|
حضارة عفنه .!!
سامى لبيب
الحوار المتمدن-العدد: 3863 - 2012 / 9 / 27 - 15:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فى تصريح لعبد المنعم الشحات المتحدث الرسمى للسلفيين وأمين الجماعة السلفية بالأسكندرية قوله بأن الحضارة المصرية القديمة هى حضارة "عفنة" وأن السلفيين سيشوهون كل التماثيل الفرعونية بالشمع !! .. لك أن تندهش بأن المتحدث هذا مصرى ومن أحفاد هذه الحضارة العظيمة وليس من جذور عبرانية اسرائيلية لها خصومة تاريخية مع تاريخ مصرى قديم , ولكن سيتبدد إندهاشك عندما تعلم أنه سلفى وهكذا المتدينون عندما ينتهكوا حضارتنا .
أثارنى هذا التصريح وكأن هناك من صفعنى وأهاننى بشدة لأحس بالبشاعة لهذا الذى يغتصب تاريخى وجذورى بتعسف وغطرسة وينال من جيناتى الأصيلة فيثيرها ..لم يكفيهم أنهم مسخوا الحضارة المصرية القديمة وبتروها من التاريخ لتصبح فى أرضنا ولا ندرى عنها شيئا بل يريد تشويهها بكل بجاحة وتعصب . يعلم المرء بحكم ثقافته رؤية التراث الإسلامى للرسم والنحت ولكن أن يصل التعسف والغباء بالإعتداء على رسوم وتماثيل حضارة قديمة أصبحت آثار وذكرى لا تمارس حضورها إلا لتبيان تاريخ وعظمة شعب , ولا تطلب من أحد أن يخر ساجداً يعبدها ليأتى هذا السلفى بضيق أفق غريب متشبثاً بتراثه اللافظ لأى ثقافة بدون إعمال أى خلية عقل ليزدريها ويبدى الرغبة فى تشويهها وتحطيمها .
يحدونى قلق من إحتمالية حدوث هذا الأمر مستقبلاً متى إمتلكوا القوة وتمكنوا فقد فعلها أحبائهم الطالبنيون فى أفغانستان بنسف تمثال ضخم لبوذا ولم يدين هذا الفعل الهمجى الدعاة الإسلاميون بل هناك من أيده وهناك من عتب عليهم بإستحياء تحت وطأة فجاجة المشهد وتصدره الإعلام العالمى فعز عليهم ان يكون الإسلام فى هذا الموقف الغير حضارى .. من الممكن أن يفعلها هؤلاء التتار الجدد ولكن ماذا علينا أن نفعله .. هل نكتب وندين ونشجب .. بئس الكتابة فى هذه الحالة فعلينا ان نترك أقلامنا وأوراقنا ونقف نحمى آثار جدودنا من هذه الهمجية .
عبد المنعم الشحات ومن على نهجه من السلفيين والإسلاميين المؤدلجين لم يأتى بفتوى من عنده ولم يكن شاذا عما فى تراثه بل متسقاً وصادقاً معه ليأخذ هذا الموقف الحاد من الرسم والتصوير والنحت بل من كل الفنون إتباعاً لحديث نبى الإسلام : "إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون" . رواه البخاري ( 5606 ) ومسلم ( 2109 ) . وقوله : " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة تماثيل " . رواه البخاري ( 3053 ) ومسلم ( 2106 ) .وقوله : (إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ). رواه البخاري ( 5607 ) ومسلم ( 2108 ) وقوله "لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته " .. "مر برأس التمثال فليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة " صحيح مسلم.
فى الحقيقة لا يكون الإسلام متفردا فى تحريمه التماثيل والصور ليشاركه التراث العبرانى هذا المنحى حيث نجد " لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ،وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ.لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ” (سفر الخروج 20: 4، 5) .. ولكن هناك فارق واضح بين أتباع التراث العبرانى والإسلامى , فاليهود والمسيحيين فهموا التحريم فى إطاره المَعنى بعدم السجود والتعاطى مع تماثيل وصور تعبر عن آلهة وثنية بينما أصحاب التراث الإسلامى توقفوا عند حرفية النص ليكون هناك نفور وتحريم لأى تمثال أو صورة وهذا يستحق من الباحثين دراسة عن سر تعاطى المسلم مع حرفية النص بهذه الطريقة نازعاً المغزى والمعنى والتاريخ من سياق النص والحدث فهل لأن النص جاء حاداً وشاملاً.. نحن هنا أمام خطورة إسقاط مفاهيم تراثية قديمة على واقع مغاير وتثبيت نفس زاوية الرؤية القديمة دون أن تخضع للعقل والمنطق والمستجدات .. ولكن يبدو ان هناك خشية من فتح الطريق أمام التفاعل مع المستجدات فتتقوض المنظومة الدينية ولا يبقى منها شئ ليصبح الدين منظومة تاريخية تتحدث عن عصرها .
لن أكتفى بأسفى من تصريح أن الحضارة المصرية حضارة "عفنة" ولن أدع الغضب والغيرة تتملكنى لذا سأترجمهما فى تبيان تاريخ حضارتى المصرية القديمة ملقياً بعض الأضواء عليها لأظهر لهذا السلفى ومن يحمل تفكيره و تكفيره حضارة المصريين القدماء فلا يزدريها بل يدرك مدى عظمة تلك الحضارة وله ان يقارنها بما يقال عنه حضارة القدامين من الصحراء هذا إذا كان قدموا شيئا ً .
* حضارة عظيمة مدهشة الحضارة المصرية العظيمة ليست خافية عن من يمتلك مفردات معرفية بسيطة فقد شدت إنتباه العالم بتفوقها وتفردها وإنجازاتها لتعلن للقاصى والدانى مدى تقدمها على كافة المستويات , ففى الوقت الذى كان العالم يعيش فى الكهوف وقبائل وعشائر بدائية مهمشة وفى بقع أخرى يهيم البشر فيها على وجهوهم عرايا , كان المصريون القدماء يقيمون الدولة المركزية بنظم وتقليد وأسس الدولة المدنية , ويبنون الأهرامات كبناء معمارى رائع مدهش مازال حتى الآن يخبأ أسرار بناءه ليظهر مدى التقدم المعمارى الهندسى فى وقت كان الجيران يعيشون فى خيام من شعر الإبل .. لم تكن حضارة المصريين تقتصر على بناء الاهرامات كمقابر للملوك كما يتصورالجهلة بل هى تمظهر واحد لحضارة دولة ذات تقدم فى الهندسة والرياضيات والفلك .. بلد عرف الصناعة والزراعة وبنى السدود والقناطر وشق الترع ونقب فى الجبال والمناجم وتحت الأرض حتى تبوح الأرض بسرها , فلك أن تتصور كم نحتاج لتكنولوجيا متقدمة وجهد كبير مبذول فى عصرنا هذا لإستخراج المعادن فما بالك بهؤلاء الذين عاشوا من خمسة آلاف سنه فى هذا الزمن القديم . نجد تقدم هائل فى ميدان الطب والصيدلة تكلل بسر التحنيط الذى لم يفلح العالم حتى الآن للوصول لسره .. تجد تقدم مدهش فى علم الفلك والرياضيات أتاح لهم ان يفردوا عضلاتهم ليظهروا تفوقهم ونبوغهم عندما حققوا توافق تعامد أشعة الشمس مرة واحدة على وجه رمسيس لتأتى فى يوم عيد ميلاده . مصرحضارة وعظمة وفنون وآداب واكتشافات مما جعل العالم يقف مشدوداً مبهوراً مندهشاً من هذه الحضارة التى تعتبر أطول حضارة مكوثاً على مدار التاريخ .. بالطبع الكثير منا يدرك هذه المعلومات عن تفوق الحضارة المصرية ولكن لا بأس من إضافة المزيد من المعلومات السريعة حتى نتلمس مدى عظمة وتفوق حضارة يأتى من ينعتها الآن بالعفنة.!!
لك أن تتصور أولا أن نهر النيل الموجود حالياً لم يكن كذلك إنما كان عبارة عن أحراش ومستنقعات !! .. المصريين القدماء هم الذين هذبوه وشذبوه فصار النيل المعروف حإليًا.!! والأهم من ذلك هو تعامل المصريين عند انخفاض منسوب مياه النيل ليقدم لنا الإجابة العالم الكبير جيمس هنرى برستد الذى كتب (فإذا جاء وقت هبوط النيل، انخفض منسوب مياه النهر والترع المستمدة منه عن مسطح الأراضى المزروعة، فتتهدد وقتئذ البلاد بالعطش لبعد مياه النيل عنها. وهذا هو السبب الذى جعل الأهالى يُقبلون على إنشاء الترع لإرواء الأراضى أيام التحاريق ومن ذلك يتضح أن أراضى وادى النيل الخصبة الفتية تستحث زارعيها منذ العهد القديم على إبداء المهارة فى توزيع مياه النيل الحيوية , فلا غرابة إذا لاحظنا أن هؤلاء برعوا فى هندسة الرى منذ أقدم العصور , ولما كانت مصر أم الفنون الآلية، وجب علينا أن نذكر فى هذا المقام أن نهر النيل كان أهم الأسباب التى أنجبت ذلك الفن ) -تاريخ مصرمن أقدم العصورالى الفتح الفارسى .
لم تكتفى الأمور بالتقدم فى ترويض النهر واقامة السدود والقناطر بل هناك تقدم مذهل يندهش العالم منه ليس الأهرامات والمعابد والتحنيط كما يشاع بل فى مواضع شتى لدرجة أن هناك من أصحاب الخيال والفنتازيا البهلوانية من يتصور أن حضارة مصر القديمة جاءت بواسطة كائنات فضائية .!! كان للحضارة المصرية السبق فى إجراء أول جراحة مخ فى التاريخ حسب الترجمة الموجودة فى المتحف البريطانى!! فنرىوجود عُقد موجود فى متحف برلين، خرزاته من الكريستال الطبيعى وهذا العقد به ثقوب لتمر منها أسلاك رفيعة من الذهب لا يزيد قطر الثقب عن جزء من المليمتر , ويرى العلماء أن هذه الثقوب لايُحدثها إلاّ شعاع من الليزر ويتساءلون: كيف فعلها المصريون؟ ليقول د. أحمدى عبدالعزيزأستاذ الكيمياء فى كلية العلوم جامعة القاهرة أن المصريين القدماء توصلوا الى صناعة الألياف الزجاجية وأن كل عشرة من هذه الألياف تساوى قطر شعرة رأس واحدة. فكيف فعلوها ؟ ليضيف د. على حسن ( لقد عرف جدودنا المصريون المواد المشعة واكتشفوا صخورًا معينة قرب بنى سويف نسبة الاشعاع بها عالية فاتخذوا منها طلاء أزرق بعد طحنها وتحويلها الى بودرة ).! كما اخترع المصرى القديم الخيوط الجراحية من أمعاء القطط ومشرط الشق الحنجرى لحالات الاختناق والإبر الجراحية المصنوعة من الذهب والفضة .. ويعرض د.عادل إمام أستاذ أمراض القلب فيلمًا عن بعض الجداريات المصرية ويعقب (أعرض عليكم صورة من أحد المعابد، تصورالتحام الحيوان المنوى وبجواره البويضة ثم انقسام البويضة الى اثنتين ثم أربعة فهل كان لدى جدودنا ميكروسكوب؟ ) (أنظرمقبرة رمسيس 6 فى وادى الملوك - غرفة الدفن)
تقول العالمة الفرنسية كريستين نوبلكور أن مصرعرفت منذ آلاف السنين أن القمر يستمد نوره من الشمس ودليلها على ذلك ما وجدته مكتوبًا على تمثال لآمون ( العين اليمنى هى الشمس والعين اليسرى هى القمر والعين إليسرى تستمد نورها من العين إليمنى) (مصر التى لاتعرفونها - د. وسيم السيسى - نهضة مصر)... كما أشار د. وسيم السيسى عاشق المصريات الى الدور المهم الذى قام به د. محمد فياض الذى اكتشف أن أول مستشفى لرعاية المرأة الحامل، ليس فى باريس (أواخر القرن19) ولا فى أدنبره (1899) ولافى الولايات المتحدة الأمريكية (1909) ولكن فى مصرالقديمة منذ 4000 سنة. وكتب د. محمد فياض فى كتابه ( فن الولادة فى مصرالقديمة) : (إننى أنحنى بكل التقديروالإجلال أمام العبقرية الطبية فى ميدان الولادة لأجدادنا المصريين القدماء) ينقل د. وسيم السيسى أيضا ما قالته رئيسة الطبيبات فى مصرالقديمة (بيسيشيت) عن تكعيبة النفاس (ماميزى) فى حديقة منزل المرأة بعد ولادتها خوفًا عليها من حمى النفاس لمدة أسبوعين حيث كان يستخدم لباب الخبز العفن وملح الطعام أو عسل النحل على الجروح المتقيحة (لباب الخبزالعفن به بنسلين) ... ويؤكد د. محمد فياض أن جدودنا المصريين القدماء عرفوا وسائل منع الحمل وعرفوا إنسداد أنابيب فالوب بواسطة الثوم (بردية كاهون) وعرفوا الحقنة الشرجية أما عن لحظات الولادة، فكانت السيدة الحامل تجلس القرفصاء وتثنى ركبتيها كأنها تتبول ليتابع د. محمد فياض بأن هذا الوضع أفضل أوضاع الولادة لأن إحساس الوالدة بالألم لايكاد يُذكر ولا يقارن بالمتاعب والآلام التى تعانيها من تلد وهى فى الوضع الأفقى (ممدة على السرير) وأن كرسى الولادة تم استخدامه فى مصر القديمة فى الأسرات من 20- 30 لنجد فى نهاية القرن العشرين الميلادى المستشفيات فى الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى أسلوب الولادة المصرى أى كرسى الولادة.
الحضارة التى يصفها السلفيون بأنها عفنه نقلت عنها أوروبا الكثير ففى لحظة إستيقاظ ضمير قال العالم الكبير (كبلر) صاحب قوانين حركة الأجرام السماوية ( ليغفرالله لى لقد سرقتُ هذه القوانين من على التماثيل الذهبية فى مصرالقديمة) !.
الطب فى مصر القديمة أذهل كل العلماء فى العصرالحديث ويكفى الإشارة الى البردية التى اكتشفها عالم المصريات الأمريكى (إدوين سميث) وسُميت باسمه فقد كان هذا العالم يعيش فى الأقصر فعرض عليه مصطفى أغا بردية من مقابر أحد الأطباء فى البر الغربى للأقصر ليعرضها على إدوين سميث الملم بالكتابة الهيراطيقية ليكتشف أن البردية تشرح أسإليب الجراحة، وخاصة جراحة الكسور وبعد أن ترجمها سميث ترجمها بعده برستد للإنجليزية. ثم ترجمها دون فينيس وجرابو للألمانية ثم تُرجمت للإلمانية مرة أخرى على يد عالم المصريات الألمانى وستندورف ليكتب د. وسيم السيسى عن أهمية هذه البردية ( أنها أول مرجع طبى من مصر القديمة خإلية من السحر وتتبع طرقًا علمية فى التشخيص والعلاج وعمر هذه البردية 3500 سنة وتُعتبر كتابًا تعليميًا لأنها مرتبة ترتيبًا تشريحيًا فتبدأ بالرأس ثم الوجه ثم الفك ثم الرقبة ثم الذراعين فالصدر والبطن والحوض وأخيرًا الساقين. !! حضارة إهتمت بأمراض الإنسان واكتشفت أسإليب العلاج واكتشفت أول وسيط للكتابة ،أى أوراق البردى .. ففى محاضرة للدكتورة بسمة الصقارعن نبات البردى قالت ( إن أعظم الاختراعات فى تاريخ البشرية هو ورق البردى، الذى سجّل عليه الإنسان مسيرته الحضارية حتى القرن العاشرالميلادى حين وصلت الصين الى صناعة الورق الذى بين أيدينا الآن )
حضارة لخصّها العالم الكبير برستد فى جملة دالة إذ كتب ( إن الصناعة المصرية أخرجت كتانًا على النول إليدوى بلغت فيه دقة النسيج، ما جعل من الصعب أن نُميزه عن الحرير! واذا قارناها بخير ما يمكن أن ينتجه النول الميكانيكى الحديث، فإن صناعتنا الحإلية تبدو خشنة بالنسبة إليها !) (انتصارالحضارة - ص 100) وفى مؤتمرعلمى اعترف العلماء بأن (الحضارة المصرية هى من أقدم الحضارات التى مارست علم البيوتكنولوجيا عندما ابتكروا الخبز وقاموا بتخميره قبل خبزه ودخوله الفرن) (أهرام 30- 7- 2003)
توصل المصرى القديم الى أول أبجدية فى تاريخ البشر وهى حقيقة أكدها كثيرون ليكتب د. إسحق عبيد ( أن الفينيقيين نقلوا الحروف الهيروغليفية الى بلاد اليونان فبلوروا منها الأبجدية , وبدون مزايدة فمصر محت أمية حوض البحرالمتوسط ) - وبفضل الأبجدية المصرية التى تطورت وانتقلت الى شعوب أخرى، عرف البشر فكرة التدوين التى شملت التأريخ والعلم والآداب الخ. ويؤكد العلماء أن البرديات التى تركها جدودنا شملت الحياة إليومية الخاصة بما فيها أشعار الحب والخطابات المتبادلة بين الزوج وزوجته وكتابة عقود الزواج وعقود البيع وأشارالعالم ت. ج. جيمس الى عقد محرر بين السيدة تاحب نفر حتب وشخص آخر حول شروط بناء بيت لها لصيق ببيته الى درجة ذكر الحدود من كل الجهات مثل العقود المحررة فى عصرنا الحالى ويمكن الإطلاع على العقد فى المتحف البريطانى ويضيف جيمس أن العقد يظهرالمرأة المصرية القديمة فى صورة تحفظ لها كيانها القانونى وحقها فى التملك والمحاسبة القانونية بصفة مستقلة ) -الحياة أيام الفراعنة-.
قبل أن أتطرق للجزء الثانى من البحث أريد أن أسأل ماذا قدم الغزاة العرب لمصر من علوم وإبداعات وأنظمة فلن تجد أى شئ تم تقديمه لتكون النتيجة صفرية بل على العكس هناك طمس وتخريب وتدمير نال هذه الحضارة وهذا ما سنتناوله فى الجزء الثالث من هذه الدراسة .
* حضارة الضمير والأخلاق . الحضارة المصرية القديمة لم تكتفى بكونها حضارة علوم وفنون وآداب بل نسجت أخلاقها من رحيقها لتتحقق جدلية رائعة بين الفكر المادى والثقافة والسلوك ليجمع المؤرخين القدامى مثل هيرودوت الذى وصف أجدادنا بأنهم ( أتقى البشر أجمعين ) الى فرويد الذى وصف المصريين القدماء بالودعاء بينما وصف الساميين بالهمج (موسى والتوحيد ص 109) -- إلى برستد الذى خصص كتابًا عن مصر القديمة بعنوان دال هو (فجر الضمير) أشار فيه الى أن أناشيد أخناتون كرست الحب لكل المخلوقات ,, وفى مقارنة دالة بين الأتونية والموسوية كتب المفكر السورى فراس السواح ( تصر الديانتان ولأول مرة فى التاريخ على وحدانية الإله إلاّ أن وحدانية أخناتون أعم وأشمل لأنه يرى آتون إلهًا للأمم كلها بينما بقيت إليهودية فترة طويلة من تاريخها على الاعتقاد بيهوه إلهًا للشعب إليهودى يتجلى فى المعارك والانتصارات لها ، لا كما يتجلى أتون فى الأزهار والأشجار وجميع أشكال النماء والحياة) -مغامرة العقل الأولى - ص 132-.
وضعية المرأة فى المجتمع المصرى القديم كانت متقدمة ليكتب ماسبيرو أن ( المرأة المصرية من الطبقة الدنيا والمتوسطة أكثر احترامًا وأكثر استقلالا من أية امرأة أخرى فى العالم ) وكتب ماكس ميلر ( لم يكفل أى شعب قديم أو حديث للمرأة مركزًا قانونيًا مماثلا فى سموه كما كفله لها سكان وادى النيل) وكتب باتوريه (كل الشعوب القديمة فى الغرب كما فى الشرق يبدو أنها اجتمعت حول فكرة واحدة أن تجعل من المرأة كائنًا أدنى من الناحية القانونية, أما مصر فإنها تعرض لنا منظرًا جد مختلفاً فنحن نجد فيها المرأة مساوية للرجل من الناحية القانونية لها نفس الحقوق وتعامل بنفس الكيفية ) (نقلا عن د. محمود سلام زناتى - تاريخ القانون المصرى) الذى أضاف ( لقد تمتعت المرأة فى مصر الفرعونية بمكانة فى المجتمع والأسرة لم تبلغها المرأة لدى شعب من الشعوب القديمة بل فى كثير من المجتمعات الحديثة فلم يعرف المصريون فكرة انفصال الجنسين كما كانت المرأة تخرج الناس سافرة الوجه بلا غضاضة وتسهم بنصيب كبير فى الحياة الاجتماعية , كما كان الزوج والزوجة يعاملان بالنسبة لحق الطلاق على قدم المساواة, فكانت للزوجة حرية الانفصال عن زوجها مثل حرية الزوج وذلك عكس الكثير من الشرائع القديمة التى لم تكن تساوى بين الرجل والمرأة حيث كان الطلاق حقا مطلقا للرجل علاوة على أن القانون مصرى القديم كان يسمح بزواج الأرامل وهو يخالف ما جرت به بعض المدنيات القديمة التى كانت تحظرعلى الأرملة عقد زواج جديد ونجد أيضا أن القانون المصرى كان يعترف للبنت بحق ميراث مساوٍ تمامًا لحق الابن ).!
والآن لنقرأ معًا ما كتبه علماء علم المصريات عن الحضارة التى يرى السلفيين انها حضارة عفنه فالعالم الكبير ت. ج. جيمس أمضى عدة سنوات يدرس تاريخ الحضارة المصرية ويزور الآثار والمتاحف العالمية وبعد هذه السنوات انتهى من تأليف كتاب صغير الحجم نسبيًا فماذا كتب عن جدودنا المصريين؟ قال : (عاش المصريون القدماء وهم مرتبطون بالأرض وكان لديهم قدر معقول من الحرية فى ممارسة أنشطتهم وسلوكياتهم الاجتماعية فى مناخ لم يتسم بالعدوانية على شكل مخصوص , وقد حاولت أن أخفض رأسى وأنا أكتب فصول هذا الكتاب لأتعايش مع هؤلاء البسطاء .. لقد ظل ملوك مصر يحكمون شعبًا متماسكًا غيرمنقسم لمدة تزيد عن ثلاثة آلاف سنة متصلة ) ومن هذا التاريخ المتصل الذى يعتبره علماء المصريات أول وأقدم دولة بالمفهوم العصرى لمعنى الدولة ,عن هذا التاريخ كتب عالم المصريات الكبير آلان جاردنر ( إن الذى نعلنه ونباهى به باعتباره تاريخ مصر القديمة، لايعدو أن يكون عملية تجميعية للكسر والأسمال ). الفلاسفة والعلماء إليونانيين الذين عاشوا فى مصر تعلموا الفلسفة والعلوم على يد الكهنة المصريين أمثال طإليس وصولون و أفلاطون الذى عاش فى مصر 13 سنة وفيثاغورث الذى عاش فى مصر 22 سنة وأخذ نظريات هندسية كثيرة أشهرها المثلت قائم الزاوية ونسبها الى نفسه! .. من أجل ذلك كتب العالم الألمانى هيلموت فون درشتاين : ( فى مصر وجد أفلاطون الحقيقة ) ولم تكن مصادفة أن يقول حكيم فارسى ( كل جميل يأتى من مصر ) (نقلا عن الشاعر د. حسن طلب - فى كتابه - أصل الفلسفة - حول نشأة الفلسفة فى مصر القديمة وتهافت نظرية المعجزة إليونانية .)
يقول المؤرخ الكبير أرنولد توينبى أن (الحضارة المصرية حققت ما حققته من معجزات دون أن تتلمس فى دربها الطويل علاقات بنوة أو تلمذة على يد حضارات أخرى معاصرة أو مجاورة لها، هذا إذا كان ثمة حضارة أخرى حينذاك) (د. إسحق عبيد - حكمة المصريين - مركز القاهرة لداراسات حقوق الإنسان ) .. ولأن الحضارة المصرية حضارة استقرار بالرغم أنها كانت معرضة دائمًا للغزاة بسبب زراعتها ومعادنها وموقعها الخ فرغم كل ذلك لاحظ عالم المصريات الكبير أدولف إرمان أن الأخلاق المصرية أوجدت ظاهرة مهمة فى دراسة المصرين القدماء فكتب ( لم يتعطش المصريون نحو الأخذ بالثأر كما كانت الحال فى الشعوب الأخرى ولذلك بقيت هذه العادة غريبة عنهم ومن أجل هذا بقيت ديانتهم خالية من الطقوس المخيفة التى تحيد بالديانات الأخرى عن الطريق المعتدل فلم يكن فيها مكان لآلهة ظمأى نحوالدماء ولا طقوس تسرف فى الشرور أوالشراهة حيث كانت الطقوس الدينية المصرية تؤدى بشكل هادىء رزين ويصل خيال المصرى القديم الى درجة عإلية من الرقة والسمو فى علاقة الإنسان بالآلهة ولتكون قرابينه نباتات وخضروات وفاكهة ).
من خلال قراءة البرديات المصرية والقانون الجنائى المصرى لاحظ العالم الكبير برستد أن القانون المصرى القديم لم يكن يفرق فى العقوبة بين الأشخاص حسب مواقعهم الاجتماعية فكان الإثم الواحد تُطبق عليه عقوبة واحدة على جميع المواطنين بغض النظر عن المنصب أو الوظيفة، أى مساواة مطلقة وذلك عكس قانون حمورابى الذى نص على أن كل العقوبات والأحكام القضائية تُدرّج حسب مراكز المذنبين الاجتماعية أو مكانة المتخاصمين الاجتماعية فعلّق برستد قائلا ( هذه الحقيقة تفسر لنا على الفور السبب الذى من أجله نعتبر أن ما أضافته المدنية البابلية الى إرثنا الخلقى فى غربى آسيا فى حكم العدم ) ولذلك يرى برستد أن الإنسان فى الحضارة المصرية ( قد سما الى تصور خلقى عالٍ قبل أن تظهر الأمة العبرانية فى عالم الوجود بألفىْ سنة وأن المصريين بعد أن تغلّبوا على المعادن وتقدمهم فى اختراع أقدم نظام كتابى، قد جعل فى أيديهم السيطرة على طريق التقدم الطويل نحوالحضارة ولذلك فإن مصر فى القرون التى تقع بين 5000- 3500 ق.م قامت فيها أول دولة متحضرة كبيرة، فى وقت كانت فيه أوروبا ومعظم غربى آسيا لا تزال مسكونة بجماعات مشتتة من صيادى العصر الحجرى !! .. والذى يعرف قصة تحول صيادى عصر ما قبل التاريخ فى غابات النيل الى ملوك ورجال سياسة وعمارة ومهندسين وصناع وحكماء وأنبياء اجتماعيين فى جماعة منظمة عظيمة مشيدين تلك العجائب على ضفاف النيل، فى وقت كانت أوروبا لا تزال تعيش فى همجية العصر الحجرى ، ولم يكن فيها من يُعلّمها مدنية الماضى. من يعرف كل هذا يعرف قصة ظهور أول مدنية على وجه الكرة الأرضية تحمل فى ثناياها صورًا خلقية ذات بال ) -فجر الضمير - ترجمة سليم حسن. اذا قرأنا الرسائل التى كان يبعث بها المصرى القديم الى زوجته عندما يكون مسافرًا وحالة العشق التى تصل الى درجة عإلية من الرقة والعطف والحنان تعبيرًا عن رغبته فى رؤية زوجته وأولاده، اذا قرأنا تلك الرسائل بروح موضوعية لعرفنا أننا إزاء حضارة عشقت الحياة وقدمت للحياة ليجمع أغلب علماء المصريات على أن اللغة المصرية القديمة لم تعرف لفظة الموت وكان يُكنى عنها بلفظة (الغرب) فى إشارة الى من تم دفنه بعد موته.
تعالوا نختم إطلالتنا على أخلاق وسلوك المصريين الحضارية من خلال التجول فى كتاب الموتى لنجد نصوص رائعة تفيض رقة وعذوبة وإنسانية لم تستطيع أديان ومعتقدات البداوة التى جاءت بعدها أن تقترب منها أو تفهمها بل نجد قيم ومثل قريبة من قوانينا المعاصرة . إني لم أترك أحدا يتضور جوعا . ولم أتسبب في بكاء أي إنسان . وإني لم أرتكب القتل . إني لم أسبب تعسا لأي إنسان . إني لم أغتصب طعاما من قربان الموتي . إني لم أخسر مكيال الحبوب . إني لم أنقص الميزان . إني لم أغتصب لبنا من فم الطفل . إني لم أطرد الماشية من مرعاها . إني لم أضع سدا للمياه الجارية .
وفي يوم الحساب ينكر المتوفي الغش وغيره من الصفات المذمومة إذ يقول: إني لم أنطق كذبا . إني لم أضع الكذب مكان الصدق . إني لم أنقض مكيال الحبوب ولم أكن طماعا . لم يكن قلبي متسرعا . ولم تأخذني حدة الغضب . إني لم أسب . ولم أكن متكبرا . إني لم أقتل رجالا . إني لم أسرق . إني لم أرتكب شيئا تكرهه الآلهة.
مشهد آخر من الفكر والسلوك الراقى يقدمه بتاح حتب صاحب أقدم كتابات أدبية يتحدث عن السلوكيات والتعاملات والأخلاقيات بشكل عام، وتتضمن نصائحه المكتوبة منظومة خلقية رفيعة المستوى في صياغتها وفي مستوى مضامينها، ومن أبرز تلك الأقوال : " يُعترف بفضل الرجل الذي يتخذ العدالة نبراسا له، فينهج نهجها"، "إن المستمع هو الذي يحبه الإله، أما الذي لا يستمع فإنه هو الذي يبغضه الإله"، "لا تكون متكبرا بسبب معرفتك، فشاور الجاهل والعاقل لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها وليس هناك عالم بلغ في فنه حد الكمال ". "إذا أصبحت عظيما بعد أن كنت صغير القدر وصرت صاحب ثروة بعد أن كنت محتاجا فلا تنسين كيف كان حالك في الزمن الماضي، ولا تفخر بثروتك، التي أتت إليك منحة من الإله فإنك لست بأفضل من غيرك من أقرانك الذين حل بهم ذلك" "فإذا كنت تبحث عن أخلاق من تريد مصاحبته فلا تسألنه عن شيء ، لكن اقترب منه وتعامل معه، على انفراد معه، وامتحن قلبه بالمحادثة، فإذا أفشى شيئا قد رآه أو أتى أمرا يجعلك تخجل له، فعندئذ احذر حتى من أن تجاوبه"، "إذا كنت رجلا ناجحا، وطد حياتك المنـزلية، وأحب زوجتك في البيت كما يجب". "لا تكون شرها في القسمة، وانبذ الطمع حتى في حقك، ولا تطمع في مال أقاربك فإن الالتماس اللين يجدي أكثر من القوة، وأن القليل الذي يؤخذ بالخداع يولد العداوة" "اتبع لبك (أي روحك) ما دمت حيا، ولا تفعلن أكثر مما قيل لك ولا تنقص من الوقت الذي تتبع فيه قلبك، ولا تشغلن نفسك يوميا بغير ما يتطلبه بيتك، وعندما يواتيك الثراء متع نفسك لأن الثراء لا تتم فائدته إذا كان صاحبه معذبا"
من النصوص الرائعة أيضا ما تركه أحد حكام المقاطعات ممن عاشوا في القرن السابع والعشرين ق.م.( لاحظ التاريخ ) من نص يشرح فيه إدارته لحكمه قائلا: " لقد أعطيت خبزا للجائعين في "جبل الثعبان" (ضيعته) وكسوت كل من كان عريانا فيها، وملأت الشواطئ بالماشية الكبيرة وأراضيها المنخفضة بالماشية الصغيرة، وأشبعت كل ذئاب الجبل وطيور السماء بلحوم الحيوان الصغير , ولم أظلم أحدا قط في ممتلكاته حتى يدعوه ذلك إلى أن يشكوني لإله مدينتي، ولكني قلت وتحدثت بما هو خير، ولم يوجد إنسان كان يخاف غيره ممن هم أقوى منه حتى جعله ذلك يشكو للإله . ولقد كنت محسنا لأهل ضيعتي بما في حظائر ماشيتي وفي مساكن صيادي الطيور، وإني لم أنطق كذبا لأني كنت امرأ محبوبا من والده ممدوحا من والدته رفيع الأخلاق مع أخيه وودودا لأخته". نلاحظ أن هذا النص صادر من حاكم أى أنه ينعم بالسلطة والقوة والنفوذ وهذا يعطى إنطباع مخالف تماما عن صورة الحاكم فى العصور القديمة بل والحديثة أيضا التى تتميز بالإستبداد والغطرسة والتعجرف لكن هذا الحاكم المصرى القديم لم ينس مسئوليته الخلقية تجاه من اعتبرهم رعية له، بل يذكر الآخرين أكثر من ذكره لنفسه، ويهتم بالتأكيد على أن أحوالهم في ظل رعايته كانت بخير وأنه لم يتسبب لأحد في أي ضرر، ثم ينهي كلمته بالجملة المعتادة التي تمتدح متانة علاقاته الأسرية ومحبته لأهل بيته. إن المتأمل في هذه النصوص من كتاب الموتى وبتاح حتب يشعر بأننا معزوفة أخلاقية نادرة الوجود والتحضر كتبها مصري قديم يتخطى عمره الآن الخمسة آلاف عام، صاغها قبل كل الديانات والتشريعات والقوانين واللوائح، كان منبعها ضميره اليقظ ومسئوليته الخلقية .
* أكذوبة الحضارة الإسلامية . بعد هذا الإستعراض للحضارة المصرية القديمة التى تفيض بكل ماهو راقى ومتقدم على مستوى العلوم والفنون والأداب والأخلاق لنا أن نتوقف اولا أمام من ينعتها بحضارة عفنه كما علينا أن نتوقف ايضا أمام أوهام وإدعاءات من يدعون أن هناك حضارة إسلامية تواجدت على أرض مصر إبان الغزو العربى ليتم ترويج هذه الأكذوبة تحت تأثير عشق التراث فلا عجب إذا كان الأحفاد الآن يُمجدون الغزو الإسلامى لمصر ويعتبرونه فتحاًَ مبيناً , لنسأل وماذا يكون الإستعمار إذن ولماذا نلعن كل المستعمرين الغزاة الذين دخلوا مصر وما الفرق .؟!! لو بحثتنا فى طبيعة الغزو الإسلامى لمصر وماذا قدم لمصر لوجدنا النتيجة صفر فلم تحمل جحافل الجيوش الغازية معها حضارة جاءت بمعارفها وعلومها وعلماءها وروادها وفنانينها مثل الحملة الفرنسية على مصر حين حضرت بعلماء ومهندسين ومفكرين وفنانين وكوادر فنية ( لم تكن من أجل عيون المصريين ) لتترك لمصر بعض الإنجازات مثل الطباعة وإكتشاف حجر رشيد وكتاب وصف مصر وبعض الأنظمة الحديثة فى إدارة البلاد , فهل كانت الحملة الإسلامية على مصر ضمت أى علماء أو مفكرين أو مبدعين أم مجموعة من المقاتلين الأشداء .. نحن أمام غزو عسكرى صريح لا يحمل إلا الدروع والسيوف وكفاءة عالية لمقاتليه لا تبغى سوى الغنائم وإمداد الحجاز من خير مصر وضرائبها
دعونا نسأل ماهى مبررات مقولة حضارة إسلامية إذا كان المستعمر العربى لا يحمل فى جعبته أى تمظهر يوحى بأن هناك مقومات حضارة قادمة على الأبواب بل إجتياح إستعمارى ناهب فيذكر لنا الطبري والبلاذرى أنه عندما حان عام الرمادة بالمدينة المنورة طلب عمر بن الخطاب مضاعفة كميات القمح المرسلة للمدينة من خراج مصر أضعافا وقال: "أخرب الله مصر في عمار المدينة وصلاحها، فعالجه عمرو وهو بالقلزم، فكان سعر المدينة كسعر مصر... وعندما تولى عثمان بن عفان الخلافة بعد مقتل عمر بن الخطاب، أراد عثمان أن يكون عمرو بن العاص على الحرب وأن يكون عبد الله بن سعد على الخراج (أي الضرائب والجزية)، فرفض عمرو قائلاً : "أنا إذا كماسك البقرة بقرنيها وآخر يحلبها" مشبهاً بذلك مصر بالبقرة الحلوب التي تدر الخيرات على العرب.!
مروجى الحضارة الإسلامية يمارسون التحايل والتغافل فعلينا أن نتصور ببساطة شديدة أن الغزو إكتسح بلد يمتلك رصيد من الحضارة والتقدم فى كافة المجالات فهناك زراعة وزراع متمرسون وصناعة وصناع مهرة ومهندسون وأطباء وميراث هائل من المعرفة والخبرات والإدراك فلم تذهب هذه المعارف والخبرات أدراج الرياح عندما حل الغزو بل بقى المصريين برصيدهم ومخزونهم الحضارى يزرعون ويصنعون ويبنون وبقى الغازى يحمل سيفه ودرعه يحكم ويتسلط وينهب متكئا على قوته .
من الطبيعى فى ظل الموروث الحضارى للمصريين ان نجد إستمرارية لإنتاجهم ليبنوا المساجد الضخمة بديلا عن المعابد ويشيدوا القصور الفخمة للقادمين من الصحراء فهم يعرفون كيف يبنوا بل أن أنظمة الإدارة والمصالح هم من تولوا تنظيمها وترتيبها وفقا لتاريخهم الطويل فى الإدارة لنسأل مرة ثالثة ماذا قدم الغزاة . يأخذ المصريون أسماء عربية وهوية إسلامية ويبقى الجذر المصرى القديم مازال قادرا على ان يزرع ويصنع الإنجازات التى تمت بيد وعقل مصرى إكتسب إسما عربيا ولكن يتأثر هذا المخزون والميراث بالهيمنة الرومانية ليأتى الغزو العربى بتاريخه وممارساته ليجهز على الباقى ويوقف العجلة تماما التى كانت تتحرك تحت تأثير فعل القصور الذاتى لنحظى مع مرور زمن الإستيطان العربى على خطوات بطيئة بدأت تتثاقل حتى توقفت العجلة تماما ً , فقد تجمدت أفكار الإبداع وإنطفئ وهج الحضارة مع الزمن ...نعم تجمدت مسيرة حضارة على يد الغزاة الرومان فالعرب بعد إن إستوطنوا الأرض تحت تأثير هيمنة وفرض ثقافة غير تلك الثقافة التى انتجت حضارة وتمدن وإزدهار .
من هنا يمكن تقييم الوجود العربى فى مصر .. فهو حضر على بلد كانت مقومات الحضارة والتقدم كامنة فيه فلم يساهم فى مسيرة حضارته ولم ينميها ولم يضيف لها شيئاً لذا يمكن تقييم الغزو العربى وتأثيره وفعله بعد ان ساد له الأرض وفرض سيطرته ونهجه لقرون طويلة , فماذا كانت النتيجة .. النتيجة ماثلة للجميع إنحدار وتردى وانقراض وإندثار أى مخزون حضارى فى الداخل المصرى لنصل لحالة من القهقرى .!!
من الإنصاف القول أن تحجيم فعل الحضارة المصرية القديمة وإستمراريتها جاء من بداية الغزو البيزنطى والرومانى لمصر لتبدأ القطيعة مع حضارة الأجداد ولكن من الإنصاف أيضا القول بأن الغزو الإسلامى لمصر جاء بمسح ومسخ وبتر أى علاقة مع الميراث الحضارى القديم فقد تغيرت هوية ولسان الشعب المصرى تماماً لتحدث قطيعة نهائية لا رجعة فيها مع خطوط الإتصال مع جذوره الحضارية , فقد تم سلخه من تاريخه بكل تعنت ليصبح تاريخ وحضارة الأجداد لوغاريتمات مع إصرار الحكم الإسلامى على قطع أى إتصال مع القديم بل تشويهه وتحقيره وإزدراءه بل تحريمه من خلال تكفير الأجداد وهو للأسف مازال يردده الأحفاد الآن .. وعلى سبيل المثال يمكن ان نستحضر هذه المعلومة الطريفة والمؤلمة فى ذات الوقت ,فنصف قرى مصر تبدأ بكلمة " مِيت " ولا تغيب هذه الكلمة عن ال90 مليون مصرى ليرددونها ليل نهار ولا يعلمون معناها فهى هكذا , بينما هى كلمة مصرية قديمة تعنى "طريق".!!
أن الغزو الإسلامى لم يحضر معه علماء ولا مهندسين ولا أطباء ولا صناع مهرة حتى نقول أنه احضر معه منظومة أثرى بها مصر كما الحملة الفرنسية التى كانت استعمارية أيضا ولكننا سنتغاضى عن ذلك ونبحث فيما قدمه بعد ذلك عندما دانت له البلاد وهيمن وسيطر وفرض ثقافته العربية على مصر .. لنسأل ماذا جنينا عندما دام حكم العرب و دامت إدارتهم للبلاد وكيف تبددت حضارة شعب كان يمتلك قدرات ومهارات مختلفة فى كافة المجالات فهل تم إحياء مكنونات حضارة المصريين أم تم وأدها .. هل تم الحفاظ عليها أم تم إهمالها والإجهاز عليها وبترها عن جذورها لتواريها سنين الغزو الثرى . نحن أمام غزو لم يكتفى بكونه لم يقدم شئ بل أجهز وأجهض على ما تبقى من حضارة شعب ... حضارة شعب لم تكن عفنه على الإطلاق .
دمتم بخير وعذرا على الإطالة فهكذا كانت قدرتى على الإيجاز . - "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .
#سامى_لبيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سادية إله أم بشر ساديون- نحن نخلق آلهتنا.
-
حول الفيلم المُسئ .
-
التمايز والرياء فى ظلال المقدس-لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون .
-
الله غير محدود بالزمان والمكان-خربشة عقل على جدران الخرافة و
...
-
السببية كمان وكمان -لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
-
ثقافة المهانة والإمتهان-لماذا نحن متخلفون .
-
حوارات حول المعرفة المطلقة-خربشة عقل على جدران الخرافة والوه
...
-
آلهة غاضبة أم بشر غاضبون-الأديان بشرية الهوى والهوية.
-
نحن والجن وأحفاد القردة والخنازير- لماذا نحن متخلفون
-
غريب هو إيمانهم !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون.
-
الخير والشر ومعضلة الإله-خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
...
-
النهى عن المنكر ومنهجية الوصاية - لماذا نحن متخلفون(6).
-
فَكَرِهْنَا ذَلِكْ -الأديان بشرية الهوى والهوية (5)
-
قليل من العقل والمنطق لن يضر-خربشة عقل على جدران الخرافة وال
...
-
الأخلاق والسلوكيات فى الأديان بين الإزدواجية والإنتقائية-الد
...
-
مصر إلى أين-سيناريوهات مؤلمة قادمة
-
نهج الدم والبحث عن لذة الهمجية والبربرية - الدين عندما ينتهك
...
-
آيات من سفر الوجود - تأملات وخواطر فى الإنسان والوجود والإله
...
-
فى رحاب الشريعة - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (36)
-
الله محبة !- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (24)
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|