|
إشكالية الدستور والشريعة
عبد المجيد إسماعيل الشهاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3868 - 2012 / 10 / 2 - 15:41
المحور:
كتابات ساخرة
كأني أمام فريقين متعاركين واحد يريد المركبة ذات المحرك الحديثة والآخر متشبث بالعربة ذات الحمار القديمة؛ وكأني أمام فريق ثالث، وسطي توفيقي لم ولا، وعلى ما يبدو لن، يعدم الذهنية الطفيلية الكسولة الانتهازية التلفيقية، يتفتق غباؤه كالعادة عن حل أخرق يرضي جميع الأطراف: "مركبة ذات حمار"- نفس هيكل المركبة ذات المحرك في الظاهر والشكل لكن بداخلها يوضع الحمار مكان المحرك. هكذا إذا كنت ممن لا يستطيعون الاستغناء عن رفاهية وجمال وأريحية صالونات المركبات ذات المحرك لا تجزع ولا تحزن، لن تحرم منها، استمتع وانعم بها كيفما تشاء. كل ما هناك أنك طوال الطريق تضحك وتكذب على نفسك ومن حولك، توهم نفسك وتوهمهم أنك تقود مركبة ذات محرك حقيقية، تميل بعجلة القيادة ذات اليمين وذات اليسار، بينما في الحقيقة يداك ممسكتان بلجام، واللجام مربوط في حمار! الأسوأ لا يزال، أن حتى الحمار المحدود القدرة والإمكانيات أصبح مكبلاً ومقيداً بالصفيح والحديد والبلاستيك المقوى من كل جانب، لا يستطيع أن يرى أمامه أو حوله، ولا يستطيع أن يفرد ساقيه حتى ينطلق برشاقة وحرية كالريح كما اعتاد في الماضي بعربته الحماري، المتوافقة معه والمعتاد عليها. هكذا، بغباء مثل هذه الحلول الوسطية التوفيقية التلفيقية الانتهازية، حرم الجميع أنفسهم من الاستنفاع والاستمتاع ليس بمميزات المركبة ذات المحرك فقط إنما بمميزات العربة ذات الحمار أيضاً، لينتهي بالجميع المآل إلى مسخ مشوه ليس به من أصالة القديم شيء ولا من حداثة الجديد شيء. هذا، بإيجاز، هو حال ما تم إنجازه حتى الآن من مواد مشروع الدستور المصري الجديد.
مشروع دستور مسخ مشوه، عربة حماري صاحبها شموس يحاول بكل الوسائل والحجج أن يقنعنا بكونها مركبة ذات محرك من أعظم وأحدث الماركات، بينما نهيق الحمار بداخلها يفضحه ويكاد يصم مسامعنا بصوته الزاعق النشاز الكريه بين لحظة وأخرى. هذا الفريق الحماري لا يتعب نفسه أبداً ويحاول أن يمعن النظر والتفكير في مزايا وعيوب كل من المركبة والعربة، كل واحدة في حد ذاتها ثم بالمقارنة مع الأخرى. هل الأولى تغني عن الأخيرة؟ هل من سبيل لتعايش الاثنين معاً؟ كيف يكون الحل في حال التعارض بين الاثنين، لأي منهما تكون السيادة؟
منذ آلاف السنين العربة الحماري تجول وترمح بطول وعرض شوارع مصر المحروسة وطرقاتها وحواريها وأزقتها، حضرها وريفها، في بطون مدنها وقراها وفيما بينها. كانت فوائدها عظيمة، ومشاقها وأخطارها أيضاً. وبفضل التطور والتقدم، توصلت بعض مناطق العالم إلى اختراع آلة عجيبة تستطيع القيام بنفس المهام التي كانت تؤديها العربة الحماري، لكن بمشاق وأخطار أقل، وكفاءة وسرعة أعلى بكثير. وبالفعل أخذ هؤلاء الأغراب البعداء يضعون اختراعهم العجيب موضع التطبيق، مهدوا له شبكة عملاقة من الطرق السريعة والدائرية والداخلية، ووضعوا لها مجموعة صارمة من القواعد المرورية المنظمة لحركة السير على تلك الطرق والعقوبات الرادعة لكل ما يخالفها. من ذلك الزمان، تحول العالم إلى آخر مختلف تماماً، ليحقق من الرفاهية والتقدم في بضع سنين ما عجز عنه في آلاف السنين الماضية.
المشكلة أن أكثر العرب والمسلمين يطمعون أشد الطمع في استغلال المركبة ذات المحرك بالنظر إلى سرعتها وكفاءتها ورفاهيتها بالمقارنة بالعربة ذات الحمار، لكنهم في الوقت نفسه لا يجهدون أنفسهم بما يكفي لمد وتعبيد شبكة الطرق الحديثة اللازمة لمثل هذه المركبات الحديثة، وبحجة الأعلوية الروحية والأخلاقية يأبون الانصياع للقواعد المرورية المنظمة لحركة السير على تلك الطرق، وفوق ذلك كله يعز عليهم أشد العزة أن تنقطع أواصر العشرة والمعيشة المشتركة والود المتبادل بينهم وبين الحمار. كأن العرب والمسلمين، في فكرهم وأسلوب حياتهم المتناقض حتى مع نفسه، مسخ برأسين، ينظر ويفكر إلى الخلف والأمام معاً، ويبقى عاجزاً جامداً مسمراً في مكانه لا يقدر على التحرك في أي من الاتجاهين، متخلفاً عن الركب الحضاري العالمي من حوله.
كل هذا في حين أن شبكة الطرق الحديثة، مقارنة بتلك المعوجة والمتربة والموحلة والمزروعة باللصوص وقطاع الطرق في كل مكان طوال العصور القديمة، هي في النهاية خير ومصلحة وراحة لكل الحمير بعرباتهم، بشرط أن يحترموا قواعد وقوانين السير عليها. اسأل أي حمار: أيهما الأكثر مشقة عليك، أن تجر عربتك في التراب والطين والوحل، أم على طريق ممهد ومرصوف وآمن، مجرد أن تلتزم بالحارة اليمين؟ رغم شبكة الطرق المرصوفة والمركبات الحديثة، لا تزال الطرق الترابية الصغيرة والفرعية موجودة في كل مدينة وفي كل قرية، والحمير وعرباتها في كل مكان. بل إن سعر الحمار الآن أغلى من سعره زمان. لكن في جميع الأحوال، تبقى، ولابد أن تبقى، وجهة وسياسة الدولة إلى تعبيد ومد ورصف وتأمين المزيد من الطرق الحديثة التي تفيد الجميع، لا أن تقطع وتخرب ما هو قائم منها بحجة أن سخونة الإسفلت في عز الصيف تلهب أقدام الحمار من تحت "المركبة ذات الحمار"!
#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعدد الزوجات جريمة
-
حرية الاعتقاد مطلقة في مشروع الدستور المصري!
-
العاهرة والجنرال على ميزان القيمة
-
أسطورة العرب
-
من يكون المتطرف؟
-
مربع سياسة ومربع دين، أيهما فوق الآخر؟
-
نزاع قديم على السيادة بين الآلهة والعامة في مصر
-
في معرفة الله...والنص
-
أم عزباء أم امرأة عانس؟
-
في الزواج وممارسة الجنس
-
حقيقة الصراع السلمي حتى الآن على الوطن مصر
-
الدين والديمقراطية والاستبداد
-
شهوة الجسد
-
حرية الجسد
-
حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
-
عدل ظالم...ومساواة حرام
-
مساواة في الدين؟
-
بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب
-
مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
-
يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
المزيد.....
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|