أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى الصباغ - مباهج الذكورة وتكريس سلطة الرجل















المزيد.....

مباهج الذكورة وتكريس سلطة الرجل


عيسى الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 3868 - 2012 / 10 / 2 - 23:00
المحور: الادب والفن
    


حينما أصدر القاص العراقي محمد سعدون السباهي كتابه (طيور القيامة ) ،حاول لفت الأنظار الى كلمة (كتاب) ، إذ أكّد ذلك بوضعها في الزاوية العليا من غلاف مطبوعه (طيور القيامة) ، ثم عاد ووضع الكلمة نفسها في الغلاف الداخلي ، ولكن هذه المرة بين شارحتين ،وتحت العنوان الرئيس لمطبوعه ، وبذلك يكون الكاتب قد حرّر نصوصه من جنسها الأدبي ، وأطلق لها العنان للتحليق في سماوات الكتابة المنفتحة دون أن ترتبط بقواعد إجناسية معينة .
في الحقيقة أن هذا التحرّر الفني في معالجة النصوص ، إنما هو صدى لمستوى آخر مرتبط بالنفس ــ نفس الكاتب ــ ذلك أن مضامين نصوصه كشفت عن نزوع نفسي حارق ومعذّب الى الانعتاق من قيود المجتمع وما يفرض من أفكار وتصورات واعراف وتقاليد ، فالقيامة بالنسبة اليه هي الانقلاب على المفاهيم السائدة ،وطيورها معنية بحرية التحليق والانفلات أكثر من أي شيء آخر .
من المؤكّد أن الكاتب السباهي نجح في أن يحرّر نصوصه من التجنيس ، غير أن ذلك يوقع عليه مسؤولية ما ورد فيها من أفكار متبناة بعيدا عن أطرها الفنية ، فالنص المفتوح – على ما يبدو- مسؤولية فكرية أولا وفنية آخرا ، في حين أن الجنس الأدبي مسؤولية فنية أولا وأخيرا ، ذلك أن العملية الإجناسية توحي بهذا ، وتشير اليه ، ومن هذا المنطلق ، نبدأ نقاشنا مع الكاتب .
ضمّ الكتاب خمسة عشر نصا ، وإضاءة قدّم فيها الكاتب امتنانه العميق لمن كسر الأيقونة المقدّسة المتمثّلة بتجنيس الإبداع . أما نصوصه فقد ضمت ذكريات وسيرا ذاتية ، وشهادات ومشاهد وانطباعات ،ومواقف مختلفة عالج فيها موضوعات كبيرة وأخرى عابرة ، كالحب والحرب والسياسة والسجن والنساء وتسريحاتهنّ ، وما الى ذلك من موضوعات نابعة من صميم الحياة ونسغها الحار الدافق . على أنه يلاحظ أن للمرأة وقعا خاصا في نفس الكاتب ، فقد خصّها بأكثر من نص ، بل أنها تكاد تهيمن على محتويات نصوصه في هذا الكتاب ، فهي على حدّ قوله ( قيامة الساعة بالنسبة لي ) وهذه دلالة أخرى لثريا نصه فالطيور فيما تعنيه : النساء ايضا . فهو إذن شغوف بتحرّرهنّ ، يظهر ذلك – بادئ ذي بدء – من الفوتوتغراف الذي اختاره لغلاف كتابه ، فهو يمثّل رجلا يطرق سلسلة من الحديد تكبّل ساق امرأة محاولا تحريرها . ويمكننا أن نسأل هنا : الى أي مدى بدا فيه الكاتب أمينا لفكرته في تحرّر المرأة ،وليس في تحريرها ؟ إن صورة الغلاف واضحة فيما تقول ، فالرجل هو الذي يقوم بعملية التحرير ، مما يعني أنها عاجزة عن إنجاز هذه المهمة بنفسها ، والكاتب على ما يبدو يتبنى هذا التصور لأغر اض محسوبة ، وستكشف لاحقا نصوصه (المفتوحة ) على سعتها ذلك ودونما مواربة .
في (طيور القيامة) نصوص مهمة وذات قيمة فنية عالية تخص المرأة ، ولكنها تكرّس أيديولوجيا السلطة الذكورية ،وتستحضر الرجل بوصفه قامعا ومتسلّطا – ولكن – أما بثياب العاشق المفعم بأسرار الحنين والحرمان ، أو بثياب المعشوق الغارق في الليمون ، ثنائية تلقي غلالة بنفسجية ناعمة على سلطة الفحولة ،وفي كلتا الحالتين (عاشقا أو معشوقا ) ، فإن المرأة تمثّل بالنسبة اليه قيمة استعمالية ليس إلا ، بمعنى آخر استهلاك قيم اللذة والجمال ، وإفراغ المكبوت ، فهو يتألم ويحلم ( أحلاما مفزعة من أجل الجميلات اللائي يتقلبْن الليل دون هوادة وسط الأسرّة الباردة المفروشة بالقنافذ خالقات لانفسهن عذابات لا حصر لها . طائر بين المرايا ص49 ) . المرأة في تصوّره مرتبطة بالسرير وهو منبع عذاباتها ووحدتها ، وبرودته هو ما يستحوذ على مشاعرها ، هذا ما يؤرق الكاتب ،ويشغل باله ،ويحزن من أجله . وفي موضع آخر يتساءل (مزهوّا مثل ديك العراك ، مع مَن مِن نسائي التقي هذا الصباح ؟ وعند الظهيرة وساعة حلول المساء ؟ ذكريات بطراوة الماء ص34 ) . وتعجبه كلمة (نسائي) منسوبةً الى ياء المتكلم ،وفيها رائحة التملك ،كما يقول النحويون ، فيكرّرها في مواضع آخرى نحو : (إن بعض النساء وفي مقدمتهن نسائي لا يمكن وصفهنّ بالكلام . ذكريات بطراوة الماء ص29 ) .
في كلمة (نسائي ) هذه قوة إشارية ، وزخم تعبيري عالٍ ، فالسباهي يستعملها على هذا النحو ليستنطق ذكورية التاريخ ، ويوقظ قوافل الجواري والسراري والمملوكات مؤكّدا حسية العلاقة التي تربطه بالمرأة : ( سبعون امرأة من قيمر وعسل أو حليب الكاكاو ... ما أن تلامسهنّ حتى تتحول الواحدة منهن بين يديك الى مخلوقات جديدة أكثر جمالا وأنوثة وغواية . ذكريات بطراوة الماء ص27) . وتبلغ هذه الحسية ذروتها حينما تبدو له المرأة ( أشبه بمائدة مكتظة بالأطباق الشهية والكؤوس المترعة وفاكهة الصيف وفاكهة الشتاء . طائر بين المريا ص47) .
ليس في ذهن الكاتب أية صورة عن المرأة المناضلة أو الشهيدة أو العاملة ، فمثل هذه الممارسات الإنسانية العالية : النضال ، الشهادة ، العمل ، يقوم بها الرجل وهي من حقه فحسب ،هذا ما تطرحه فلسفة المجتمعات الذكورية ، ويشير اليها وعيها السائد ، والكاتب مندرج في هذا الوعي ، مؤمن بمعطياته . إن دعاوى تحرير المرأة والمناداة بعتقها من أصفاد العرف الاجتماعي إنما يظهر بطلانه حينما يعاد تكبيلها على الأسرة المفروشة بملاءات الاستهلاك الغريزي ، لتفقد هويتها الإنسانية .
يستقي الكاتب نماذجه الذكورية من القصص والروايات التاريخية ذات الطابع التجاري الذي يخاطب الغريزة ، إذ يلفق ناشروها الأحداث ، ويغيّرون وقائعها لإعلان شأن الرجل ، وتلميع صور تسلّطه على المرأة ، بكونها موضوعا للاستمتاع ليس غير . يقول : ( فأية عدالة في موت كازانوفا ساحر الإيطاليات الأسطوري ؟ راسبوتين ذلك القوزاقي الجريء الذي كم تحتوي قصور القياصرة من نساء ولدن فاجرات بالوراثة ؟ والسلطان العثماني السكير الرائع عبد الحميد الذي كان يوقف كلّ مساء العشرات من محضياته وهنّ شبه عرايا في صف طويل في باحة قصره الباذخ المقام على ضفاف البسفور ، ويبدأ يمرّر منيلا تحت أبط كل واحدة منهن ثم يشمّه بنهم السلاطين المجبولين على شهية مفتوحة للنساء والخمور والدم وعلى ضوء ذلك يختار عشرا منهنّ لليلته السلطانية ، أو هارون الرشيد الثمل على الدوام بموسيقى زرياب وأشعار أبي نؤاس نائما وسط غابة من أرداف جواريه . ذكريات بطراوة الماء ص33) هذا النص يكشف مدى اهتمام الكاتب بالمشاهد التي تداعب الغرائز ،ومدى إيلائها الأولوية على حساء الحقائق التاريخية والبايولوجية واللغوية أيضا ، وإلا كيف نفهم أن تولد المرأة فاجرة بالوراثة ؟ هل هناك مورّثات في جسم المرأة متخصصة بالفجور ؟ ولماذا في جسم المرأة فقط وليس في جسم الرجل أيضا؟ وهل يمكن أن نصف سلطانا بالروعة وهو مجبول على شهية مفتوحة للدم ؟ ومن له القدرة من الرجال على أن يطوف على عشر نساء في ليلة واحدة ؟ أليس في الأمر مبالغة وتعمّد في إهمال حقيقة الواقعة التاريخية ؟ وورد في النص (زرياب ) مغنيا للرشيد ، في حين أنه اشتهر في الأندلس ، وإن ابراهيم الموصلي هو الذي كان مغني للرشيد وشاعره أيضا. إن الغاية من مناقشة أفكار الكاتب في ضوء تمثلاتها النصية هي البرهنة على بطلان الدعوة الى تحرير المرأة لدى الكثيرين من معاصرينا المثقفين ، وإن زعمهم هذا إنما قائم على تمرير مآرب لا علاقة لها بتلك الدعوات .



#عيسى_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للديمقراطية صكوك غفران
- شكوى خروف في الهوى لخروف
- بغداد صارت جنّة
- تمرّد الروح على قفصها الطيني .. مواجهات كازانتزاكي
- من أدبيات الفيسبوك .. خطاب الأسماء المستعارة
- مسرح الملائكة..أقوى معلم للاخلاق وخير دافع للسلوك الطيب


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عيسى الصباغ - مباهج الذكورة وتكريس سلطة الرجل