|
مشروعٌ متأزمٌ
عبدالله خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 3857 - 2012 / 9 / 21 - 08:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بين الأيام الأولى للتسعينيات والانتفاخات الجماهيرية والحماس الحاد والاجتماعات الغاضبة، والراهن الصعب حيث البقاء في السجون وملاحقة القضايا والبحث عن معاش، ثم الاختناقات الصغيرة في مظاهرات مضطربة فئوية مكروهة شعبياً، ثمة مسافةٌ هائلة مليئة باليأس والإخفاق والتدهور المعنوي.
التحقت فئاتٌ صغيرة وعمالية كثيرة بالمشروع الإيراني لتغيير المنطقة، وعيها لم يكن يسمح لها بمعرفة جذور المشروع الإيراني الذي كان في الأصل ثورةً شعبية ثم تحول لهيمنة كبار رجال الدين المحافظين الذين أبعدوا أي نَفس ليبرالي وديمقراطي، وشكلوا أول مجزرة جديدة للحداثة والديمقراطية، بمعنى أنهم لم يشكلوا شيئاً من تحالف وطني بل اعتمدوا العنف وسيلة رئيسية للقفز فوق التناقضات الاجتماعية، بدلاً من اختيار سبل الحداثة والديمقراطية والعلمانية والوطنية.
هذا المشروع الذي اُلتقط عربياً في المناطق الزراعية المذهبية المماثلة أساساً ثم امتداداتها الحضرية ظل في عمومياته الشمولية الدينية، غير قادر على الفرز والتحليل والدرس والتجاوز في المناطق العربية.
فرجالُ الدين الكبارِ هم من يلتقطون خطوط المشروع ويكيفونه في البلد العربي حسب ظروف كل بلد، ولم تؤدِ التحولاتُ في بلد المصدر: إيران إلى أي درس ومراجعة من قبل هؤلاء، فهم لا يعبرون عن التنوع الإيراني، بل عن المرجعية السياسية المحافظة، وحسب مستوياتهم في كل بلد، حيث تنأى بعضُ المرجعيات في العراق عن الدخول المباشر في المشروع، فيما تتحمس أخرى بأشكال طفولية مراهقة، وتبقى السيطرة على العملية السياسية من قبل الجماعات المذهبية السياسية المرتبطة بالهيمنة الإيرانية منذ فترة وزاد ارتباطها مع تطور قوة النظام سابقاً، ويمكن أن يكون لديها هامش من التحرك بسبب طبيعة العراق السياسية المتعددة القوميات والمذاهب، وحيث يمتلك الأكراد قوة سياسية وإقتصادية لا يمكن إلا أن تُؤحذ بالحسبان، وقد وضحت الطبيعةُ الاجتماعية للمنظمات السياسية المذهبية التي تحولت لقوى عصابات وحرامية من دون أن يظهر عليها أي شيء من ملامح الرسالة العلوية المناضلة، وهذا بسبب سيطرة العلاقات الإقطاعية على تكون هذه السياسة والارتباط التبعي بجهاز رأسمالية الدولة الإيراني المتصاعد في دكتاتوريته، وانفصاله عن الجماهير الشعبية الإيرانية ولا يتيح لهم إقامة دولة وطنية عراقية ديمقراطية تعددية.
إن التابع هنا غير قادر على تشكيل سياسة نضالية ديمقراطية، خاصة مع التصاعد نحو العسكرية في المركز الإيراني وفقدان الهامش البسيط من الاستقلال.
حين نرى القواعد الشعبية للمنظمات المذهبية السياسية في المناطق المتخلفة وسيئة الخدمات وضعيفة التطور الاقتصادي، سنرى أغلبية القيادات من البرجوازية الصغيرة المسطحة الوعي، ليست لديها قدرات على قراءة التراث الشيعي النضالي، أو الثقافة الإسلامية في تطورها التاريخي عامة، وهي مقطوعةُ الاتصالِ بالثقافة الديمقراطية الإنسانية، وتقوم تصرفاتها على الانفعال والشعارية وجاءت كردود فعل لما جرى في البر الإيراني الذي كان قد عمل لقرون على خلق تبعية للمناطق العربية له، وشكّل روابط دينيةً واجتماعية ذات تاريخ كلها تنسجُ على الشعارية العبادية وضخ مواد الأساطير. فيما القواعد العمالية تفتقد حتى القدرة على الشعارية وتتبعُ بشكلٍ حاد تلك العناصر من البرجوازية الصغيرة التي تشعر في أحيان كثيرة باختلافاتها مع الإقطاع الديني وتوجهاته سواءً في المركز الإيراني أم في الفرع التابع له. لكنها غير قادرة على إنتاج ثقافة سياسية وبالتالي على تشكيل قرارات وسياسات أخرى، لكن هذه العملية قد تتم في المستقبل مع وصول النظام الإيراني للفشل في سياساته.
هنا لا يمكن الفصل بين تطور الاتجاهات الدينية الدكتاتورية في المركز وفي الأقاليم العربية، فكل الاتجاهات السائدة السياسية المغامرة المذهبية ترتبط بالمركز لرأسمالية الدولة الإيرانية وتطورها، التي اتجهت للعسكرية والتغلغل والهيمنة في الجوار العربي بشكل خاص، وهي تعتمد في النمو على مشكلات الأنظمة العربية وعدم قدرتها على حل مشكلات الرأسماليات الحكومية فيها، وضعف الهيكلية القائمة على الديمقراطية وتوزيع الفوائض الاقتصادية بشكل وطني، وعدم ضبطها للتطورات العادلة بين المناطق المدنية والريفية، وعدم وجود سياسات عمالية وطنية راسخة، وعدم تطور البرجوازيات الوطنية تطوراً في مستوى التحديات وفي المساهمة بالرسملة الوطنية الانتاجية. وعدم قدرة المنظمات الدينية والتحديثية على التطور الفكري السياسي وجذب المواطنين لا المذهبيين السياسيين.
هذه كلها تجعل الفئات البرجوازية الصغيرة المتذبذبة لا تملك الحرية والاستقلال عن المركز ولا تستطيع إنتاج سياسة وطنية توحيدية نهضوية ويتبعها العمال والفقراء وهم في أحوال معيشية صعبة وعدم قدرة على الاستقلال السياسي أو النقابي، مما ينعكس بشكل انقسامات حادة في المجتمع على مستوى الأقاليم كما في العراق ولبنان، أو إحداث انقسامات داخلية في كل مجتمع عربي بين العمال ومختلف الطبقات التي تجد نفسها مشلولةً عن الفعل الوطني أو الحراك النقابي.
إن المركز الإيراني يصدرُ أزمته وعجزه عن الديمقراطية في منع تطور الديمقراطية والوطنية في البلدان العربية المجاورة له.
والآن ندخل في مرحلة خطيرة هي أن هذا النظام يصدّر الحروب الأهلية، وبالتالي هي مرحلة تتطلب تعاون أي قسم من القوى الوطنية لفعل إصلاحات للجماهير الشعبية وعزل قوى التأزيم وخلايا الحروب الأهلية وتفكيك الأوطان.
#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القوميتان والصراعُ الاجتماعي
-
هل يسرق الإقطاعُ الديني الثورات العربية؟
-
أنماطُ التحالفاتِ بين القوى الحديثة
-
التشكيلةُ لها تاريخٌ
-
العربُ وفشلُ التجريبِ السياسي
-
القوميات الكبرى والأفكار
-
خنادق وهميةٌ
-
الأممُ الكبرى العسكريةُ في الشرق
-
القومياتُ الكبرى وأزمةُ التحول الديمقراطي
-
سقوطُ الحربِ الباردةِ الفلسفية
-
الماضي أغلالٌ
-
وتائرُ تطورِ الرأسمالية
-
ثقافةُ التحليلِ وثقافةُ التحلل
-
التناقض الخلاق والتناقض المدمر
-
تحقيبٌ اجتماعي لفلسفةِ ألمانيا
-
الطائفيون وخرابُ البلدان
-
افتراق قطبي المسلمين
-
الوطنيون والطائفيون
-
الفردُ والشموليةُ الساحقة
-
الوعي الوطني ومخاطرُ اللاعقلانية
المزيد.....
-
توقيع اتفاقية تعاون عسكري بين مصر والكويت
-
مشاهد من تحرير الجيش الروسي نوفوفاسيليفكا في جمهورية دونيتسك
...
-
حريق مفاجئ في مطار رفيق الحريري من دون تسجيل إصابات
-
الشرع يناقش مع ولي العهد السعودي تعزيز العلاقات ومستقبل سوري
...
-
بوندسليغا.. ليفركوزن يفوز بعشرة لاعبين ويواصل مطاردة بايرن ا
...
-
روبوت سداسي الأرجل صيني يؤدي مهمات في القطب الجنوبي
-
بوتين: نخب أوروبا ستخضع لأوامر ترمب
-
إيران تزيح الستار عن صاروخ -اعتماد- الباليستي بمدى 1700 كيلو
...
-
-تلفزيون سوريا-: ظهور شقيق للرئيس أحمد الشرع علنا في السعودي
...
-
الرئيس البنمي يعلن إنهاء مشاركة بلاده في مبادرة الحزام والطر
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|