|
ميزوبوتاميا،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية-
عبدالوهاب حميد رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 3865 - 2012 / 9 / 29 - 11:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الفصل الرابع العصــر الاكــدي (سرجون) مع أواخر عصر دول المدن السومرية، ظهرت حركة من وسط السهل الرسوبي غيَّرت مجريات الأحداث التي انحصرت طوال عصر فجر السلالات في قلَّة من دول المدن المتصارعة لتي كانت تؤلف بلاد سومر. قاد هذه الحركة ضابط مجهول الاسم مشهور اللقب (سرجون) ومعناه (الملك الحق) أو (الملك الصادق). وجاءت تسمية القوم بـ (الاكديين) من اسم مدينة (اكد/ اكادة) التي بناها مؤسس السلالة الاكدية (سرجون) واتخذها عاصمة لإمبراطوريته التي شغلت الفترة 2334- 2154 ق.م (أو) 2371-2230 ق.م. لم يكتف سرجون (2371- 2316 ق.م)- الذي حكم 55 عاماً- ومن أعقبه من الحكام الاكديين- بالسيطرة على دول المدن السومرية، حسب، بل هيمن على كامل حوض دجلة والفرات، محققاً لأِول مرة وحدة بلاد الرافدين. كما تابع فتوحاته إلى البلدان المجاورة، فامتدت الإمبراطورية الاكدية من طوروس إلى البحر الأسفل، ومن زاكروس إلى البحر الأعلى، متضمناً أجزاء من بلاد الشام وآسيا الصغرى وبلاد عيلام، ومجسِّدة أول إمبراطورية في التاريخ القديم. وبذلك حق اعتبار سرجون من أوائل الفاتحين في التاريخ القديم(1). من هو (سرجون)، وكيف استطاع الوصول إلى السلطة؟ في نص مسماري آشوري يعود للقرن السابع ق.م وصفٌ أسطوري لولادة سرجون ورد على لسانه، يشبه قصة موسى في التوراة(2). "أنا سرجون، الملك العظيم، ملك اكد (اكادة)… كانت أُمي كاهنة عليا، ولم أعرف أبي. مدينتي هي آزوفيرانو (مدينة الزعفران على الفرات). حملت أُمي بي ووضعتني سرا وأخفتني في سلَّة مقيرة من الحلفاء وغطتني ورمتني في الماء، فلم يغرقني النهر بل حملني إلى (آكي) سقاء الماء، فانتشلني (آكي) بدلوه، وربّاني واتخذني ولدا وعينني بستانياً عنده. وبينما كنت أعمل بستانياً أحبتني الإِلهة عشتار فتوليت الملوكية…" ويرتبط تفسير رميه في الماء باحتمال كون أُمه كاهنة عليا فئة (اينتم) ENTUM التي حُرّم عليهن إنجاب الأطفال(3). بدأ سرجون حياته في مدينة كيش، وكان من مقربي ملكها (اور- زبابا) وساقياً في بلاطه. أما ظروف استيلائه على الحكم في كيش فهي غير معروفة تاريخيا. فبشكل ما استطاع حامل الكأس الملكي الإطاحة بسيده وهجم على اوروك حيث كان لوكال زاكيري حاكمها والسيد الأعلى لبلاد سومر، فالحق به هزيمة منكرة، وألقى القبض عليه، وجلبه إلى كيش في "ياقة كلب" وعرضه سجيناً في قفص أمام معبد الإِله (انليل) في نفر(4). استمر سرجون في معاركه الظافرة مع دول المدن السومرية على طريق توحيد بلاد سومر واكد ومن ثم بناء الدولة الوطنية الموحدة "لقد انتصر سرجون، ملك كيش، في أربع وثلاثين معركة (على المدن الممتدة) إلى حافة البحر، وهدم أسوارها...(5)" يرى البعض أن وصول الاكديين إلى الحكم جاء على أكثر احتمال نتيجة "رد فعل مُدبَّر ضد الاضطهادات الوحشية التي مارسها لوكال زاكيري، ملك الوركاء..." الذي فرض "حكمه الحديدي" على بلاد الرافدين بـ "الحديد والنار" خلال ربع قرن. وهكذا انتهى هذا "الحكم الاستبدادي" على يد سرجون الاكدي(6). لكن واحدة من المفارقات التي ظهرت بين الزعيم السومري وبين الزعيم الاكدي هو أنه: في حين أكدت كتابات لوكال زاكيري، احتفالاً بالنصر، السلام والرفاهية الذي حمله للبلاد، فإِن كتابات سرجون تتباهى بقدرة الملك العسكرية والمعارك التي انتصر فيها والمدن التي استولى عليها والحكام الذين دحرهم(7). جاءت نهاية لوكال زاكيري خاتمة لعصر تاريخي- حضاري- وفاتحة عصر جديد في تاريخ حضارة وادي الرافدين: زوال عصر دول المدن السومرية (عصر فجر السلالات) وبداية العصر الاكدي وانتقال السلطة السياسية إلى الاكديين. هذه السلطة التي اتسعت بالفتوحات الخارجية إلى إمبراطورية هي الأُولى في التاريخ القديم. كما تميز العصر الاكدي بتطبيق النظام المركزي وظهور أول دولة موحدة تضم جميع بلاد الرافدين، واعتماد سرجون على القوات الاكدية في تكوين نخبته العسكرية. وأصبحت للاكديين الأفضلية على السومريين بتعيين حكام اكديين في دول المدن السومرية. كذلك برزت اللغة الاكدية لغة رسمية في الكتابات الملكية، رغم أن سرجون أولى احتراما كبيراً للمؤسسات الدينية السومرية(8). سقطت الإمبراطورية الاكدية، بعد أن استمرت زهاء 200 سنة، على يد الكوتيين، وهم من أقوام جبال زاكروس المتاخمة لحدود البلاد الشمالية الشرقية. ولا يُعرف شيء عن أصلهم ولغتهم، وهم من الأقوام التي وصفت بالهمجية والوحشية "ثعابين الجبال". اتصفت فترة احتلالهم التي دامت حوالي القرن الواحد بغياب الاستقرار السياسي والتراجع الحضاري، وتُعَد من الوجهة التاريخية أُولى الفترات المظلمة في مسيرة حضارة وادي الرافدين. ومن الأسباب التي قادت إلى إنهيار الإمبراطورية الاكدية استنزاف طاقاتها في الحروب وفي إخماد الثورات وحركات التمرد في المدن والاقاليم التابعة داخل وخارج البلاد. "بيد أنها أرست مثلاً لم يغب عن الأذهان أبداً، فقد أصبح حلم كل الملوك الذين أعقبوا سرجون منذ منتصف الألف الثالث ق.م وحتى سقوط بابل العام 539 ق.م هو إعادة وحدة وادي الرافدين وبلوغ ما يمكن تسميته بحدودها الطبيعية(9)." اشتهر من بين ملكوك اكد، عدا سرجون، الملك الرابع نارام- سين (2260 ق.م)، حفيد سرجون الذي ورث الكثير من طباع جده في الطموح والقيادة خلال فترة حكمه التي دامت 37 عاماً. فرغم مواجهته مختلف أشكال العصيان في إمبراطوريته لكنه سحقها جميعا، بل ووسع حدودها. عُرف عهده بالازدهار. وفي منتصف عهده لقب نفسه "ملك الجهات الاربع"، أي ملك العالم. كما قُدِّس في حياته وبعد مماته(10). ويظهر أن ظروف نشوء وسقوط الإمبراطورية الاكدية تقدم نموذجاً لرؤية مستقبلية تتكرر لاحقاً لمسيرة ازدهار وسقوط إمبراطوريات بلاد الرافدين اللاحقة، والتي تميزت عموماً بتوسع سريع (حروب خارجية) تعقبه تمردات وثورات وحروب داخلية، لتتفاعل هذه الحروب المستمرة وتقود إلى إنهاك قواها العسكرية- البشرية والمادية- تنتهي باحتلال أجنبي يقوم به الكوتيون أولاً ثم العيلاميون والكاشيون والميديون والفرس لاحقاً. "إن حضارة بلد مثل العراق ترتكز على الزراعة والأشغال المعدنية (والتجارة)، تتطلب شرطين أساسيين كي تستمر في الحياة والنمو. وهذان الشرطان هما التعاون الوثيق بين مختلف المجاميع الرسمية والسياسية والاجتماعية داخل البلد نفسه، والموقف الودي، أو على الأقل المحايد، من قبل سكان المناطق المجاورة. ولسوء الحظ لم يستمر أي من هذين الشرطين قائماً مدة طويلة(11)." المفارقة الواضحة هي أن هذين الشرطين إذا كانا مطلوبين قبل أكثر من خمسة آلاف سنة فهما لا زالا مطلوبين للعراق المعاصر!! هوامش الفصل الرابع (1) ديلتش، فردريك، بابل والكتاب المقدس (مترجم)، دمشق 1987،ص15- 16..، باقر،طه، مقدمة في تاريخ…، ص324..، رو، جورج، ص208- 209.., Hammon,Mason,P.50-51. (2) باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص14.., Robinson,Jr.,P.39-41. (3) ساكز، هاري، ص107..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ….، ص362- 363..، باقر، طه، مقدمة في ادب…، ص139- 141. (4) علي، فاضل عبدالواحد، العراق في التاريخ، ص75..، رو، جورج، ص209.., Hawkes,Jacquetta,P.69. (5) سليمان، عامر، ص154. (6) بارو، اندري، ص221. (7) بوستغيت، نيكولاس، ص77.., Hallo,William W.,P.54. (8) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص84،324..، رو، جورج، ص21. (9) رو، جورج، ص221.., Hawkes,Jacquetta,P.71-72. (10) Hallo,William W.,P.60-61. (11) رو، جورج, ص217- 218.
الفصل الخامس سلالة (إمبراطورية) اور الثالثة (اور- نمو) تميزت فترة الاحتلال الكوتي بعدم الاستقرار وعدم الشمولية، وأخذت سيطرتهم بالضعف والانكماش قبل أن يُطردوا من البلاد. وبدأت سلالات وطنية بالظهور في عدد من المدن السومرية المهمة مثل الوركاء، اور، لكش. فرغم الدمار الذي الحقه بها لوكال زاكيري، حافظت لكش على نفسها بشكل أو بِآخر، وصارت قبل نهاية فترة الاحتلال الكوتي في عُهدة حكام نشيطين تمكنوا أن يُحافظوا على شيء من استقلالهم وأخذوا على عاتقهم بعث المجد القديم لمدينتهم. كان كوديا (2143- 2124 ق.م) مؤسس السلالة الثانية في لكش أحد هؤلاء الحكام. اشتهر بكثرة إنجازاته العمرانية، بضمنها مشاريع الري، بما فيها فتح القنوات وتجفيف أراضي المستنقعات. وظهرت في عهده مدرسة جديدة في فن النحت والأدب السومري بلغت ذروة ازدهارها. بنى "إمبراطورية" تجارية سلمية شملت تقريباً كافة أراضي اكد. كان قائدا حكيماً أعاد لسومر صحته السياسية والاقتصادية وثقافته الحيوية. وفوق ذلك لم يكن عدوانياً. إن معركته الدفاعية ضد عيلام هي الحالة الوحيدة للحرب التي سُجِلت في عهده. وبعد وفاته انكمشت مدينته وانتقلت مهمة تحرير أرض سومر إلى اوتوحيكال(1). جسَّدت شخصية كوديا- التي اختفت سريعاً- نموذجاً للحاكم السومري المثالي العادل، المتدين، المثقف، المخلص للتقاليد، المكرس ذاته لإسعاد شعبه، المليء بالحب لمدينته والافتخار بها(2). في مثل هذه الظروف تهيأت أسباب مواتية لبروز زعيم سومري شجاع (اوتو-حيكال: سلالة الوركاء الخامسة) تمكن من إرغام المحتلين النزوح عن البلاد وامتزاج بقاياهم بالسكان الأصليين. ومن المحتمل أنه حصل على دعم عدد من المدن السومرية الناهضة الأُخرى. ويشير نص تاريخي "أن اوتو- حيكال سحق الكوتيين ثعابين الجبال الخبيثة وأعداء الآلهة... ولما قرر الإِله (انليل) أن يمحوهم اختار اوتو- حيكال ملك اوروك لتنفيذ إرادته..." يستمر هذا النص في روايته كيف جمع الزعيم السومري محاربي اوروك حوله وسار على رأسهم وخطب بالجموع المحتشدة أمام معبد (انليل) فهتفوا له، وكيف التقى بجيش (تريقان) ملك الكوتيين وهزمه وألقى القبض عليه فوضع اوتو- حيكال قدمه على رقبة الملك الكوتي وأعاد بذلك ملوكية (سومر) لأِهلها. سجَّلت هذه الحركة التحررية الأُولى في التاريخ والتي تحققت في الرابع عشر من تموز البابلي "أول ثورة تموزية في العالم(3)." لم يتمتع اوتو- حيكال بإنتصاره، فلم يبقَ في الحكم سوى سبع سنوات ونصف السنة قبل أن يتمرد عليه أحد رجاله (اور- نمو) حاكم مدينة اور الذي اتخذ لنفسه عدة القاب من بينها: ملك اور، ملك سومر واكد. مؤسساً سلالة اور الثالثة، حيث يمثل عهده واحداً من أروع عصور ازدهار حضارة وادي الرافدين. لم يكتفِ اور- نمو وخلفاؤه من بعده تأسيس إمبراطورية تُضاهي الإمبراطورية الاكدية طولاً وعرضاً، بل وضمنوا كذلك لوادي الرافدين قرناً كاملاً من السلم والازدهار، خالقين بذلك عصر نهضة لا مثيل له في كل ميادين الفن والأدب السومري(4). بعد طرد الكوتيين، ومن ثم اغتيال اوتو- حيكال "الذي حمل النهر جثته"، صار اور- نمو (2113- 2095) سيد البلاد، وخصصت له قائمة الملوك السومرية حكماً دام 18 سنة. كرَّس جهوده لإنجاز المهام الداخلية الملحَّة، فحقق الازدهار الاقتصادي: أقام العديد من المشاريع العمرانية والإروائية وإنعاش الزراعة، "تطهير الأرض من اللصوص وقطاع الطرق والمخربين"، الاعتناء بشؤون الآلهة والمعابد، تحسين المواصلات، وتحصين المدن(5). كما أصدر أقدم مجموعة قوانين مكتشفة في تاريخ البشرية (ف13). "ولكن اسم اور- نمو سيبقى يرتبط عند علماء الآثار بشكل خاص وإلى الأبد، بالزقورات أو الأبراج المدرجة التي أقامها في اور، اوروك، اريدو، نفر، وفي مدن عديدة أُخرى، والتي بقيت حتى الآن من أكثر نصب ومعالم هذه المواقع إثارة للدهشة والإعجاب(6)." قُتِلَ اور- نمو، في حرب مجهولة بعد أن تُرِكَ وحيداً في ساحة المعركة "مثل إناء مهشَّم". خلَّفه ابنه شولكي (2093- 2046 ق.م) الذي دام حكمه 47 عاماً. أمضى النصف الأول من عهده في نشاطات عمرانية: أصلح التقويم ووحده، وجعل الموازين والمكاييل على قياس واحد. ومن المحتمل أنه جرت في هذه الفترة عملية إعادة شاملة للمملكة في الميادين السياسية والاقتصادية والإدارية. وفي النصف الثاني من حكمه بدأ سلسلة طويلة من الحملات العسكرية. وهناك إمارات قوية على أنه بولغ في تقديسه لدرجة التأليه والعبادة أثناء حياته وبعد مماته. كما وجدت في النصوص المكتشفة نحو ثلاثين ترتيلة دينية خُصصت له وخوطب فيها بتمجيد وكأنه إِله من الآلهة(7). تميزت فترة إمبراطورية اور الثالثة 2113- 2006 ق.م (او) 2112- 2004 ق.م بتطبيق إدارة مركزية أكثر كفاءة وتجانساً من تلك في الإمبراطورية الاكدية. فبينما اعتمد ملوك اكد في تثبيت سلطتهم على عساكرهم وحكامهم، نجد أن حكام اور وسَّعوا ميدان النظام السياسي المتوارث في سومر (دول المدن) ليشمل المدن والمقاطعات الواسعة في كافة أنحاء الإمبراطورية. أصبحت الوحدة الإدارية الأساسية هي المدينة التي يقودها حاكم معين من قبل الملك وبالإمكان نقله من مدينة إلى أُخرى، وكان يزورهم مفتشون ملكيون. كما جرى وضع بعضهم تحت إمرة حكام مقاطعات أكبر. ولم يكن هؤلاء أكثر من مفوضين على المقاطعات الخاصة بهم. وجرى تعيين أُمراء مقاطعات من بين السكان الأصليين لهذه المناطق. أما الموظفون الملكيون فكانوا يُختارون من بين المواطنين السومريين والاكديين. كما وجرت محاولات الفصل بين الإدارات العسكرية وتلك المدنية بإنشاء إدارة خاصة للأُولى ترتبط بالملك مباشرة(8). لاحت عوامل ضعف وانحلال إمبراطورية اور الثالثة في أواخر عهدها لأِسباب داخلية اولاً، سهَّلت إنهيارها أمام التهديدات الخارجية. منها: إهمال مشاريع الري- العمود الفقري للحياة الاقتصادية، شحة الحبوب والمواد الغذائية وارتفاع أسعارها ارتفاعاً فاحشاً. حصول اضطرابات داخلية، تزايد حركات العصيان والتمرد وكثرة الحروب، وضعف السلطة المركزية. بينما تمثلت العوامل الخارجية بِإندفاع الأموريين من الغرب وهجوم العيلاميين على اور من الشرق(9). ولكن مع الأهمية البالغة لتلك العوامل في زوال سلطة السومريين، يبقى عامل آخر لعب دوراً هيكلياً في هذه الحصيلة تجسَّد في تعاظم مشكلة الملوحة في ظروف عدم اكتشاف السومريين لطريقة التصريف (البزل)- (ف1/3). ويعتقد بعض المتخصصين أن التملح الواسع النطاق الذي طرأ على التربة في الجنوب (بلاد سومر) بين الأعوام 2400- 2100 ق.م كان السبب وراء تدهور الحضور السياسي السومري- ف1/2. وبسقوط إمبراطورية اور الثالثة نتيجة هجوم العيلاميين وتدمير عاصمتها، إنتهى الحضور السياسي والمجد السومري، وإن بقيت الحضارة السومرية الرائدة بؤرة حضارة وادي الرافدين في كافة مراحلها(10). وفي الرثاء الأليم التالي الذي رثى به السومريين مدينتهم، يتجلى، بالإضافة إلى، عظمة الأدب- الرثاء السومري، كذلك قمة المشاعر الإنسانية- الوطنية تجاه الكوارث العاتية التي لاحقت حضارة وادي الرافدين في كافة مراحلها التالية، مُشَرَّبة بالمعتقدات الدينية: " ايه أبانا (نانا)، إن تلك المدينة قد حولت إلى رميم… وملأ شُعَبِها، وليس كِسَر الفخار، كل محلاتها، وتصدعت جدرانها والناس يئنون. في أبوابها العالية، التي كانوا فيها يتنزهون، رُميت جثث الموتى، وفي شوارعها المشجرة، حيث كانت تُنصب الولائم، استلقوا متناثرين. وفي كل طرقاتها، التي كانوا فيها يتنزهون، سُجَّتْ جثث الموتى. وفي ميادينها، حيث كانت تُقام الاحتفالات، استقلى البشر بالأكوام… اور التي أكل الجوع أقوياءها وضعفاءها وكوت النيران الآباء والأُمهات الذين لم يبرحوا منازلهم، والأطفال المضطجعون في أحضان أُمهاتهم، كالأسماك حملتهم المياه بعيداً.. وفي المدينة، هُجرت الزوجة وهُجر الأبن وانتشرت الممتلكات في كل جانب. أواه يا (نانا) لقد دُمِّرَتْ اور وشُرِّدَ أهلها."(11) هوامش الفصل الخامس (1) بارو، اندري، ص52..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص377.., Robinson,Jr,P.41. (2) رو، جورج، ص231- 232. (3) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص381. (4) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص382.., * اور- نمو يعني: رجل الإِله، ولا علاقة للاسم بمدينة اور.. (رو، جورج، ص224، الهامش الاول ). (5) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص387-388. (6) رو، جورج، ص225. (7) نفسه، ص232.., Hawkes,Jacquetta,P.73-74.., Hallo,WilliamW.P.81. (8) سليمان، عامر، ص171- 174..، رو،جورج، ص234،238- 241 (9) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص393- 396..، رو،جورج، ص238- 241،245..، سليمان، عامر، ص174.., Robinson,Jr.,P.46.., Hawkes,Jacquetta,P.74-76. (10) رو، جورج، ص576، الهامش ..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ..، ص41. (11) رو، جورج، ص241- 242.
الفصل السادس العصــر البابلي القــديم (الأموريون - حمورابي) يبدأ منذ نهاية سلالة اور الثالثة (6/2400 ق.م) وينتهي العام 4/1595 ق.م. تميزت هذه الفترة بظاهرتين بارزتين: أولاهما سيادة أقوام جديدة تجسَّدت في التدفق العارم لهجرات الأموريين الجزريين (الساميين) من جهة الغرب وتحطيم الكيان السياسي لوادي الرافدين. وثانيتهما عودة انتشار دول المدن المستقلة نتيجة تلك الهجرات، بحيث سُميت مرحلتها الأولى التي دامت بحدود قرنين ونصف القرن "العصر الثاني لدول المدن." كذلك اتسمت العلاقات بين دول المدن تلك بالصراعات التناحرية. من أشهر دول المدن المستقلة في هذه المرحلة، بالإضافة إلى بابل: ايسن (ايشان بحريات: 2017- 1794 ق.م)، لارسا (تل سنكرة: 2025- 1763)، اشنونا (تل الاسمر- جنوب بعقوبة: 2000- 1761ق م)، آشور (قرب نينوى:2000- 1760)، ماري (تل الحريري: 1850- 1761 ق.م). دأبت المملكتان الجنوبيتان (ايسن، لارسا) شن الحروب على بعضهما لإمتلاك اور وحكم بلاد سومر، كما تنازعت السلالتان الشماليتان (آشور، اشنونا) على الطرق التجارية الكبيرة التي كانت تمر في القسم الأعلى من بلاد وادي الرافدين. ولعبت سلالة بابل الأُولى دور القناصة في القنص التدريجي لكافة دول المدن المستقلة في هذا العصر(1). جاء ذكر الأموريين في الأخبار والقصص السومرية منذ مطلع الألف الثالث ق.م بصفتهم بدواً مخربين لا يعرفون الزراعة أو السكن أو دفن موتاهم، ويعيشون على الكمأ(2). "وسواء كان الآراميون يعملون تجاراً أم فلاحين أو...، إلا أن أصلهم كلهم كان واحداً يعود إلى البدو الأجلاف الذين لم يساهموا بإِضافة أي إنجاز إلى حضارة الشرق الأدنى العريقة(3)." تدفقت القبائل الأمورية على بلاد الرافدين من سوريا والصحراء الغربية. أما سوريا فكانت متحضرة، بينما ظلَّت المنطقة الصحراوية إقليماً بدوياً متخلفاً. لكن البدو النازحين استطاعوا استيعاب وهضم الحضارة السومرية بيسر وبسرعة فائقة، لأِنهم جاؤا من مناطق خضعت للتأثير السومري فترة طويلة، ولأِن اللغة لم تشكل عائقاً كبيراُ في وجههم. لذلك تبنوا في الكتابة اللغة الاكدية: الجزرية- السامية، وأصبحت لها الغلبة على اللغة السومرية في المدونات الرسمية والخاصة، رغم أن هذا التحول اللغوي لم يؤثر على المعتقدات والقيم الدينية والاجتماعية في وادي الرافدين والمتوارثة من العصر الشبيه بالتاريخي. وبصورة عامة بقيت الحضارة- التي ابتكرها السومريون- حية مشعة، ولم تندثر بعدهم على إمتداد المراحل التالية. كما وآثر القادمون الجدد عبادة الآلهة السومرية بعد أن أطلقوا عليها أسماءهم الجزرية الخاصة، وكانت الملاحم والأساطير السومرية القديمة تترجم وتستنسخ بِأمانة واحترام أو يتم تبنيها بعد إجراء تحويرات طفيفة جداً عليها(4). ونظراً لطول فترة الصراع بين ايسن ولارسا سُميت المرحلة الأولى من هذه الفترة كذلك (عصر ايسن ولارسا). ظهرت سلالة ايسن أواخر عهد سلالة اور الثالثة واستمرت أكثر من مائتي سنة. اشتهر من بين ملوكها (لبت- عشتار):1934- 1924 ق.م، صاحب أقدم قانون مكتشف بعد قانون اور- نمو. وتستحق حادثة موت أحد ملوك هذه السلالة (ارا-ايميني) ذكراً خاصاً لكونها تقدم تعريفاً لواحد من التقاليد الدينية الغريبة والنادرة في حضارة وادي الرافدين والتي مورست حتى من قبل بعض الملوك الآشوريين، (ف11). وهذه العادة الدينية هي تنصيب (ملك بديل) عند ظهور نذر شؤم خطر على الملك (الدولة). لأِن مكانة الملك مقدسة تتطلب الحماية، وعليه الاختفاء والتنازل عن الملك لفترة زمنية محدودة بعد اختياره أحد مواطنيه ليتولى العرش مكانه. وفي نهاية المدة يعود الملك الأصيل لعرشه ويأمر بقتل (الملك البديل)(5). انتهت سلالة ايسن بعد أن تمكنت لارسا القضاء عليها وضمها اليها فتحول صراعها نحو سلالة بابل الأولى، وكانت لارسا آخر سلالة تم ضمها إلى بابل في عهد حمورابي (1763 ق.م) معلنة إعادة توحيد بلاد الرافدين. تُشكل سلالة بابل الأولى (1894- 4/1595 ق.م) واحدة من السلالات الأمورية التي تأسست في خضم موجات هجراتها في هذه الفترة. اشتهرت بمليكها السادس حمورابي (1792- 1750 ق.م) الذي حكم 42 عاماً. قضى حمورابي 29 عاماً- المرحلة الأولى لعهده- بمعالجة دول المدن وقنصها الواحدة تلو الأُخرى. وكان بفضل حكمه الطويل وعبقريته السياسية وقدرته العسكرية، روح مشروع وحدة وادي الرافدين(6). أما المرحلة الثانية من عهده التي عُرِفَتْ بـ (عصر حمورابي): 1763- 1750 ق.م، فإنه قضاها في استكمال دعائم بناء دولته في كافة النواحي الإدارية والقانونية والاجتماعية والثقافية والعسكرية. أصدر في الأعوام الأخيرة من عهده أوسع وأشمل شريعة لتسري على أرجاء مملكته الواسعة، موحداً بذلك النظام القانوني في البلاد. كما تميز عهده بظهور حركة واسعة في التدوين والتأليف والنقل والترجمة واتساع المعاملات التجارية وتعاظم سلطة الملك وانفصاله عن السلطة الدينية الممثلة بالمعبد والكهنة. حدد صلاحيات المعبد ولم يعد يُسمع في عهده شيئاً عن محاكم الكهنة واضمحل منصب الحاكم (انسي) الذي كان يجمع السلطتين الزمنية والدينية في حكم المنطقة التي تُعهد اليه، واتبع إدارة مركزية في حكمه، وحرص على متابعة تفاصيل أمور مملكته وشؤونها اليومية، وحَصَرَ السلطة في شخصه وجعل حكامه يستمدون أوامرهم منه، وكان يقوم بجولات تفتيشية في مناطق حكامه للوقوف بنفسه على سير الأعمال ومجريات الأمور، واهتم بتطوير نظام البريد السريع، وأنجز حفر العديد من القنوات وأصلح أسوار مدن عديدة وعمَّر معابد الآلهة، وإهتم بالجيش وصار التجنيد إجبارياً ولم يُسمح لأي جندي إرسال بديل عنه للخدمة. ومن الأمور الجديدة التي إستُحدثت في عهد حمورابي والتي تشكل خروجاً على التقاليد الدينية القديمة، قيام الملك بمنح قطع كبيرة من الأراضي العامة العائدة للمعابد (الآلهة) لآِجال غير محددة لبعض الأشخاص ذوي المهن المحددة كرجل الجندرمة. وتبقى الإقطاعية (الكوم) ملكاً خاصاً للملتزم طيلة حياته، ويقسم بين ورثته بعد موته. ولم يكن بالإمكان بيعها أو وهبها، وإن كان يمكن إستخدامها من قبل مالكها لدفع فديته فيما لو وقع في الأسر أثناء قيامه بخدمة الملك، وكان يتم تحويل حيازتها لشخص آخر عند عدم إيفاء الأول بخدماته(7). سقطت سلالة بابل الأولى على يد الحثيين الذين دخلوا بابل ونهبوها، حيث تواجدت دولتهم القوية (المملكة الحثية) في الأناضول (تركيا)، وهم من القبائل الهندو أوربية. ونظرا لإنسحابهم المفاجئ نتيجة أزمة سياسية في بلاط مملكتهم، استغل الكشيون هذا الفراغ السياسي في بابل فدخلوها وأسسوا سلالة بابل الثالثة (العصر البابلي الوسيط). تماثلت العوامل التي قادت إلى سقوط سلالة بابل الأولى بعامة مع تلك الأسباب المتشابهة لسقوط دول وإمبراطوريات وادي الرافدين، رغم وجود بعض العوامل الخاصة في هذه الحالة، تتقدمها: أن إمبراطورية حمورابي كانت من صنع رجل واحد هو حمورابي نفسه فاعتمد وجودها على ميزاته الشخصية. يضاف إلى ذلك سياسة حمورابي وخلفائه الذين حصروا اهتمامهم بالعاصمة بابل وتركيز مختلف أوجه النشاط الاقتصادي والثقافي والديني فيها على حساب المدن والأقاليم الأُخرى التابعة(8). هوامش الفصل السادس (1) الاحمد، سامي سعيد، "العصر البابلي القديم"، العراق في التاريخ، ص91- 95..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص406- 430..، رو، جورج، ص425- 426.., Hawkes,Jacquetta,P.76..,Hallo,William,P.97. (2) بوستغيت، نيكولاس، ص16..،سليمان، عامر، ص178- 179..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص408. (3) رو، جورج، ص371. (4) نفسه، ص247. (5) نفسه، ص251..، سليمان، عامر، ص181- 182. (6) بارو، اندري، ص310..، وايضاً Robinson,Jr.,,P.46..,De Mieroop,P.,119.., Hawkes,Jacquetta,P.78-79. (7) رو، جورج، ص247- 248،280. (8) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص436.
الفصل السابع العصر البابلي الوسيط (الكشيون) لا يُعرف أصل الكشيين لعدم معرفة لغتهم. وكل ما يُعرف عنهم أنهم إستوطنوا الأجزاء الوسطى من جبال زاكروس الفاصلة بين العراق وإيران في المنطقة المعروفة باسم بلاد اللر (لورستان) في الجهات الجنوبية من إيران (جنوب همدان)(1). ودام حكمهم أكثر من أربعة قرون (1595- 1162 ق.م). وكانوا أقلية دخيلة وغير متحضرة بالمقارنة مع الأغلبية من أهل البلاد، "وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه أمام تراث مُفعَم... ومع ما وجدوه، فقد كانوا من الذكاء ما يكفي للحفاظ على سلامته بدلاً من تدميره...(2)" وهكذا أظهر القادمون الجدد قوة تكييف ملموسة أمام حضارة راقية طغت عليهم وصهرتهم في بوتقتها. أما المعلومات التاريخية التي خلَّفوها فكانت ضئيلة مقارنة بالفترة الطويلة لحكمهم. من هنا اعتبرت هذه الفترة إحدى الفترات المظلمة في حضارة وادي الرافدين، وسادها الإنحلال الحضاري(3). هناك اتفاق عام على أن الكشيين كانوا معتدلين في حكمهم. اتبعوا سياسة اللين والترضية تجاه سكان البلاد وأظهروا احتراماً خاصاً للآلهة البابلية، وطبقوا سياسة التعايش السلمي مع الممالك المعاصرة. فحققوا أطول فترة في تاريخ حضارة وادي الرافدين عمَّها الاستقرار النسبي، فأعادوا الأمن والسلام لبلد أكلته الحروب سنين طويلة. وبذلك استمتع البابليون بين الأعوام 1600- 1350 ق.م بسلام شبه دائم، فلم تُسجِّل هذه الفترة سوى حملة عسكرية كشية واحدة ضد مملكة القطر البحري: سلالة بابل الثانية- أقصى جنوب بلاد سومر، وبعض المناوشات التي جرت على إمتداد حدودهم الشمالية، قادت إلى عقد بعض الإتفاقات مع بلاد آشور لتثبيت الحدود بين المملكتين. "وهكذا فقد تكرَّس انقسام وادي الرافدين إلى قسمين هما بابل وآشور وهو الإنشطار الذي ستدوم آثاره لحوالي ألف عام قادم(4)." وعموماً، اعتمدت هذه العلاقة على توازن القوى بين الطرفين. ففي فترة ضعف الكشيين تدخلت بلاد آشور في عهد بعض ملوكها الأقوياء في شؤون بابل (آشور- اوبالط 1365- 1330 ق.م، شليمنصر الأول 1274- 1245 ق.م) تطور هذا التدخل إلى ضم بلاد بابل طوال سبع سنوات في عهد الملك الآشوري القوي توكلتي- ننورتا (1244- 1205 ق.م)(5). رغم أن الملوك الأوائل للسلالة الكشية اتخذوا بابل عاصمة لحكمهم، لكنهم في حدود منتصف عهدهم أسسوا مدينة جديدة ضخمة (دور- كويكالزو)- عقرقوف (20 ميل غرب بغداد). وشهد هذا العصر عودة نشاط الحركة الأدبية وتدوين التراث الأدبي واستنساخ القطع الأدبية المشهورة بِإصدار نشرات جديدة لها، وانتشار اللغة البابلية بخطها المسماري على نحو أوسع من العصور السابقة، بحيث صارت لغة مراسلات دبلوماسية بين ملوك وحكام الشرق الأدنى بما فيهم ملوك وادي النيل(6). ويعود للكشيين الفضل في إدخال ونشر استخدام الخيول والفروسية على نطاق واسع في البلاد، وأدى ظهور العربات التي تجرها الخيول السريعة في ساحة معارك الشرق الأدنى لإحداث ثورة في فنون الحرب. كما أن استبدال الحمير في نقل الحمولات بالعربات التي تجرها الجياد قاد إلى جعل النقل السلعي أسهل وأسرع، وكذا الحال في النقل البشري والمواصلات والبريد. ومن أهم التغييرات التي أحدثها الكشيون استبدال طريقة كتابة التاريخ من الحوادث المشهورة إلى سني حكم الملوك، وابتداع طريقة جديدة لتوثيق الملكيات العقارية (كودورو) KUDURRU – الحدود (أو) أحجار الحدود- وهي مواثيق هبوية وتسجيل للإقطاعيات الملكية الكبيرة من الأرض تُحفر على الحجارة ويحتفظ بها في المعبد ويزود المالكون بنسخ طينية منها(7). انتهى العهد البابلي الوسيط بعد التعرض لضربتين قويتين من بلاد عيلام بغزوهم بابل مرتين خلال الفترة (1168- 1162) وممارسة أعمال التدمير والنهب فيها ومدن أُخرى. ومع انسحاب العيلاميين من بابل بعد غزوتهم الثانية القصيرة الأمد، اغتنم أحد زعماء ايسن الفرصة وطرد الحامية العيلامية وأقام في بابل سلالة ايسن الثانية أو ما يُعرف بـ (سلالة بابل الرابعة) التي دامت زهاء قرن من الزمن (1162- 1041 ق.م) وبرز من بين ملوكها نبوخذ نصر الأول (1124- 1031 ق.م) الذي اشتهر بغزوه للعيلاميين في عقر دارهم. سقطت سلالة بابل الرابعة نتيجة تدفق موجات جديدة من الهجرات الأمورية وانتزاع الحكم منها. وبعد إنهيار هذه السلالة تعددت السلالات الحاكمة الضعيفة والقصيرة العمر في بابل التي خضعت أكثر من مرة للملكة الآشورية. استمرت هذه الأحوال لغاية العصر البابلي الحديث- سلالة بابل الحادية عشرة- التي عُرفت بـ (الدولة الكلدية)(8). هوامش الفصل السابع (1) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص435- 451.. وهناك من يرى ان الحوريين والميثانيين والحثيين والكشيين من مجموعة عرقية واحدة هي الهندو اوبية.. (رو، جورج، ص306).., وقارن: Robinson,Jr.,P.46. (2) بارو، اندري، ص371. (3) علي، فاضل عبدالواحد،"سلالة ايسن الثاني:صفحة مشرقة من النضال ضد الحكم الاجنبي"، العراق في التاريخ،ص104..، اوينهايم، ليو، ص334..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص450-453.., Hawkes,Jacquetta,P.82. (4) رو، جورج، ص335. (5) سليمان، عامر، ص204..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص462- 463. (6) كانت اللغة البابلية هي اللغة الرسمية والدبلوماسية من الفرات الى النيل، مما يدل على تأثير الحضارة البابلية على المنطقة كلها منذ عام 2200 وحتى عام 1400 ق.م (ديلتش، فردريك، ص33). (7) الاحمد، سامي سعيد، العراق في التاريخ، ص101- 104..، علي، فاضل عبدالواحد، العراق في التاريخ، ص111..، رو،جورج، ص336..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص457- 459. (8) علي، فاضل عبدالواحد، العراق في التاريخ، ص108- 109..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص466- 467. الفصل الثامن العصــر الآشــوري (القديم، الوسيط، والحديث) الآشوريون فرع من الأقوام الجزرية (السامية) الشرقية استقروا شمال وادي الرافدين (منطقة الجزيرة) منذ فترة تاريخية مبكرة. ولغتهم هي أحد فرعي اللغة الاكدية وينسب اسمهم إلى عاصمتهم و/ أو إلههم الحامي (آشور). كما وردت هذه التسمية بلفظة (آثور) و (أنفور) في المصادر الآرامية والعربية. وكان يعيش قبلهم في نفس المنطقة قوم لم تُعرف لغتهم وأصلهم العرقي، وجاء ذكرهم في النصوص المسمارية منذ عصر فجر السلالات باسم (السوبارتيين)، وسميت منطقتهم (سوبارتو)، لكن الآشوريين سادوا المنطقة بعد استيطانهم. واشتهرت بلاد سوبارتو مصدراً لجلب العبيد منها، حتى أن لفظة (سوبارتي) أصبحت مرادفة لكلمة (عبد). ورغم أن الآشوريين تحاشوا هذه التسمية فإنهم ظلّوا يُنعَتون بها، خاصة من قبل ملوك سومر واكد وبابل(1). كانت مدينة آشور والمنطقة الشمالية من البلاد جزءً من الإمبراطورية الاكدية، ومن ثم إمبراطورية اور الثالثة وأصبحت ضمن دول المدن المستقلة (عصر دول المدن الثاني). إمتد العصر الآشوري القديم على مدى الفترة 2000- 1500 ق.م.. ورغم المحاولات التي شهدتها هذه الفترة لبناء بلاد آشور إلا أنها خضعت لمملكة اشنونا بعد العام 1942 ق.م. ورغم ظهور ملكها القوي (شمس- ادد) الأول واقامته مملكة واسعة فإن بلاد آشور في عهد خليفة هذا الملك دخلت ضمن إمبراطورية حمورابي، ولم تُحقق إستقلالها إلا بعد إنهيار السلالة البابلية الأولى لتدخل بلاد آشور في عصرها الوسيط(2). دام العصر الآشوري الوسيط زهاء أربعة قرون (1500- 911 ق.م). شهدت بلاد آشور خلال هذه الفترة تقلبات وتغيرات سياسية وعسكرية بين القوة والضعف والازدهار والركود وبين السيادة والتبعية. ولم تنفصل أحداثها عن تطورات الأحداث التي سادت منطقة الشرق الأدنى خلال هذه الحقبة التاريخية. وفي منتصف الألف الثاني ق.م وعلى مدى قرن ونصف من الزمن خضعت بلاد آشور لسيطرة الدولة الميتانية(3). وعند مجيء الملك آشور- اوبالط الأول (1365- 1330 ق.م) نجح في إرساء دعائم الدولة الآشورية بعد قضائه على المملكة الإيتانية وضمها لمملكته، ومع ذلك استمرت بلاد آشور تواجه حالة الصعود والهبوط لغاية نهاية هذا العصر(4). تميز العصر الآشوري الحديث (911- 612 ق.م) بتصاعد القوة العسكرية للآشوريين إلى أقصاها وأصبحت بلاد آشور من أعاظم الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم. قُسّمت هذه الفترة إلى مرحلتين: الإمبراطورية الآشورية الأولى (911- 744 ق.م) والإمبراطورية الآشورية الثانية (745- 612 ق.م). سجَّل هذا العصر عموماً كثرة الأعمال العسكرية وتصاعد قسوتها وانفجار أحداث داخلية متواصلة إمتدت حتى قلب المملكة وداخل العائلة المالكة ذاتها. كما وصادف قيام الإمبراطورية انتشار استعمال معدن الحديد في الشرق الأدنى، فاستغله الآشوريين في بناء أضخم جهاز حربي عرفه العالم القديم، وصنعوا منه أسلحتهم الهجومية الفتاكة. سجَّلت بداية العصر الآشوري الحديث ظهور رجل الساعة الملك الآشوري ادد- تيراري الثاني (911- 891 ق.م) مؤسس الإمبراطورية الآشورية الأولى. ومن الملوك الآشوريين الأقوياء في هذه الفترة آشور ناصر بال الثاني (883- 859 ق.م) الذي وطَّد كيان الإمبراطورية وجعلها قوية ومستقرة. جمع الصفات النموذجية للملك الآشوري: العسكري الفاتح القاسي والإداري المنظم والبَناء الكبير وشخصية قوية حازمة وقاسية. خلَّفه شليمنصر الثالث (858- 824 ق.م) الذي استمر في توسيع الإمبراطورية. صرف 31 عاما من فترة حكمه (35 عاما) في سلسلة حملات عسكرية متواصلة جعلته سيد الشرق الأدنى وآسيا الغربية والخليج العربي شمالاً وتخوم الأراضي الماذية وسواحل المتوسط. وفي الفترة الأخيرة من حياته تمرَّد عليه أحد أبنائه تُسانده 27 مدينة بضمنها آشور، نينوى، أربيل، عرفة (كركوك). أوكل الملك العجوز إلى ابنه الثاني شمس- ادد إخماد الثورة التي فجَّرت حرباً أهلية شعواء استمرت أربعة أعوام قبل القضاء عليها، حيث مات أثناءها شليمنصر الثالث(5). ولم تكن ثورة 827 ق.م الكبيرة وليدة أزمة داخل العائلة المالكة، بل كانت إنتفاضة للنبلاء القرويين وللمواطنين الآشوريين الأحرار ضد (بارونات) المملكة الكبار واستغلالهم وتجاوزهم لسلطاتهم(6). اتسمت الإمبراطورية الآشورية الثانية بتصاعد واتساع قوتها وجبروتها بفضل تسلم العرش الآشوري تجلاتبليز الثالث (744- 725 ق.م) الذي بدأ تطبيق إصلاح إداري- عسكري شامل بهدف تقوية السلطة الملكية بصورة تدريجية مقابل التقليل من النفوذ المتفاقم للأُمراء الكبار(7). اتخذ خليفة تجلاتبليز الثالث لنفسه لقباً اكدياً (سرجون الثاني)، وحكمت العائلة السرجونية بقية فترة الإمبراطورية في تعاقب مستمر على مدى قرن تقريباً (704- 612 ق.م) ومدوها بمزيد من القوة والعظمة، خاصة: سرجون الثاني، سنحاريب، اسرحدون، آشور بانيبال، الذين بلغوا بالإمبراطورية الآشورية أقصى حدودها. بدأ سرجون الثاني السنة الأولى من حكمه بمعالجة الاضطرابات التي إنفجرت في بلاد آشور ذاتها، حرَّر أهلها من التجنيد القسري وجباة الضرائب قبل أن يوجه حملاته لتثبيت دعائم إمبراطوريته، علاوة على ازالته مملكة إسرائيل من الوجود ونقل الكثير من أهلها أسرى وإسكانهم في بلاد ماذي. بعد أن خلّف سنحاريب أباه سرجون (704- 681 ق.م)، وجَّه نشاطه الحربي أولاً لإخضاع التمردات في الشام وبابل، وحاصر مملكة يهوذا. وفي تعامله مع بابل، أظهر سنحاريب قسوة بالغة. دحر المتمردين العام 703 ق.م، وعندما ثارت بابل ثانية (689 ق.م) عندئذ صبَّ جام غضبه عليها. دمَّر "المدينة المقدسة والعاصمة الثانية للإمبراطورية التي حظيت باحترام كافة الملوك السابقين". وبعد ثماني سنوات من تخريبه بابل (681 ق.م) لاقى سنحاريب، وهو يتعبد في معبده، "المصير الذي يستحقه"، حيث "هُشِّم بنصب الآلهة الحامية" على يد أحد أبنائه(8). أوقع اغتيال سنحاريب الدولة الآشورية في أزمة سياسية حادة نتيجة الصراعات التي نشبت داخل الأُسرة المالكة. ورغم عدم استمرارها طويلاً، فإن اسرحدون اضطر إلى شق طريقه لعرش والده بحد السيف ضد جيوش إخوته. وكان أول عمل له التكفير عن فعلة والده سنحاريب تجاه بابل، فأمر بإعادة بنائها، بينما تعامل مع الأطراف الأُخرى المتمردة في إمبراطوريته بالقسوة والبطش. ومع أنه حقق سلاماً قلقاً محفوفاً بالمخاطر، لكنه وجَّه جيوشه لفتح مصر وحاصر ممفيس العاصمة وفتحها (679 ق.م). وحسب وصية اسرحدون، اعتلى عرش آشور ابنه الأصغر آشور بانيبال (668-627 ق.م) الذي اشتهر بمكتبته في نينوى ولُقب بـ: نساخ نينوى(9). بينما عين أخاه الأكبر حاكماً على بابل. واصل سياسة أسلافه بتجريده الحملات الحربية ضد حركات التمرد في أرجاء إمبراطوريته، واستكمل مشروع والده في فتح مصر، ودخلت جيوشه مدينة طيبة عاصمة مصر العليا. وفي العام 651 ق.م تمرَّد عليه أخوه حاكم بابل فنشبت حرب أهلية بين الأخوين دامت ثلاث سنوات إنتهت بدخول جيوش آشور بانيبال بابل واحتراق أخاه داخل قصره. وهكذا تحقق في عهده تهشيم كافة حركات التمرد والعصيان، ولم تظهر الإمبراطورية الآشورية بمثل تلك العظمة ولا بمثل تلك القوة الهائلة في أي وقت مضى. لكن ثمن ذلك كان كبيراً، فالحروب والقتل والخراب تركت آثارها في النفوس غضباً وحقداً ورغبة عارمة في الإنتقام بإنتظار اللحظة الحاسمة، وأصبح الجيش الآشوري مرهقاً ومستنزفاً بفعل قرون من الحروب الدموية الطاحنة، ووجدت الإمبراطورية الآشورية نفسها محاطة من كل الجهات بحلفاء مشكوك فيهم وأعداء حاقدين. وهكذا، فرغم مظاهر العظمة تلك، كانت الإمبراطورية الآشورية في واقع الحال أضعف من أي وقت مضى باتجاه الإنحدار والإنهيار السريع. إن حالة الغموض التي اكتنفت السنوات الأخيرة من حكم آشور بانيبال، وهو المشهور كغيره من الملوك الآشوريين التباهي بتسجيل أحداث انتصاراته سنوياً، قد تُفسر الاضطرابات الداخلية والنكسات العسكرية التي قادت سريعا إلى زوال بلاد آشور العام 612(10). لسقوط الإمبراطورية الآشورية أسبابها الخاصة، تتقدمها تطرف ملوك آشور في سياسة الفتوحات والإغراق في النواحي العسكرية على حساب الحياة الحضارية. وتكاد تكون أعوام حكم ملوكها حروباً متواصلة، وبذلك حمَّلوا البلاد أكثر من طاقاتها البشرية والمادية. كما أن سياسة القسوة والتدمير والبطش والقتل الجماعي والتمثيل بالأسرى والإرهاب واتباع سياسة الأرض المحروقة، زادت من نقمة الشعوب وسخطها. أما بدعة الملوك الآشوريين في التهجير الجماعي، فكانت أقسى الوسائل الجهنمية التي ابتكروها والتي قادت ليس فقط إلى موت أعداد ضخمة من الأطفال والنساء والشيوخ ممن هُجِّروا واقتُلِعوا من أرضهم وأُجبروا تحت تهديد السلاح قطع مسافات طويلة جدا تحت الشمس المحرقة، بل وقادت كذلك إلى محوا العديد من الأقوام من على خريطة المنطقة. وفي حين كان الملوك الآشوريون في حملاتهم السنوية المتكررة يعودون بمختلف الغنائم لبلادهم فإِنهم لم يعطوا اهتماما يُذكر لتحسين أحوال البلدان والمقاطعات التابعة، من هنا جسّدوا أقسى مظاهر الاستعمار القديم(11). ففي ربيع كل عام تقريباً كان الملك يدعو جنوده "بِأمر الإِله آشور"، ليقودهم للحرب، ويعود بالغنائم والجزية وقطار من الأسرى. والويل لمن يحنث بعهده أو يتمرد حيث يُنكل به ويُقتل الناس أو يُستعبدون وتُحرق المدن والقرى والغلال الزراعية وتُقلع الأشجار، ثم تعود الحملة ترافقها أرتال من الأسرى وسلسلة من العربات المملوءة بالغنائم والأسلاب المنهوبة: منتجات زراعية، معادن ومصنوعات معدنية- الذهب والفضة والرصاص والنحاس، مصنوعات عاجية، أواني معدنية وأثاث خشبية بما في ذلك ممتلكات قصور الحكام المتمردين المنهوبة مع نسائهم. وكلما مرت السنون توسعت "حدود صيد" الدولة الآشورية، وتحولت حروب النهب بالتدريج إلى حروب ضم والحاق غالية التكاليف. ولم يبذل الفاتحون الجدد إيما جهد لتمثيل حضارة وادي الرافدين- المتطورة جداً- لإمبراطوريتهم الممتدة أو تحسين الأحول المعيشية للشعوب الخاضعة لسيطرتهم. وهكذا صارت الثروة تنتقل بإنتظام من مناطق الأطراف نحو المركز. فكان الآشوريون يأخذون الكثير ولا يعطون سوى النزر اليسير.. شُيد ازدهار الدولة الآشورية على حساب بؤس أحوال رعاياها، الأمر الذي جعلهم تواقين للمشاركة في أحداث العصيان المتتالية. من هنا كان النظام الذي ارتقت الدولة الآشورية على أساسه يحمل في "أحشائه" ألـ "جرثومة" التي ستقود إلى سقوطه. كان آشور ناصر بال من مشاهير ملوك آشور ممن عُرف بقسوته وبطشه وكثرة حملاته العسكرية بحيث أثار اسمه الفزع في منطقة الشرق الأدنى. لم يكتف هذا الملك بسلخ جلود الحكام المتمردين ونثرها على أسوار مدنهم، بل كان يأمر أيضاً بتعذيب الأسرى العُزَّل والمدنيين نساءً ورجالاً وأطفالاً وبإستمتاع سادي."أقمتُ عموداً على مدينته وسلخت (جلود) كل الرؤساء المتمردين وكسوت العمود بها. وبنيت بعضهم داخل العمود وخوزقت عليه آخرين. وأوثقت بعضهم حول العمود… وبترت أوصال الضباط الملكيين الذين أعلنوا العصيان. وحرقت العديد من أسراهم بالنار واتخذت الكثير منهم عبيداً، وجدعت أنوف بعضهم وقطعت آذانهم وأصابعهم وقلعت عيون آخرين. وضعت عموداً من الأحياء وآخر من الرؤوس، كما علقت جماجمهم على جذوع الأشجار حول المدينة ثم أحرقت شبابهم وشاباتهم بالنار. أمسكت بعشرين رجلا ودفنتهم أحياء في جدران قصره..." وأهلكت بقية جنوده عطشاً في صحراء الفرات...(12)" يصف سنحاريب هجومه على بابل "هاجمتها كالأعصار، وكالعاصفة أطحت بها... لم أترك من سكانها شيباً وشباناً أي فرد فملأت بجثثهم طرقاتها. أما المدينة نفسها وبيوتها فقد حطمتها وخربتها وبالنيران دمرتها من أُسسها حتى سقوفها، ولكي ينسى (الناس) في المستقبل حتى تراب معابدها...سلَّطت عليها المياه فحولّتها إلى مراع(13)." كان الإستيلاء على قلعة معادية انذاراً بنهب المدينة وممارسة عملية الحرق والتخريب وتجريد محتويات القصور وإشعال النار فيها. ويُنصَب عرش الملك أمام باب المدينة ويتم استعراض الأسرى أمامه يقودهم حاكم المدينة المستسلمة الذي يتحمل أعظم تعذيب مبرح، كأن تقلع عينيه أو أن يحضر في قفص، لغاية وضع نهاية لآِلامه الطويلة من قبل الملك. أما زوجات الحاكم المهزوم وبناته فيكون مصيرهن بيت الحريم الآشوري، ويتم تحويل اللواتي من أصل غير نبيل للرق والعبودية. وفي ذات الوقت يبدأ الجند بذبح السكان، والاتيان برؤوس الضحايا في حضرة الملك حيث يتم احصاؤها من قبل الكتبة. ولم يكن كل الأسرى من الرجال يقتلون، بل يتم تحويل الصبيان والصناع للأسر ليعهد إليهم بِأشق الأعمال في مشاريع البناء الملكية التي تُسبب موت الكثير منهم، أما البقية الباقية من السكان فكانوا يُستأصلون من أرضهم ويُبعث بهم لأِقاصي الإمبراطورية فيحل محلهم قوم آخر(14). يُصور عامل مدني بابلي من نفر نقمة الناس وسخطهم على بلاد آشور عندما تجرأ فكتب لملكه اسرحدون قائلاً "إن مليكي يعلم بِأن كافة البلدان حاقدة علينا بسبب الدولة الآشورية(15)." وفي محاولة بحثية لجدولة حالات التهجير القسري وأعداد المهجرين وأماكن التهجير بالاعتماد على مدونات ملوك آشور أنفسهم ووثائق مُكمِلة.. قُدِّر عدد المهجرين في عصر الإمبراطورية الآشورية بـ 5ر4 مليون مُهجَّر أُقتلعوا من أوطانهم في أكثر من 220 حالة تهجير وبمسافات بعيدة بين أقاصي أطراف المملكة. شملت هذه الأعداد مختلف سكان الإمبراطورية، بما فيهم أعضاء من العائلة المالكة وعناصر وظيفية مدنية وعسكرية عالية ولغاية الجنود والعبيد. ومن بين 122 حالة تهجير معروفة شملت حصة بابل (القبائل الكلدانية والآرامية)36 حالة تهجير والميديين 18 وعيلام 13(16). قُدمت بعض المبررات لكثرة حروب الآشوريين وقسوتهم وبشاعة ممارساتهم ضد الأقوام الأُخرى. يرى طه باقر أن هذه السمعة السيئة التي تكونت عن الآشوريين تعود إلى دعايات اليهود ضدهم نتيجة الحملة الآشورية ضد اليهود(17). لكن الدولة البابلية الكلدانية (العصر البابلي الحديث)- ف9- اشتهرت بسبي اليهود مرتين في عهد ملكها المشهور نبوخذ نصر الثاني، ومع ذلك عُرفت (الدولة البابلية) حاملة مشعل الحضارة السومرية- الرافدينية. بينما يرى جورج رو أن الحروب الآشورية اقترنت بالمعتقدات الدينية التي تعظم الإِله الوطني (الإِله الحامي) وحماية أرضه وتوسيع مملكته والحفاظ على مكانته وتعظيمها(18). وهذا صحيح جداً، لكن هذه المعتقدات الدينية وجدت وبقيت سائدة منذ نشوء الحضارة السومرية الناضجة، بدءاً بدول المدن، شاملة كافة مراحل هذه الحضارة ولغاية سقوطها دون أن تظهر هذه السمعة القاسية على أي من الممالك والإمبراطوريات التي ظهرت في وادي الرافدين باستثناء الآشوريين. ربما سبّبَ العاملين التاليين، بالإضافة إلى العقيدة الدينية والدوافع الاقتصادية، زخما أقوى في دفع العجلة الآشورية نحو الحرب والقتل. الأول والأهم هو الفجوة الحضارية بين جنوب البلاد وشماله (ف1/1، ف2/2)(19). العامل الآخر، تمثل في انتشار استخدام الحديد واستغلاله من قبل الآشوريون بتركيز شديد لبناء آلتهم الحربية. وهكذا فإِن العقيدة الدينية والدوافع الاقتصادية مقرونة بالتخلف الحضاري وتوفر سبل بناء الآلة الحربية (الحديد) كلها اجتمعت لدى ملوك اشور لإِظهار قسوتهم وبطشهم وإشباع أطماعهم وإستغلالهم. هوامش الفصل الثامن (1) سليمان، عامر، "العصر الآشوري"، العراق في التاريخ، ص119..، نفسه، "جوانب من حضارة العراق القديم"، العراق في التاريخ، ص194..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص120،476.., DeMieroop,P.48..,Hallo,William W.,P.113. (2) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص199..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص481- 482. (3) امتدت الدولة الميتانية من بحيرة آن (الاناضول) وحتى اواسط نهر الفرات الاعلى ومن جبال زاكروس حتى الساحل السوري. كانت غالبية سكانها من الحوريين.. انظر:سليمان عامر، العراق في التاريخ، ص131..، رو، ورج، ص129..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص489.. وسبقت الاشارة الى ان هناك من يرى في اصل الحوريين والميتانيين والكاشيين انهم جميعاً ينتمون الى مجموعة عرقية لغوية واسعة (الهندو اوربية)، اي انهم آريون.. (رو، جورج، ص306). (4) سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص128- 133..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ….، ص486-487. (5) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص506..، رو، جورج،ص400. (6) رو،جورج، ص403- 404.., Hallo,William W.,P.125. (7) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…،511..، سليمان، عامر، العراق في التاريخ، ص132- 133..، رو، جورج، ص411. (8) رو، جورج، ص431. (9) عثر في مكتبة قصر آشور بانيبال على اكثر من 25 الف رقيم نقلت جميعها الى المتحف البريطاني.. انظر،علي،فاضل عبدالواحد،سومر: اسطورة وملحمة، ص30.., Nicholas, P.16. Postage, (10) سليمان، عامر، العراق في…، ص155- 159..، باقر،طه، مقدمة في تاريخ…، ص513-528..، رو،جورج، ص414- 447. (11) في اسباب سقوط الامبراطورية الآشورية، انظر: باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص527-528..، رو، جورج، ص382- 448.., Hawkes, Jacquetta, P.92. (12) رو، جورج، ص391- 392. (13) نفسه، ص430- 431.., وأيضاً Hawkes,Jacquetta,P.84-85. (14) كونتينو، جورج، ص257- 258. (15) رو، جورج، ص412. (16) Mass Deportation and Deportees in Neo-Assyrian Empire,by Oded,Bustenay and others, Bonn, Germany, 1979,p.2-28. (17) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص530- 531. (18) رو، جورج، ص383- 384. (19) نفسه، ص100- 101، 117- 118..،سليمان، عامر، العراق في…، ص192.
الفصل التاسع العصر البابلي الحديث (العصر الكلدي) شغل هذا العصر المملكة الكلدية في بابل (626- 539 ق.م)- السلالة البابلية الحادية عشرة. ورغم أن هذه الفترة لم تتجاوز القرن الواحد لكنها تُعَدْ من العهود المجيدة. تميزت بإحياء وانبعاث حضارة ميزوبوتاميا وكثرة مخلَّفاتها الأثرية المسمارية. والكلديون ينتمون إلى قبيلة كلدو إحدى القبائل الجزرية (السامية) الآرامية(1). استقر الكلديون جنوب البلاد وفرضوا سيطرتهم على الخليج العربي (مملكة القطر البحري). وفي أواخر عهد آشور بانيبال ظهر أمير كلداني (نبولاصر) تزعم ثورة بابل ضد بلاد آشور (627 ق.م). وفي العام التالي أعلن ملوكيته وجلس على عرش بابل معلناً تأسيس السلالة الكلدية. وبعد أن قضى على الحاميات الآشورية وفرض سيطرته الكاملة على المدن السومرية والاكدية (بلاد بابل) أخذ بتوجيه هجماته نحو بلاد آشور نفسها. وبمساعدة حلفائه الماذيين استطاع القضاء على الدولة الآشورية التي سقطت عاصمتها نينوى العام 612 ق.م وخُربت بقية عواصمها ومدنها الرئيسة، ثم طوردت فلول الجيوش الآشورية وتم القضاء على بقايا مقاومتها في حدود 610 (أو) 609 ق.م. يصف نبولاصر انتصاره بكلماته الموجزة التالية "ذبحت بلاد السوباروم (آشور) وأحلت أرض العدا إلى أكوام ورميم… وأرغمت الآشوريين، الذين حكموا منذ زمن بعيد كافة الشعوب ترك (بلاد) اكد، وخلعت نيرهم." كانت الضربة قاضية ومدمرة أنهت الوجود الآشوري وتركت عواصمها ومدنها الرئيسة خرائب وعبَّرت عن حقد دفين وانتقام قاس. ورغم شهرة أهل الرافدين بِأدب الرثاء "فلم يُكلف أحداً نفسه عناء الجلوس على أطلال نينوى المخربة ليبكيها بمرثاة مُعبِّرة(2)!" ويظهر أن الماذيين- الذين شاركوا بالقضاء على الإمبراطورية الآشوية- لم يطمعوا بالأرض، بل أنهم اكتفوا بالغنائم التي حققوها ثم انسحبوا إلى بلادهم في جبال زاكروس تاركين حليفهم نبولاصر التصرف كما يشاء بِأقاليم الإمبراطورية الآشورية، وبذلك صار البابليون يسيطرون على كامل منطقة بلاد آشور، وشكل عهدهم آخر عهود وحدة واستقلال بلاد الرافدين (3)." بالإضافة إلى مؤسس السلالة الكلدية (نبولاصر)، اشتهر من بين ملوك هذه السلالة نبوخذ نصر الثاني (604- 562 ق.م) بسلسلة معاركه الطويلة ومشاريعه العمرانية الواسعة خاصة في مدينة بابل التي أصبحت في عهده من أشهر مدن الدنيا وعنوان حضارة وادي الرافدين. كما اشتهر نبوخذ نصر بسبيه لليهود مرتين. الأول العام 597 ق.م وفرضه (صدقيا) ملكاً على أورشليم وأخذ معه ثلاثة آلاف أسير. وعندما تمرد الأخير عليه، جهَّز حملته الثانية ودخل اورشليم ودمرها وهدم أسوارها ودكَّ معالم سليمان(4). وكان هذا هو السبي الثاني لليهود (586 ق.م). تصرف الملك البابلي بدرجة عالية من القسوة. أمر بقتل أولاد صدقيا أمام عينية وفقأ عيني صدقيا وأخذه مع 40 ألف أسير بضمنهم الأُمراء والوجهاء والحرفيين ومكثوا في بابل لغاية سقوط السلالة الكلدية. وفي هذه الفترة تم تدوين أجزاء من التوراة في بابل(5). حكم نبوخذ نصر 43 عاماً، ويُعد عهده عموماً من العهود الزاهرة في تاريخ بابل الحديث، لكن السنوات الأخيرة من حكمه يكتنفها الغموض وربما شهدت بعض الإضطرابات الداخلية. خلَّفه بضع ملوك، سجّل حكمهم فترة ضعف وعدم استقرار. بل أن الملك الأخير نبونائيد (أو) نبونيدس- أحد أبناء النبلاء في حران، الذي كان من الشخصيات الرفيعة في عهد نيوخذ نصر الثاني- جلس على عرش بابل بإنقلاب داخلي. كانت أُمه كاهنة عليا في معبد إِله (سين)- إِله القمر- في تلك المدينة، تأثر بعقيدتها الدينية، فركَّز على الإِله (سين)، رغم عدم إنكاره لبقية الآلهة، ووضع حسابات المعبد تحت إشراف الدولة، مع أنه لم يزد حصة الدولة في عوائد المعبد المقررة سلفاً (020%)، فأثار كهنة بابل ضده. كما اشتهر بولعه في الحفريات بحثاً عن أحجار الأسس العائدة لبناة المعابد الأُولى، مما زاد في إنهاك الخزينة العامة- التي أخذت بالضعف نتيجة اسراف نبوخذ نصر في مجال الاعمار (الإنفاق الضخم على أسوار بابل بالإضافة لحملاته العسكرية المستمرة). وبذلك شهدت هذه الفترة تدهور الأوضاع الاقتصادية ومستويات معيشة عامة الناس، وحصول القحط والمجاعة والارتفاع الشديد للأسعار، واضطرار الفقراء بيع أولادهم أو التخلي عنهم لصالح المعبد ليتولى أمر معيشتهم. سقطت السلالة الكلدية على يد كورش الفارسي (539 ق.م). ويُقال أن الخيانة لعبت دورها في هذا الإنهيار. ويستند هذا الرأي للمثل البابلي الذي ذكره هيرودوتس "إن الفرس قادرون على إحتلال بابل فقط عندما يلد البغل(6)." ورغم إنتهاء عهود الاستقلال في البلاد، فإِن الحضارة التي صنعها السومريون بقيت حية مشعة ولم تندثر خلال سنوات التدهور السياسي. فبعد أن أُبيدت هذه الحضارة في بلاد آشور استطاعت البقاء متألقة في بابل فترة أُخرى قبل اختفائها مع آخر خط مسماري مع بداية الفترة المسيحية. لكن الحضارات من هذا النوع نادراً ما تموت دون أن تخلف آثارها. فالعالم الحاضر يدين للسومريين والبابليين بالمبادئ الأساسية لرياضياتهم وفلكهم بضمنها نظام الأرقام ذات القيمة المرتبية والنظام الستيني الذي ما زال يقسم على أساسه الدائرة والساعة علاوة على مبادئ الإدارة الكفوءة. ونظام الحسابات والقيم والأسعار والائتمان. كما تجسد المنحوتات والمعابد والزقورات وأسوار المدن خبرة هندسية رفيعة وفن متقدم في مجال العمارة والبناء. امتدت آثار هذه الحضارة لتتجاوز بلدان الجوار إلى وادي الهند ووادي النيل والأناضول وكريت وايجة وأوربا. يضاف إلى ذلك الكثير من أصول حضارة وادي الرافدين التي يمكن تحريها في الكتاب المقدس. يقول جورج بوييه شمّار "إن الديانة اليهودية أخذت أصولها من الديانة السومرية والبابلية والآشورية، وأن كل ما فعلته التوراة هو أنها غيرت الأسماء واستبدلت تعدد الآلهة بوحدانية الإِله والإِله (يهوه)(7)." ويقول فردريك ديلتش إن"العصور العبرية القديمة ترتبط من أولها إلى آخرها ببابل وآشور(8)." كما أن عطلة السبت- التقليد اليهودي- هي تقليد بابلي أولاً، إذ كان البابليون يرتاحون يوم السبت ويمتنعون عن القيام بِأي عمل. "لذلك لا يمكن الشك في أننا ندين براحة يوم السبت أو الاحد (أو الجمعة) في النهاية لهذا الشعب المتحضر بين الفرات ودجلة(9)." كذلك ترسَّخت الوصايا التي تنص على "أن لا تمس الآخر بسوء كما تريد أن لا يمسك أحدٌ بسوء. فلا تقتل ولا تزن ولا تسرق"، وهي من الأدبيات البابلية التي وردت في الوصايا الخامسة والسادسة والسابعة في العهد القديم (التوراة)(10). وينتهي فردريك ايلتش بقوله "وأرجو أنني أفلحت في عرض الأدلة التي تشير إلى أن تفكيرنا الديني بواسطة الكتاب المقدس ما زال يلونه الكثير من العناصر البابلية...(11)" ويرى عالم السومريات (بوبل) إن الاسم العبري SHEM (في العربية سام) مشتق من كلمة SHUMER (سومر). وحسب عالم السومريات الأمريكي صموئيل نوح كريمر "وإذا صحت فرضية بوبل… فعلينا أن نفترض أن المصنفين العبرانيين للتوراة، أو في الأقل بعضاً منهم، عدَّ (اعتبر) السومريين الأجداد الأصليين للعبرانيين… من الجائز أن يكون هناك قدر كبير من الدم السومري في عروق أجداد ابراهيم، الذين عاشوا أجيالاً عديدة في اور أو في مدن سومرية أُخرى. أما ما يتعلق بالثقافة والحضارة السومرية، فليس هناك من سبب للشك في أن طلائع العبرانيين هؤلاء قد استوعبوا وهضموا كثيراً من مفاهيم الحياة السومرية(12)." ويتبين التأثير السومري في معتقدات العبرانيين، أن أسفار التوراة بعامة وسفر التكوين بخاصة، احتوت على كثير من المعتقدات ذات الأُصول السومرية والبابلية وإلى حدود دفعت ديلتش إلى القول بِأن سفر التكوين "غارق في ذنوب الإنتحال". وجاء رد أنصار التوراة بقولهم أن وجود أوجه متشابهة من النتاج الحضاري الرافديني والتوراتي دليل على عمق الروابط بينهما. فطالما أن الآباء الأوائل جاؤا فعلاً من وادي الرافدين كما يؤكد ذلك التوراة مراراً، خاصة وأن التوراة نفسه يشير إلى أن ابراهيم الخليل كان أصلاً من (اور الكلدانيين)- سفر نحميا 7:9، عندئذ لنا أن نتوقع أن يكونوا على علم بنتاج موطنهم الأصلي. عليه، وحسب قولهم، فإِن وجود "مادة مستوردة" في سفر التكوين هو "برهان على أصالة اشتقاقها وليس على كونها سرقة نكراء"، وهذا الكلام بدوره اعتراف منهم بِأن التوراة كتاب وضعي دنيوي!(13) يضاف إلى ذلك هناك قدر واسع من الاتفاق بين الباحثين على أن الديانة اليهودية كما هي معروفة الآن ولدت أثناء الأسر في بابل وأن الأسفار الأولى في بداية التوراة أخذت شكلها الحالي من خلال وجود اليهود في الأسر ولغاية سقوط بابل(14). واذا ما أردنا أن نكون موضوعيين في متابعتنا لتأثيرات المعتقدات السومرية في الأديان الأُخرى، وإذا ما اعترفنا بِأوجه التطابق أو التماثل أو التشابه القائمة بين التوراة والانجيل: الديانة اليهودية والمسيحية (الوصايا القديمة والوصايا الحديثة) وبين القرآن (الديانة الإسلامية)، عندئذ يحق لنا أن نقر ونعترف أن هذه الديانات الثلاث الرئيسة تجد الكثير من جذورها في المعتقدات الدينية والأخلاقية السومرية. بسقوط الدولة البابلية الحديثة صارت البلاد تابعة أولاً للفرس الاخمينيين (539- 331 ق.م) ثم السلوقيين المقدونيين (126/138- 227 ق.م) واخيراً الفرس الساسانيين (227 ق.م- 637 م)، أي لغاية الفتح العربي الإسلامي. ويعود العراق مهداً للحضارة في العهد العباسي (749- 1258م) على مدى أربعة قرون فقط، مع ما انتابه من ضعف وتدخلات بدءاً بالنفوذ التركي (862-945م) ومروراً بالتسلط البويهي الفارسي (946- 1055) والتسلط السلوقي التركي (1055- 1155م) ومن ثم السقوط (1258م) أمام الزحف المغولي والخضوع لسيطرة الدولة الايلخانية، ثم هجمات تيمورلنك (1393م 1401م،1402م) والسيطرة الجلائرية التي شكلت امتداداً لسلطة المغول ثم الخضوع لدولة الخروف الأسود ودولة الخروف الأبيض (الأتراك) والإحتلال الصفوي (الايراني) وأخيراً الحكم العثماني- التركي (4/1831- 1914م) ومن ثم حكم الانكليز ولغاية الاستقلال الرسمي (1930م). وهذا العرض السريع يبين أن بلاد الرافدين ذات الحضارة العريقة استقبلت طوال عهودها أمواجاً بشرية لمختلف الأقوام فأثرت في تركيبتها السكانية وغرست فيها تعددية لغوية- قومية عاشت معها حتى الوقت الحاضر وأصبحت جزءاً من مكونات ووجود المجتمع العراقي المعاصر. هوامش الفصل التاسع (1) سليمان، عامر، العراق في…، ص247- 248..، رو، جورج، ص502..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص548.. هناك من يرى ان اصل الكلدانيين محل خلاف لندرة المصادر عنهم ( الاحمد، سامي سعيد، العراق في التاريخ، ص163). (2) رو، جورج، ص505. (3) باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص547،550..، سليمان، عامر، العراق في…، ص245. (4) سليمان هو احد ملوك مملكة اسرائيل التي ظهرت نتيجة الانتصارات التي حققه داود (1100-955 ق.م) على الفلسطينيين والكنعانيين في فلسطين وعلى الدويلات الواقعة شرق الاردن. أُعتبر فترة حكم سليمان عهداً مجيداً في تاريخ المملكة، واصبحت اورشليم عاصمتها، ويُقال ان 200 الف عامل ساهم في انشاء معبدها. وكان سليمان، رغم شهرته بحكمة القول، يعيش في قصر منيف بين سبعمائة زوجة وثلاثمائة خليلة.كان هذا الاسراف أكبر من ان تتحملها المملكة. وبعد وفاته (535ق،م) نشبت حركات عصيان ادت على انشطار المملكة شطرين: المملكة الاسرائيلية في الشمال وعاصمتها (السامرة) ومملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها (اورشليم). وهكذا فإن المملكة الموحدة لم تدم اكثر من قرن واحد (رو، جورج، ص362- 363). (5) كونتينو، جورج، الحياة اليومية في بابل وآشور (مترجم)، بغداد،1979, ص23..، الاحمد،سامي سعيد، العراق في التاريخ، ص166..، باقر، طه، مقدمة في تاريخ…، ص550،562..، رو، جورج، ص508. (6) الاحمد، سامي سعيد، العراق في التاريخ، ص178. (7) شمّار،جورج بوييه،المسؤولية الجزائية في الآداب الآشورية والبابلية، ص6.., وايضاً Robinson,Jr.,P.41-48. (8) ديلتش، فردريك، ص10. (9) نفسه، ص34. (10) نفسه، ص42. (11) نفسه، ص50. (12) علي، فاضل عبدالواحد، من الواح سومر الى التوراة، ص25. (13) نفسه، ص39- 40. (14) نفسه، ص43.
د. عبد الوهاب حميد رشيد، حضارة وادي الرافدين،ميزوبوتاميا،" العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار الفلسفية" STOCKHOLM – SWEDEN, ISBN 978-91-633-7539-2
#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ميزوبوتاميا4: -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
ميزوبوتاميا 3،- العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكا
...
-
الكشف عن فضائح الفساد في العراق قد يُجسّد ظاهرة سياسية دموية
...
-
أوباما يفوز جولة في سعيه لحبس الأمريكيين دون محاكمة
-
ميزوبوتاميا2، -العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
مرحبا بكم في معسكرات العمل الأمريكية: استخدام قوانين الالتزا
...
-
ميزوبوتاميا 1..العقيدة الدينية.. الحياة الاجتماعية.. الأفكار
...
-
بغداد تحظر البيرة (المشروبات الكحولية).. لماذا يٌشكل هذا الح
...
-
العراق ما يزال يدفع الثمن بعد اتهامه زوراً بأحداث 11 سبتمبر
-
نشطاء مصر يُبادرون بحملة جديدة ضد قرض صندوق النقد الدولي
-
أكثر من 50 مليون يواجهون الجوع في الولايات المتحدة الأمريكية
-
القرض المقدم من صندوق النقد الدولي لمصر.. إجابات صحيحة، أسئل
...
-
قراءة في كتاب* المبحث الرابع: الديمقراطية ومعضلة المرأة
-
قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي- المبحث الثالث
-
قراءات في كتاب.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي.. المبحث الث
...
-
قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي
-
قراءات في كتاب:*
-
ليبيا: حرب الجميع ضد الجميع!؟
-
أنت مقبوض عليك Youre nder Arrest
-
تقرير جديد يكشف ارتفاع مستوى الفقر بين أطفال الولايات المتحد
...
المزيد.....
-
-غير أخلاقي للغاية-.. انتقادات لمشرع استخدم ChatGPT لصياغة ق
...
-
بالأسماء.. مقاضاة إيرانيين متهمين بقضية مقتل 3 جنود أمريكيين
...
-
تحليل.. أمر مهم يسعى له أحمد الشرع -الجولاني- ويلاقي نجاحا ف
...
-
مكافأة أمريكا لمعلومات عن أحمد الشرع -الجولاني- لا تزال موجو
...
-
تفاصيل مروعة لمقابر سوريا الجماعية.. مقطورات تنقل جثث المئات
...
-
يقدم المعلومات الكثيرة ولكن لا عاطفة لديه.. مدرسة ألمانية تض
...
-
الجيش الإسرائيلي يستهدف مستشفيي كمال عدوان والعودة شمال قطاع
...
-
قلق من تعامل ماسك مع المعلومات الحساسة والسرية
-
ساعة في حوض الاستحمام الساخن تقدم فائدة صحية رائعة
-
ماكرون يزور القاعدة العسكرية الفرنسية في جيبوتي ويتوجه إلى إ
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|