|
ميزوبوتاميا 7،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية-
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3868 - 2012 / 10 / 2 - 11:31
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل الثالث عشر القانون- القضاء والعدل (اوروكاجينا، اور نمو، لبت عشتار، قانون اشنونا، شريعة حمورابي) يعتبر القانون وسيلة حضارية لتنظيم المجتمع السياسي بما يقود إلى تثبيت الحقوق والواجبات في مجال العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية(1). وفي مقدمة هذه العلاقات تلك التي تقوم على أساس تنظيم العلاقات بين الناس وبين نخبة الحكم الذي يشكل عقداً اجتماعياً بين الحاكمين والمحكومين، ويجسد المصدر والمرجع لكافة القوانين والمراسيم والأنظمة التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وفي بيئة حضارية غابت عنها مفهوم توزيع السلطات وارتكنت بدءً إلى الملوكية وفق العقيدة الدينية- حق التفويض الإِلهي للملك- عندئذ يصبح الحاكم (الملك) هو الدولة والدستور، باعتباره ممثل الإِله ومصدر العدل. وتبقى القوانين الصادرة باسمه تُعبِّر، بعامة، تُعَبّر عن مشيئه في تنظيم العلاقات بين الناس ومع سلطة الحكم. وهذا ما جسَّدته قوانين الحضارات القديمة، تتقدمها قوانين حضارة وادي الرافدين. تتصف قوانين حضارة وادي الرافدين بِأنها أقدم القوانين المكتشفة في التاريخ، وتجسّد- إلى جانب اختراعها المبدع للكتابة- قمة الأصالة الحضارية الأولى التي منحت البشرية أساس الحضارة الحديثة: الكتابة- العلم، والقانون- النظام.. فاستحقت حضارة وادى الرافدين صفة المعلم الأول للحضارة البشرية المعاصرة. كما أن طبيعة القوانين المكتشفة من حيث تنظيمها وشموليتها بدءاً بالشؤون الزراعية- أساس اقتصاد حضارة وادي الرافدين- ولغاية الأحوال الشخصية- محور النظام الاجتماعي، تدلل على وجود مجتمع راق متمسك بالقواعد القانونية، دليل ذلك أن 90% من النصوص المسمارية المكتشفة تُعالج موضوعات المعاملات القانونية (العقود). ففي قانون حمورابي تأكيد على الزامية تسجيل الاتفاق بالأسلوب القانوني، بما في ذلك عقد الزواج. يُضاف إلى ذلك أن هذه القوانين اعتمدت عدداً من المبادئ القانونية المتواجدة في القوانين المعاصرة حالياً، مثل (مبدأ القوة القاهرة) و (مبدأ عدم جواز التعسف في استخدام الحق الفردي)(2). وهناك مثال تاريخي بارز يؤكد البحث عن القصد الجرمي في هذه الحضارة منذ عهود ممعنة في القِدَمْ. يذكر كريمر جريمة حدد تاريخها بحدود 1850 ق.م في بلاد سومر، تضمنت قيام ثلاثة أشخاص بقتل كاهن كبير. أبلغ هؤلاء زوجة الضحية بقتل زوجها. لكن الزوجة كتمت السر ولم تخبر السلطات بذلك. بعد رفع أمر الجريمة للملك في عاصمته (ايسن) وتحويلها إلى جمعية المواطنين الذين شكلوا محكمة في (نيبور)- نفر. تلخصت المطالبة بإدانة المتهمين وإنزال عقوبة الإعدام بحق الرجال الثلاثة والزوجة، بعد اعتبار الزوجة شريكة في الجرم لكتمانها الخبر. لكن أثنين من أعضاء الهيئة اعترضا طلب الحكم على المرأة. إنحاز أعضاء المحكمة إلى الرأي المعارض مبررين ذلك أنه: كانت للمرأة أسبابها للبقاء صامتة. ويبدو أن زوجها قصَّر في واجباته تجاهها و/ أو خافت من إخبار السلطات. عوقب بالموت القتلة الثلاثة مقابل تبرئة الزوجة(3). اتبعت قوانين حضارة وادي الرافدين تقاليد كتابية متشابهة في المقدمة والخاتمة. تضمنت المقدمة صدور القانون عن الملك مع تمجيده وبيان خصاله الحميدة وإختياره من قبل الآلهة وتفويضه أمر الناس ليحكم بينهم بالعدل. ولا تهمل المقدمة الإشارة للأوضاع المتردية وسوء الأدارة والفساد، خاصة في الفترة السابقة (العهد المباد) والتي دعت الملك إصدار قانونه، بُغية القضاء على الظلم الذي لحق بالناس. وهي قيم وتقاليد ليست بعيدة عن أفكارنا وممارساتنا التي تبرز عند حدوث الانقلابات بخاصة. بينما تضمنت الخاتمة تعظيم إنجازات الملك وتشديد الحرص على دقة تنفيذ القانون وصب لعنات الآلهة على كل من تسول له نفسه تحريفه. غلبت على القوانين السومرية، عدا الجرائم الكبرى، تطبيق (مبدأ الإصلاح- التعويض) في معاقبة المذنبين بدلاً من (مبدأ الإنتقام- القصاص) المستند إلى قاعدة (العين بالعين والسن بالسن..) في شريعة حمورابي وما تتضمنها من أساليب التعذيب وبتر أجزاء من الجسم(4). وهو المبدأ الذي نقلته الشريعة العبرانية ثم الشريعة الإسلامية والقائمة في بعض البلدان العربية- الإسلامية حتى الوقت الحاضر. كانت مهمة القضاة والمحاكم من اختصاص الكهنة- المعبد عادة في حضارة وادي الرافدين، لكنها نُقلت للمحاكم المدنية تحت إشراف الملك وسلطته في عهد حمورابي. وفي بعض الحقب شارك المواطنون الأحرار مع القضاة بتشكيل هيئة تمثل نوعاً بدائياً من هيئة المحلفين، ولم يكن هناك إدعاء عام أو محامين. ولمعرفة الحقيقة في الدعاوى المقدمة وفي غياب أدلة وثائقية، على الخصوم والشهود أداء القسم بالآلهة، فإِذا لم تظهر دلالات تفيد في إصدار الحكم لجأ القضاة للتعذيب و/ أو الخضوع لحكم إِله النهر، خاصة في الجرائم الكبرى، حيث يطلب القاضي من المتهم رمي نفسه في النهر، فإذا نجا، استحق من اتهمه الموت(5). شهدت حضارة وادي الرافدين، بدءً بالعهد السومري، صدور قوانين عديدة توجت بشريعة حمورابي. كما وسبقت قوانين حضارة وادي الرافدين أقدم جهد قانوني ومحاولة إصلاحية في التاريخ البشري يعود إلى اوروكاجينا. عُرف اوروكاجينا/ اورونيمجينا (2400 ق.م) كونه آخر حكام لكش (تلو- منطقة الفرات)، اشتهر بإصلاحاته لصالح عامة الناس، فاستحق أن يكون الحاكم المصلح الأول في تاريخ البشرية. جاء للحكم إِثر ثورة إندلعت في المدينة بسبب زيادة الضرائب والارتباك الاقتصادي والفساد. بادر بإصدار إصلاحاته الاقتصادية والاجتماعية وترك نصَّاً مفصلاً بِشأن معالجته للأوضاع المتردية. غير أن فترة حكمه القصيرة (ف3) لم تتح لإِصلاحاته تلك فرصة النضوج (6). وتكاد إصلاحات اوروكاجينا ترتقي لمستوى القانون لولا خلوها من المقدمة والخاتمة وحصر موضوعاتها في معالجة الوضع الضريبي وشؤونه تقريباً. ومع ذلك يضعها معظم الباحثين في تاريخ القانون مع المناهل الأُولى للقانون والتشريع في وادي الرافدين. وبذلك فهي تُعَدْ من أقدم التشريعات في تاريخ البشرية(7). لم يكن يسود وادي الرافدين أي نظام معين باستثناء "القانون العرفي" الشائع والمتوارث من عهد لآِخر. ولكن أصبحت مهمة إقامة العدل (الميشاروم) واحداً من واجبات حكام وادي الرافدين، على الأقل، منذ عهد اوروكاجينا. وكان هذا هو المقصود بالعبارة الواردة في قانون حمورابي والقائلة أنه "أرسى دعائم العدل في البلاد(8)." كما أكدت إصلاحات اوروكاجينا على فكرة "الحرية في حدود القانون"، وأن الوظيفية مهما علتْ لا تعفي صاحبها من المسؤلية. من هنا أعلنها حرباً ضد الموظفين وجامعي الضرائب ممن خرقوا التقاليد وتجاوزوا على حقوق وممتلكات الناس(9). حقق اوروكاجينا بإِصلاحاته تأييد وإسناد عامة الناس بضمنهم فئة المحاربين ممن رفع عنهم إضطهاد الكهنة وجباة الضرائب، إذ كان مفتشو المحاكم يتدخلون في كل الأمور ويفرضون الضرائب الباهظة على الزواج والطلاق وحتى دفن الموتى. وتُشترى البيوت بِأثمان بخسة من قبل الموظفين والأغنياء. فعمًّ الفساد وقاسى الفقراء من الأوضاع المؤلمة، وما هو أدهى أن (الانسي)- الحاكم- إجتنى أراضٍ شاسعة لزراعة "البصل والخيار" متجاوزاً على أفضل حقول الآلهة، في حين تُحرث مقاطعاته بواسطة حمير وثيران تعود ملكيتها للمعابد. يستمر اوروكاجينا وصف حالة البؤس التي آلت إليها فئات العمال والصناع بحيث "أنهم صاروا يستجدون الطعام ويأكلون الفضلات من أبواب المدينة، في حين كانت مخازن الحكام وأهرائهم وبيوتهم وقصورهم وأملاك حاشيتهم تفيض بالخيرات. وأينما ولّى المرء وجهه من حدود ننجرسو إلى تخوم البحر وجد جباة الضرائب." ثم يعدد "أعمال السخرة التي كانت تفرض على الفقراء والضعفاء وحتى العميان منهم من جانب وكلاء الحكام الذين بلغت بهم القسوة أنهم كانوا لا يجهزونهم بما يحتاجون من قوت...(10). وكل هذه المساوئ كانت تُرتكب في غابر الأيام، ولكن حين أعطى (ننجرسو) ملوكية لكش إلى (اوروكاجينا) مصطفياً إِياه من بين الجموع الغفيرة- أمره بتنفيذ الإرادة الإِلهية فصدع بالأمر، وعزل الموكلين الملاحين ومنعهم من الإستيلاء على (قوارب موكليهم)، وحرَّم على رئيس الرعاة الإستحواذ على (قطعان الماشية)... وجعل سلطان ننجرسو يسمو على سلطة الحاكم(11)." وهكذا حق لـ (اوروكاجينا) أن يفتخر بِأنه حرر مواطنيه من كل أنواع الظلم وأعاد لهم العدل والحرية. وذكر أنه بفضل الإجراءات التي طبقها لصالح اليتيم والأرملة، فلم يرتكب الأقوياء أي خطأ. وذكر اوروكاجينا أن إصلاحاته كانت محل رضا الإله ننجرسو- إله مدينة لكش. وكان الملك يصدر القانون باسم إله مدينته إضافة إلى شمش (شمس) UTU إله العدالة(12). وباعتباره نصير الإِله ونائبه، أراد اوروكاجينا وضع حد للمفاسد التي كانت متفشية قبل عهده والعودة للقوانين القديمة العادلة، وعاهد إِله المدينة بِأنه لن "يُسلم الضعيف والأرملة إلى القوي". وهذه العبارة مماثلة لتلك الواردة في نهاية مقدمة شريعة حمورابي (العمود 40/ السطر 59-60) الذي صدر بعد حوالي 1300 سنة من هذا التاريخ(13). تلخصت إصلاحات اوروكاجبنا في: تخفيض الضرائب التي كانت تُجبى من عامة الناس سواء ما كان يذهب منها للحاكم وموظفيه وحاشيته أم الرسوم الباهظة التي فرضها الكهنة على معاملات الأحوال الشخصية (الزواج، الطلاق، دفن الموتى)، تخفيض الضرائب حتى عن بعض فئات الكهنة ممن كانوا عرضة لإبتزاز أموالهم من جانب جباة الحكام، ووضع حد لإستغلال الحكام أملاك المعابد. وبذلك شملت هذه الإصلاحات فئات الكهنة إلى جانب فئات الحكم الذي كان هو نفسه على رأسها. فعبَّرت إصلاحاته عن جرأته وحياده ونزاهته وعدله. كذلك غطت إصلاحاته معالجة الجرائم وتنظيم العقوبات الخاصة بها، وجوانب من الأحوال الشخصية، مثل تحريم التقليد الذي كان سائداً وهي زواج المرأة بِأكثر من رجل في نفس الوقت وفرض عقوبة الرجم على المرأة المخالفة. كما أمر بالعفو العام عن المسجونين والموقوفين بسبب ديونهم السابقة أو بسبب استحقاق الضرائب عليهم من القصر (السلطة الحاكمة). وفرض الرجم على السارق. ومن تشريعاته "إذا أراد وجيه (متنفذ) شراء حمار أو بيت يعود إلى فقير فباستطاعة الفقير أن يطلب الثمن الذي يريده من الوجيه، وعلى هذا أن يدفع الثمن بنقود معتمدة (فضة) ولا يستطيع بِأي حال من الأحوال أن يضطهد الفقير إذا رفض البيع(14)." وهكذا اتجهت إصلاحات اوروكاجينا نحو تقليص نفوذ الوجهاء وسحب أيدي العديد من الموظفين وتخفيض الضرائب "وأعاد إلى إِله المدينة (ننجرسو) مركزه السابق في بنايات وحقول الحاكم." وبذلك "حرر مواطني لكش من الربا والإحتكار، الجوع، السرقة، والإعتداءات، وأرسى دعائم حريتهم(15)." يُعَدْ قانون اور- نمو (2113- 2096 ق.م) أقدم قانون مدون في تاريخ وادي الرافدين وفي تاريخ البشرية جمعاء. عُثِرَ على أجزاء منه في مدينة نفر ومدينة اور. ، أمكن قراءة أكثر من 22 مادة منه رغم التلف الذي أصابه. كُتب باللغة السومرية، وتوضح بقايا مقدمته كيف فرض الإِله (ننا) إله القمر- إله مدينة اور، الملك اور- نمو لحكم المدينة. ووصفه بالملك الورع التقي العادل، وأن مجيئه كان إيذاناً بالقضاء على الفساد والفوضى وسوء الإدارة والتجاوز على حقوق الآخرين، وبذلك تمتع الناس بحقوقهم وحريتهم. ويثير ما تبقى من مواد القانون إهتماماً كبيراً، حيث يظهر أن بعض الجرائم، على الأقل، كالأذى الجسدي لم تُعاقب بتشويه وقطع أعضاء الجسم، كما هو الحال في شريعة حمورابي والقانون الآشوري، بل كان الجاني يُرغم على دفع تعويض نقدي. "وهذا يدل على وجود مجتمع راق إلى درجة أعلى مما كان يُتصور عادة(16)." أما المواد القانونية المتبقية فهي تُعالج الأحوال الشخصية من زواج وطلاق وبعض المخالفات والإساءات وأوضاع العبيد، وضوابط للعمل القضائي وسير المحاكم، خاصة ما يتعلق بشهادة الزور وتبعاتها، وقضايا الأرض والزراعة(17). القانون المكتشف التالي من حيث القدم أصدره لبت- عشتار (1934- 1924 ق.م) خامس ملوك سلالة دولة مدينة ايسن (ف6). ضمَّ القانون في أصله أكثر من مائة مادة، بينما أظهرت بقايا الرُقَم الطينية 38 مادة، وهو كسابقه مدون بالسومرية. تضمنت مقدمة القانون، كما في سابقه، تمجيد الآلهة السومرية وتعظيم الملك لبت- عشتار. في حين ذكرت الخاتمة إنجازات الملك في نشر العدل والقضاء على البغضاء والعنف وتحقيق الرفاهية. كذلك أخذ هذا القانون بـ (مبدأ التعويض) بدلاً من (مبدأ القصاص) في الجرائم الاعتيادية(18). وعالجت المواد التي سلمت من التلف شؤون الأرض والزراعة والسرقة والعبيد والاعتداء والضرائب. وكثيراً ما تغنى الملك لبت- عشتار بعدله، وبِأنه كان شديداً مع الأقوياء رحيماً بالفقراء، وأقام الحق وأعطى الحرية للناس(19). يُنسب القانون الثالث إلى مدينة اشنونا (قانون اشنونا)، وبسبب التلف الذي أصاب اسم الملك الذي أصدره، لم يكن بالامكان معرفة تاريخ صدوره. اشنونا هي عاصمة مملكة اشنونا. قامت فيها سلالة امورية في منطقة ديالى واتسعت لغاية أطراف بغداد (ف6). وهو أقدم قانون مدون باللغة الاكدية، ويسبق قانون حمورابي بحدود قرن من الزمن. ويضم بشكله الحالي مقدمة قصيرة وسبعين مادة قانونية تعالج مواضيع مختلفة مثل الأسعار والأجور والسرقة والمعاملات التجارية والأحوال الشخصية(20). وهناك إتفاق على وجود تشابه كبير نسبياً بين قانون اشنونا وقانون حمورابي، بل أن الأول شكل في الكثير من مواده أساساً لقانون حمورابي(21). ورغم هذا التشابه، هناك بعض المواد في قانون اشنونا لا نظير لها في قانون حمورابي، وهي جديرة بالاستشهاد ما دامت تعكس ممارسة معروفة شكلت مادة أساسية لإحدى القصص الواردة في العهد القديم (التوراة)، وهي المادة 25 من قانون اشنونا: إذا تقدم رجل للخدمة في بيت حميه (أبو خطيبته أو زوجته) ولكن حماه استبعده ثم أعطى إبنته إلى رجل آخر، فعلى والد البنت أن يعيد المهر الذي قبضه (في شكل خدمة) مضاعفاً. وهذه المادة تشير إلى وضع مماثل لخدمة (يعقوب) لدى (لامان) سبع سنين للزواج من (راحيل) لكنه خُدع في النهاية (التكوين 29، س15-30). رغم أن (لامان) اعترف (التكوين29، س26) أنه وفقاً للقانون المألوف في منطقة حران كان مُنصفاً في عمله تجاه يعقوب(22). ويبدو أن قانون اشنونا يتماثل مع القوانين السابقة في الأخذ بمبدأ الإصلاح- التعويض بدلاً من الإنتقام- القصاص. اعتمدت القوانين الآشورية من حيث مبادئها وأحكامها والعقوبات القاسية التي أخذت بها على تلك التي وردت في القانون البابلي، خاصة قانون حمورابي. شملت في موادها: السرقات، التجديف، التحريض على الفتن، الاعتداءات، القتل، الأحوال الشخصية، الاغتصاب، الزنا والبغايا، الحجاب، المتهمون بالسحر الاسود، الديون، اعتداء الرجل على فئات مختلفة من النساء واجهاضهن، ضرب الزوج لزوجه وإجهاضها(23). والمقتطفات التالية تقدم نماذج من محتويات القوانين الآشورية(24): م 23- إذا كان الرجل مريضاً او متوفى وسرقت زوجته شيئاً من بيته لشخص آخر، تُعدم الزوجة ومَنْ تلقى منها (الشيء المسروق). أما إذا سرقت الزوجة شيئاً من بيت زوجها وهو حي وأعطته لشخص آخر، فإِن الزوج يتهم زوجته ويفرض العقاب عليها. وعلى من تلقى منها الشيء المسروق أن يعيده وتفرض عليه عقوبة مماثلة للعقوبة التي فرضها الزوج على زوجته. م 15- إذا ضبط رجل رجلاً مع زوجته ووجه إليه التهمة وأثبتها عليه فيعدم كلاهما. وفي حالة جلبه أمام الملك أو القضاة ووجه إليه التهمة وأثبتها عليه، فإِذا قتل الزوج زوجته فيمكنه كذلك قتل الرجل، وإذا جدع أنف زوجته فعليه أن يخصي الرجل ويشرط وجهه كله (بسكين) ولكنه إذا عفا عن زوجته فيعفو عن الرجل. م 27- إذا كانت زوجة تعيش في بيت والدها وزارها زوجها بانتظام، فكل هبة شرعية يقدمها لها زوجها هي ملكه، ويمكنه أن يأخذها. (لعلَّ ذلك يشير إلى نمط قديم من الزواج تستمر فيه الزوجة العيش مع أُسرتها التي ترعرعت فيها، وزيارة زوجها لها ليلاً فقط. ويسمى هذا النوع من الزواج بـ: الكعيدي، ويُعَدْ أمراً معيباً)(25). م 40- لا يجوز للمرأة الحرة الخروج للشارع حاسرة الرأس (دون حجاب على رأسها)، حتى السرية التي تخرج مع سيدتها عليها أن تتحجب، وكذلك البغي المقدسة التي تزوجها رجل، ولكن التي لم تتزوج فعليها أن لا تتحجب، والزانية لا تتحجب. وعلى كل من يرى زانية محجبة أن يلقي القبض عليها، ويجلبها للقصر، وعليه أن يأخذ ملابسها دون حليها. ويجب ضربها خمسين جلدة بالعصا، وصب الزفت على رأسها. وإذا رأى رجل زانية محجبة وتركها تذهب ولم يجلبها إلى القصر فعليهم أن يجلدوا ذلك الرجل خمسين جلدة بالعصا، ويأخذ المخبر ملابسه. وعليهم ثقب أذني الرجل وسلكهما بخيط وربطه خلف (رأسه)، وعليه أن يخدم الملك شهراً… (ويستمر القانون فيقول أن البنت الإمة يجب أيضاً أن لا تتحجب. وعند مخالفتها تُقطع أذنها، ونفس العقوبة تُفرض على الشخص الذي يخفق في الإبلاغ عنها). م 59- للرجل أن يجلد زوجته وينتزع شعرها ويشق أذنيها ويؤذيهما فلا جرم يترتب على ذلك. اكتشف علماء الآثار الفرنسيون مسلة حمورابي في سوسة (عاصمة عيلام- جنوب إيران). فُسر وجودها في سوسة بكونها نُهبت أثناء غزوة عيلامية. وهي الآن في متحف اللوفر (باريس). مدونة باللغة الاكدية وبِأسلوب رفيع وبوبت موادها على نحو يضاهي أحدث القوانين بالعلاقة مع الترابط الموضوعي بينها(26). قانون حمورابي هو أحدث وأكمل وأنضج قانون مكتشف في وادي الرافدين حتى الآن. ويمثل أقدم الانجازات القانونية الرائعة في تاريخ الحضارة البشرية. يسبق قانون الإمبراطور الروماني جستنيان بنحو ألفي عام. كما أن قوانين حضارة بلاد الرافدين تعكس عموماً درجة عالية من الرقي والتنظيم الذي بلغه مجتمع وادي الرافدين، وأحد أبرز مقومات حضارته الراقية (27). وبصدور قانون حمورابي (1770ق.م) صار لبلاد بابل قانوناً موحداً، أصبح تطبيقه من اختصاص السلطة المدنية(28). تضمنت المقدمة تمجيد الآلهة، واستعرضت أعمال حمورابي وألقابه وبينت طاعته وتقواه وعنايته بمدن ومعابد الآلهة والأسباب التي دعته لإصدار شريعته وهي انتداب الإِله (مردوخ) له ليحكم مدينة بابل من أجل "إقامة العدل على الأرض وإبادة كل شخص خبيث وفاعل شر وإلا سوف يستعبد القوي الضعيف." بينما ذكر في الخاتمة الغرض من تدوين الشريعة وهو "إعالة اليتيم والأرملة... والمظلوم." وتبين الشريعة النتائج المتوقعة من تطبيقها بقولها: هذه هي "الأحكام العادلة التي أصدرها حمورابي الملك العظيم للبلاد فازدهر فيها العدل والحكم الصالح (29)." شملت مسلة حمورابي، عدا المقدمة والخاتمة، 282 مادة يمكن توزيعها على خمسة أبواب رئيسة: التقاضي وأصول المحاكمات (م1- م5).. الأموال والمعاملات المالية (م6- م126).. الأشخاص وقوانين الأحوال الشخصية (م127- م214).. الأجور (م215- م277).. العبيد (م278- م282)(30). أثار نشر قانون حمورابي جدلاً عنيفاً بين الباحثين بالعلاقة مع ما ورد من نصوص مشابهة لمواده في العهد القديم (التوراة). أصبح من الواضح أن الشرائع المثبتة في العهد القديم موجودة قبل قرون على فترة (موسى)- مشرع القوانين العبرية. كما وصار واضحاً أيضاً أن قانون حمورابي شُرِّع لنوع مشابه من الظروف، أحياناً ترد بعبارات تكاد أن تكون مطابقة لتلك التي يُفترض أنها ذات أصل إلهي وترتبط باسم موسى، حيث يظهر عليها دلائل الإقتباس المباشر، "وقد سعى اللاهوتيون السلفيون الذين صاروا (يتلوون في إضطراب عقلي)، الإشارة من حيث لا يمكن إنكار التشابه، بأن القوانين العبرية تُظهر محتوى أسمى أخلاقياً (هذا غير صحيح في الحقيقة دائماً)... وأصبح المناوئون للدين فرحين أن واضع الشريعة العبرية (سواء كان موسى أم مشرعاً بعده تستَّر بهذا الاسم الموقَّر) قد استعار بكل وضوح باسم إلهه، كثيراً من الشريعة البابلية وبقدر ما كان يناسبه، وكيَّفها بما يفي المجتمع العبري الأكثر بدائية". يؤكد الدكتور هاري ما ذهب اليه أحد الكتاب جازماً: "إذا كانت هناك أية علاقة بين التشريع العبري وبين التشريع البابلي (توضح بقية الكتيب أن المؤلف لا يُساوره شك في هذه المسألة) فثمة نتيجة واحدة محتملة، وهي أن التشريع العبري اقتبس من التشريع البابلي الأقدم(31)." اتصف قانون حمورابي بِأنه استبدل (مبدأ التعويض) الذي كان يشكل أساس نظام العقوبات السومري بالقصاص الجسدي(32). وفي السطور التالية نماذج من مواده: م3- م4: شهادة الزور- إذا تقدم رجل في دعوى قضائية بشهادة كاذبة دون إثباتها، فإِن كانت الدعوى عقوبتها الموت يُعدم الرجل، وإذا أدلى بشهادة (كاذبة) بِشأن حبوب أو فضة، فعليه أن يتحمل العقوبة (التي تُفرض في تلك القضية). م6- م25: السرقات- تعتبر السرقة في بابل جرماً خطيراً، وينفذ حكم الموت بكل من يسرق خزينة المعبد أو القصر أو إخفاء المسروقات. وإذا ما ثقب أحد جدار منزل يقتل أمام الثغرة التي أحدثها ويدفن عندها. وإذا سرق أحد وأُمسك به في الجرم المشهود فإِنه يقتل، وإذا هرب، يحق للشخص المسروق أن يطلب من الإِله كل ما فقده، وعلى المدينة وزعيمها أن يدفعا له كل ما يدعي به.. وإذا شبت النار في بيت شخص وهرع آخر لإطفاء النار ثم مدَّ يده لشيء من أموال صاحب البيت المشتعل فإِن السارق يلقى في النار. وإذا أخفى رجل عبداً هارباً (أو إمة هاربة) يعود إلى القصر أو لأِحد الرعايا ولم يخرجه (أو يخرجها) لدى سماع بلاغ المنادي، فإِن صاحب الدار يُعدم. م48: تأجيل دفع الدين عند الشدة- إذا كان رجل مديناً بدين يقتضي فائدة، وأتلف (ادد)-إله الجو- حقله أو جرف الطوفان غلته أو أن الحبوب لم ينتج في ذلك الحقل لنقص الماء، فإنه في تلك السنة لا يعيد أي شيء من الحبوب لدائنه، ويبلل (يلغى عقد) رقيمه، ولا يدفع فائدة لتلك السنة. م128: الزوجة الشرعية تعتمد على عقد- إذا اتخذ رجل زوجة ولم يسجل لها عقداً فإن تلك المرأة ليست زوجة (شرعية). م129، م132: الزنا- إذا ضُبطت زوجة رجل مضطجعة مع رجل آخر، فعليهم أن يربطوهما ويلقوهما في الماء. وإذا أبقى الزوج على حياة زوجته للملك أن يبقي على حياة خادمه. وإذا وجه إصبع (الاتهام) لزوجة رجل بسبب رجل آخر دون أن تُضبط مضطجعة مع الرجل الآخر فعليها من أجل زوجها (لإِثبات براءتها) أن تلقي بنفسها في النهر المقدس. (يشير ذلك إلى الانتحار القسري لإثبات براءة المرأة لنفسها). م141: معاملة المرأة المتهتكة- إذا أزمعت زوجة رجل، تعيش في بيت زوجها، الخروج (من البيت) وإنفاق أشيائهم الثمينة والإسراف في الإنفاق والحط من كرامة زوجها، فعليهم أن يثبتوا ذلك ضدها، وإذا قال زوجها أنه سيطلقها فله أن يطلقها ولا يعطيها شيئاً من مال طلاقها، وإذا لم يقل زوجها أنه سيطلقها فيمكنه أن يتزوج ثانية، وتبقى الزوجة الأُولى إمة في بيت زوجها. م146: التسري- إذا تزوج رجل من كاهنة (ناديتو) وأهدت زوجها إمة وولدت له (الإمة) أطفالاً فإن الإمة تضع نفسها بعد مدة على قدم المساواة مع سيدتها. وبما أنها ولدت أطفالاً فليس لسيدتها أن تبيعها بالفضة، ولكنها يمكن أن تسمها بوسم العبودية وتسجلها في عداد الإماء. وإذا لم تلد أطفالاً فيمكن لسيدتها أن تبيعها بالفضة. م153: خيانة الزوجة- إذا تسببت زوجة بقتل زوجها من أجل رجل آخر فعليهم أن يعدموا تلك المرأة على الوتد. م157: غشيان المحارم- إذا ضاجع رجل لأُِمه فعليهم أن يحرقوا الاثنين. م188، م189: التبني وتعليم المهنة- إذا أخذ حِرَفي ولداً ليربيه (ليتبناه) وعلَّمه مهارته اليدوية (حرفته) فلا يُطالب أحد باسترداد الولد. وإذا لم يعلمه حرفته اليدوية فإن لذلك الولد أن يعود إلى بيت أبيه. م195-214: قاعدة العين بالعين- إذا ضرب ولد أباه فأنهم يقطعون يده (م195). وإذا فقأ رجل عين رجل آخر من أبناء طبقته، تُقلع عينه. وإذا كسر عظمه، يُكسر عظم الفاعل. وتكون العقوبة أقل عند حصول هذا الجرم مع شخص من طبقة أدنى (تعويض مالي) وأشد عندما يكون المعتدى عليه من طبقة أعلى منه. اما تطبيق مبدأ (العين بالعين) في مجال القتل بخاصة، فإن الأخذ بالثأر من القاتل (القصاص) كان واجباً مقدساً تتطلبه العدالة الإِلهية في نظر القوم الذين ينتمون للأصول الجزرية. والانتقام هو واجب تجاه الميت، ليس فقط بسبب حرمان الضحية من الحياة، بل وأيضاً لأِن روح الميت لا تعرف الراحة عند عدم الأخذ بالثأر(33). حيث تهيم روح المقتول على هيئة طائر صائحاً "اسقوني! اسقوني!"(ف10/1)(34). وهكذا يتبين أن مبدأ (العين بالعين) شريعة حمورابي وشريعة التوراة والشريعة الإسلامية تعود إلى عادة الثأر الدينية- القبلية لدى عرب ما قبل الإسلام، ومع ذلك فهي ممارسة لا زالت قائمة في العديد من البلدان العربية والإسلامية!! م215- م218، م229- 230: الأجور والعقوبات المتعلقة بِأصحاب المهن- إذا أجرى طبيب عملية جراحية وأنقذ حياة المريض، يتسلم عشرة شيقلات من الفضة وشيقلين في حالة العبد المريض. وإذا أدت العملية لوفاة الرجل فإنهم يقطعون يد الطبيب. ويُعدم البناء إذا انهار المنزل الذي بناه وقتل صاحبه. وإذا أدى الحادث إلى موت ابن صاحب الدار عندئذ يُعدم ابن ذلك البناء، ولكن إذا تسبب حادث البيت بمقتل عبد المالك فعلى المعماري تقديم عبد مقابله لمالك البيت. رغم أن مواد شريعة حمورابي تبدو الآن صارمة جداً إلا أنها تقترب في تفصيلات عديدة، وبشكل يبعث على الدهشة، مع تصورنا الحديث للعدل. فالقوانين المتعلقة بشؤون العائلة والمِلكية بخاصة، تمثل جهداً لحماية النساء والأطفال من المعاملة التحكمية والبؤس والإهمال. وإذا كانت العقوبات قاسية هنا أيضاً فإن تطبيقها كان يخفض بتقديم التماسات العفو والظروف المخففة. كان زنا الزوجة يُعاقب بالموت، ولكن كان بوسع الزوج أن يغفر لزوجته والملك لعاشقها، فينقَذون بدلاً من أن يجري "شدهما مع بعضهما وقذفهما في النهر"- م129. ولا يُعاقب القانون زوجة سجين تدخل- أثناء غياب زوجها- بيت رجل آخر إذا ما اضطرت إلى ذلك بسبب "عدم وجود شيء تأكله في بيتها"- م134. وكان بوسع الرجل أن يطلق زوجته دون تعويض إن أساءت التصرف- م114، أما إذا طلقها لكونها لم تلد له طفلاً فإن "عليه إعطاءها مالاً يساوي قيمة خطوبتها إضافة للنوطة (البائنة) التي جلبتها من بيت أبيها"- م138. ويمكن الزواج بأُخرى في حالة الزوجة المريضة، غير أن عليه الاحتفاظ بزوجته الأُولى في بيته والعناية بها ما دامت حية تُرزق- م148. وعند موت الرجل، تُقسم تركته بين أبنائه، غير أن من الجائز لأِرملته الانتفاع بها- م171، كما ولها ألحق في التصرف بحرية بِأي "حقل، مزرعة، بيت، ملك مشغول" كان زوجها قد وهبها لأِولادها- م162. وهناك قوانين مشابهة تستهدف حماية أولاد "الزوجة الأولى" من العبدة (الإمة) أو الخليلة، وتأمين الأطفال ضد معاملة لا يستحقونها- م168(35). وفي الشريعة مسألة أُخرى وهي تواتر ذكر لفظة (الكوم) في المواد 22-41. ويبدو أنه قد وجد آنذاك عدد من الأشخاص ذوي المهن المحددة كرجل الجندرمة (ريدوم) والبحار (بائيروم) أو ألـ (ناش بِلْتُمْ)- ويعني حرفياً (حامل الجزية) ممن كانوا يتسلمون من الملك الأرض والحبوب والماشية مقابل تقديمهم بعض الخدمات أكثرها وضوحاً هي تلك التي تتعلق بالمجال العسكري (ف5). ويمكن تحويلها لشخص آخر في حالة عدم إيفاء الأول بالتزاماته تجاه الملك أو إذا هرب من الخدمة. ويبدو واضحاً أن هبة الالكوم إجراء، ربما ابتدعه حمورابي نفسه لربط عدد من رعاياه بالأرض وخلق وثاق قوي معهم يمكن مقارنته بالوثاق الذي كان يربط بين السيد وأقنانه في أوربا القرون الوسطى(36). وتجدر الإشارة إلى أن سلطة الملك المطلقة المستندة للعقيدة الدينية بإعتباره ممثل الإِله لم تكن تسمح بأي شكل من المعارضة، حيث قننت شريعة حمورابي هذه الظاهرة، إذ نصَّت المادة 19 على إعدام صاحبة الحانة عندما لا تخبر باجتماع المتآمرين على الدولة في حانتها أو القاء القبض عليهم(37). تلك هي بإيجاز الخصائص الأساسية لشريعة حمورابي المشهورة. وتبقى قطعة فريدة بطولها وعرضها ورشاقتها ودقة أسلوبها والضوء الساطع الذي تلقيه على مجتمع تلك الحقبة المتطورة جداً. ولقد توجت هذه الوثيقة، التي دونت في سني حكمه الأخيرة، عهد هذا العاهل الكبير المليء بالمنجزات. وحينما يستذكر الملك حمورابي نجاحاته العديدة، عندئذ يحق له أن يعلن بفخر وإعتزاز.. "استأصلتُ شأفة العدو شمالاً وجنوباً، ووضعت حداً للحرب، وطورت ازدهار البلد ولم أدع أحداً يرهبهم. فنادتني الآلهة، فأصبحت الراعي المحسن الذي صولجانه الحق، ونشرت ظلي الوارف على مدينتي، الذي نعم بحمايتي، وحكمت بسلام، وحميتهم بقوتي (38)." هوامش الفصل الثالث عشر (1) الهاشمي، رضا جواد، "القانون والأحوال الشخصية"، حضارة العراق، ج, ص64.. (2) نفسه، ص67- 68..،سليمان،عامر،"جوانب من حضارة…"، العراق في التاريخ، ص206-207. (3) شمّار، جورج بوييه، ص347- 348. (4) رو، جورج، ص278، الماجدي، خزعل، متون سومر، ص19..، الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص69. (5) ساكز، هاري، ص179.., Hawkes,Jacquetta,P.173. (6) سليمان، عامر، العراق في…، ص145- 146..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص323. (7) الهاشمي، رضا جواد، ص72..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص321. (8) رو، جورج، ص275- 276. (9) الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص72. (10) رو، جورج، ص191. (11) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص322. (12) شمَار، جورج بوييه، ص271.., Hawkes,Jacquetta,P.170. (13) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص321. (14) نفسه، ص321- 322..، الماجدي،خزعل، متون سومر، ص286. (15) رو، جورج، ص191. (16) نفسه، ص225. (17) سليمان، عامر، "جوانب من حضارة…"، العراق في التاريخ، ص203..، الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص72- 73. (18) سليمان، عامر، العراق في…، ص180- 181..، "جوانب من حضارة…"، العراق في التاريخ، ص203..، الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص74. (19) شمّار، جورج بوييه، ص272. (20) ساكز، هاري و.ف، ص169- 170..، سليمان، عامر، "جوانب من حضارة…"، العراق في التاريخ، ص203- 204. (21) الهاشمي،رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص76..، سليمان، عامر، العراق في…، ص182- 183. وقارن Robinson,Jr.,P.52. (22) ساكز، هاري، ص173. (23) نفسه، ص173- 175..، سليمان، عامر، "جوانب من حضارة…"، العراق في التاريخ، ص 131. (24) ساكز، هاري، ص175- 177. (25) نفسه، ص175- 176. (26) نفسه، ص157..، الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ص77. (27) "فلافيوس انيشيوش جوستنيان العظيم": امبراطور بيزنطي (483- 565 م) قنَّن محلفوه شريعة باسمه، يسبقه قانون حمورابي بنحو الف وخمسمائة سنة. (28) الاحمد، سامي سعيد، العراق في التاريخ، ص95- 96..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص439..، الهاشمي، رضاجواد، حضارة العراق،ج2، ص81. (29) ساكز، هاري، ص157..، الهاشمي، رضا جواد،حضارة العراق، ج2، ص78. (30) الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص80.. وقارن العراق في التاريخ، الاحمد، سامي سعيد، ص95- 96..، ساكز، هاري، ص159. (31) ساكز،هاري، ص158. (32) رو، جورج، ص278. (33) شمّار، جورج بوييه، ص336. (34) حنون، نائل، ص112، الهامش18. (35) رو، جورج، ص279- 280. (36) نفسه، ص280. (37) الاحمد، سامي سعيد، حضارة العراق، ج2، ص24. (38) نفسه، ص280- 281.
الفصل الرابع عشر الحيــاة الاجتماعيـــة 1- الطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية قام مجتمع وادي الرافدين أساساً على طبقتين رئيستين لا مجال للمقارنة بينهما هما الأحرار والعبيد. ضمَّت طبقة الأحرار فئات وشرائح عديدة منها الحاكمة والمتنفذة، ومنها المحكومة التي ضمت عامة الناس. وتقف على رأس الفئة الحاكمة الأُسرة المالكة التي اكتسبت وفق ملحمة الخليقة مركزاً خاصاً باعتبار الملك نائب الإِله في أرضه يتمتع بالتفويض الإِلهي، وبذلك أصبح مصدر السلطات والامتيازات. تلي الأُسرة المالكة حاشية الملك من النبلاء وكبار رجال الدولة من مدنيين وعسكريين وكبار الكهنة، أي الفئة الارستقراطية. وكانت لهذه الفئة جميع الحقوق والامتيازات وفق القوانين والأعراف والتقاليد السائدة(1). وكانت الفئة الغنية معروفة باسم (اديلم): الرجل أو المواطن الكامل(2). وضم بالإضافة للفئات الاجتماعية العليا كذلك الفئات الوسطى (البرجوازية) شاملة أصحاب المهن (الحرف) ممن يعملون لحسابهم كأصحاب المصارف والتجار والأطباء والكتبة والصناع. وكان هؤلاء منظمين في جمعيات أو نقابات على غرار نقابات القرون الوسطى في وربا(3). زاولوا نشاطاتهم العملية في أماكن خاصة بهم في المدينة، ودربوا الصناع ونقلوا مهاراتهم لأِبنائهم. وفي عهد الإمبراطورية الآشورية كان الملك يعاملهم باحترام كبير "ولم يكن (شعب آشور) الذي إنحاز إلى جانب اسرحدون في صراعه على إمتلاك التاج (والمدينة وأهلها) سوى هؤلاء (البرجوازيين) الآشوريين(4)." من الفئات الأُخرى تلك المعروفة باسم (مشكينو) أو (مسكينو)- مواطن الدرجة الثانية- وتقابلها بالعربية كلمة (مسكين). وهم الفقراء ويقعون في السلم الأخير لعامة الناس الأحرار ممن كانت تهددهم حياة العبودية بسبب صعوباتهم المعيشية. ويظهر أن هذه الفئة اختفت من الحياة الاجتماعية منذ العهد البابلي القديم(5). وكانت أدنى الفئات الاجتماعية تُسمى (هوبش)، وهي غير معروفة بشكل واضح، وتكونت ظاهرياً من العمال غير الماهرين في الزراعة والجنود العاديين والعبيد (الاردة) الذين كانوا يجندون من بين أسرى الحرب وبِأعداد كبيرة مستمرة ومتزايدة(6). شكل أعضاء المعبد من الرجال والنساء مجتمعاً خاصاً قائماً بذاته أو دولة داخل دولة، له قوانينه وحقوقه وواجباته وتقاليده وموارده الناجمة عن عوائد حقوله وورشه وأعماله التجارية والودائع، علاوة على عوائد المحراب: الهدايا والتبرعات والقرابين. وكان يتمتع بدور مؤثر في تقرير شؤون الدولة والحياة الخاصة لكل الناس. ورغم تجريده تدريجياً من السلطة الزمنية لصالح القصر منذ عهد حمورابي لكن المعبد ظلَّ يحتل مركزاً اقتصادياً- اجتماعياً محورياً في فكر وحياة المجتمع(7). أما العبد (الرقيق) فلم يُعترف بشخصيته الإنسانية، بل أُعتبر مجرد مال منقول وعومل بصورة متدنية اجتماعياً وقانونياً(8). وكان يُشار اليه بِأنه مجرد (وحدة رقيق) ومثَّل قيمة نقدية لمالكه(9). وكان العبد يُميز عن بقية أفراد المجتمع بطريقة قص شعره أو وسمه كالحيوان رمزاً للملكية. ويتم ختمه عادة بقطعة حديد محميَّة كالجمر على جلده مباشرة. إلا أن شريعة حمورابي وضع عقوبات شديدة بشأن قطع أو حرق أو وسم العبد وأصبح هذا التصرف يعرض مرتكبه لعقوبة قطع اليد أو الموت(10). وكان الكثير منهم يعمل في الحرف والصناعات لتنمية موارد أسيادهم(11). تشمل طبقة الأرقاء العبيد والإماء. وكان المجتمع يحصل على أفراد هذه الطبقة من مصدرين:الأول خارجي، بواسطة الحروب (أسرى) ممن يباعون في الأسواق. وكذلك التجارة الخارجية، خاصة الإماء.. الثاني داخلي يضم الأحرار الفقراء ممن يؤولون للعبودية بسبب فقرهم واضطرارهم بيع أولادهم و/ أو نسائهم بل وحتى أنفسهم لقاء تسديد ديونهم. كما يشمل الأطفال (غير الشرعيين) الذين يرمون على أبواب المعابد وفي الطرقات وأولاد الفقراء الذين لا يتمكنون من تربيتهم، إضافة إلى إمكانية استعباد الحر عند ارتكابه جرائم معينة حدد القانون عقوبتها بالعبودية، مثل عقوق الوالدين وانكار الزوجة لزوجها وتخلي الولد المتبني عن العائلة التي تبنته(12). وكان أرقاء المعبد يؤلفون فئة خاصة يتكون معظمهم من أسرى الحرب. عُرف هؤلاء الأرقاء باسم (شركو) SHIRKO، وكانوا يخضعون لأِوامر موظف تعينه سلطات المعبد لضمان استخدامهم في أفضل وجه لمصلحة المعبد. وتميزوا بوضع قانوني أفظع من الأرقاء الاعتياديين لأِنه لم يكن أمامهم أمل للتحرر من العبودية. وحتى في حالة الزواج من إمرأة حرة يصبح الأولاد ملكاً للآلهة بصفة ذاتية. ومع ذلك لم تشمل هذه الفئة على الأرقاء حسب، وإنما للبابليين الأحرار أيضاً ممن نُذروا لخدمة المعبد- الإِله(13). ورغم الحياة القاسية للعبد وخضوعه للبيع والشراء فإن الوثائق القانونية تكشف أن قسماً منهم كان بوسعه تعلم حرفة خاصة وتكون له ملكيته بل وعبيده واقتراض الحبوب والأموال والشهادة في المحاكم، وبين الحين والحين كان بإمكان القليل منهم الظفر بوظائف إدارية شبه راقية والزواج من إمرأة حرة، خاصة عبيد القصر(14). هناك عامل واحد في الوضع القانوني للرقيق من الأحرار الفقراء الذين فقدوا حريتهم بسبب عجزهم عن تسديد ديونهم. فاولاً بالنسبة للزوجة والأولاد الذين يودعون كرهينة لدى الدائن، لا يمكن إبقاؤهم لأِكثر من أربع سنوات، نظرياً على الأقل.. وثانياً أن الأولاد الناتجين عن زواج عبد بإمرأة حرة يكونون أحراراً، في حين أن الإمة المحظية وأولادها يستردون حريتهم بعد وفاة سيدها. وأخيراً فسح قانون حمورابي الطريق لتحرير البابلي الذي تحول إلى عبد بسبب أسره ودفع فديته عن طريق بيع إقطاعيته الذي منحها إياه الملك أو بتمويل من المعبد. وفيما عدا ذلك فإن قدرة العبد أن يتملك وأن يوفر النقود، تمنحه فرصة إسترداد حريته. ولكن بالمقارنة، كانت فرص التحول للرق أكبر من فرص التحرر منه، وتحققت الزيادة المطردة في أعدادهم بالقانون المتعلق بالولادة أو الحملات العسكرية أو تحول الحر إلى عبد بسبب ديونه(15). تستلزم واجبات العبد عملاً يدوياً تعتمد إلى حد ما على حرفة أو مهنة صاحبه. أما الإمة الشابة فلعلَّها لا تكون وصيفة فقط لربة البيت، بل محظية لرب البيت أو أحد أبنائه المراهقين، ويصبح الأطفال الذين تلدهم عبيداً ما لم يقبلهم رب العائلة رسمياً أولاداً له لا سيما إذا كانت زوجته لا تنجب أطفالاً(16). لم يلعب العبيد دوراً مهماً في اقتصاد سومر خلال عصر فجر السلالات، بينما أخذت أهميتهم في التزايد في عصر الإمبراطوريات واتساع الحروب إلى أن بلغت الذروة بحيث أصبح العبيد يشكلون أعداداً كبيرة ومصدر إثراء الإمبراطورية البابلية والإمبراطورية الآشورية(17). والخلاصة، جسَّدت منظمة القصر ومنظمة المعبد مركز الثقل السياسي والاقتصادي والاجتماعي- الديني لمجتمع وادي الرافدين طوال مراحله الحضارية. فالملك نائب الإِله في حكمه للأرض، والكاهن- العالم والمفسر لإِرادة الإِله والوسيط بينه وبين الناس، شكلا معا مصدر السلطة والامتيازات (الحقوق). وفي هذا المجتمع الإِلهي- الديني المقسم بين الحقوق والامتيازات (القصر والمعبد)- الممثل والوسيط الإِلهي، وبين الواجبات والالتزامات (عامة الناس)- المخلوقين أصلاً لخدمة الآلهة، اعتراف أكيد منذ البداية، رغم تباين المسميات، بوجود طبقتين لا مجال للمقارنة بينهما، إحداهما تمتلك السلطة والثروة (الحقوق والامتيازات) والأُخرى تتحمل التبعات (الواجبات والالتزامات). وكلما اقتربت العلاقة من عامة الناس زادت التبعات إلى حدود السخرة والعبودية. وعندما نقف عند التطورات الاجتماعية المتصاعدة مع بدء قيام الدولة الموحدة لحضارة وادي الرافدين التي برزت في اختفاء فئة المجموعة الأكثر فقراً من عامة الناس (المشكينو) في ظروف كانت تدفعهم نحو العبودية، مقابل تزايد عدد الأرقاء في المجتمع نتيجة تصاعد الحروب وتحول الفئات الدنيا من عامة الناس للعبودية بسبب فقرهم، عندئذ قد يكون مفهوماً حالة هذا المجتمع الذي أخذ يتجه منذ بداية حضارته نحو التمركز والانشطار الاجتماعي باتجاه بروز طبقتين: إحداهما الأقرب للآلهة وعلى رأسها القصر والمعبد الموكلين بتنفيذ طلبات ورغبات الآلهة (الأسياد).. وثانيتهما من أكثرية الناس الذين خُلِقوا أصلاً عبيداً للآلهة ولوكلائهم ووسطائهم.
2- الأُسرة : الاحوال الشخصية يرتبط نظام الأُسرة، باعتبارها الخلية الاجتماعية المحورية، بالنظام الاجتماعي السياسي. وفي مجتمع وادي الرافدين كان النظام السائد هو نظام الأُسرة الأبوية، كما هو حال نظامه السياسي. وتميزت العائلة منذ العصر السومري بقوة روابطها "الصداقة تدوم يوماً والقرابة تدوم للأبد". وكانت العائلة منظمة جداً، وتتشابه العائلة البابلية- إلى حدود واضحة- مع العائلة العراقية في الوقت الحاضر. فالأب رأس الأسرةُ وبيده جميع السلطات والصلاحيات الخاصة بإِدارة وإعالة أُسرته، شأنه في ذلك شأن الملك في إدارة مملكته. وكان احترام الأب واجباً مقدساً على جميع أفراد العائلة. وتصل عقوبة الأبن العاق إلى العبودية، كما هو مثبت في قانون حمورابي. ولم تكن هناك حدوداً لحقوق رب الأُسرة على أفراد عائلته، فله رهن أولاده لدى دائنه ضماناً لتسديد دينه أو بيع أولاده و/ أو زوجته. كما عرفت العائلة البابلية أصول الرضاعة ودفعت عائلات بابلية بأطفالها إلى مرضعات لتربيتهم فترة الرضاعة. والزمت إحدى مواد قانون حمورابي المرضعة وجوب إخبار والدي الطفل الذي تروم إرضاعه بحالات وفيات الأطفال التي تولَّت إرضاعهم، وإلا تعرضت لعقوبات صارمة تصل لقطع الحلمتين أو الثديين. واشتهرت العائلة في حضارة ميزوبوتاميا برغبتها في الإكثار من الأطفال "الاكثار من الزوجات أمر يخص المرء نفسه، ولكن الإكثار من الأولاد أمر يخص الإله(18)." أي يُعتبر فضيلة وواجباً دينياً مقدساً. يؤكد ذلك أيضاً أسطورة موت انكيدو (ف16/5) وكيف أن أرواح من تركوا أبناء كثيرين تتمتع بمعاملة تفضيلية في العالم الآخر، وهو أمر انتقل للديانات التالية بدءاً بالتوراة. وكانت أولوية التفضيل في الإنجاب للذكور، والرغبة عند الأب جامحة أن يكون الطفل الأول ذكراً- الأبن البكر الوريث الشرعي وحامل اسم وشجرة الأب والعائلة. وكان هذا (ألامل العظيم) يرنو إليه بشوق لا يوصف كل من الأب الملك والأب الفلاح على السواء. وكان حمل الأب لابنه بعد الولادة مباشرة دليلاً على اعترافه بشرعيته(19). خضعت الأُم (الزوجة) لنفس القواعد بالعلاقة مع زوجها- صاحب السلطة المطلقة في أُسرته. بينما جاءت في المرتبة الثانية بالعلاقة مع أفراد الأسرة ومسؤوليتها المنزلية وإدارتها لشؤون بيتها وتربية الأطفال وتحضير الطعام لإِفراد الأُسرة والإشراف على كل صغيرة وكبيرة في منزلها. أما المحظية التي تُختار أصلاً من بين الإِماء، فينبغي لها أن تنهض بواجبات وظيفتها بإحترام خالص للزوجة الشرعية وأن تحمل كرسيها عند ذهابها للمعبد، وتساعدها في زينتها. وهكذا الأمر بالنسبة للزوجة الثانية إذا ما تحقق ذلك. فالزوجة الأولى كانت تتمتع بمركز اجتماعي أعلى، وتسمى (زوجة رجل). وعاقبت القوانين من يحاول الإساءة لسمعة (الزوجة الأُولى) بعقوبات صارمة قد تصل للموت إن لم يثبت التهمة عليها، كما عاقبت الزوجات الأُخريات إن حاولن الإنتقاص من مركز الزوجة الأُولى أو مساواة أنفسهن بها(20). رغم أن الزواج الأُحادي كان الشكل السائد في بلاد الرافدين، ولكن حقَّ للرجل اتخاذ محظية من الإِماء، وزوجة شرعية ثانية عند مرض زوجته أو عدم إنجابها للأولاد. وهذا يعني احتمال زواج الرجل عملياً بِأكثر من زوجة مع سريان قاعدة أُحادية الزواج. وفي مثل هذه الحالات تبقى الزوجة الأُولى محافظة على مركزها باعتبارها سيدة البيت. ويظهر حصول تحول قانوني- اجتماعي فيما يخص الزواج الأحادي نحو الزواج الثنائي والمحظية منذ عهد قانون لبت- عشتار(21). لم يُعترف بالزواج إلا إذا كان بموجب عقد مكتوب حسبما هو وارد في قانون حمورابي الذي نصًّ أيضاً "وإذا تزوج رجل بإمرأة دون أن يفرض عليها شروطه فإنها لا تصبح زوجته (22)." وكانت في مقدمة مسؤوليات المرأة والتي تحاسب عليها بقسوة هي الحفاظ على عفتها (شرفها) وملازمتها لبيتها وعدم الإساءة لسمعتها التي هي سمعة زوجها، وكانت العقوبة التي تواجهها قاسية تصل للموت (الرمي في النهر) عند القبض عليها متلبسة بالإضطجاع مع رجل آخر أو تتحول إلى إمة مملوكة في بيت زوجها إذا عفا عنها الأخير. كما أشارت القوانين الآشورية إلى حق الزوج ضرب زوجته وسحب شعرها في حالات معينة. أما إذا تسببت في قتل زوجها بسبب عاشقها فتعدم على وتد. كذلك كانت عقوبة الزوجة قاسية (الموت) عند سرقتها من بيت زوجها، وتحاسب على كل علاقة تربطها بِأي رجل خارج بيتها. بينما لم تكن الأعراف والتقاليد تحد من تصرفات الزوج كثيراً، بل كان حراً في كثير من تصرفاته شأنه في ذلك شأن الزوج في الأُسر العراقية المعاصرة بعامة(23). كما أن معاملة الزوج للمرأة في حضارة وادي الرافدين لم تكن تختلف في أسلوبه العام عما هو قائم في العراق المعاصر حالياً، فالأُسرة الأبوية منحت الزوج/ الأب السلطة المطلقة على أفراد أُسرته. ويظهر أن ضرب الزوج للمرأة كانت عادة شائعة في حضارة وادي الرافدين، فالقانون الآشوري (م59- ف13) منح الرجل الحق في أن يُجَلِّد زوجته وينتزع شعرها ويشق أذنيها ويؤذيهما.. كما كانت مسألة ضرب المرأة الحامل وإجهاضها عادة بابلية شائعة، وهناك حالات ماتت فيها نساء من كافة الطبقات الاجتماعية بسبب الضرب.. وربما كان "ضرب الحوامل تسلية بابلية شائعة…"(ساكز، هاري،ص167..، وأيضاً Weber,P.94.) يسبق عقد الزواج مراحل المفاوضات والخطبة وتقديم الهدايا، أما إبرام العقد فيتم بين الرجل (زوج المستقبل) وبين والد (ولي أمر) الفتاة (زوجة المستقبل). ويعني هذا الموقف سلب المرأة حقها في إبداء الرأي قبولاً أو رفضاً. وجرت العادة أن يقتطع لها أبوها (ولي أمرها) جزءاً من ثروته (تركته) ويسمى (الشيرقتوم)، وتسجل في عقد مدون وتمنح لها عند زواجها. وهذه الهدية هي الأموال الوحيدة التي ينالها الفتاة من أبيها، وتعتبر بمثابة حصتها من الإرث، وتشكل ملكاً خالصاً لها ولأِولادها فقط. وكان (الشيرقتوم) يمثل الحق المالي الأول للفتاة عند زواجها، أما الحق المالي الثاني فيتمثل في هدية زواجها وتعرف (الترخاتم). ولما كان عقد الزواج يتم بين زوج المستقبل وولي أمر الفتاة، فإن صياغة هذه العقود توحي أن ولي الأمر كان يتسلم الهدية بنفسه. أما (البيبلوم) فهي هدية مالية تقدم برفقة هدية الزواج إلى والد الفتاة، وربما كانت تلك الهدية لمواجهة مصروفات الزواج من قبل أهل العروس من خطوبة وزفاف(24). وقد يتزوج الرجل كاهنة. وهنَّ على أصناف (ف10/3) ومنها: (ناديتم) و (شوكيتم)، حيث أن المركز الكهنوتي والاقتصادي للأُولى أكبر من الثانية، وتنتمي للطبقة الارستقراطية الحاكمة. وعند الزواج منها (ناديتم) تنقل الزوجة معها مركزها الكهنوتي الرفيع لبيت زوجها وتكتسب مركزاً اجتماعيا عظيماً. ونظراً لأِن القوانين والتقاليد الدينية لم تكن تسمح لها بِإنجاب الأطفال، لذلك كان للزوج أن يتخذ إحدى إمائه سرية للإنجاب أو يتزوج إمرأة ثانية أو تقدم الكاهنة بنفسها إحدى إمائها أو أخواتها لزوجها كي تنجب له أطفالاً. بينما حقَّ لكاهنة ألـ (شوكيتم) الإنجاب، رغم أنها لم تتمتع بمركز كاهنة (ناديتم)، بل كانت أحياناً بمركز الإمة التي تنجب الأطفال لسيدها، خاصة عندما تكون الزوجة الثانية(25). كانت اليد العليا في الطلاق للرجل بعد دفعه مبلغاً من المال لإِعالتها (البائنة concobine). وفيما عدا استثناء واحد يشم منه رائحة حق المرأة طلب الطلاق من زوجها في حالة تهتكه وعدم أداء واجباته العائلية، فإن طلب الطلاق يرد دائماً على لسان الرجل. ومن المصطلحات المعبرة عن ذلك "ترك" و"أنتِ لست زوجتي" وأن "يقطع حواشي ثوبها". أما إذا تركت الزوجة زوجها أو كرهته أو قالت له "سوف لن تأخذني" أو "أنت لست زوجي" أو امتنعت عنه، اعتبر تصرفها تمرداً على حقوق الزوج وإخلالاً بشروط العقد، وتقع الزوجة تحت طائلة القانون والعقوبات الصارمة التي كانت تصل غالباً للموت. وحسب قانون اور- نمو كان على الرجل أن يدفع لزوجته الأُولى التي يروم تطليقها مبلغاً من المال، وإذا كانت أرملة سابقة دفع لها نصف المبلغ المحدد. وفي قانون لبت- عشتار سمح للزوج تطليق زوجته بسبب عاشقته على أن يدفع لها ما تستحق من أموال، وفي نفس الوقت منع الزوج بعد ذلك الزواج من عشيقته. وفي قانون اشنونا نصَّ على طرد الزوج في حالة تطليق زوجته التي أنجبت له أولاداً وخسرانه جميع ما يملكه للزوجة والأولاد. وفي قانون حمورابي للرجل أن يطلق زوجته إن كانت من صنف الكاهنات بشرط إعطائها بائنتها التي جلبتها من بيت أبيها وهدية زواجها أو مبلغ من المال يقابل ذلك، إضافة إلى حصة معينة من أملاكه غير المنقولة، وسمحت للزوجة أن تتزوج ثانية بعد أن يكبر أولادها. كما سمح قانون حمورابي للزوج تطليق زوجته العاقر على أن يدفع لها بائنتها ومبلغ الطلاق. كما أعطى الحق للزوج تطليق زوجته أو إعتبارها إمة في بيته ويتزوج ثانية إن هي أساءت السلوك.. بينما لم يسمح له تطليق زوجته إن أُصيبت بمرض عضال، وبعد أن أنجبت عدداً من الأولاد، أما في حالة عدم إنجابها فيحق له تطليقها متذرعاً بالعقم(26). وفيما يخص الحدود القانونية للمحارم عند الزواج والطلاق (الحلال والحرام في العلاقات الجنسية)، وردت حالات منها: حق الرجل أن يخطب إمرأة لنفسه ويتزوجها، بينما كان محرَّما الإتصال الجنسي بها قبل استكمال إجراءات الزواج والزفاف. وهناك حالات خطيرة من المحارم عقوبتها الموت في مقدمتها: اتصال الزوجة برجل آخر، أو اغتصابها، الاتصال بالإبنة وزوجة الإبن، اتصال الإبن بأُمه(27). من العادات والتقاليد التي شاعت في مجتمع وادي الرافدين منذ العصور الآشورية الوسيطة، على الأقل، عادة تحجب الزوجات الأحرار، حيث نصت القوانين الآشورية على أهمية الحجاب واعتباره العلامة المميزة للمرأة الحرة. في حين عاقبت هذه القوانين الإِماء والجواري والعاهرات عند التحجب(28). كانت التقاليد الاجتماعية والشرائع القانونية والدينية تسمح بممارسة التبني وفق عقد مدون على أن يقوم المتبني بالتزاماته تجاه من يتبناهم وفي سياق علاقة مماثلة بين الأب والإبن. ويمكن للمتبني الحصول على حق الإرث مثل بقية الاولاد "شريطة أن لا يؤدي إلى الحاق الضرر بالأولاد الذين ولدوا بطريقة الزواج(29)." واكبت هذه الممارسة تصرفات حاذقة للتحايل على القانون. كشفت الوثائق المسمارية عن تاجر غني في القرن الخامس عشر ق.م قرب كركوك (العهد الآشوري- السلالة السرجونية) تبنيه لأِولاد أغنياء وفقراء على السواء. وقدم هؤلاء بالمقابل هدايا للوالد المتبني تضمنت نقوداً ومزارع مساوية في القيمة لما سيرثونه عند وفاته "فبواسطة التبني يحصل الأب على حقوق واسعة جداً، ويستطيع أن ينهي التبني حسب رغبته(30)." كانت القاعدة العامة في الإرث حصر التركة في الأولاد الذكور الأحرار فقط. وكان الأبناء الأحرار يتقاسمون التركة بالتساوي مع منح الأكبر بعض الإمتيازات، كأن يكون له حق إختيار الحصة الأُولى أو منحه حصة إضافية. ويحق للأب قبل وفاته ترك وصية تتضمن تخصيص حصة من تركته لإِحدى زوجاته أو إبنه المفضل، فيُطرح ذلك الجزء من التركة ويُقسم الباقي بالتساوي بين الورثة. وبالنسبة لأِخواتهم غير المتزوجات كان الأخوة يقتطعون حصة من التركة لتغطية المهر قبل اقتسام التركة بينهم. لذلك فالأرجح أن حصة الفتاة من الإرث هو مبلغ مهرها. ولم تترك قوانين حضارة وادي الرافدين أية حصة للزوجة عدا هدية زواجها شريطة أن تكون صادرة عن الزوج وموثقة رسمياً. ولا يحق للأبناء بالتبني المشاركة في التركة إلا إذا ترك الأب وصية رسمية، وكذلك الحال بالنسبة لأِولاد المحظية حتى وإن اعترف بهم أبوهم قبل أن يترك وثيقة رسمية بذلك. وفي حالة وفاة الزوج دون ترك وصية، للأرملة أن تستمر في العيش في بيته وأن تُراعى من قبل أولاده، ولكن بموجب القانون الآشوري، يُطرد الأرملة التي لا أطفال لها. فالقانون ينص باقتضاب قائلاً "لها أن تذهب حيث تشاء(31)." 3- الحياة اليومية كيف كانت الحياة اليومية للمواطن العادي في ربوع وادي الرافدين قبل حوالي أربعة آلاف عام؟.. يمكن القول أن جوانب عديدة من هذه الحياة بقيت كما هي حتى الوقت الحاضر أو على الأقل هناك أوجه شبه عديدة لهذه الحياة الحاضرة مع تلك في الأزمنة الغابرة. فالحياة اليومية للطبقة الارستقراطية وعلى رأسها صاحب السلطة بعيدة عن المقارنة بالحياة اليومية للرجل العادي من عامة الناس.."إذ لا يوجد شبه مهما كان نوعه بين حياة ملك بابل وآشور وبين حياة أي من رعاياه(32)." وكانت حياة سكان بابل في حدود 600 ق.م قريبة الشبه بشكل وثيق مع حياة سكان الشرق الاوسط قبل خمسين سنة مضت أو قبل ظهور الماكنة ذات الإحتراق الداخلي: شوارع مطينة شتاء ومتربة صيفاً، تضم صفوفاً متراصة من البيوت ذات الواجهات القديمة، وتتميز باعتدال الحرارة في داخلها، وتتطابق عموماً مع أي بيت عربي مشيد على الطراز القديم الموجود في بغداد وحلب ودمشق(33). وفي الأحياء المأهولة بشكل كثيف من بغداد، يمكن رؤية المظهر المجسّد لشوارع بغداد وأسواقها المكشوفة في الهواء الطلق، وهي تعرض ذات السلع والأدوات الصغيرة للحرفيين.. "ولا بد أن شهد حكم نبوخذ نصر ذات النوعية من الشواهد التي يمكن رؤيتها اليوم، وذات الرقصات التي تتألف من صفين من الراقصين الذين يتقدمون ويتراجعون بمصاحبة النسوة اللواتي كن يولولن (يهلهلن) ويصفقن بأيديهن طبقاً لرتابة الرقص، واللواتي لا بد وأن كن يسمعن نغمات ذات الأدوات الموسيقية(34)…" تشير الاكتشافات التاريخية إلى أن بيوت السكن في شمال وجنوب وادي الرافدين منذ أواخر العصر الحجري- المعدني وأوائل العصور التاريخية لم تكن مختلفة كثيراً عن البيوت التي انتشرت في المنطقة بعد ذلك التاريخ. إن أفقر أحياء المدن الكبرى- بغداد- في عصر المليارات النفطية تشبه عن قرب مدينة من مدن بلاد الرافدين في الألف الأول ق.م. كما أن الطراز البدائي للسكن (الكوخ) ما يزال قائماً في الريف العراقي، إضافة للأحياء الفقيرة في المدن (الصريفة). بينما البيوت الشرقية القائمة حالياً تشبه إلى حد بعيد البيوت البابلية. واستخدم ذات آلة الإنارة التي كان قد أستخدمها العراقيون قبل أن يصلهم الكهرباء (المسارج والمشاعل النفطية)(35). كان بناء البيت الذي يعيش فيه البابلي يحقق له مطلبين: الاستقلال (أو العزلة) لا سيما فيما يخص نسائه، والوقاية من حرارة شمس بابل المحرقة. حقق المطلب الأول بجعل الجدران الخارجية لمنزله بلا أبواب ولا نوافذ تقريباً، وترتيب أبواب الغرف داخل ساحة الدار (الحوش) فقط. وبذلك يكون بيت البابلي فناء واسعاً يحيط به مجموعة من الحجرات على كل جانب. وكان واضحاً أن البابلي يحب الخصوصية المنزلية، فكانت أبواب الغرف المؤدية من مدخل الشارع الرئيس مرتبة دائما بطريقة تجعل من المستحيل- حتى لو كان الباب الخارجي مفتوحاً- أن يُرى ساحة البيت من الشارع. "إن بيت البابلي كانت قلعته(36)." وبطبيعة الحال كانت ساحة البيت (الحوش) تتضمن المواقد (المطبخ) والتنور. وحقق المطلب الثاني بجعل جدران بيته سميكة مبنية من اللبن. عرف عن البابليين المقتدرين تناولهم أربع وجبات في اليوم: فطور سخي،غداء خفيف، وجبة ثقيلة، ثم وجبة خفيفة في المساء. وكانت وجبة الطعام تبدأ بجلوس أفراد العائلة حول المائدة، ويصب أحد العبيد الماء على أيدي الجالسين بدءاً برب العائلة، وتحت أيديهم طست (لقن). ثم يبدأ رب العائلة برفع الدعاء للآلهة، ويوضع الطعام على المائدة في إناء واسع واحد في الغالب ويأخذ كل منهم طعامه مستعملين أصابعهم، رغم أن السكاكين والشوكات كانت معروفة في العهد البابلي القديم. وشكلت لحوم البقر والغنم والماعز مواداً منتظمة في طعام الآلهة (المعابد) وكذلك المقتدرين من البابليين. وكان الفقراء لا يتناولون اللحم الاحمر إلا في الاحتفالات الدينية، وربما كانت تواتيهم فرصة أكل لحم الخنزير. وكانت الأسماك والدواجن من أسباب الترف إلا إذا كان من مواد طعام الأغنياء. (أُدخل الدجاج لبلاد الرافدين قبل قرن من عهد نبوخذ نصر). وشكلت المنتجات النباتية الجزء الأعظم من وجبات طعام عامة الناس، يتقدمها الشعير الذي يطبخ بالماء لإنتاج نوع من اليخنة أو العصيدة إضافة لعمل الخبز منه بواسطة التنور المعروفة والمستخدمة حالياً، ومن الخضر والفواكه المستخدمة: البصل، الثوم، الخيار، الحمص، الباقلاء، القرع، الكرنب، الفجل، التفاح، النبك، السفرجل، الخوخ، الرمان، التين، العنب، المشمش، التمر. وكان التمر يعتبر الغذاء الرئيس للطبقة الفقيرة، وكانت صناعة الدبس معروفة (ف12). ومن الطحين والزيت وعصير التمر (الدبس) تُصنع المعجنات والحلويات. ومن العنب والتمور تنتج أنواع عديدة من الجعة والخمور. كما وصنع من حليب الضأن والماعز اللبن والجبن والزبدة والدهن. وبعد تناول الطعام يمسح كل منهم فمه بمنديل من مناديل المائدة ويصب العبد الماء مرة أُخرى على أيديهم. والمعروف أنه بعد وجبة الغداء يذهب أفراد العائلة لحجرات نومهم للقيلولة (النوم بعد فترة الغداء). وكان أحد معاني الظهيرة هو (وقت الإستلقاء)- القيلولة خاصة أيام الصيف (37). هوامش الفصل الرابع عشر (1) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص186- 187.., Robinson,Jr.,P.48. (2) عبدالواحد،فاضل (و) سليمان، عامر، ص61..، كونتينو، جورج، ص28. (3) ساكز، هاري، ص71..، كونتينو، جورج، ص32. (4) رو، جورج، ص461. (5) كونتينو، جورج، ص32..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…"، ص61..، رو، جورج، ص461.. وقارن: شمّار، جورج بوييه، ص311. (6) باقر، طه، مقدمة في تاريخ...، ص536. (7) قارن: رو، جورج، ص291..، علي، فاضل عبدالواحد، سومر: اسطورة وملحمة، ص23. (8) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص187. (9) اوينهايم، ليو، ص93- 94. (10) كونتينو، جورج، ص41. (11) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص536- 537. (12) كونتينو، جورج، ص40..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، ص62. (13) كونتينو، جورج، ص45.., Robinson,Jr.,P.48. (14) نفسه، ص46..، رو، جورج، ص462. (15) الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص92. (16) ساكز، هاري، ص194. (17) كونتينو، جورج، ص47..، رو، جورج، ص184. (18) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص188- 189..، الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص87-88.., Weber,Max,The Agrarian Sociology of Ancient Civilization,Bristol,UK.,1976,P.94..,Hawkes, Jacquetta,P.185. (19) ساكز، هاري، ص13. (20) سليمان، امر، العراق في التاريخ، ص189- 190..، كونتينو، جورج، ص37. (21) ساكز، هاري، ص13..، كونتينو، جورج، ص36.., Hawkes,Jacquetta,P.179. (22) شمّار، جورج بوييه، ص278. (23) عبدالواد، فاضل (و) سليمان، عامر، ص57..، الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص90،94.., Weber,Max,P.94. (24) الهاشمي، جواد رضا، حضارة العراق، ج2، ص89،93- 94. (25) عبدالواحد، فاضل (و) سليمان،عامر، العراق في…، ص69- 70. (26) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص192- 193..، عبدالواحد، فاضل (و)سليمان، عامر، ص73..، الهاشمي، رضا دواد، حضارة العراق، ج2، ص94- 95. (27) الهاشمي، رضا جواد، حضارة العراق، ج2، ص96.., Hawkes,Jacquetta,P.1761-177. (28) ساكز، هاري، ص176..، كونتينو، جورج، ص34،36..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص76. (29) كونتينو، جورج، ص38. (30) نفسه، ص40.., Hawkes,Jacquetta,P.180-183. (31) نفسه،ص37. (32) نفسه، ص32. (33) رو، جورج، ص299. (34) كونتينو، جورج، ص499- 500. (35) نفسه، ص50- 51..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…،ص80- 87. (36) ساكز، هاري، ص199.., Robinson,Jr.,P.49. (37) نفسه، ص204- 205..، عبدالواحد،فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص87- 89. الفصل الخامس عشر العلوم والمعرفة دفعت سلسلة التطورات الحضارية لبلاد الرافدين منذ العصور الحجرية ولغاية بداية التاريخ مطلع الألف الثالث ق.م إلى الحاجة لنشوء وتطور العلوم والمعرفة والممارسات التقنية والعلمية لضبط مشاريع الري وإقامة السدود وشق الترع والسيطرة على مياه الفيضانات وصناعة التعدين والأدوات والآلات وضبط الفصول وقياس الزمن وغيرها.. وهكذا نشأت طائفة من العلوم والمعارف (الرياضيات، الجبر، الفلك، الطب، الكيمياء، البناء، النحت..). وفي جهودهم ودراساتهم خلَّفوا قوائم مطولة بِأسماء وأصناف الحيوانات والنباتات، هذا رغم المظهر السلبي في محاولة البابليين العملية المحضة حل مشكلة تصنيف النباتات المختلفة على أساس الرجوع لفوائدها واستعمالاتها الشائعة بدلاً من اعتبارات المبادئ العلمية(1). توفرت لدى السومريين والبابليين والآشوريين المواصفات المطلوبة لذهنية ذات توجه علمي بشكل حقيقي. امتازوا قبل كل شيء بتطلعهم الشديد لضروب المعرفة: جمع الرقم القديمة، تأسيس متاحف للآثار، جلب أنواع نادرة من النباتات والحيوانات غير المعروفة من مناطق بعيدة. كما اتصفوا بالصبر والولع بالتفاصيل، وأمتلكوا قوة ملاحظة نفاذة، ودرسوا الطبيعة بحماس مسجلين وموحدين كمية كبيرة من المعلومات الخالصة أكثر من توخي أغراضها العلمية(2). اشتهرت حضارة وادي الرافدين أنها خلَّفت الكثير من القوائم المطولة في كافة المجالات: الحوليات الملكية، أسماء الملوك وكبار رجالات الحاشية والعائلات النبيلة، قوائم بِأحداث متسلسلة ومؤرخة، جداول رياضية فلكية، قوائم طبية، قوائم بِأسماء وأصناف الآلهة، والمعابد والأعياد، النذر والشؤم.. "وكثيراً ما يطلق على علوم وادي الرافدين بشيء من السخرية اسم (علم القوائم)... ولكن ما يجب تأكيده أن التعليم كان في واقعه شفهياً فقط، وأن الوثائق التي بقيت ليست أكثر من (كتيبات) أو (ملازم جيب) لا يمكن الحكم عليها بإعتبارها مناهج مدرسية. فمن المؤكد أن البابليين كانوا يعرفون معلومات أكثر بكثير مما دونوها في كتاباتهم. دليل ذلك أن نقل ونصب كتل كبيرة من الحجارة وشق القنوات الطويلة لسحب المياه يستوجب بالأساس معرفة متقدمة لعدة قوانين فيزياوية(3)." يذكر المؤرخ بيروس- كاهن معبد بابل- الذي ترجم إلى اليونانية مؤلفات البابليين عن الفلك والتنجيم، ووضع عن بابل تاريخاً مفصلاً في ثلاثة أجزاء باليونانية (ضاعت مؤلفاته وبقيت فصول وإشارات إليها في مؤلفات بعض الاغريق) أحاديث قديمة جداً عن بداية حضارة وادي الرافدين. ووفقاً لما ذكره: رأى السكان البدائيون (الأوائل) ممن استوطنوا المنطقة الكائنة حول الخليج العربي مخلوقاً غريباً (خرافياً) عرف باسم (اونيس) OANNES كان نصف إنسان ونصف سمكة. يخرج هذا المخلوق من الماء ليقضي النهار بين الناس مرشداً إياهم لكل فرع من فروع المعرفة، ثم يرجع كل ليلة للاعماق. استمر ظهور مثل هذا المخلوق أربع مرات، وكان كل مخلوق يكمل العمل الذي بدأه سابقه. ونتيجة لهذا المفهوم عن المعرفة الموحى بها صارت هذه المعرفة ليست محترمة، حسب، بل ومقدسة أيضاً. وظهر التأثير الأول لهذا المفهوم في حصر انتشار هذه المعرفة، فأصبح من غير المناسب نشرها على نطاق واسع، بل وجب حصرها بين قلة مختارة جديرة بها. وهذا يعني أولاً وقبل كل شيء (الكهان) الذين يعتبرون قيمين عليها، وهم بدورهم يهبونها لمن يثبت أنه يستحقها وبخاصة المتمرنين(4). وكان السومريون أول من ابتكر فكرة مرور الإنسان في عصر ذهبي (الجنة) معتمداً ذلك على ما ورد في إحدى الأساطير التي تتحدث عن الأزمنة الغابرة.. "في تلك الايام لم تكن الحية في الوجود، ولم يكن العقرب، ولم يوجد الضبع والأسد، ولم يكن الكلب الوحشي ولا الذئب، لم يكن خوف ولا هلع، ولم يكن للإنسان من غريم… في تلك الأيام كانت أرض الشرق، موضع الخير العميم وموضع الأحكام العادلة... وكانت بلاد سومر ذات اللسان الواحد المنسجم، هي البلاد العظيمة التي نبعت منها أحكام الإمارة... وكان الشمال، الأرض المحتوية على كل ما يحتاج اليه، وكانت بلاد الغرب آمنة مطمئنة… كان الكون جميعه، والناس كلهم، يمجدون انليل بلسان واحد(5)." وفي إقراره بفضل حضارة وادي الرافدين على الحضارة الاغريقية والحضارة المعاصرة، يقول جورج رو "بالنسبة لنا نحن أبناء القرن العشرين يجدر بنا أن نعترف بديننا لسكان وادي الرافدين القدماء. وفي الوقت الذي نقدم فيه على كبح جماح الذرة ونعد أنفسنا لإكتشاف النجوم، فإن من العدل أن نتذكر بِأننا ندين للبابليين بالمبادئ الأساسية لرياضياتنا وفلكنا بضمنها نظامنا في الأرقام ذات القيمة المرتبية والنظام الستيني الذي ما نزال نقسم بواسطته دائراتنا وساعاتنا... هناك أيضاً الكثير من الأصول العراقية القديمة التي يمكن تحريها في الكتاب المقدس… وفي الواقع فإن الأساتذة الكلاسيكيين الذين وقفوا مبهورين لفترة طويلة أمام ما تدعى (المعجزة الاغريقية) بدءوا الآن يدركون كامل حجم الزخم الهائل للتأثيرات الشرقية على النواحي المولدة من الفكر والفن والأخلاق الاغريقية. وكان الشرق معتمداً بدرجة كبيرة على حضارة وادي الرافدين طوال الجزء الأكبر من الحقبة التاريخية ما قبل الكلاسيكية(6)." ورغم تسربله بالخرافات، تميز طب وادي الرافدين ببعض سمات العلم الإيجابي "وهو العلم الذي انتقل إلى الاغريق وعبَّد الطريق مع الطب المصري للقيام بالإصلاح الابقراطي العظيم للطب في القرن الخامس ق.م(7)." وهناك دلالات قوية على اكتشاف الرياضيين البابليين لما يسمى بنظرية فيثاغورس (القرن السادس ق.م) قبل فيثاغورس بِأكثر من 1500 عام(8). "ويوجد الآن اعتراف عام بِأن الأسطورة الايشوبية كانت لها سابقتها السومرية الاكدية، وأن كلكامش هو نسخة طبق الأصل من هرقل واوانيس مجتمعين. بينما تكشف لنا حالاً نظرة سريعة على التماثيل والدمى القديمة للقسم القاري الساحلي من بلاد اليونان تشابهاً قوياً مع الأعمال الفنية السابقة أو المعاصرة لها في بلاد وادي الرافدين… وإذا وجب تقديم عرض لتأثير حضارة وادي الرافدين على حضارة عظيمة في منزلة حضارة اليونان، عندئذ من البديهي التسليم بالاعتقاد الثابت بِأن حضارة وادي الرافدين قد أحدثت تأثيرات أعظم على البلدان الأُخرى في الشرق الأدنى." وحسب رو يذهب البروفسور روستو فنزيف، "وهو أحد العلماء القلائل المتخصصين عن جدارة بتاريخ العالمين الهيلين والشرق"، إلى أبعد من ذلك في استعراضه لتأثير حضارات وادي الرافدين على الحضارات الأُخرى، ووفقاً له "يتزايد بإطراد إدراكنا بعظم تأثير الفن البابلي والفارسي على التطور الفني في بلاد الهند والصين كلما تعمقنا في البحث والإستقصاء(9)." ويذكر الباحث السويدي زيتر هولم: ليست حضارات وادي الرافدين السومرية والبابلية أقدم الحضارات في التاريخ حسب، بل أننا نجد أنفسنا في هذه الحضارات- أساطيرنا وملاحمنا وحتى ديننا. نعم أن الكثير مما تعلَّمناه ناظرين إليه كإرث للاغريق واليهود يعود إلى هذه الحضارات.. هنا قبل 1500 سنة على اقليدس وهوميروس صيغت نظرية اقليدس وكتبت أول ملحمة في التاريخ. هنا ظهرت الحكايات والأساطير وقصص نشوء الخليقة والطوفان قبل أسفار موسى الخمس.. هنا منبع حكايات وقصص هابيل وقابيل.. لقد بنى السومريون الحضارة البشرية الأولى، وساهموا في نقل التطور البشري من العصر الحجري وعالم ما قبل التاريخ إلى عصر الزراعة والاستقرار وبناء الحضارة البشرية الأولى. السومريون هم أول من أوجدوا اللغة المكتوبة، وبنوا السدود والقنوات لزراعتهم، وثبتوا نظام التوقيت. كان السومريون معلمي الرياضيات لكل من الاغريق والعرب، خلَّفوا الأدب العلماني، وكتبوا الأمثال والقصائد والمجموعات الشعرية وملاحم البطولة، كما تركوا أقدم رسالة حب تعود إلى خمسة آلاف سنة (10). إنصبت جهود سكان وادي الرافدين في مجال الكيمياء على تطبيقاته العملية، وعرفوا المعادن ومعالجة المواد المعدنية وتنقيتها، وتميزوا بمهارة ودقة تصنيعها وتشكيل السبائك غير المألوفة(11). أما في مجال التاريخ فلم يفطن القوم لتحديد نقطة تاريخية لكتابة التاريخ على أساسها كما هو قائم حالياً بالنسبة للتاريخ المسيحي (الميلادي) والتاريخ الإسلامي (الهجري)، بل كانوا يؤرخون السنين حسب الحوادث المهمة، ومن ثم أدخل الكشيون (العصر البابلي الوسيط) طريقة جديدة تستند إلى تسلسل سني حكم الملوك(12). وفي حقل الجغرافية، تركوا "خارطة للعالم" بدائية (600 ق.م). إذ كانت فكرة القوم عن الأرض شديدة الغموض. فلم يلتفتوا إلى مشاكل تعريف علم الكون بسبب تركيز جهودهم على معرفة أنساب ونظام مجمع الآلهة. بينما تركزت أغلب النصوص الجغرافية على قوائم بِأسماء البلدان والجبال والأنهار والمدن بالإضافة إلى خطوط المواصلات "المفيدة جداً لتسهيل مهمة الأسفار والتجارة وتعريف المسافات بينها". لكن المثير للإعجاب طرقهم في رسم مخططات المدن والأراضي التي "هي نفس طرائقنا التي نستعملها اليوم". كما تبين وثائق بيع الضياع والحقوق والبيوت درجة متطورة من المعرفة الرياضية لتذليل مشاكل المسح، ودقة متناهية في رسم مخططات المدن، كما في مخطط نفر. "وقد أثبت هذا المخطط أنه يتطابق تطابقاً عجيباً مع المخططات التي رسمتها البعثة الامريكية أثناء تنقيبها في المدينة(13)." وأخيراً، أبدع أهل وادي الرافدين في مجال الفنون والعمارة، لكونها أحد الحقول الأكثر قرباً لخدمة الآلهة- المعبد والقصر. لذلك ترك فن وادي الرافدين أثره حتى على وادي النيل، بالإضافة إلى اليونان، كما هو واضح في العمود الايوني الذي يرجع أصله إلى بلاد سومر، إذ كان رمزاً دينياً في العصر الشبيه بالكتابي. وترجع أصول المعرفة بـ "شجرة الحياة" وانتشار تسميتها إلى الفن السومري، فقد جاء ذكرها في سفر التكوين من التوراة عند الحديث عن خطيئة آدم وحواء في جنة عدن(14).
الكتابة والمدرسة تشكل الكتابة باعتبارها أداة التدوين، الإنجاز الأعظم لحضارة وادي الرافدين. تحقق لأِول مرة في تاريخ البشرية قبل أكثر من خمسة آلاف سنة بدءاً بالكتابة الصورية (العصر الشبيه بالكتابي) ولغاية الكتابة المسمارية (العصر التاريخي) ولتستمر مستخدَمة حتى آخر أدوار هذه الحضارة. عُثر على نص مسماري معروض في متحف بغداد يعود إلى سنة 50 ق.م(15). واكتشفت أقدم وثيقة تتضمن كتابة صورية في اوروك (الوركاء) تعود إلى نهاية الألف الرابع ق.م، قبل أن تتطور إلى الكتابة المسمارية في حدود منتصف الألفية الثالثة ق.م. وهكذا كانت للحضارة السومرية الفضل في نقل لبشرية من ظلام (أميتها) التي استغرقت أكثر من 99% من عمر الإنسان على هذه الارض والممتدة بحدود 2-3 مليون سنة(16). وتسمية الكتابة السومرية بـ "المسمارية" cuneiform مشتقة من اللاتينية: cunei "مسمار" وform "شكل". ذلك أن العلامات المسمارية تتكون من رؤوس مدببة تشبه المسامير. وتحقق إكتشافها إرتباطاً بنمو الحاجة لحفظ سجلات بإِيرادات ومصروفات المعبد، علاوة على نمو اقتصاد دولة المدينة(17). كانت المدرسة معروفة منذ بداية استخدام الكتابة وسيلة للتدوين (الألف الثالث ق.م). كما وردت إشارت لوجود المدرسة منذ العهد السومري كمؤسسة تعليمية. والحزورة السومرية التالية تلمح إلى معنى المدرسة: بيت بأسس السماء، البيت الذي يشبه وزة واقفة على قاعدة متينة، يدخلها المرء بعيون مغلقة، ويخرج منها بعيون مفتوحة، فما هي؟.. أطلق السومريون على المدرسة اسم (أي- دبا) edubba- بيت الألواح tablet house- وسمي التلميذ (إبن بيت الألواح). وكانت المعابد تنظم المدارس في بداياتها المبكرة، وشكلت جزءاً ملحقاً بها، وأشبه ما تكون بمؤسسة دينية لتدريب الكهنة والأشخاص الذين يلتحقون بوظائف الكتبة في خدمة المعابد والقصور. ومع تطور أركان الدولة والمؤسسات الاجتماعية، خاصة بعد العام 2000 ق.م (العهد البابلي القديم) عندئذ ظهرت المدارس الرسمية خارج المعابد تحت إشراف القصر والكهنة. وكان التعليم يشمل، بالإضافة للكتابة، فروعاً من العلوم والمعارف للقادرين على المواصلة: الرياضيات، الفلك، الطب، الأدب، الموسيقى، القانون.. كما استخدم الخط المسماري لتدوين اللغتين السومرية والاكدية. لكن صعوبة تعلم الخط المسماري والتكاليف العالية نسبياً التي تطلبتها مهمة تعلمها على مدى سنوات عديدة جعلتها محصورة في عائلات معينة يتوارثها الأبناء من الأباء لأِجيال عديدة(18). وربما اقتصرت المدرسة على الأولاد الذكور، حيث لم يرد نص بذكر المرأة- عدا الكاهنات حيث كن متعلمات- رغم اكتشاف حالة موثقة عن إمرأة كاتبة وطبيبة. وهذا يُشير إلى إحتمال حصول قلة من الإناث على تعليم خصوصي. يضاف إلى صعوبات الكتابة السومرية وعدم تطورها للمرحلة الهجائية، كثرة علاماتها في البداية لتتجاوز 2000 علامة، أمكن اختزالها إلى حدود 800 علامة في نهاية عصر فجر السلالات (2600 ق.م) ولم تنخفض عن 600 علامة في المراحل التالية(19). كما وجدت مكتبات لحفظ الرقم في سلال معمولة من الطين والقصب ويوضع معها بطاقة تعريفية، لكن أهم وأكبر المكتبات التي عرفتها حضارة وادي الرافدين هي مكتبة آشور بانيبال(20). ويبدأ التدريس في سن مبكرة دون العاشرة، وإذا كان الولد تلميذاً نهارياً عليه النهوض مع شروق الشمس وأخذ طعامه (غدائه) معه للمدرسة. وإذا وصل متأخراً فإنه يُضرب بالفلقة، وينتظره نفس المصير لأِي مخالفة يرتكبها أثناء الدوام الرسمي أو لإِخفاقه في أداء واجباته على نحو مرضٍ(21). عُرِفَ مدير المدرسة باسم "أب المدرسة" School Father، ولُقّب المدرس "الأخ الأكبر" Big Brother، وكان المعلم محل تقدير وتبجيل. يخاطب أحد الطلبة السومريين معلمه " أنت إِله، وحيث أن الإِله يصنع الإنسان فأنت إِلهي لأِنك صنعت في الإنسان(22)." وكان المنهج الدراسي طويلاً وصارماً، يستغرق سنوات طويلة ويتطلب تفرغاً كاملاً، ويعتمد الحفظ أساساً، خاصة في المرحلة المبكرة. وكان أول شيء يترتب على التلميذ هو أن يصبح حاذقاً في اللغة السومرية. ويتمرن على استنساخ واستظهار قوائم طويلة لأسماء ومصطلحات. وإذا أحرز تطوراً وافياً في أساسيات حرفته أمكنه مواصلة دراسته في فرع من فروع العلوم المختلفة. والجدير بالذكر أن العلاقات الشخصية كانت تؤثر في موقع الطالب. تذكر وثيقة مدونة حوالي 2000 ق.م بأن نتائج أحد الطلاب كانت سيئة وتعرض للضرب كثيراً لسوء أدائه إلى حدود أصبح كارهاً للمدرسة. تغيرت الحالة عندما بادر والده الغني دعوة مدير المدرسة لمنزله. وبعد تزييته من قبل الخدم وتقديم الطعام له وثوب جديد وشيء من الراتب الإضافي ووضع خاتماً في إصبعه، تغيرت العلاقة بين المدرسين وبين التلميذ الغني..(23)! ولعلَّ جميع فئات الكهنة تلقوا تدريبهم الأول بصفة كتبة على الرغم من أن المؤهلات الخاصة بالكهنوتية أشد صرامة من تدريس اللغة وتعلم الكتابة، ولم تكن أبواب الكهنوت مفتوحة للجميع. فمثلا اشترط بالنسبة للعرافين أن يكونوا من ذوي المولد النبيل والبنية السليمة (ف10/3). وكان مطلوباً من أي شخص في أي وظيفة في المعبد لغاية الألف الأول ق.م أن يكون سليم البدن (24). احتل الكاتب أهمية اجتماعية عالية في حضارة وادي الرافدين، وكان صاحب هذه المهنة يحقق منزلة رفيعة prestige(25). يذكر نص سومري "الكتابة هي أم الخطباء وأب التلاميذ (26)." وكان الكاتب الجيد هو من أتقن معرفة مهنته جيداً. وهذا يتطلب فيه قوة الذاكرة(27). وعُرف الكاتب الجيد من قدرته على سرعة إنجاز ما يدونه "الكاتب الذي تتحرك يده بسرعة حركة الفم نفسها هو الكاتب الذي ينفعك(28)." ولعلَّ من الطريف ملاحظة أن التقليد الخاص بكتابة الرسائل، على الأقل في بعض مواصفاتها، لا زالت متبعة حتى الوقت الحاضر، إذ اتصفت بالجمود، خاصة ما يتعلق بالفاتحة والخاتمة(29). هل كانت المنزلة العالية للكاتب محصوراً في العصر السومري، أو العصر السومري والبابلي فقط؟! لقد عثر المنقبون على لوح يعود إلى العصر الآشوري الحديث يذكر فيه أحد الآشوريين "إن بيت كبير الكتاب حقير جداً حتى أن الحمار لا يرضى أن يدخله." علَّقS. Parpola - جامعة هلسنكي- على ذلك بقوله "إن العلم وحياة الترف لا يتماشيان سوية بصورة عامة، وأن هذه الحالة السيئة تبدو صحيحة في الأزمان القديمة كما هي اليوم(30). ابتكر السومريون مع بدء الكتابة رموزا للأرقام ونظامين للعد أحدهما النظام العشري والآخر النظام الستيني(31). "إن للسومريين فضل كبير علينا في تقسيم اليوم الذي اعتبروا شروق الشمس بداية له، فقسموه إلى أثنى عشر ضعفاً للساعة، أي أربعة وعشرون ساعة، ثم قسموا كل (نصف ساعة) إلى ثلاثين جزءاً…" وقد اقترح الفلكي الاغريقي (كديناس) اعتبار بداية اليوم من منتصف الليل لتحمله خطأ أقل في القياس الذي يسببه الحساب بشروق الشمس. وكان لنظام توزيع الدائرة إلى 360 درجة واليوم إلى 24 ساعة أن نتجت في النهاية منطقة البروج التي وسعَّت مجال علم التنجيم(32). أما الصفر فلم يُعرف إلا في عهد الإحتلال السلجوقي في القرن السادس ق.م. ونضج استعماله على أيدي الرياضيين العرب(33).
الرضيات والفلك عرف رياضيو وادي الرافدين العمليات الحسابية الأربعة، وتركوا جداول للضرب ومربعات الأعداد ومكعباتها وجداول لوغارتمات بعض الأعداد. وكانت الطرق البابلية جبرية في أساسها، واستطاعوا منذ الحقبة البابلية القديمة حساب أعداد كالجذور التربيعية والتكعيبية وحل المعادلات التربيعية (الدرجة الثانية)(34). كما اتسمت الرياضيات البابلية بسمتين: النظام الستيني، واستخدام نظام القيمة المرتبية، وكان لهما فضل جمّ في حل العمليات الحسابية(35). كذلك تضمنت الوثائق المكتشفة في مدينة اشنونا (تل اسمر) نصاً لنظرية هندسية تشبه (نظرية فيثاغورس)(36). انطلقت حاجة حضارة وادي الرافدين لدراسة حركة الأجرام السماوية من عاملين مترابطين: أولهما ديني يتعلق بعلم ما وراء الطبيعة، وثانيهما عملي لخدمة الدين، يتمثل بعلم الكرونولوجيا (تقسيم الزمن إلى فترات وتعيين تواريخ الأحداث وفق تسلسلها الزمني). فطبقاً للعقيدة السائدة بِأن الأحداث التي تقع في الأرض هي انعكاس لأِحداث تحققت في السماء، يمكن التعرف على أحوال الآلهة عن طريق دراسة الكواكب والنجوم (علاوة على المظاهر الطبيعية- الكونية الأخرى). وهذه المعرفة توفر إمكانية التنبؤ بالمستقبل الخاص بالأرض من خلال معرفة رغبات الآلهة وتنفيذها، ومن ثم تلطيف عقابها للبشر. "من هنا جاءت روحية الشكوكية المأساوية التي تحددت بها أسس فلسفة أرض وادي الرافدين. ولهذا كان التنجيم هو أساس علم الفلك(37)." وعلى ذلك، اعتبر علم الفلك وسيلة وليست غاية، وفائدته الرئيسة هي أن يستخدم كدليل لأِهداف علم النجوم (التنجيم) وتلبية رغبات الآلهة. وفي العام 1100 ق.م تبنّى الآشوريون هذا العلم وأخذوا التقويم عن البابليين. وكان هذا التقويم القمري- الشمسي يتألف من أثنى عشر شهراً وكل شهر من ثلاثين يوماً. ولأِن هذه الدورة تتألف من 360 يوماً، عليه أضيف شهر كبيس في فترات منتظمة. ومن الناحية العملية أثبت هذا التقويم خلوه من عيوب مشكوك فيها(38). ونجح الفلكيون (الكهنة) تقرير وقت بدء الشهر القمري الجديد وحساب التاريخ المضبوط وإبلاغه للملك الذي كان يقوم بنفسه بإعلان بدء الشهر. وكانت أجهزة القياس التي يستخدمونها بسيطة لا تتجاوز الساعة المائية water clock والساعة الشمسية (المزولة) sundial. "ولم يتقيد الفلكيون بإنتظار الظهور الفعلي للقمر ليحددوا بداية الشهر الجديد، بل أنهم كانوا يحيطون الملك علماً بظهور النجوم والشمس والقمر المتوازية في مواعيد دقيقة تحدد الاعتدالات الفصلية وأوقات الخسوف والكسوف(40)." كما ترك الفلكيون قوائم بِأسماء النجوم المرتبة في منطقة من مناطق السماء التي كانوا يعرفونها، وميَّزوا بين الكواكب السيارة والنجوم الثابتة، واستطاعوا عن طريق الرصد والحساب تأليف جداول بالنجوم الثابتة مع سجلات للمسافات الفاصلة بينها. وعرفوا منذ وقت مبكر تحديد "طرق" الشمس والكواكب السيارة وقسموها إلى أثنتي عشرة "محطة" قُسمت بدورها إلى ثلاثين درجة (وهذا هو أصل دائرة البرج ADIAC).. "وقد جاءت جداول الآهِلة والأقمار وخسوفاتها المرسومة من قبل (بنوريماني)… في بداية القرن الرابع ق.م صحيحة بشكل لا يُصدَّق. ثم قام (كدنيو)- سيديناس- وهو "أعظم الفلكيين البابليين قاطبة" والذي زاول نشاطاته الفلكية حوالي العام 375 ق.م- بإعطاء الأمد المضبوط للسنة الشمسية بخطأ لا يزيد على أربع دقائق و32.65 ثانية. ولقد كان خطأه في حساب قيمة حركة الشمس من نقطة تقاطع المدارين أقل في الحقيقة من الخطأ الذي ارتكبه الفلكي المحدث (اوبولتزر) العام 1887م(41)."
الطب والتطبيب كان الطب، كما هو حال بقية مجالات المعرفة- فناً أكثر منه علماً. وارتبط العلاج الطبي أساساً بمعتقدات القوم الدينية. إذ كان الاعتقاد السائد أن المرض ناجم عن خطيئة (إِثم/ ذَنبْ) الإنسان وإغضابه للآلهة. وهذه الخطيئة تدفع الآلهة المهانة إلى توجيه ضربتها بشكل مباشر للآثم. من هنا يلاحظ أن شريعة حمورابي وأحجار الحدود والمعاهدات السياسية كافة تطلب من الآلهة إنزال كافة أشكال "الدواهي الخطيرة" و "العلل المميتة" بحق من يقدم على إتلاف أو تحريف الوثيقة. وكان الاعتقاد السائد أن بوسع الآلهة أن تطلق (الأبالسة) لتستحوذ على الشخص الآثم بحيث يهاجم كل ابليس عضواً معيناً من جسده، وبإمكانها جعل الإنسان- رجلاً كان أم إمرأة- يخر صريعاً لنوبة يسلطها ساحر أو ساحرة (السحر الاسود). كما أن الأمراض يمكن أن تُسَلَّطْ عن طريق عين شريرة أو نفس قذر. ولما كانت علة الروح تتطلب التطهير الروحي، فقد كان العلاج الغالب في مثل هذه الأحوال ذا منحى ديني بهدف اكتشاف الذنب الكامن المسؤول عن إثارة غضب الآلهة ومعالجته من جهة، ثم العمل على طرد الشياطين من خلال الطقوس والتعازيم والرقى السحرية. ويجري استرضاء الآلهة بإِقامة الصلوات والأدعية وتقديم القرابين. وكان الممارسون لهذه الطقوس هم الكهنة بطبيعة الحال(42). وإلى جانب هذا الطب الكهنوتي أو التطهير الروحي، وجِدَ كذلك طب شعبي يتكامل معه وفي خدمته، غرضه معالجة المرض أو تطهير الجسد. وكان يعتمد بشكل رئيس على أنواع متعددة من الأعشاب ومنتجات حيوانية وقليل من مواد معدنية، علاوة على بعض العمليات الجراحية التي مارسها الجراحون البابليون والآشوريون دون أن يسجل الكتبة تفصيلات هذه العمليات الجراحية التي بقيت المعلومات الأثرية عنها ضئيلة. بمعنى أن علاج المريض قام- غالباً إن لم يكن دائما- على مرحلتين: الأولى التطهير الروحي، والثانية التطهير الجسدي. وعموماً أظهرت النصوص المسمارية وجود أطباء حقيقيين في ميزوبوتاميا، رغم اعتقادهم بالأصل ما فوق الطبيعي لأِكثر الأمراض، وميَّزوا مسبباتها الطبيعية كالتربة والقاذورات والطعام والشراب وحتى العدوى. ووردت نصوص تصف أمراض وعلاج الصرع وحصاة المثانة واليرقان الشديد. وكانت تتم محاولة معرفة ما يشكو منه المريض أولاً بفحص: حرارة جسمه، نبضه، الصداع، السعال، شعوره بالدوار (الدوخة). ثم تقرير العلاج المناسب. وهكذا وجد دائما إلى جانب الطب الكهنوتي (اشيبو) طب عملي (اسو) عقلاني الطابع مفيد(43)، رغم أن الأخير ظلَّ متغيراً تابعاً للطب الكهنوتي وفق معتقدات القوم بأن الأمراض هي عقاب من الآلهة بسبب ارتكاب الخطيئة. ولقد سبق الحديث أن طب وادي الرافدين- إلى جانب طب وادي النيل- مهَّد للقيام بالإصلاح الابقراطي العظيم للطب. ولكن رغم استمرار هذا الطب قائما أكثر من ألف عام فإنه لم يحرز سوى تقدم بطيء جداً، لأِن أطباء حضارة وادي الرافدين، شأنهم شأن فلكييهم، أسسوا فهمهم على مبادئ ميتافيزيقية منعتهم من البحث عن تفسيرات عقلانية لمنشأ الأمراض.
هوامش الفصل الخامس عشر (1) كونتينو، جورج، ص382- 384. (2) رو، جورج، ص480. (3) نفسه، ص482- 483. (4) كونتينو، جورج، ص362. (5) الراوي، فاروق ناصر، "العلوم والمعارف"، حضارة العراق، ج2، ص270- 271..، باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص35..، ديلتش، فردريك، ص34. (6) رو، جورج، ص567- 568. (7) نفسه، ص495. (8) علي، فاضل عبدالواحد، العراق في التاريخ، ص288..، الراوي، فاروق ناصر، حضارة العراق، ج2، ص310- 312. (9) رو،جورج،ص565-570... ايشوب ESOP (620-؟) مؤلف اغريقي للاساطير على لسان الحيوانات،والايشوبية نسبة اليه. (10) Zeterholm,Tore;Igår hade vi Nebukadnessar-En bok om IRAK, Lund, 1991, P.12, 20-21, 27, 37.., Robhnson, Jr., P.49, 52. (11) كونتينو، جورج، ص385..، رو، جورج، ص483..، الراوي، فاروق ناصر، حضارة العراق، ج2، ص340- 346. (12) سليمان، عامر، لعراق في التاريخ، ص226. (13) كونتينو، جورج، ص374- 375.., Robinson,Jr.,P.50. (14) علي، فاضل عبدالواحد، العراق في التاريخ، ص289- 290. (15) اسماعيل، بهيجة خليل "الكتابة"، حضارة العراق، ج1، ص228- 229. (16) باقر، طه، مقدمة في أدب…، ص31- 32.., Hallo,William W,P.151. (17) علي، فاضل عبدالواحد،سومر: اسطورة وملحمة، ص24.., وايضاً: The Postage, Nicholas,P.26..,Hammond,Mason,P.27. (18) اسماعيل، بهيجة خليل، حضارة العراق، ج1، ص262- 265..، علي، فاضل عبدالواحد، سومر: اسطورة وملحمة، ص34. (19) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص223- 224..، كونتينو، جورج، ص300..، ساكز، هاري، ص83..، علي، فاضل عبدالواحد، سومر: اسطورة وملحمة، ص26. (20) اسماعيل، بهيجة خليل، حضارة العراق، ج1، ص256- 270..، رو، جورج، ص479..،سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص224. (21) ساكز، هاري، ص84- 85. (22) الماجدي، خزعل، الدين السومري، ص32..، Hawkes,Jacquetta,P.217...، بوستغيت، نيكولاس، ص18- 19..، كونتينو، جورج، ص301..، ساكز، هاري، ص85-86. (23) نفسه، ص87.., Postage, Nicholas, P.14. (24) نفسه، ص77. (25) اسماعيل، بهيجة خليل، حضارة العراق، ج1، ص241- 242. (26) كونتينو، جورج، ص301. (27) بوستغيت، نيكولاس، ص19. (28) كونتينو، جورج، ص358. (29) علي، فاضل عبدالواحد، سومر: اسطورة وملحمة، ص46- 47. (30) كونتينو، جورج، ص296- 297..، ساكز، هاري، ص90. (31) كونتينو، جورج، ص468- 469. (32) قارن: الراوي، فاروق ناصر، حضارة العراق، ج2، ص300..، سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص230..، رو، جورج، ص485. (33) ساكز، هاري، ص91. (34) كونتينو، جورج، ص485. (35) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص 183. (36) رو، جورج، ص486..، وايضاً: ساكز، هاري، ص95. (37) كونتينو، جورج، ص376- 377. (38) نفسه، ص379..، رو، ورج، ص487..، الراوي، فاروق ناصر، حضارة العراق، ج2، ص321-322..، كونتينو، جورج، ص379. (39) كونتينو، جورج، ص380. (40) رو، جورج، ص487- 488. (41) اوينهايم، ليو، ص381..، كونتينو، جورج، ص485..، عبدالواحد، فاضل (و) سليمان، عامر، العراق في…، ص234.., Hawkes,Jacquetta,P.231. (42) كونتينو، جورج، ص492- 494..، اوينهايم،ليو، ص381..، ساكز، هاري، ص89. (43) رو، جورج، ص495. د. عبد الوهاب حميد رشيد، حضارة وادي الرافدين، ميزوبوتاميا،" العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية" STOCKHOLM – SWEDEN, ISBN 978-91-633-7539-2
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميزوبوتاميا،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
ميزوبوتاميا4: -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
ميزوبوتاميا 3،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكا
...
-
الكشف عن فضائح الفساد في العراق قد يُجسّد ظاهرة سياسية دموية
...
-
أوباما يفوز جولة في سعيه لحبس الأمريكيين دون محاكمة
-
ميزوبوتاميا2، -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
مرحبا بكم في معسكرات العمل الأمريكية: استخدام قوانين الالتزا
...
-
ميزوبوتاميا 1..العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
بغداد تحظر البيرة (المشروبات الكحولية).. لماذا يٌشكل هذا الح
...
-
العراق ما يزال يدفع الثمن بعد اتهامه زوراً بأحداث 11 سبتمبر
-
نشطاء مصر يُبادرون بحملة جديدة ضد قرض صندوق النقد الدولي
-
أكثر من 50 مليون يواجهون الجوع في الولايات المتحدة الأمريكية
-
القرض المقدم من صندوق النقد الدولي لمصر.. إجابات صحيحة، أسئل
...
-
قراءة في كتاب* المبحث الرابع: الديمقراطية ومعضلة المرأة
-
قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي- المبحث الثالث
-
قراءات في كتاب.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي.. المبحث الث
...
-
قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي
-
قراءات في كتاب:*
-
ليبيا: حرب الجميع ضد الجميع!؟
-
أنت مقبوض عليك Youre nder Arrest
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|