|
إيران وسورية في مرمى الإصابة الأمريكية
جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي
(Bashara Jawad)
الحوار المتمدن-العدد: 1124 - 2005 / 3 / 1 - 12:29
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
د. جواد بشارة يشهد الرأي العام العالمي والإسلامي والعربي هذه الأيام حملة إعلامية شرسة ضد بلدين مجاورين للعراق والخليج هما إيران وسورية، من جانب الغرب عموماً والولايات المتحدة الأمريكية على نحو خاص. وهو تكتيك أستخدم سابقاً للتمهيد لعمليات عسكرية استباقية وفق المفهوم الاستراتيجي الأمريكي الجديد الذي برز بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وبات المرء يتساءل في كل مكان هل جاء دور سورية أو إيران أو كليهما معاً بعد العراق؟ فكما هو معلوم أن الحرب على العراق سبقتها في سنوات التسعينات عملية تحضير وتهيئة أيديولوجية سياسية وإعلامية منظمة ومحكمة. فدعاة أسلوب القوة والحسم العسكري لإطاحة صدام حسين سنة 1991 أصابتهم بعض الخيبة من عدم تحقيق نصر عسكري شامل وكامل بسبب قرار جورج بوش الأب آنذاك بعدم الذهاب إلى بغداد، وكرّسوا جهودهم لسنوات طويلة للضغط والمناورة والإقناع عبر مراكز وتكتلات الضغط والتأثير المعروفة بإسم اللوبيات وتحركت ماكنة شبكات المحافظين والمحافظين الجدد في الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية والكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب وداخل الإدارة الأمريكية نفسها ، وكذلك من خلال مؤسسات الـ think tanks، وهي عبارة عن مراكز للتفكير والتحليل وتقديم الخطط والمشاريع والمشورة، باعتبارها مراكز بحث ومراكز ضغط، إلى جانب مختلف اللجان التي تقدمت بالعديد من المبادرات والمشاريع العملية. لقد حقق هؤلاء بعض النجاح في فترة ولاية الرئيس السابق بيل كلينتون خاصة في تحقيق موافقة الإدارة على تبني قانون تحرير العراق وتصويت الكونغرس عليه سنة 1998 ،L’Irak Liberation Act الذي حدد هدفاً نظرياً آنذاك وهو إطاحة النظام العراقي وتقديم الدعم المالي والسياسي لجماعات المعارضة العراقية في المنفى. واليوم يعاد نفس السيناريو بحذافيره في ما يتعلق بنفس الشبكات واللوبيات المتأهبة ولكن هذه المرة يتعلق الأمر بدمشق وطهران. فداخل تكتل أحزاب المعارضة السورية ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان استعداد للتعاون مع الولايات المتحدة بغية إلضغط على النظام السوري لإجراء إصلاحات جوهرية في الهيكيلية السياسية في سورية وإجراء انتخابات حرة وديموقراطية نزيهة وإنهاء هيمنة الحزب الواحد واحتكاره للسلطة والانسحاب الفوري والكامل بلا قيد أو شرط من لبنان وإلاّ سيواجه النظام السوري نفس المصير الذي لقيه النظام العراقي ، وكذلك داخل الائتلاف من أجل الديموقراطية في إيران الذي تأسس سنة 2002 . نجد نفس عناصر" التيار المحافظ الجديد في أمريكا الذي أسس لجنة تحرير العراق" ، و"مشروع من أجل قرن أمريكي جديد"، و" لجنة الخطر المحدق Committee on present Danger" . وهذه الأخيرة كانت تحذر من الاستهانة وسوء تقدير الخطر السوفيتي ، واستعادة نشاطها وحيويتها اليوم لوضع سياسة جديدة حيال طهران ودمشق. سياسة النفس الطويل: نجد اليوم نفس التكتيكات والذرائع ,مثل : إن الحرب على الإرهاب طويلة ولايشكل غزو العراق سوى مرحلة أولى فيها . المراحل التالية ستتمثل بإطاحة أنظمة شمولية وديكتاتورية كالنظامين السوري والإيراني وفق تشخيص المحافظين الجدد الأمريكيين ، ليس بالضرورة باستخدام الغزو العسكري أو بالقوة المسلحة، :" لأنها أنظمة هشة ومتهاوية وضعيفة آيلة للسقوط من تلقاء نفسها بمجرد تعرضها لهجمات سياسية جدّية" كما تعتقد العناصر الأكثر محافظة في هذا التيار المحافظ الجديد. وهم يحاولون إقناع جورج دبليو بوش في بداية ولايته الثانية بأن طموحه بالقضاء على الإرهاب العالمي وتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة تسودها الحرية والديموقراطية، لايمكن أن يتحقق من دون اختفاء مايسميه ميكائيل ليدن أحد ابرز عقول التيار المحافظ ومنظّره،بـ " المللاقراطية في طهران الثيوقراطية و عصبة الحرس القديم الفاسدة في دمشق". إن التحليل السياسي للوضعين الإيراني والسوري الذي وضعته هذه الأوساط لايختلف عمّا اقترحوه قبل ذاك بشأن عراق صدام حسين : فإيران، التي وضعتها كونداليزا رايس في " طليعة قوى الطغيان" هي واحدة من الدول الراعية للإرهاب كما هو حال سورية . وعلى كليهما يتربع نظام ديكتاتوري غاشم كما تقول وزيرة الخارجية الأمريكية حاليا ومستشارة الأمن القومي سابقاً.والنظامين ينتهكان حقوق الإنسان بينما يتطلع شعبيهما نحو الديموقراطية والعلاقات الودية والمسالمة مع الولايات المتحدة الأمريكية".كما تعتقد المسؤولة الأمريكية أن نظام الملالي يريد أن يفرض هيمنة إقليمية إيديولوجية وعسكرية في آن واحد تستند إلى سياسة امتلاك السلاح النووي وفرضه كأمر واقع . لقد استطاعت واشنطن اقناع حلفائها الأوروبيين ومجلس الأمن والأمم المتحدة بهذه الفرضية وبات الجميع متفقاً على أنه لايمكن السماح لإيران أن تمتلك سلاحاً نووياً والسكوت عنها ولايمكن ترك دمشق بعد اليوم تحتل لبنان وتتصرف به كما يحلو لها وكأنه من ممتلكاتها الخاصة .ويشاطر الأوربيون نفس هذا التصور والتشخيص الأمريكي تقريباً ولو أنهم يسوغوه تحت ذريعة الخوف من إنتشار السلاح النووي ووقوعه بيد الإرهابيين الدوليين. والسؤال الذي بات مطروحا هو كيف يمكن منع طهران من امتلاك السلاح النووي بأسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان وكيف يمكن إخراج سورية من لبنان بأقل الخسائر الممكنة قبل أن تناور لإحداث فتنة دامية فيه على غرار ماحدث في سنوات السبعينات والثمانينات قبل توقيع اتفاق الطائف خاصة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري الذي يريد الغرب استثماره إلى أقصى حد؟ الأوروبيون ، وعلى رأسهم فرنسا وألمانيا وبريطانيا، يرغبون في سلوك الطريق الديبلوماسي لاقناع السلطات الإيرانية بتقديم ضمانات كافية بشأن تخليهم عن برامجهم العسكرية والاكتفاء بالاستخدام السلمي للطاقة النووية تحت إشراف ومراقبة المجموعة الدولية ولجنة الطاقة الذرية. واقناع دمشق أن من مصلحتها تنفيذ بنود القرار 1559 الصادر عن الأمم المتحدة من دون المساس بأمن ووحدة لبنان وسلامة أراضيه ، في حين أن الإدارة الأمريكية تنظر إلى هذه الجهود الأوروبية الحثيثة بلا مبالاة وبتشكيك في فعاليتها لأن هذين النظامين لايفهمان في رأيها سوى لغة القوة والقسر ولم تقترح حلاً بديلاً لذلك. مغامرة غير محمودة العواقب: يبدو السيد ريشار روسيل الخبير العسكري بشؤون الشرق الأوسط وأستاذ العلوم السياسية في واشنطن متشائماً كما نقلت عنه صحيفة الـ ويكلي ستندارد فهو يعتقد أنه لاتوجد فرص كبيرة لنجاح الديبلوماسية الأوروبية وإن استخدام نظام العقوبات والحصار الاقتصادي على غرار ما حدث للعراق لن يصيب سوى الشعبين الإيراني والسوري ولايؤثر على النظامين فيهما وأن الحل العسكري المباشر ينطوي على مخاطر إذ ينبغي إما توجيه ضربات عسكرية موجعة وعمليات قصف مركّزة أو القيام بغزو عسكري واجتياح تام للبلدين الواحد تلو الآخر أو كليهما معاً في نفس الوقت لكن ذلك يتجاوز القدرات العسكرية الأمريكية الحالية طالما مازالت متورطة في العراق ولم تخرج من مأزقها فيه بعد. وللخروج من هذا الردب تقترح " لجنة الخطر المحدق CDP " استراتيجية شاملة ترى كهدف أولي ووسيلة لخطوات لاحقة ضرورة إطاحة نظام الملالي في طهران من الداخل . وقد نشر تقريرها السري في ديسمبر 2004 وكان قد صاغه مارك بالمر الذي كان يساعد الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان في كتابة خطبه والذي نشر سنة 2005 كتاباً خطيراً تحت عنوان :" كيف يمكن تحطيم محور الشر الحقيقي وكيف يمكن التخلص من آخر الديكتاتوريين في العالم ". وقد جاء التقرير المذكور في سياق الرؤية الأمريكية التي تتبعها وتطبقها إدارة جورج دبليو بوش بعد 2001 وركز على أن الحل الدائم والمضمون يمر عبر تغيير النظام في طهران إذ أن وجود :" حكومة ديموقراطية جديدة في طهران سيكون بمثابة مساهمة جوهرية في عملية تغيير المنطقة نحو الديموقراطية وتحويلها إلى منطقة سلام ووئام وازدهار وحرية . وبالنظر لثقلها وأهميتها وخطورتها يجب وضع إيران على رأس أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في السنوات الأربع القادمة تليها سورية في الأهمية ؟ ولتحقيق ذلك، يقترح التقرير تجاوز الخصام الأكاديمي بين مقولات "زج النفس في الفعل والاحتواء من الخارج"، "الحوار وتغيير النظام بإحدى الوسائل". وكما كان الحال في دول أوروبا الشرقية في السنوات الأخيرة للحرب الباردة سخّرت كافة الإمكانات المتوفرة لتحقيق التغيير المنشود فيها. إذ يتعين على الأمريكيين أن يمارسوا الضغوط المستمرة على طهران ولا يبنوا أوهاماً على الفئات الإصلاحية داخل النظام الإيراني ودعم المعارضة الداخلية صاحبة الفعل إلى جانب جماعات المعارضة في المنفى التي ترنوا إلى التغيير الديموقراطي. ونفس السيناريو يطبق بحذافيره على المسألة السورية .المشلكة التي تعيق المضي في التنفيذ وتسريعه يكمن في ضعف المعارضة الموجودة في كل من طهران ودمشق سواءً داخلياً أم خارجياً وهي أضعف من المعارضة العراقية في المنفى التي ساهمت في خدع اصدقائها في البنتاغون ودفعهم لارتكاب أخطاء فادحة كان يمكن تجنبها . وجد البعض داخل وسط المحافظين الجدد في رضا بهلوي إبن الشاه المدحور الزعيم المقبل لإيران الديموقراطية لكن تقرير لجنة الخطر المحدق لم يذكر اسمه ولا مرة واحدة. يقترح تقرير هذه اللجنة على الإدارة الأمريكية الحالية إعادة فتح السفارة الأمريكية في طهران المغلقة منذ أزمة الرهائن قبل خمسة وعشرون عاماً. لكي يتاح للأمريكيين إجراء اتصالات ميدانية مباشرة مع الإيرانيين الراغبين في التغيير والتسويق لفكرة التعاون على كل الصعد مع إيران ديموقراطية ومواصلة الضغوط عن قرب على الزعماء الحاليين وترك المجال مفتوحا لخروج مشرف لآية الله علي خامنئي المرشد الروحي للثورة وكذلك اتاحة الفرصة للرئيس بشار الأسد للتخلي عن السلطة طوعاً عقب انتهاء ولايته والمطالبة باجراء انتخابات ديموقراطية حقيقية لقطع الطريق أمام الحرس القديم من رفاق والده من زعماء حزب البعث المحتكر للسلطة . تعتقد بعض العناصر المتشددة في التيار المحافظ أن هذا الأسلوب متسامح ويتساهل كثيراً مع أقطاب النظامين في طهران ودمشق فهل سيقتنع جورج دبليو بوش بهذا الطرح ويتبناه لحسابه ويعمل على تنفيذه كما حدث له مع العراق ؟السابقة العراقية أظهرت أن لجماعة التفكير والتحليل والضغط هذه تأثير كبير وحقيقي على الرئيس الأمريكي وعلى مستشاريه المقربين.فهل ستكون طهران ودمشق الأهداف القادمة لمرمى الإصابة الأمريكي؟
#جواد_بشارة (هاشتاغ)
Bashara_Jawad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الخرائط الأمريكية للعراق والشرق الأوسط
-
يوميات عراقية من مدينة بغداد الجريحة
-
السينما العراقية بين الممكن والمستحيل
-
الخرائط الأمريكية اللعينة للعراق والشرق الأوسط
-
من أجل معالجة وانهاض النشاط السينمائي في العراق
-
رأيت نهاية العالم القديم
-
مراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية من المفاهيم النظرية الي
...
-
- فقه العنف المسلح في الاسلام
-
التشكيلة الهلامية للميليشيات المسلحة في العراق
-
محاولات التجديد للأثر الفيلمي ضوئياً
-
رؤية تحليلية للسياسة الفرنسية إزاء الاستراتيجية الأمريكية -ا
...
-
مراجعات في السينما التاريخية - التحول من نصوص التاريخ الي ال
...
-
حوار مع جواد بشارة
-
التيار الديني معضلة واشنطن في العراق
-
جدلية القوة والضعف في أعمال المخرج الألماني فيرنر هيرزوغ
-
على مفترق الطرق : العراق وآفاق الحل
-
العراق : اليوم وما بعد اليوم هل يمكن أن تصبح بلاد الرافدين ف
...
-
من الانتداب الأول إلى الانتداب الثاني: إنهيار نظام ما بعد ال
...
-
تداعيات من داخل الجحيم البغدادي
-
الإسلام يهدد الغرب أم يتعايش معه ؟
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|