|
قراءة تركيبية في كتاب : -صورة موريطانيا الطنجية من خلال النصوص العربية الوسيطية-
حسن أمرير
الحوار المتمدن-العدد: 3860 - 2012 / 9 / 24 - 08:33
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
صدر عن المدرسة الفرنسية بروما سنة 1995 كتاب "صورة موريطانيا الطنجية من خلال النصوص العربية الوسيطية"، وهو في أصل أطروحة جامعية تقدم ذ. أحمد سراج لنيل دكتوراه الدولة من جامعة باريسI تمت مناقشتها يوم 30 يناير سنة 1993 تحت عنوان : شمال إفريقيا القديم من خلال النصوص العربية الوسيطية التاريخية والجغرافية التاريخية (المغرب الأقصى نموذجا). في بداية العمل، يطرح ذ. احمد سراج أمام القراء تناول مجموعة من الإشكاليات المرتبطة بتاريخ شمال إفريقيا القديم، ومدى إمكانية المؤرخ أو عالم الآثار المتخصص في الفترات القديمة اعتمادا على المصادر العربية للحصول على معلومات جديدة تمكنه من تسليط الضوء على المحطات المظلمة الواردة في الكتابات التاريخية، وعلى نواقص كتب الجغرافية التاريخية المرتبطة بمنطقة شمال إفريقيا؟ لقد عرفت منطقة شمال إفريقيا خلال القرن 7م تحولات عميقة -وهو ما يشار إليه في المجال الأكاديمي "بالقطيعة"- غير مرتبطة فقط بتغيير الحكام والقادة العسكريين، ولكنها انتقال إلى مرحلة الاحتكاك بين المشرق وبلاد المغرب المتأثر بالحضارات المتوسطية نتج عنه ظهور توجهات روحية ومادية جدية ساهمت في طمس كل مظاهر الحضارات السابقة، فهل كانت هذه الموجة المشرقية استمرار للمراحل القديمة أم شكلت قطيعة كلية مع الماضي؟ ولأن المؤرخ بطبيعة عمله لا يصدر أحكاما باعتباره مثقف يحاول من خلال البحث في وثائق ومصادر الزمن الماضي رصد الأحداث والوقائع، فإن ذ. احمد سراج لا يعتزم من خلال هذه الدراسة تقديم إجابات نهائية عن الأسئلة السالفة الذكر لأن ذلك يتجاوز مهمة المؤرخ، إن دراسته محاولة أولية لتجاوز الصمت وتسليط الضوء على مرحلة مظلمة في تاريخ شمال إفريقيا وهي مرحلة انتقالية تفصل بين الفترات القديمة والعصور الوسطى. حدد ذ. احمد سراج المنهجية المتبعة في هذا البحث في دراسة إمكانية كتابة تاريخ فترات ماضية انطلاقا من مصادر تاريخية لفترة لاحقة عنها وليس من مصادر معاصرة للفترة موضوع الدراسة، وهو ما اصطلح عليه ""بالتاريخ الاستذكاري". واعتبر أن ما يتنج عن هذا النوع ليس بتاريخ بمعنى الكلمة ولكنها محاولة لدراسة صورة التاريخ القديم، ومحاولة للمساهمة في الكشف عن الأدلة المادية للفترات القديمة ورسم خريطة المواقع الأثرية الوسيطية لمنطقة شمال إفريقيا، كما أنها محاولة لتطوير والمعلومات المرتبطة الفترة القديمة من خلال استغلال معطيات المتفرقة الواردة في المصادر العربية الوسيطية دون إغفال ما توفره المصادر الكلاسيكية القديمة من معلومات. ولأن التاريخ وحدة مشتركة، فإن ذ. احمد سراج أراد لبحثه أن يكون مقاربة مزدوجة لدراسة جزء من تاريخ إفريقيا الشمالية، لأنه يرمي نفض الغبار عن التاريخ القديم لهذه المنطقة من خلال المصادر العربية الوسيطية، وهو خطوة أولى للمصالحة بين مؤرخي الفترات القديمة ونظرائهم المتخصصين في العصور الوسطى. التاريخ - الذاكرة – الصورة، مفاهيم ثلاث مختلفة حاول الباحث تبيانها وتقديمها وتعليق عليها من خلال المصادر الأدبية العربية. فإذا كانت الكتابة التاريخية تهدف إلى رصد أحداث الزمن الماضي انطلاقا مما هو متوفر في المصادر، فإن الذاكرة التاريخية تعبر عن الحدث التاريخي المحتفظ به والذي تم إعادة كتابته ليس فقط بناء على المعطيات الموضوعية للحدث، وإنما انطلاقا من الظروف التي رويت فيها هذه الأحداث. أما الصورة، فإنها ترتيب للأحداث التاريخية أو ما ظل حاضرا في الذهن ومخيلة المؤرخ انطلاقا من تأويلاته لهذه الأحداث. وانطلاقا مما يطرح الموضوع من إشكالات سواء على المستوى المجالي أو الزماني، فإن ذ. أحمد سراج وإن اختار جعل موضوع دراسته عاما وشاسعا يرمي دراسة الفترة القديمة كما ورد في المصادر العربية الوسيطية، فإنه على المستوى الزماني استعان بمصادر مرتبطة بمرحلة الفتح الإسلامي إضافة إلى المصادر الأدبية الكلاسيكية. أما على المستوى المجالي، وإن كان يهدف إلى دراسة المجال المرتبط بالمغرب الأقصى، ولغياب مادة مصدرية تتحدث عن المجال المحددة للدراسة قرر البحث في البداية في النصوص المتعلقة بمنطقة شمال إفريقيا عامة، لينتقل بعد ذلك للنصوص الخاصة بالمغرب الأقصى خصوصا. يتكون الكتاب من مقدمة وأربعة أقسام. تناول القسم الأول تدقيقات حول الكتابات التاريخية والجغرافية العربية والعالم الأمازيغي قبل الإسلام، خلال هذا الجزء قدم ذ. أحمد سراج المصادر الأدبية ومؤلفيها، باعتبارها إحدى العوائق المنهجية في البحث، وفي هذا الصدد أكد على أن المصادر المتعلقة بتاريخ بلاد المغرب، والجزء الخاص بلاد المغرب الأقصى على وجه التحديد، متعددة ومتنوعة سواء من حيث طبيعتها أو محتوياتها أو من تكوين أصحابها. وبالرغم من غياب فهرسة متعلقة بموضوع الدراسة، إلا أن هذه المصادر تكتسي أهمية قصوى في إلقاء نظرة شمولية حول تاريخ المغرب القديم ومصادره الأدبية، كما أن المصادر الأدبية العربية الوسيطية، بالرغم من أهميتها في دراسة مجتمعات حوض البحر الأبيض المتوسط خلال الفترة الوسيطية، إلا أنها تستفيد من الكتابات الأجنبية سواء تعلق الأمر بإعادة قراءة الأحداث أو تأويل النصوص، وعمل على تصنيف هذه المصادر إلى جزأين، الأول تصنيف موضوعاتي والثاني جغرافي. وقبل شروعه في جرد المصادر الأدبية، عمل ذ. أحمد سراج على تقديم مجموعة من الملاحظات المنهجية المتعلقة بعملية ترتيب النصوص والمواقع، ليصنفها إلى نوعين، الأول متعلق بالمدن والثاني بالمسالك والطرقات، فبالنسبة لذكر المدن المغربية قدم جردا مفصلا لها حسب ورودها في أهم النصوص المتعلقة بالجغرافيا التاريخية، حيث قدم 23 مدينة أو موقعا ورد ذكرها في 23 مصدرا. أما تلك المتعلقة بالمسالك والطرقات فنوعان وهما : مسالك الوراق حسب ذكرها عند البكري، ومسالك اليعقوبي حسب ذكرها في كتابه "البلدان". ولم تكن المصادر العربية المتعلقة بالجغرافيا التاريخية لبلاد المغرب الأقصى التي تم جردها وتصنيفها في هذا الفصل، وتم استعملت حسب طبيعتها وحسب محاور هذه الدراسة، المصادر الوحيدة، بل أضاف إليها ذ. أحمد سراج مجموعة من المصادر الأدبية القديمة (الإغريقية والرومانية) ونتائج الأبحاث الأثرية. وفي المحور المتعلق بالمغرب إبان الفتح الإسلامي، أكد ذ. أحمد سراج أن العرب لم تكن لهم معرفة دقيقة ببلاد المغرب خلافا للدول التي كانت تربطهم بها علاقات تجارية، مما جعل بلاد المغرب آخر محطة في اهتمامات الفاتحين العرب الذي شكل الإسلام بالنسبة إليهم فرصة للتوسع الجهوي والدولي. بالرجوع لمعطيات المصادر الأدبية العربية، يبين الباحث أن أولى العلاقات العربية ببلاد إفريقيا جاءت متأخرة ومطبوعة بالعنف، وشكلت الفتوحات الإسلامية لبلاد المغرب خلال القرن 7م مرحلة حاسمة في التحولات الجذرية التي ستعرفها منطقة، وطرحت موروث المراحل السابقة موضوع السؤال وأحدثت قطيعة نهائية مع الماضي، وفي هذا الإطار عمل على رصد أحداث المتعلقة بالفتح الإسلامي بالمغرب الأقصى، وقدم مجموعة من الروايات عن الرسول "ص" تم توظيفها من لدن الفاتحون العرب تعكس مكانة الأرض عند العرب بحكم مواردها الطبيعية، ومقتهم للبشر جراء موقفهم العدائي من الفتوحات. وخلال تتبعه الإستغرافيا العربية المتعلقة بلاد المغرب، يبين ذ. أحمد سراج على أنها وليدة فترة الفتوحات الإسلامية، وجاء ذكر هذه المنطقة متأخرا، ولم تحظى إلا بإشارات طفيفة في مؤلفات المؤرخون الجغرافيون المسلمون بعد إلحاقها بالمشرق العربي، كما أن غياب الكتابة التاريخية حول بلاد المغرب القديم، ليس بسبب منهجية الكاتب أو لطريقته في اختيار المواضيع، بل راجع بالأساس للجهل بمعطيات هذه الحقبة من التاريخ المغرب. وبخصوص الإستغرافيا الكولونيالة، فيؤكد ضرورة تمحيص موقفها القاضي بربط الفترات المظلمة من تاريخ بلاد المغرب بالفتوحات الإسلامية، معتبرا أن "القطيعة" مع جزء من تاريخ شمال إفريقيا غير مرتبط بدخول الإسلام بل قرنيين قبل ذلك، متسائلا عن المعطيات التاريخية المتعلقة بتطور موريطانيا الطنجية خلال الفترة الفاصلة ما بين نهاية القرن2م ومنتصف القرن 5م، كما أنه لا يمكن الحديث عن مسألة اتهام العرب بالاضطهاد أو الإهمال لتاريخ بلاد المغرب إلا بالبرهنة على إحجام المؤرخين على تدوين كل ما له علاقة بمرحلة ما قبل دخول الإسلام. وأرجع هذا الغياب من جهة لافتقادهم للمادة المصدرية، ومن جهة أخرى لضعف اهتمامهم بالكتابة التاريخية. وبخصوص المحور المتعلق بصورة المغرب القديم من خلال المصادر العربية الوسيطية، تناول ذ. أحمد سراج ثلاث إشكاليات، الأولى تتعلق بالتاريخ والصورة أو الذاكرة التاريخية، والثانية تتجلى في صعوبة التشكيك في المصادر، أما الثالثة فمرتبطة بمعرفة العرب عن ماضي المغرب بين ما هو تاريخي و ما هو أسطوري. ومن خلال هذه المحاور الثلاث يناقش الكاتب العلاقة الجدلية القائمة بين المغرب والمشرق وما نتج عن هذا الاحتكاك من تحولات أو كما يصفها ب"القطيعة" لفصل مرحلة ما قبل الإسلام عن المرحل الموالية، كما الإسلام لم ينجح في إحداث تغييرات على مستوى المؤسسة المغاربية بشكل كامل، وبذلك ظل فالبربر يحافظون على أسس حاضرتهم الخاصة وظلت بعض الطقوس البربرية حاضرة على هامش الدين الجديد الذي وصل إلى شمال إفريقيا. ولكون التاريخ المغاربي لم يعتمد في كتابة ماضيه على الوثائق المحلية فإنه بذلك يشكل عائقا كبيرا أمام الإستغرافيا المعاصرة، إذ لا يمكن لهذه الصورة التاريخية أن تكتب من فراغ فعليها أن تأخذ من الجذور والواقع المحلي؛ ومن خلال المقارنة بين المصادر اليونانية والإغريقية والمصادر العربية، اعتبر ذ. أحمد سراج أن التحول الذي عرفته المنطقة مع مطلع القرن 8م والذي يسميه بعض الباحثين "قطيعة" ليس تغيرا في تاريخ المغرب بأحداثه ولكنه تغيير للصورة التي قدم بها وليس التاريخ في حد ذاته. وفي سياق حديثه عن معرفة العرب الآخرون بماضي المغرب، عمل ذ. أحمد سراج على تتبع وتمحيص المعلومات الواردة في المصادر التاريخية ومقارنة بعضها بالبعض، كما وقف على مدى صحة الأساطير الدراجة في عدة مصادر حول تاريخ إفريقيا (المغرب) قبل الإسلام، محاولا بذلك تجريد الحقيقة التاريخية من كل ما هو دخيل عليها. ويؤكد في هذا الصدد على الصورة غير الكاملة لتاريخ المغرب بسبب ضآلة المعلومات الواردة في المصادر العربية الوسيطية. بل يمكن القول أن هذه الكتب لا تتوفر على معلومات حول هذه المرحلة بالمقارنة مع الخصائص الجغرافية للمنطقة، فالجغرافيين العرب لم يعطوا أهمية لوصف جغرافية المنطقة إلا "ابن حوقل" الذي تكلم عن بعض المدن الشمالية في العصور القديمة، وكذلك كتاب محمد بن يوسف الوراق الذي يعتبر من المصادر الأساسية التي أخذ عنها البكري؛ ومن أجل استجلاء صورة المغرب في المصادر الأدبية، عمل ذ. أحمد سراج على تقديم مسح لجميع المواقع والمدن التي ذكرت في لدى كل من البكري والحسن الوزان، ليستنتج كون العديد مدن ما بين القرن 8 و9 والتي سبق ذكرها في المصادر القديمة اختفت، وأن البكري يذكرها من خلال الآثار القديمة،. في حين ركز الوزان على الروايات الشفوية بالرغم من كون الآثار القديمة لم تختف تماما، كما يشير إلى اندثار عدة مواقع معروفة في العصور الوسطى والقديمة والتي لم تعد موجودة في أواخر العصور الوسطى، كما أن الوزان لم يكن مهتما فقط بتاريخ تأسيس مدن شمال إفريقيا فحسب بل اهتم بهوية أولئك اللذين من المفترض أنهم مؤسسوها، كما أنه استخدم مصطلحات دقيقة للتمييز بين المدن في إشارة للمباني القديمة من قبيل (مدينة قديمة، مدينة بنيت على يد الأفارقة، مدينة بنيت من طرف الأفارقة الأوائل، مدن قديمة جدا). وفي القسم الثاني المتعلق بالمسالك البحرية ووصف الشواطئ، وبعد تقديمه للإشكالية المركزية المتعلقة بكيفية تقديم الكتابات الجغرافية العربية الوسيطية المسالك والمحطات البحرية ؟ وكيفية وصفها لسواحل المغرب القديم؟والتساؤل عن إمكانية التعرف على المسالك القديمة خلال المصادر الوسيطية على معرفة ؟ وكيفية تقديم الجغرافيون العرب لمسالك المغرب في العصر الوسيط؟ أبرز ذ. أحمد سراج ما قدمته الكتابات الجغرافية العربية الوسيطية الخاصة بالمسالك والمحطات البحرية والإضافات الخاصة بالمسالك القديمة، كما تتبع مراحل الاستيطان بالمواقع المتوسطية مع التركيز على أهمية دراسة مسلك الوراق الذي يمتاز بالدقة والتدقيق من جهة في رصد المواقع القديمة، وكذلك مواقع جبل طارق القديمة، ومن جهة ثانية قام بوصف الساحل الاطلنتكي بالجهة الغربية . في نهاية هذا القسم، خلص الباحث إلى التأكيد على أهمية كتابات الوراق والبكري والإدريسي باعتبار أن كل ما ورد عندهم يعتبر القاعدة المؤسسة لأي دراسة تتناول هذا الموضوع، مع التركيز على أهمية البحث الأثري الذي اعتبره الكاتب بمثابة العمود الفقري الذي سيرصد ويوضح كثير من الأمور التي مازال يكتنفها الغموض والالتباس في المستقبل ؟. ومستهل القسم الثالث والمتعلق بدراسة أحد الممرات الوسيطية والمشاكل المرتبطة بالتنقل الطرقي الرابط بين إقليمين من موريطانيا الطنجية، عمل ذ. احمد سراج على البحث في مشكل الربط البري بين ولايتي موريطانيا ( الطنجية والقيصرية) من خلال تتبعه للمسلك الذي ذكره اليعقوبي في القرن 9م، والرابط بين تلمسان وفاس، مؤكدا على أن الدراسات المنجزة في مجال الجغرافية التاريخية المتعلقة بالمغرب الأقصى قد أغفلت مواقع وردت عند اليعقوبي، واعتبر أن التفحص العميق لهذا المسلك سيؤدي إلى نتائج هامة بالنسبة للجغرافية التاريخية المتعلقة بالمغرب الأقصى في العصر الوسيط الأعلى، وتوضح أكثر مسالك الفترة ما قبل الإسلامية، خاصة الرومانية. ومن خلال محاوله لتحديد المواقع التي شكلت محطات على هذا الطريق انطلاقا من مملكة الأدارسة بتلمسان مرورا بمملكة نكور تم مملكة الأدارسة الشمالية وصولا إلى فاس. وخلافا لما ذهبت إليه بعض الدراسات والتي تعتبر أن الربط البري بين الشرق والغرب خلال العصر الوسيط الأعلى كان يمر عبر ممر تازة، يقدم الباحث فرضية تقضي بأقدمية الطريق الوارد عند اليعقوبي والرابطة بين المغرب الأوسط والأقصى والرابطة بين تلمسان وفاس عبر منطقة الريف، ومن أجل تأكيد هذه الفرضية استشهد الباحث بمجموعة من الأدلة التاريخية والجغرافية، بالإضافة إلى توظيفه لمعطيات رقمية تتعلق بعدد المراحل بين المدن والمواقع، ليخلص في الأخير إلى انه ظل مستعملا حتى زمن اليعقوبي في القرن 9م. ولان المراحل الأولى من هذا الطريق تتطابق مع شبكة الطرق الرومانية غرب موريطانيا القيصرية، فإن ذ. احمد سراج انطلق في البحث عن إشكالية الربط البري بين الولايتين الرومانيتين. وعمل بذلك على رصد مختلف وجهات النظر المرتبطة بهذا الموضوع من خلال الوقوف على أدلة كل فريق، وخاصة الأركيولوجية منها وما ورد في النصوص الجغرافية وأدلة أخرى متنوعة، كما قام بإبداء وجهة نظره وتقديم تأويلاته الخاصة، واعتبر انه لم تكن هناك طريق برية رسمية تربط بين الولايتين تتحكم فيها السلطات الرومانية، وإنما كانت هناك طريق برية غير رسمية سيطرت عليها وراقبتها القبائل البربرية، لكون المناطق الداخلية والشرقية والجنوبية لم تخضع لسلطة ولاية موريطانيا الطنجية، وهو ما يشكل الوجه الآخر لولاية موريطانيا القيصرية، أي موريطانيا الموريطانية. وبذلك عمل على إثبات أهمية المسلك الذي أورده اليعقوبي، ليس فقط باعتباره أقدم مصدر يصف أقدم طريق خلال العصر الوسيط الأعلى بالمغرب الأقصى، بل لأهمية الإشكاليات التي يطرحها حول الفترة ما قبل الإسلامية. في النقطة المتعلقة بمسالك التنقل الداخلية والرامية إلى الوقوف على مدى استمرارية الطرق القديمة خلال الفترة الوسيطية، اعتمد ذ. أحمد سراج على مسالك البكري كمصدر لتتبع لهذه المسالك، وقسمها إلى ثلاث مجموعات وهي : مسالك الشمال، مسالك الوسط، الشبكة الشرقية، وقام بمقابلة المعلومات الواردة في المصدر السالف الذكر بما جاء عند بعض الكتاب العرب الآخرين كابن حوقل أو الوزان، وقام بالاجتهاد في تحديد بعض المواقع من خلال تقديم فرضيات. ومن خلال دراسة هذه المسالك، وقف الباحث على التطابق كبير بين نص البكري و ما يعرف عن طرق موريطانيا الطنجية من خلال نهج أنطونان، كما أن الطريق بين مدينتي طنجة وفاس في العصر الوسيط حافظ على نفس المسار الذي كان في العصر القديم بين مدينتي تنجي ووليلي، واستمرار بعض المراكز القديمة كتنجي ( طنجة في الفترة الوسيطية) بالرغم من ظهور مراكز أخرى لكن (مدينة فاس في العصر الوسيط عوضت مدينة وليلي في الفترة القديمة وبرزت مدينة سبتة في المنطقة الشمالية إلى جانب مدينة طنجة في المرحلة الوسيطية لأهميتها في التجارة البحرية المتوسطية)، وذلك راجع لجاذبية المنطقة واحتضانها لأخضب الأراضي. وبخصوص إحجام المصادر العربية الإسلامية على ذكر مسالك الوسط، وخاصة الطريق الرابطة بين مدينتي طنجة وسلا، بالرغم من ذكرها في نهج أنطونان فيرجعه الباحث من جهة إلى تخلي الرومان عن مستعمرتي بناسا و تاموسيدا، ومن جهة ثانية إلى العامل الجغرافي المتمثل في وجود غابة المعمورة وكثرة المرجات، ومن جهة أخرى للموقف “الأيديولوجي“ من بورغواطة التي كانت تنتمي إليها سلا. أما الشبكة الطرقية الشرقية، ونظرا لغياب معرفة واضحة بخصوص هذه المنطقة خلال الفترة الرومانية، فتقديم أجوبة بخصوصها يظل مجرد فرضية، ولتجاوز ذلك هذا النقص يظل البحث الأثري السبيل الأنسب لتقديم إجابات تملئ فراغات التي تتضمنها النصوص الأدبية الوسيطية، وذلك بالاهتمام بالمسلكين هما: مسلك فاس – تلمسان، ومسلك مليلية – تلمسان. وفي سياق رصد لنقط تواجد الأولياء والمعابد والمواقع القديمة وعلاقتها بالطرق القديمة، يؤكد ذ. أحمد سراج على أهمية كبرى التي أصبحت تحظى بها هذه الأضرحة كمواقع بالنسبة لعلماء الآثار، مما يمكن من توظيفها كعلامة دالة على تواجد مواقع وطرق قديمة. وفي هذا الإطار عمل ذ. احمد سراج على تقديم مجموعة من المعطيات الخاصة بهذه المسألة، وربط العلاقة بين جغرافية الأضرحة وتوزيعها والجغرافية التاريخية. وكنموذج للعلاقة بين الأضرحة والمواقع القديمة، اشتغل على منطقة زليل لكونها من جهة عرفت تعميرا قديما، من جهة أخرى عرفت تنقيبات أثرية مهمة؛ كما وظف أسماء الأضرحة لمعرفة مدى إمكانية استغلالها كمؤشرات في البحث عن المواقع القديمة، واشترط وجود مزارات ضريحية على للدلالة وجود موقع قديم. أما القسم الرابع، فقد خصصه ذ. أحمد سراج لتقديم "دليل مدن ومواقع المغرب الأقصى مشار إليها في المصادر العربية، وصنفها إلى أربعة أنواع : 1- المدن المشار إليها بالأزلية والتي تأكد قدمها من خلال نتائج البحث الأثري كمليلية - سبتة – سلا - طنجة –وليلي – وتطوان، ومواقع أخرى أثبتت المصادر حداثة عهدها واندثار بعضها كموقعي قصر عبد الكريم وموقع تشميس؛ 2- المدن المشار إليها بالأزلية والتي لم يتم تأكيد قدمها اجرسيف، اصادة، بابا، أصيلا، بادس، البصرة، دبدو، غمارة، خولان، الحجرة الحمراء، ترغة، لفرجون؛ 3- المدن المشار إليها بالأزلية وهي غير ذلك، وبلغ عدد 8 مواقع هي : أمرجوا، العرائش، بني تاودا، مغيلة، نكور، تازة، تاوريرت، وجدة ؛ 4- المدن المحتمل قدمها وتم ذكرها كمدن حديثة المصادر العربية وهي سبعة مواقع : الأقلام، الحجر، إيجاجين، قصر مصمودة، ماسن، صاع، زلول. وفي ختام هذا العمل الضخم، وبعدم بالنبش والتنقيب في جل -إن لم نقل كل- المادة المصدرية، تؤكد ذ. أحمد سراج استحالة كتابة تاريخ المغرب القديم من خلال المصادر العربية الوسيطية، وذلك بسبب غياب النظرة التاريخية في هذه المصادر نتيجة عدم تخلص أصحابها من الإحساس الديني في أوساطهم السوسيو-ثقافية، مما جعل من كتاباتهم لا تخرج عن نطاق السرد التاريخي عن إطار الاستفادة من الأحداث الماضية لاستخلاص العبر.
#حسن_أمرير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدينة الدار البيضاء : النشأة والمسار
المزيد.....
-
طفل بعمر 3 سنوات يطلق النار على أخته بمسدس شبح.. والشرطة تعت
...
-
مخلوق غامض.. ما قصة -بيغ فوت- ولِمَ يرتبط اسمه ببلدة أسترالي
...
-
-نيويورك تايمز-: إسرائيل اعتمدت أساليب معيبة لتحديد الأهداف
...
-
خمسة صحفيين من بين القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة
-
كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى
...
-
تسونامي 2004.. عشرون عاماً على الذكرى
-
إسرائيل تعلن انتهاء عملية اقتحام مدينة طولكرم بعد مقتل ثماني
...
-
الولايات المتحدة.. سحب قطرات عين بعد شكاوى من تلوث فطري في ا
...
-
روسيا.. تطوير -مساعد ذكي- للطبيب يكشف أمراض القلب المحتملة
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|