى أمامها عاقداً يديه خلف ظهره )
أثناء ذلك .. يقوم أشخاص القسم الأول ويضعون كراسيهم فوق رؤوسهم ويحاولون المشي بها دون أن تقع .. لكنها تقع كلها في وقتٍ واحد .. فيعيدوها مكانها وهم منكسي رؤوسهم .. ويجلسون .
مُــــــــرّة : ( يعود إلى الخيمة ) فقط أرجو من الوزير أن يشرف ديارنا لثلاثة أيام .. حتى نعد الجهاز اللائق
( يبكي ) ونملأ الصناديق بالملابس والأمتعة .. ثم تسير أنت ورجالك جوارنا في مقدمة الركب .. مثلما هي عادتنا ..
نبهــان : ليكن لك ما أردت ( ينظر لمرة ويضحك ـ يخرج )
مُــــــــرّة : ( يخرج من الخيمة خائر القوى .. تائه العقل ويواجه الجمهور ) كيف أزوج ابنتي من قاتل عمها .. أما يكفي أني لم آخذ بثأره ( يضطرب أكثر ) ولكني أردت أن أحافظ علي البقية الباقية منا ، نحن لسنا ضعافاً (ينظر حوله)فقط أجهز القوات والعتاد .. ثم إنه لم يمر إلا بضعة سنوات.. آهٍ يا كليب .. خطب أبوك لك ابنتي الجليلة وأنتما بعد صغار ( يجلس القرفصاء واضعاً يديه فوق رأسه )
يطفأ هذا القسم أما أشخاص القسم الأول .. فيقوم أولهم ثم يجلس ليقوم الثاني ويجلس ليقوم الثالث .. وهكذا .. في حركاتٍ تبدأ بطيئة ثم يتسارع إيقاعها تدريجياً حتى تصير عنيفة .. يتعانق معها إضاءة وموسيقى أكثر عنفاً .. ثم ينتهي كل هذا فجأة .
يُضاء القسم الثاني .. المنظر : هياكل لخيول .. بجانب إحداها يقف العابد نعمان .. ثم يدخل كليب
كليــــب : هاي عابد
العابــــد : هاي كليب
كليـــب : أخبارك إيه يا عفريت
العابـــد : يعني . والله مش ولابد يا كوكو
كليـــب : Why
العابـــد : خسرت امبارح في القمار ناقة وخمس معيز
كليـــب : بقى هو ده اللي مدايقك .. ما انت كل يوم بتخسر
العابـــد : أيوه .. بس أنا كده فلّست .. أجيب هدية عيد الميلاد لهيفاء بنت جُدعان منين .. واللا رابحه .. اللي جابت لي عقال بالشئ الفلاني آخر مرة وأنا لسه ما ردتش
كليـــب : ( يضحك باستهتار ) يا سيدي تتعدل .. تعالي بس نشرب شوية جعه .. عند يني بن طلحه .. وانت هتبقى عسل ..
يدخل مرة.. واضعاً يديه علي رأسه
مُــــــــرّة : كليب
كليب : مرحباً بك يا عماه .. ماذا بك ؟
مُــــــــرّة : مَنْ الذي معك .. آه .. إنه العابد بن الرجل الصالح نعمان
العابد : حُييتَ يا سيد القوم
كليب : ما الخطب ؟
مُــــــــرّة : ألم تعلم ..
كليب : أعلم بماذا ..
مُــــــــرّة : بال.. فاجعة
العابد : أية فاجعة ؟
مُــــــــرّة : لقد بعث الطاغية وزيره في أن يتزوج
كليب : .. يتزوج .. هل جرؤ على أن يطلب واحدة من نساءنا
العابد : ( يضرب كفاً علي كف ) والله لقد تمادى في غيّه .. هذا المجنون
مُــــــــرّة : ( يهز رأسه إشفاقاً ) ..لقد طلب .. الجليلة
كليب : ( ينتفض ) .. مَنْ .. تقول طلب مَنْ
مُــــــــرّة : الجليلة .. ( يبكي )
كليب : ( يسحب سيفه من غمده ) والله لأقتلن هذا الآبق(صارخاً) لأشنن عليه حرباً ضروساً
العابد : ( يكمل ) .. هذا الملك المتحذلق
مُــــــــرّة : اهدأ يا ولدي .. لا قِبلَ لنا كما تعلم بحسان وجيوشه
كليب : إنهُ الموت خيرٌ لنا من هذا العار
العابد : ( يدور قليلاً في المكان ) فلنتشاور برّوية .. لن يحل الغضب أمراً
كليب : ( يزمجر ثم يرمي بسيفه علي الأرض بعنف )
أشخاص القسم الأول .. يقوم أولهم .. يدور في المكان ببطىء ثم يعود .. والثاني .. والثالث .. أما الأخير فإنه لا يتحرك إلا بعد أن ينتهوا تماماً .. يقوم وينظر لهم واحداً واحداً ثم يجلس ...
العابد : ( فجأة ) وجدتها
يخرج رجل من تحت هيكل أحد الأحصنة ويعطيه صابونه ثم يعود مرة أخرى .. يضعها العابد بعد أن يشمها في جيبه
العابد : والله إني لوجدتها
مُــــــــرّة : ( بلهفة ) قل يا ولدي .. بارك الله فيك وفي أبيك
كليب : ( ما زال متذمراً .. ينفخ ويزمجر ويزوم)
العابد : ( يواجه الجمهور .. يُطفأ هذا القسم .. وتسلط عليه بقعة ضوء .. صوته يتردد في أرجاء المكان مليئاً بالحكمة أو المؤامرة ) أرى أن تجهز مائة من الصناديق المتينة .. بحيث يكون كل صندوق من طابقين .. حيث تضع في الطابق العلوي الملابس والأقمشة .. وفي الطابق السفلي نضع فارساً مغواراً بسلاحه ..
واحد من أشخاص القسم الأول .. يقوم منفعلاً ويتجه إلى المرآة الحاجزة ماداً يديه ..
العابد : نعم .. نعم .. لن ننسى فتحات التهوية
يعود الشخص مكانه
العابد : أما أنت يا كليب ..( يخرج خارج البقعة ويأتي بكليب الذي يرفض المجيء .. شد وجذب إلى أن يأتي أخيراً.. منكساً رأسه ).. سترتدي ثياب مهرج وتركب عصا طويلة كأنها حصان .. ثم تمسك زمام ناقة الهودج وتقود الركب إلى قصر " اليماني "
(يرفع كليب رأسه ) وبواسطة الجليلة ستتمكن من دخول مخدع الملك وتأخذ بثأر أبيك وتريحنا منه
( صـوت مـــرة ) نعم الرأي يا سكر ..
يطفأ هذا القسم .. وتنطلق موسيقى تقليدية تُعبّر عن السير في الصحراء ثم يقوم أشخاص القسم الأول معاً .. يُقلد واحدٌ منهم هيئة الناقة ويتكور الثاني مثل الصندوق .. يضعه الباقيان فوق ظهره .. يسيرون فترة ثم يصلونَ إلى مقاعدهم فيرفع الأول نفسه ليسقط مَنْ كان فوقه .. يجلسون

يُضاء القسم الثاني ..
المنظر : الملك " حسان اليماني " جالساً علي عرشه وأمامه الرمّال .. يفترش الأرض وأمامه رقعته ..
المـــلك : فلتخبرنا يا أعظم رمّال .. وأحذق منجِّم .. ماذا تري .. بماذا تبشرنا .. انطلق .. بالسعادة أم بالهناء ( يفرك يديه) أنا لا أطيق صبراً .... (تنطلق موسيقى توحي بالتنجيم الغموض)
الرمّــال : ( يعبث في الرقعة .. يتأملها .. يصيبه الوجوم .. يتأملها مرة أخرى .. يزداد وجومه .. يحاول أن يعبث فيها مرة ثالثة ..)
المـــلك: ( يقاطعه) ماذا تفعل أيها المجنون .. خلصني يا زفت انتَ
الرمّــال: ( خائفاً ) أخشى أن ما سأقوله لن يعجبك .. يا .. مولاي ..
المــلك: وانت مالك .. هيعجبني ولا لأ .. قول وخلاص
الرمّــال: ( بتردد ) أرى .. أرى أن القادمين من بني قيس .. يُضمرون الشر ..
الرمّــال:( يقف ويتحرك في المكان.. الموسيقى الغامضة تقترب من أن تكون مخيفة)..أرى في صناديقهم ناراً
يطفأ القسم مع تسليط الضوء على الرمّال ..
الرمّــال: (صوته يعلو) ناراً .. لا قِبلَ لنا بها .. ستأكلنا ولن تترك منا إلا رماداً.. ناراً ستتعانق مع دمك يا مولاي ويصنعان خريطة للخراب..الدمار..الهلاك.. حَيْ ..
أشخاص من القسم الأول يقومون بتحريك رؤوسهم بما يُشبِه الحضرة الصوفية
الرمّــال: حَيْ .. يا مُغيث .. يا مُغيث .. يا مُغيث
الأشخاص يقومون بالطقوس بعنف وسرعة .. إلى أن تنطلق صرخة فيسقطون .. ثم يجرون إلى مقاعدهم
يُضاء القسم الثاني .. يقوم الملك ويجري وراء الرمال .. يسقط كل منهما .. ثم يقوم .. إلى أن يقبض عليه الملك ويُجلسه بعنف على الأرض.. ثم يعتلي عرشه ..
المــلك : ( ينهج ) ما .. هذا .. ال .. ال .. التخريف .. لقد جاءوا كعبيد .. مجرد عبيد لي .. وكل أملهم التقرب مني ( يضرب الرمال على قفاه ) يا غبي
الرمّــال: ( ينهج ) ابعث .. اب .. ع.ث .. حرسك ليتأكدوا من كلامي ..
المــلك: .. ولكن إذا ثبت فشلك هذه المرة ( يضربه مرة أخرى على قفاه ) يا غبي
الرمّــال: ( بتردد ) افعل .. فيّا .. افعل فيّا ما تشاء يا مولاي
المــلك: ( يقوم ويركله ) غور من وشي يابوز الإخص
الرمّــال: ( يهرول ثم يُسرع بالخروج وهو يتعثر )
المــلك: ( بصوت عالٍ ) أيها الحراس .. أيها الصُم الملاعين..
تدخل مجموعة من ثلاثة حراس برماحهم..
الحراس: (معاً) أمر مولانا المفَدّى
المـــلك: اذهبوا وافتحوا صناديق بني قيس .. ثم اخبروني بما تجدون
الحراس: ( ينحنون ويخرجون )
المــلك:أتمني أن تكون كذاباً يا رمّال السوء ( يسيل لعابه ويفرك يديه طمعاً ) أريد أن أتمتع بالجليلة .. آه .. الجليلة يا جِدعان أحلى مُزه في الدنيا .. ملبن .. آه
يدخل الحراس فجأة
الحراس : مولانا السلطان
المـــلك : ( يجزع ) يا ولاد ال ……ماذا فعلتم
الحراس: لقد فتشنا الصناديق كلها .. ولم نجد بها سوى أقمشة وأغراض و ……
المــــــلك: (بجزع) وماذا ....
حارس1 : أشياء لا نستطيع الإخبار بها
المـــلك:(وقد فلتت أعصابه) انطقوا يا أغبياء …يا أولاد …
حارس2 : وجدنا .. وجدنا..
حارس3 : ( يضحك ببلاهة ) أغراضاً نسائية يا مولاي
يضحك الملك فيضحك الحراس ثم يصمت فيصمتوا
المـــلك : اذهبوا وأبلغوا قائد السجن بأني قد أمرت بصلب الرّمال .. وتقطيع يديه ورجليه .. ثم فقأ عينيه وضم بناته إلى الجواري
الحراس ينحنون ويذهبون
المــــلك :( يتمشى سعيداً)آهٍ يا جليلة.. اقترب الوقت الذي ..
يدخل الوزير نبهان
نبهـــان : مولاي
المــلك:( يجزع ) من .. آه .. جئت في وقتك تماماً يا نبهان
نبهـــان : دائماً في خدمتك ( ينحني )
المـــلك: ( يفرك يديه) اذهب وأدخل عليَّ الجليلة ( ينحني ويمسك بساقي الوزير ) بسرعة وحياة ابوك يا نبهان( للجمهور ) الله يخرب بيت دا مؤلف اللي بهدلني كده..
نبهــــان: ( يشد نفسه بصعوبة ) حالاً .. حالاً
يذهب ويأتي بالجليلة في خمارها الأبيض
المــلك : ( يسرع ويجلس على العرش )
الجليلة : ( تنحني ثم ترفع الغطاء ) السلام على ملك الزمان
أشخاص القسم الأول يسرعون نحو الحاجز الزجاجي .. يحاولون تسلقه .. يتشاجرون .. ثم يتفقون .. يرفعون واحداً واحداً ليصفر إعجاباً .. يعودون أماكنهم ....
المـــلك: ( يقف منبهراً بجمالها ) .. وعليكي السلام .. والرحمة والمغفرة والعسل والسكر والطحينة
الجليلة : ( تتدلل )
المـــلك: مرحباً بالنجمة المصونة والدرة المكنونة .. تفضلي بالجلوس ( يشير إلى أحد المقاعد ) هنا .. لا .. لا ( يشير إلى آخر ) هنا .. لا .. لا ( يمسك بيدها ويجلسها علي عرشه ) هنا مظبوط
الجليلة : اعلم أيها الملك المفضال .. أن اتصالي بجنابك وتشرفي بساحة بابك جعل لقومي اسماً كبيراً في التاريخ
المـــلك: ( مسحوراً ) لسانك أحلى من العسل المصفي .. أنتِ درة الجغرافيا ( يقترب منها ) أقصد التاريخ ( يقترب أكثر )اطلبي تجدي ( يجلس علي حجرها ) اطلبي ( ينام )
الجليلة : ( تتخلص منه برفق ) حفظك الله وأبقاك ونصرك على من عاداك .. فإن كنت تريد رفع مرتبتي وتعظيم شأني فلا تترك أبي وأعمامي وسادات قومي بعيداً عن فضلك .. لأنهم أصبحوا الآن يتشرفون بكونهم من جملة أتباعك المخلصين ....
المـــلك: ماذا تقصد جميلة الجميلات
الجليلة : إنني أتمنى أن تصدر أوامرك بإسكانهم قصوراً تليق بهم وتكون بجانبي حتى أأتنس بهم
المـــلك: ماشي يا جميل .. يا مجنني..
الجليلة : كما أرجو أن تحضر صناديقي إلى هنا .. لأنها مملوءةٌ بما أحتاج إليه من عطور وزينه ( يحاول أن يحضنها ـ تهرب منه ) حتى أبدو أمامك دائماً كأجمل ما ترى
المـــلك: كل اللي انتي عايزاه .. بس نرقص Slow الأول
يرقصان وسط موسيقى كلاسيكية وإضاءة حالمة
أشخاص القسم الأول يرقصون أيضاً .. يستمر المنظر هكذا ثم يسمع صوت كليب وهو يجري هنا وهناك وهو يصرخ . يتوقفان عن الرقص وتعود الإضاءة قوية بينما يجلس الأشخاص مكانهم
الجليلة :(بدلال) إن سمح مليكي الجميل ( تقبله في جبينه ) اللذيذ
المـــلك: ( متأرجحاً بين دهشته من صوت كليب وبين سكره بالجليلة ) سيسمح مليكك بالطبع
الجليلة : أن .. يأذن لنديمي " قشمر " بالدخول علينا .. فلا يوجد مثله بين البشر في خفة الحركات وظرف النكات .. حتى إن الحجر ليضحك من فعاله..
المـــلك: وإن فعلت؟
الجليلة : سأكون مسرورة جداً ( تقترب أكثر منه ) جداً
المـــلك: ( صارخاً ) أدخلوا قشمر..
يدخل كليب مثل الصاروخ وأول ما يدخل يتعثر ويسقط .. يرتدي ثياب المهرج ويركب العصا وبيده سيفه الخشبي
المـــلك:(يضحك من منظره .. ثم يجلس بصحبة الجليلة على كرسي العرش.. لكنها تجلس على الكرسي المجاور)
كلـيب : ( ينظر في بله ويبحلق في الملك ) أين الفرسان ؟ أين الشجعان ؟ أين بائع الألبان؟
المـــلك: أنت إذن قشمر..
تدخل مجموعات من لاعبي السيرك ويقومون بألعابهم ووسطهم كليب . أشخاص القسم الأول يقلدونهم وهم سعداء. بعد أن يقوموا باستعراضهم ينسحبون ويجلس الأشخاص كما كانوا .
كلـيب : ( ينظر حوله ويتلفت كأنه خائف ثم يجلس علي الأرض ) أريد .. أريد أن أصارحك بسر أيها الملك المشهور ولكن لا تنسي أنني أنا الأشهر
المـــلك: ( مبتسماً ) قل يا قشمر
كلـيب : هل تعلم أن الجليلة هي أعظم مطربة في هذا القرن؟
المـــلك: ( سعيداً ) حقاً يا جليلة..
الجليلة : ( بخجل ) لا تخجلني يا سيدي..
المـــلك: ما أشد سعادتي بك . فأسمعينا إذن..
الجليلة : إن كنت تريد مني أن أغني فأخرج جميع من في المكان وابعث نديمي قشمر ليغلق باب هذا الجناح كي لا يسمعني الخدم والحجاب..
الملك : والله هذا من كمال العقل والأدب ( للجمهور ) أعمل إيه فيها بس .. ها تهبلني خلاص ( لكليب ) اذهب يا قشمر..
يذهب .. تبدأ الجليلة في الغناء .. أغنية تراثية .. الملك نشوان .. وأشخاص القسم الأول يهزون رؤوسهم طرباً ويشربون خمراً وهمياً .. ينتهي الغناء ثم يدخل كليب
المــلك: ( يصفق بيديه طويلاً ) ما أبهاكِ يا حلوتي
الجليلة تتدلل ثم تشير لكليب فيرقص بسيفه الخشبي والملك يضحك جذلاناً
الجليلة:أترقص أمام ملك الملوك بسيفٍ خشبي ، عيبٌ عليك..
المـــلك: أجل عيبٌ عليك .. ماذا تريدينه أن يفعل يا قمرتي
الجليله : أعطه سيفك وهو يلعب به ويبارز الهواء فنزداد سعادة..
المـــلك: لكي ما شئتِ .. أدخل يا ولد قاعة السلاح المجاورة وأحضر سيفاً ( يصرخ فيه ) هيا
يجري كليب مذعوراً فيسقط ـ يضحك الملك عالياً
يدخل كليب وقد خلع ملابس المهرج ولبس درعاً وتقلد سيفاً لامعاً..
المـــلك : ( لا يرتاح إليه ) ماذا فعلت بنفسك يا ولد؟
كليب : ( ثابتاً ) لبست ملابس الحرب..
المـــلك : ( يزداد توجسه ) ولماذا فعلت هذا؟
كلـــيب : .. لأقتلك يا غبي
المـــلك :( ينتفض.. يخاطب الجليلة ) ماذا يقول هذا المأفون؟!
الجليلة : ( تشيح بوجهها عنه .. ثم تقف بجوار كليب )
المـــلك : ( يبتعد عنهما فزعاً ) إذن .. لقد خدعتموني ( بصوت عالِ مذعور ) أيها الحراس .. أيها الخدم
كلــيب والجليلة يضحكان .. الملك يجري في كل الأركان .. يخبط الأبواب وينادي .. لا أحد يرد عليه .. يدخل أحد الفرسان .. يجري إليه الملك ويحتمي وراءه..
المـــلك : أقتلهما .. مزقهما إرباً .. لماذا تأخرتم علي..
الفارس : ( يتركه ويتجه نحو كليب ) قتلنا كل الحراس يا مولاي الأمير وأخذنا الخدم والجواري..
المـــلك : ( يدرك الأمر.. يجلس بجانب الحاجز الزجاجي وينظر للأشخاص .. يقومون ثم يعطونه ظهورهم .. يعود ويجثو أمام كليب ) اجعلني أحد أعوانك .. سأعيد لك أرضك .. أقصد سأكون خادمك المطيع .. سأكون المهرج الذي يسليك..
كلــيب : ( يركله بقدمه )
المـــلك: ( يعود مرة أخري ) .. لا تقتلني أرجوك ( يبكي بصوتٍ عال )
كلـــيب: الآن تتذلل يا لئيم .. كل أسرة منا فيها قتيل من خيرة شبابها ورجالها .. حتى الأسري كنت تقتلهم يا جاحد .. أنت لا تستحق الرحمة .. يجب أن تتطهر الدنيا من أمثالك..
أشخاص القسم الأول يعتدلون ويرفعون أياديهم تأييداً .. يطلق أحدهم صفارة عالية..
يصعد إلى الخشبة الرجل الذي التقينا به في البداية..
الشخص : اقتله بقي يا عم خلصنا..
كليب يسرع إلى الملك ويقطع رقبته .. رقبته تتدحرج إلى جوار الحاجز الزجاجي .. يصرخ أشخاص القسم الأول فزعاً ويهربون .. الجليلة تحاول أن تتسلل بهدوء .. يلمحها الشخص المقتحم .. يجري إليها ويمسك بها..
الشخص : رايحه فين يا ماما ( لكليب ) وانت اقعد علي العرش ياخويا .. نسيت ولاّ إيه ( كليب يسرع بالجلوس ) أنا أعصابي باظت ..( يخاطب الجمهور ) عرفتوني أكيد .. أيوه أنا المخرج .. خلاص بقه .. ما بقاش فيا .. قاعد يحط إيده عليها وسكتنا .. يحضنها وسكتنا .. لكن تبوسه وترقص معاه .. إلا كده .. ما كنتش جوازه دي يا ربي .. إنتي مراتي ( للجليلة ) أوعي تنسي .. كان نفسي تقولي لأ .. ما اعملش الدور ده .. لكن ما قلتيش ( تحاول الهرب منه ـ لا تستطيع ) صغرت دورك وخليتك في الآخر .. حتتين وخلاص .. برضه ما فيش فايده .. ما فيش تمثيل بعد النهارده ( كليب يحاول التسلل ) استنى عندك .. يبقي اللي بسمعه صح .. فيه إيه بينكم يا خونة( يطلق الجليلة التي تجري مذعورة .. يتناول سيف كليب ويعدو وراءه .. كليب يقفز فوق الحاجز الزجاجي .. المخرج لا يتمكن .. يلف من حول الحاجز .. يتمكن من الإمساك به .. يذبحه .. رأسه تتدحرج جوار الحاجز الزجاجي .. لحظة ويملأ صوت سرينة البوليس المكان .. المخرج يفزع ويجري نحو الجمهور.. حالة هرج في الصالة .. بينما يغلق الستار ).

الخط الدرامي العام للنص المسرحي
" إضاءة خافتة وموسيقى"

(1)
يتمحور هذا النص بدءاً من عتبته الأولى " العنوان " حول فكرة التجليات . حيث لا نلتقى بعنوان يَسِم واحداً من النصوص المسرحية وإنما هو علامة منفتحة تعبر عن " حالة" ولا تشير لنص بعينه ... فتسمح "الاضاءة الخافتة والموسيقى" للـ " وحيد" أن يستقبل ويفتح شُبّاك الرؤى، وهو ما يتواشج مع المدخل الرمزي المأخوذ عن الروائي وعالم اللغة والسيمائيات الإيطالي " إمبرتو إيكو" والذي يعرّف باللحظات السحرية التي تعتري المرء وتتيح له حرية الحركة عبر المخيّلة النشطة والمُحَمّلة عبر الواقع و الـ " ميتا واقع " ...
والتجليات هي انطلاقات فكرية غير محدودة ولا مؤطرة سلفاً ، يسمح الوعي فيها للخيال أن يجمع بين ما لا يُظن للوهلة الأولى أنه قابل للجمع ، وكذا أن يفكك أفكاراً مركزية فيكشف بِنياتها وحِراكها الداخلي وهوامشها الحرة، ثم أن يُسمّي اقتراحاتٍ يطمح أن تكون كاشفة أو حتى تصلح لأن تكون مداخل لقلب الأشياء المخفي والمُعَمّى عنه ... من هنا كانت فكرة النص الكبير أو الحاوي أو الجامع لنصوص أو بنيات صغيرة متجاورة ، حتى وإن كانت متضادة في بعض الأحيان، بما يعادل، بشكل ما "الحياة"، التي تجمع بين المتشابه وغير المتناظر في أتون واحد .. هذا التجاور يسمح بفضيلة " الحوار" ، فكان الطموح أن يمثل كل نص في حد ذاته حواراً مع سؤال وجودي أو تاريخي أو اجتماعي ......الخ ثم يتعمق هذا الحوار الأوّلي ويصير خلاقاً ، بكون النص الثاني، المجاور ، الذي يطرح أسئلته هو الآخر ، علامة استفهام ، أو علامة تعجب بإزاء آخَرِهِ ، يعني "وجهة نظر ما " في أطروحات ذلك الديالكتيك ، الذي هو ذاته طامحٌ لهذا ..
وهكذا .. يتمنى النص الحاوي أن ينجح في خلق حركة موّارة داخله ، تنتمي لمنطلق فكري يرى في الفن مجالاً لطرح الأسئلة أكثر منه اقتراحاً للحلول .. واختباراً للإمكانية أكثر منه يقيناً .. يرى في الإمكانات الدرامية التي تتيحها الحياة المُشكّلة على خشبة المسرح قماشة واسعة تسمح برصد أهداب الحياة الحقيقية ودواخلها وإعادة تشكيلها ، في الآن ذاته ...

(2)
ينقسم النص إلى ثلاثة تجليات: الأول موسوم بـ " تجليات الأوتار في العود السماوي الكبير" ويحوي سبعة نصوص قصيرة تعادل سبعة أوتار في هذا الخضم الوجودي المترامي .. والإشارة للعود هي الإشارة للتناغم والاتساق رغم التنافر البادي والظاهر ، الذي يلمس حركية الحياة حولنا ويصورها نغماً .. هذه النصوص تتكون من نصوص مونودراما ونصوص مكتوبة على هيئة سيناريو ومسرح حركة .. الخ .. والمبتغى أن يكون كل نص مكتملاً ، له بداية وعقدة ونهاية – بالمفهوم الكلاسيكي رغم التجريبية / الأساس والإطار- وإن كان في حد ذاته لقطة أو إيماءة تكمل سابقتها – أو تنقضها – لكنها توحي وتضرب بفرشاة أكثر منها تستخدم إزميلاً لتحفر ..
ويغلب على هذا القسم الأسئلة الوجودية واللعب مع فكرة القدر .. وهي الأسئلة الخالدة في كل زمان ومكان ، وإن كانت الصياغات الاجتماعية -الخالدة كذلك – كالزواج والحب والجنس والفقر والقهر ... الخ متناثرة هي الأخرى.
ثم تأتي التجليات الثانية وهي تجليات " الرؤى والأحوال " وتحوي نصاً متوسط الطول والزمن يحاول أن يسأل في عمق الفعل المسرحي وإعادة ترتيب أولوياته كمعادل لغاية ترتيب أولويات الوجود والحياة ، ويستخدم القصيدة كسؤال دائم وملح في النظر إلى ما تحت السطح وإلى الحديث بلغة مشتركة بين البشر ..
آخر التجليات والنص الأطول هي " تجليات الزمان والمكان " كممثل للمَعين التراثي الذي لا ينضب ، فتمت الإضاءة على" الجليلة بنت مرة " وحكايتها مع الأمير "كليب بن ربيعة" والملك "حسان اليماني " .. ومع الصياغة التي لا تغفل فكرة الترميز والإحالة لواقعنا السياسي والاجتماعي – الوضع مع الأعداء ومن هم الأعداء أو وضعية المرأة والنظرة إليها .. الخ – تأتي الكتابة أقرب " للكباريه السياسي" بنكهة عبثية وجودية ..

(3)
الرؤية السابقة تتمنى على مخرج النص ، بما له من يد طولى لابد تنبع من التَزَيِي بالحرية وارتداء الاتساع في مفهوم الإبداع والخلق وارتباطه العضوي بكافة المؤثرات والتقنيات، أن يُعمل خياله دون التقيد بأي حَرفية لأي منهج بعينه مثل مسرح جروتوفسكي الفقير وآلياته أو أطروحات ستانسلافسكي أو بيتر بروك أو داريوفو أو حتى البريختية وكسر الإيهام .....الخ بل له أن يجمع ويختار وفق رؤية ومنهج .. وأن تكون الموتيفات الديكورية والتشكيلات الحركية والميزانسين والموسيقى .. الخ أدوات طيعة وغير جامدة .. وبهذا يمكن لها وفق ميكانيزم المخرج المبدع أن تسهم في هذه الحركة الموّارة / المرجوة من هذا النص وفلسفته .. يمكن له أن يومئ فقط .. أو يجرد الرموز تماماً .. أو بالعكس يكون خطابياً في لحظات ، المهم أن يملك وجهة نظر تتجاوز شجاعة الطرح ، إن كانت هناك شجاعة ، وتتعارض، بالضبط كما تتساوق، مع أسئلة النص ..
هذا النص الذي لا يفرض، باتساعه المفترض وفي مرجعياته الفكرية أي تكوين ديكوري أو إخراجي خاص ، حتى وإن أشار واقترح ، فالاشارات موجودة هنا لتُنْقض .. والحرية هي مظلة وهدف ومبتغى وغاية النصوص الصغيرة المكونة للنص الكبير ..
إن المدى الزمني للنصوص لم يغفل هو الآخر أنت يمتح من فكرة الحرية ، التي هي ليست على خصام أبداً مع مفهوم " الإحكام" ، فكانت هناك ، والأمر هكذا ، نصوص قصيرة جداً ونصوص قصيرة ونصوص متوسطة ونص طويل .. وللمخرج الحرية في أن تخرج بعضها على هيئة " سهرة مسرحية " تعبر عن حالات متعددة لذات أو لمنطلق واحد فيتحول كل نص قصير إلى " اسكتش " أو مشهد منفصل متصل مع سابقه وتاليه وإن كان مكتملاً في حد ذاته .. ويمكن أن يتدخل الأدابتيشن أو الإعداد لصنع نص يأخذ من كل نص داخلي .. اللغة أو الفكرة أو الأداء .. وهكذا .. فالمقصود أن الكتابة تأخذ من التجريب الانفتاح والاتساع والقابلية للتأويل المتواصل ولابد أن يكون الإخراج ، الذي هو صنو الكتابة ، كذلك بالضبط ..

(4)
لقد حاولت في هذا النص المركّب أن أستخدم كل ما هو متاح في اللعبة المسرحية من امكانيات فكرية وأدائية وديكورية متخذاً حرية التجريب واتساع مداه رداءً .. ذلك التجريب الذي لا يبتعد عن مجتمعه وتاريخه وإنما يدخل في كل نسيج ليسأل ويقترح ويحاور .. وإن كنت قد قاربت الأسئلة الخالدة للإنسان متجولاً بحرية في المكان والزمان والتاريخ فإنني مع هذا حاولت ألا أتناسى سؤال " الآن" ..
وعلى الله قصد السبيل ..
مؤمن سمير


المؤلف :
• مواليد : 15/11/1975
• عضو اتحاد كُتَّاب مصر .
• صـدر لـهُ:
1- بور تريه أخير ، لكونشرتو العتمة .
شعر ، دار سوبرمان 1998.
2- هواءٌ جاف يجرحُ الملامح .
شعر ، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2000 .
3- غايةُ النشوة .
شعر، طبعة أولى : هيئة قصور الثقافة 2002.
طبعة ثانية : مكتبة الأسرة 2003.
4- بهجةُ الاحتضار .
شعر ، هيئة الكتاب 2003 .
5- السِريُّون القدماء .
شعر، هيئة الكتاب 2003.
6- ممرُ عميانِ الحروب .
شعر ، هيئة قصور الثقافة 2005.
7- تفكيكُ السعادة .
شعر ، دار هفن 2009.
8- تأطيرُ الهذيان .
شعر ، دار التلاقي للكتاب 2009.
9- بقعُ الخلاص .
مونودراما ، هيئة قصور الثقافة ،
بيت ثقافة الفشن 2010.
10- إضاءة خافتة وموسيقى .
مجموعة مسرحية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب . 2009 .
11- يُطِلُّ على الحواس .
شعر ، كتاب اليوم ، دار أخبار اليوم 2010.
12- الهاتف .
مسرحية للأطفال ،الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010.
13- أوراد النوستالجيا .
مقالات نقدية ، إقليم القاهرة الكبرى الثقافي 2011.
* للتواصل :
هاتف محمــول : 01003815130/ 01116321147
بريد إلكتروني : [email protected]



#مؤمن_سمير (هاشتاغ)       Moemen_Samir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب - أَوْرَادُ النوستالجيا وقراءات أخرى -
- مرفت يس تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- زينب الغازي تكتب عن ديوان - تأطيرالهذيان - لمؤمن سمير
- - المخبوءُ هُنَاكْ
- - نقوشُ السَطْوِ - شعر/ مؤمن سمير
- - رمل ..- شعر/ مؤمن سمير
- قصيدة وقراءة
- - حكايات شعبية من محافظة بني سويف - جمع / مؤمن سمير
- هل أفاد الفيسبوك والمدونات وما شاكلهم ..الابداع الأدبي والفن ...
- - أصواتٌ تحت الأظافر - شعر : مؤمن سمير
- - تحديات النص الراهن -


المزيد.....




- وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص ...
- شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح ...
- فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
- قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري ...
- افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب ...
- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مؤمن سمير - المجموعة المسرحية ( إضاءة خافتة وموسيقى - تجليات الوحيد - ) تأليف/ مؤمن سمير