فرات محسن الفراتي
الحوار المتمدن-العدد: 3865 - 2012 / 9 / 29 - 08:26
المحور:
الادب والفن
الخريف يقترب، يقتحم، يستقيم، يزمجر بحيطة.. انه يتصيدني على حين غرة، هاهي اوراق الاشجار تسقط من حولي.. سقوطها يجعلني افكر بفزع، بجزع، بملل بكل من رحلوا من حولي.. بكل من تلاشوا في حمى العنف وبين ادخنة الحروب وضبابية اللا جدوى، لا لم تعطب ذاكرتني.. اني اتوهم، اتهيم، اتنسم.. بل اتمنى ان انسى ما مر بي وما جرى حولي.. ومن سقطوا قربي.. صدى الراحلين يهشم المكان.. كم هو صاخب صمت الراحلين.. الخريف يذًكرني.. يأسرني بصفرته القاتمة.. يعصر روحي بمخاض شرنقة تكابد عناء الانفتاح.
اصمت، ابرح، اتخيل برعم صغير تشققت قشوره.. وارتسمت باكورة ابتسامته تلوح لحياة جديدة.. رحيقه الطفولي يكاد يعبق بالمكان.. شذاه يستنجد الاطلالة.. ولكن الخريف بالمرصاد.. انه يخنقه في مهده.. الخريف يسرق الحياة.. يقتل، يسجن، يحرق، يستأثر بكل ما كان جميل.. اسير في ذلك الطريق الفاتن على نغمات مد وجزر لبحر مرمرة الغريب الزرقة.. اتنسم رائحة المكان وتنتعش نفسي بخضرة اتسعت حد الدهشة.. اين هي الان!. ايعقل ان يكون الخريف مراوغاً ماهراً الى حد الالتفاف بحدس مهيب.. انها ليست سوى ايام وربما ساعات وها انذا وكأنني في طريق اخر.. ممر نحو بؤس الذكريات.. تضرب اقدامي اوراقاً كنت تزهو بخضرتها.. شاهقات على اغصان الاشجار اللامعات.. شدو العصافير يأسرني بغفوة هائم سرعان ما تنتفض بأيقاضة حسناء.. لفضها البحر.. ام سقطت من السماء! لما لا! فممر الحنين هذا بخضرته قد ينتهي عند اعتاب عالم اخر.. عالم يشدو، يعدو، يرقص على ذبذبات الهوى.
تتكسر تحت قدمي ورقة احالها الاصفرار بيبوس الروح الى خشبة تتشضى وترعد بصوت كسر جزرة بين اسنان.. فأستفيق! اي ممر هذا؟ استعجب، استهجن، استفسر! ان الخريف يغلق الطرقات.. الهمسات تتصاعد حديث اشباح ينشدون ذعر روح ما.
استنجد، استهجد، اتسأل، اتأمل، اتراكم، اتزاحم.. مع ذاتي يا قربك السقيم، يا بعدك الرحيم، يا هجرك السعيد، ويا وصلك البعيد، بظلالك تتلاشى الامنيات.. تتعرى الاشجار من كسوتها.. وتزدحم ثياب النسائم خافية فتنتها.. استنفر، استأثر، اسعل، اسئل، اهاب فلا غير السراب.. اسهو، اعدو، ابدو.. حائراً.. اتوقف فلا مجال.. لقد غادر الصيف.. واقترب موسم السبات.
#فرات_محسن_الفراتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟