|
اللاعبون بالنار
فريدة النقاش
الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 08:36
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
امتدت طوابير المنافقين للإسلام السياسي بعد وصوله إلي الحكم وشارك في هذا النفاق من كانوا في السابق يعارضون الإخوان المسلمين والجماعات السلفية بقوة. وأخذ بعض المبدعين يتقربون إلي هذه الجماعات، ويغيرون الطابع الحداثي العلماني لخطابهم، ويفعلون ذلك إما من موقع الانتهازية الخالصة ابتغاء المكاسب، خاصة مع ارتباط بعض هذه الجماعات بالثروات النفطية، أو من باب الإيمان بأن برنامج الإسلام السياسي هو برنامج المقاومة الوحيد للاستعمار والاحتلال في منطقتنا وعلي الصعيد العالمي. فإذا افترضنا حسن النية سوف نقول إن المبرر الآخر لمساندة مزيد من المثقفين والمبدعين للحركات الإسلامية وصولا حتي لتغيير خطابهم ورؤاهم وصبغها بهذا الطابع الديني الدعائي أحيانا، فهو تصورهم للمشروع الديني القائم باعتباره مشروعا لتغيير العالم إلي الأفضل. ويبرز في أعمال هؤلاء ما نسميه بـ «البطل الإيجابي ذي طابع ديني»، وتتجلي تصورات هذا البطل عن التغيير وتتشكل رؤاه وإدراكاته علي اعتبار أن نموذجه قد قام في الماضي في زمن النبي – صلي الله عليه وسلم – ويعرف الأدب والسينما والمسرح والدراما التليفزيونية هذا النوع من الشخصيات بوفرة الآن. ولا يندر أن تتراجع الأسئلة في هذا الإبداع بقلقها ونارها لتحل محل الأجوبة باطمئنانها وانطفائها، لأن صوت المثقف النقدي يجري إسكاته أمام اليقين الغلاب للرؤية الدينية الشائعة دون الرؤية الأخري الدينية أيضا لكن الصراعية الجدلية، ولهذا اليقين طابع شعبوي سحري عميق الجذور وراسخ، وهو يتمتع بقدرة هائلة علي إسكات أي صوت آخر لا في داخل المواطن العادي فحسب، وإنما حتي في داخل المبدع نفسه وينعكس ذلك سلبا علي البناء الفني ويلغي تعدد الأصوات من أجل الصوت المفرد. لطالما قطع الوطن العربي بل والعالم الإسلامي الطريق علي مسيرة الإصلاح الديني، وهو الإصلاح الذي استهدف دائما إعلاء شأن العقل والتأويل ولم يستهدف أبدا كما يقول خصومه فصل الدين عن الحياة أو المجتمع، وإنما كان السعي دائما لفصل الدين عن العلم والسياسة والدولة، حتي لا يتلوث المقدس باليومي، ولا يتجمد اليومي بسبب المقدس. وكلما كانت تبدأ مسيرة الإصلاح منذ «ابن رشد» قبل ثمانية قرون، وحتي الإمام «محمد عبده» في القرن التاسع عشر، وصولا لـ «نصر حامد أبوزيد» في القرن العشرين.. كانت القوي المحافظة والجامدة تدفع بها إلي الوراء، بل وتمارس ضغوطها لإجبار بعض هؤلاء المصلحين علي العودة إلي الخلف من حيث كانوا قد بدأوا.. إلي حظيرة النقل لا العقل ولنا مثل فيما نقوله الآن زغلول النجار عن العلاج ببول الإبل واعتزامه إنشاء مركز لمثل هذا العلاج ليصبح التراث العقلاني للثقافة العربية الإسلامية وفلاسفتها العظام تراثا مهجورا، بينما يجري علي قدم وساق إحياء كل ما هو ضد العقل والعلم والمنطق فيها، وبذلك فات ثقافتنا أن تجدد الفكر الديني لتنتج منه رؤية تحررية شاملة علي غرار لاهوت التحرير. لعب كل من الانقطاع عن تراث الإصلاح الديني والإحياء لتراث النقل أدوارا مركزية في تشكيل ووعي ووجدان الشعوب وفي القلب منها المبدعون أنفسهم إلا قلة علي امتداد العصور، قلة اجترأت علي السائد وطرحت الأسئلة وشككت في الأجوبة الجاهزة، وخاضت معركة حرية الفكر والاعتقاد والتعبير بجسارة غير منكورة، وقدمت للإبداع العربي بعض أعظم أعماله علي كل المستويات ورأت أن النموذج الأمثل هو عملية تشكل دائمة ومتغيرة تتقرر في الحاضر والمستقبل وليس في الماضي، وتخاطب في المتلقي وعيه الناقد لا وعيه المشوه. أما هؤلاء الذين يحرثون في الأرض دون تقليبها وتعريضها لضوء الشمس، فإنهم يبقون عابرين حتي لو كان إنتاجهم غزيرا، لأن بعضهم ينطلق فيما يخص انتشار الجماعات الدينية ليس من الرؤية الموضوعية لهذا الانتشار، وإنما من رؤية فحواها أن مشروع هذه الجماعات هو مشروع للثورة وللمقاومة وللتغيير، وهم لا يتوقفون أمام سؤال أي تغيير؟ وهل هو عملية ديناميكية تنهض علي حرية الفكر والاعتقاد وتحرير المرأة وإعمال مبدأ المواطنة والعدالة الاجتماعية، أم أنه تغيير يعود بنا للوراء لما قبل الحداثة وشروطها، وذلك فضلا عن أن هناك علامات استفهام بل وشكوك جدية في مشاركة قوي الإسلام السياسي في الثورة، وكتب الدكتور «كمال الهلباوي» أحد قادة الإخوان المسلمين والذي انشق بسبب رفضه لممارساتهم إن الإخوان المسلمين هم آخر من التحق بالثورة وأول من خرج منها. وتدلنا الأدبيات والممارسات علي أن العودة إلي الوراء هي بالضبط مشروع الجماعات الإسلامية التي تري المرأة كائنا ناقصا وعورة، وأصحاب الديانات الأخري أهل ذمة، وأصحاب العقول النقدية كفرة، تفعل ذلك حتي وهي تستخدم أحدث أشكال التكنولوجيا لتبدو من الخارج كأنها في قلب العصر.
وواقع الأمر أن مثل هؤلاء المبدعين سواء انطلقوا من تبنيهم لرؤي هذه الجماعات من موقع انتهازي ارتزاقي، أو من تصورات تري فيهم قوة مقاومة وثورة وتغيير، إنما يلعبون بالنار التي ستحرقنا جميعا إذا لم يراجعوا أنفسهم، ويحللوا الواقع وموقفهم تحليلا صحيحا.
#فريدة_النقاش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم الرجولة
-
الشرطة الدينية
-
حرب المواقع
-
في أسبانيا: الناخبون يعاقبون اليسار لأنه نفذ سياسة اليمين
-
الاحتقان بين الخارج والداخل
-
حسابات صغيرة
-
هجرة المسيحيين
-
«وطار».. الشهداء يعودون
-
فانون والفلاحون
-
حدود الليبرالية
-
ملحمة الانعتاق
-
قضية للمناقشة - باسم الله
-
أفعال فاضحة
-
فاشية إسلامية!
-
إخضاع المرأة والمجتمع
-
السؤال الجديد
-
العَلمانية ليست كفرًا
-
ألمجد لمن قال لا
-
ألمعركة القادمة
-
الهولوكست والعنصرية
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|