جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3861 - 2012 / 9 / 25 - 20:07
المحور:
كتابات ساخرة
من أجمل ما قرأته للعالم الكبير إسحاق نيوتن قوله: إننا نبني كثيرا من الجدران والحواجز والأسوار وقليلا من الجسور.,نرى ذلك في المدن الكبيرة والصغيرة حيث من النادر أن نشاهد الجسور في الشوارع بينما الجدران والحواجز لا تعد ولا تحصى من كثرتها ترتفع هامتها وتتفنن الناس بطرقٍ متعددة في بنائها وتزينها ورفعها إلى أعلى مدى, حتى الحكومات والبلديات في المدن تبني الحواجز والأسوار ولا تبني الجسور بحجة أنها مكلفة جدا رغم أن نتائجها أفضل بكثير من نتائج بناء الأسوار والحواجز وإشارات منع المرور والوقوف,فمن ورائنا سور ومن جانبنا سور ومن أمامنا سور وكلها تفصلنا عن الآخرين ولا توجد بيننا وبين الناس أنفاقا أو جسورا كبيرة كانت أم صغيرة, وإن البحث عن منزل بينه وبين المنزل نفقا أو جسرا مثله مثل البحث عن إبرة في كومة من القش أو مثله مثل البحث عن (فطوم في السوق), إنها أيضا مسألة ترمز إلى القطيعة الثقافية بيننا وبين الحياة المعاصرة بحيث لدينا كثيرا من الحواجز التي تمنعنا من تطوير أنفسنا للوصول إلى مظاهر الحياة المدنية فلا توجد عندنا جسور توصلنا بسرعة إلى العالم المعاصر بل هنالك موانع كثيرة وجدران عالية وأسوار كثيرة طول كل سور عشرة أضعاف طول وعرض سور الصين العظيم, وحتى معنويا هنالك في داخلنا كثيرٌ من الجدران والحواجز والموانع التي تمنعنا من التواصل مع بعضنا تقود هذه العملية مسألة أخرى وهي الكراهية التي سيطرت على قلوب الناس في الآونة الأخيرة, وحتى لا نجد من يفتح في قلبه لنا صفحة جديدة من التسامح والرضا باعتبار التسامح جسرا يعبر بنا إلى المستقبل كما قال غاندي: حين نتسامح مع الآخرين فنحن لا نغير الماضي وإنما نغير المستقبل, نحن بعيدون جدا عن شبكة التواصل بيننا وبين الآخرين ,إنها لمقولة تشير إلى القطيعة التي بيننا وبين الآخرين فأغلبنا وأنت واحدٌ منا يحاول بناء جدار بينه وبين أخيه وبينه وبين جيرانه ومن المستحيل أن تفكر ببناء جسر من العلاقات الاجتماعية والثقافية بيننا وبينك وبين الآخرين,وكلما تقدم بنا الزمن أكثر كلما ابتعدنا عن بعضنا أكثر وكلما عشنا أكثر كلما شاهدنا جسورا وحواجز أكثر, فنحن نؤمن بالاختلاف الفكري ونؤمن بالقطيعة مع من نختلف عنهم غير أنه من الواجب علينا أن نتواصل مع الآخرين من خلال مد جسور التعاون وحفر الأنفاق للوصول إلى بعضنا البعض لتقريب وجهات النظر.
وحتى عندما نفكر في بناء منزلٍ فأول شيء يخطر ببالنا هو أن نبني سورا عظيما بيننا وبين الجيران,وأنا واحد من المعمرجيين الذي بنا لأصدقائه ومعارفه كثيرا من البيوت والمنازل وفي الآونة الأخيرة كنت أبني للناس بناءً على رغبتهم السور الحاجز بينهم وبين جيرانهم قبل البدء ببناء البيت من كل الاتجاهات ومن النادر بل ومن المستحيل أن نجد أناسٍ يفكرون ببناء نفق بينهم وبين جيرانهم أو ببناء جسر بينهم وبين جيرانهم بل دائما ما يفكرون ببناء الحواجز والقواطع والجدران والأسوار العالية والهابطة ليشكلوا منذ البداية قطيعة مع المجاورين ,ويبقى هذا السور قائما إلى الأبد في الوقت الذي لا نفكر به ببناء جسر بيننا وبين جيراننا, نحن نشكل في فكرنا أيضا أسوارا وجدرانا بيننا وبين الآخرين وبيننا وبين من نعرفهم من الناس ,نفكر كثيرا في إجراء عمليات حسابية دقيقة لكي لا نختلط بالآخرين من الجيران ومن المعارف ولا نفكر ببناء أنفاق تصلنا إليهم ويتخلى عنا الناس بحجة أنهم منشغلون بأمور الدنيا بينما هم على العكس يشعرون مثلنا بالملل من الروتين ومع ذلك لا أحد يفكر ببناء جسر من العلاقات الطيبة بينه وبين المجاورين له لكسر الروتين وقاعدة الرتابة والإيقاع الممل من كثرة تكراره ويبني جيراننا وأقرباؤنا الجدران والأسوار حولنا من كل جهة بحجة الحماية من اللصوص بينما هي في الأصل من أجل تشكيل قطيعة بينهم وبيننا, وطوال حياتي لم أسمع من الناس بأن أحدا قام ببناء جسر بينه وبين جيرانه أو بشق وحفر نفق كبير بينه وبين جيرانه, دائما حولنا الأسوار فقط لا غير ودائما حولنا الحواجز فقط لا غير ودائما القطيعة بيننا وبين الجيران والإخوان والأصدقاء, إننا حقا في كل الميادين نبني الجدران والأسوار ولا نبني الجسور أو تعبيد الطرق المختصرة التي توصلنا إلى الناس بأقرب وقتٍ ممكن, ودائما ما ندعي أننا عاجزون عن فهم الآخرين وذلك بسبب كثرة الحواجز التي نبنيها بيننا وبين الآخرين بمختلف الطرق والوسائل, وأغلبنا يحلم بالوصول إلى القمر بينما أخونا أو جارنا لا نفكر بالوصول إليه رغم أنه يبعد عنا مسافة مترين أو حتى 100 متر,يا لها من غرابة!!كيف نفكر بالوصول إلى المريخ ولا نفكر بالوصول إلى الأصدقاء والمعارف, وأغلب الجيران ملاصقون لنا ولا نبعد عنهم سوى عدة أمتار أو كما يقال لا يبعدون عنا إلا فحجة واحدة أو فحجتين ومع ذلك لا نفكر بالتواصل معهم وإنما نبني كثيرا من الحواجز التي تمنعنا من الوصول إليهم, إنها حالة غريبة جدا حيث نفكر بالوصول إلى القارات البعيدة وعبور المحيطات والخُلجان والممرات الضيقة ولا نفكر بعبور الشارع الذي عرضه عشرة أمتار من أجل التواصل مع جيراننا وأقربائنا, والذين يتقربون منا دائما ما نحاول جاهدين بالابتعاد عنهم بأقصى مدى وبأبعد مدى ولا نفكر بحفر نفق للوصول إلى الناس المحيطين بنا,وأكثر الناس اليوم يحملون شعار: ابتعد عن إخوانك وأقاربك,وهذا شعار تردده ألسنة الناس كثيرا, إننا أهملنا كثيرا من الأشياء التي شكلت بيننا وبين الآخرين قطيعة تدوم إلى مدى الحياة.
آهٍ لو نبني جسورا وأنفاقا بنسبة 1% من مجموع ما نبنيه من حواجز وجسور!.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟