|
القصّاص الدنماركي الشهير هانز كريستيان أندرسون: في سيرة ذاتية جديدة تكشف عن أسرار ظلت محجوبة طوال قرنين من الزمان
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1122 - 2005 / 2 / 27 - 11:08
المحور:
الادب والفن
يُعَّد الكاتب هانز كريستيان أندرسون من أشهر قصاصي الدنمارك قاطبة، بل أنه يعتبر الرمز الأدبي الأرفع في بلاده، غير أن الكتب والسير الذاتية المتلاحقة التي صدرت تباعاً عن هذا الكاتب الموهوب كشفت بعض الجوانب السرية في حياته الشخصية، ولعل أبرز هذه الكشوفات هو نزوعه للجنس المثلي الذي خيّب ظنون قرائه، ومحبيه في عموم المدن الدنماركية. يا ترى، منْ هو هذا القصاص؟ وما هي الجوانب المخبأة من حياته؟ ولماذا سُلط عليها الضوء الآن بعد مرور مئتي سنة على وجه التحديد؟ وللإجابة على هذه الأسئلة لا بد من التوقف عند أبرز المحطات الشخصية والأدبية في حياة الأديب الأبرز في الدنمارك. وُلد هانز أندرسون في " الثاني من أبريل 1805" في مدينة " أودنسه " لأبوين فقيرين، فقد كان أبوه ماسح أحذية مُعدم، وأم لا تحسن القراءة والكتابة، وتعمل في غسل وكي الملابس. وقد وسم هذا الفقر المدقع حياته بميسم التعاسة، ووُصفت حياته المبكرة من قبل الدارسين بأنها كانت مليئة بالحزن الذي لا يبدده سوى والده الذي كان يقرأ له يومياً قصة في تمام الساعة الثامنة مساءً ينام على إثرها بمخيلة بدأت تنتعش يوماً بعد يوم، الأمر الذي بذر في داخله حب " فن القص والروي " الذي تطوّر لاحقاً إلى منهج أدبي وفني أفضى به إلى كتابة قصص للأطفال واليافعين، تناول فيها حكايات الجن، والعفاريت في الأرض المسحورة التي حققت له لاحقاً نجومية لم يبزها أحد من أدباء الدنمارك السابقين أو اللاحقين. كان هانز أندرسون ولداً غريب الأطوار، وقد طورد بلا رحمة من قبل الأطفال الآخرين لأنه كان غريب الطلعة، أخرقاً، ويرتدي ملابس مهترئة. ولأسباب ذاتية قد تتعلق بتحقيق أحلامه الشخصية انتقل هانز في سن الرابعة عشرة إلى كوبنهاغن على أمل العثور على أناس مثله لا ينسجمون مع مجتمعهم. هكذا لاحق هانز أحلامه، فائزاً بقلوب العوائل البرجوازية البارزة التي تكفلت له بمصاريف دراسته. وعندما أنهى أندرسون تعليمه الثانوي سنة 1828 عقد العزم على أن يصنع من نفسه كاتباً مشهوراً لأنه كان يرى في نفسه مخايل الذكاء، ويشعر أن ما يعتمل في ذاكرته جديراً بالتوثيق. لذلك كتب روايته الأولى ونشرها في غضون سنة، ثم اقترب كثيراً من الشهرة، مُنتجاً سلسلة من الروايات، وكتب الرحلات، والمسرحيات، والسِيَر الذاتية، والشعر. كما أسس بقوة مشروعه الأدبي كرجل كاتب، وأفاد من مواهبه في كتابة قصص الأطفال. في عام 1837 بدأ في كتابة قصص الأطفال التي حققت له شهرة عالمية، وهيأت له الطريق للولوج إلى القصور الملكية، وإلى النخب الثقافية الأوروبية. لقد سافر كثيراً في أوروبا وبريطانيا، متجولاً في مدنها، ومستكشفاً لآثارها الشاخصة. وفي لندن مكث عند جالس ديكينز، وقد وجد فيه ديكينز مخنثاً، سريع الاهتياج، أنانياً، وأعزباً مصاباً بالوسواس، وضيفاً مُتعِباً. وقد توفي والده عندما كان هانز في سن الحادية عشرة من عمره. وشيئاً فشيئاً بدأ أندرسون يحقق شهرة أدبية ملحوظة حتى صار كاتب الدنمارك الأول، وقد كتب 350 قصة خلال سنواته الإبداعية، كما كتب الكثير من الروايات، والمسرحيات، والأشعار. وكتبه مقروءة في مختلف أنحاء العالم. ومن بين قصصه الشهيرة "حورية السماء الصغيرة، ، والبطة القبيحة، الأحذية الحمراء، ثياب الإمبراطور الجديدة، كلاوس الصغير، وكلاوس الكبير، البطل المسافر، الطلّسم، الزهرة اللؤلؤية، الإوزات البرية، الجذع الطائر، اللقالق، ما الذي رآه القمر؟، الأمير الشرير، الخنزير المعدني، الحنطة السوداء، العندليب، شجرة التنّوب، ملكة الثلج، الجرس، الجدة، إبرة الرفو، أشعة الشمس والأسير، مصباح الشارع القديم، الظل، البيت القديم، قطرة ماء، العائلة السعيدة، قصة أم، طائر الفينيق، في ألف عام، في يوم القيامة، الحزن العظيم، تحت شجرة الصفصاف، الجوهرة الأخيرة، ورقة من السماء، العذراء اليهودية، الحلم الأخير لشجرة البلوط العتيقة، حجر الفيلسوف، الفراشة، رجل الثلج، جرس الكنيسة القديمة، طاحونة هواء، الكنز الذهبي، أيام الأسبوع، أفعى البحر الكبيرة، والمرأة الفقيرة وطير الكناري الصغير. " يكاد يجمع النقاد والدارسون لأدب أندرسون بأن كل القصص التي كتبها كانت تهدف إلى إضحاك الناس مقرونة برغبته الكبيرة في إدخال الفرحة إلى قلوب الناس. وقد كتب هذه القصص أيضاً لأنه لم يكن يريد للأطفال أن يعيشوا الحياة المحزنة التي عاشها هو، كما أراد أن يملأ قلوب الأطفال بنيناً وبناتاً بالأفراح والمسرّات. تميّز أسلوبه أيضاً بنفس فكاهي مخادع وماكر. كان أندرسون يشعر بأنه مقتنع بما أنجزه من قصص وحكايات وأعمال أدبية أخرى أشبعت نهمه الإبداعي. وقد تعلّق به القراء في كل مكان حتى بعد وفاته. وما زال الناس يتذكرونه في كل مكان، ويؤلفون عنه الكتب والسير الذاتية. توفي هانز أندرسون في 4 أغسطس 1875 وعادة ما يحتفل الدنماركيون بذكرى ولادته بحفل يسمّى بـ ( قصة يوم أودن ) وقد تحول بيت أندرسون في مدينة أودنسه إلى متحف، يزوره آلاف الناس كل سنة. الفضيحة التي تفجرت في ذكرى وفاته المئتين بحسب السيرة الذاتية الجديدة التي كتبها المؤلف أوثر جينس أندرسون، ونشرها في ألمانيا هذا العام تقول بأن " هانز كريستيان أندرسون كان مثلياً، ولكن لم ينفّذ ميوله الجنسية المثلية طوال حياته. " ويمضي المؤلف إلى القول: " إن أندرسون سقط في حب الرجال والنساء معا، ولكنه ظل عازباً طاهراً . " أي أنه كان مُتهماً بنياته ونزواته التي كشفتها العديد من الكتب التي كُتبت عن أندرسون " كان مفتوناً بالرجال والنساء على حد سواء، ولكنه لم يستطع أن يتغلب على القيود الاجتماعية المفروضة على المثليين حتى أنه لم يستطع أن يتزوج من امرأة. " والمثير في هذا الكتاب أن المؤلف يشير إلى أن أندرسون كان عاجزاً حتى عن التواصل مع النساء، ولكنه أفاد من الطريقة الفرويدية التي مهدت له الطريق " لحفر أخاديد لطاقاته الجنسية في كتاباته خالقاً منها أجمل القصص الخرافية التي تتحدث عن الجان والأرض المسحورة." وأكثر من ذلك فقد حوّل سيرته الذاتية إلى كتاب قيّم أسماه " القصص الخرافية لحياتي ". كانت روايات أندرسون أعمالاً رومانسية تقليدية تحتفي بالدين والطبيعة وتكشف عن إيمان عميق بالله. وقد وفرت له قصص الأطفال مكاناً لعقله الباطن " اللاوعي " وخطط من خلالها لعلاقات عاطفية مموهة، أو متخيلة، طبقاً لكاتب سيرته الذاتية. وقال الكاتب أن العديد من قصصه يمكن أن تقرأ كقصص مثلية رمزية. وبعضها الآخر تكشف بشكل واضح عن سيرته الذاتية الحقيقية المكتوبة بلغة فنية رائعة. ومن بين هذه القصص نذكر قصة " حورية السماء الصغيرة " التي كتبها بعد أزمة عانى منها أندرسون عام 1836 عندما تزوج أدوارد كولن الذي كان يُفترض أن يكون حبيب أندرسون مدى الحياة، لكن هذا الأخير رفض أن يلعب دور حبيب الروح الرومانسي. وبالرغم من أن أندرسون كان يمارس حبه وغرامه من طرف واحد مع الشبان الرجال لكنه لم يقم علاقة رومانسية متبادلة مع أليكساندر فون سيكس- وايمر إيسناخ، وريث الدوق الكبير لوايمر، الذي التقاه عام 1844. في سنواته الأخيرة هام أندرسون بهارالد سخارف، وهو راقص باليه شاب، وقد كتب عن العلاقة قصصاً رمزية كثيرة. توفي أندرسون في 4 أغسطس 1875. لم تناقش مثلية أندرسون علناً حتى عام 1893، عندما لمحّت واحدة من الصحف الدنماركية عام 1901 بأن أندرسون من الممكن أن يكون مثلياً. كما ناقشت صحيفة أخرى تعنى بالجنس مثلية أندرسون. ويقول كاتب السيرة الذاتية أن أندرسون لم يمارس علاقات جنسية مع أي شخص. وهناك صفحات من يومياته مزينة بعلامات " كروس " كان يستخدمها ليوضح بأنه كان يمارس العادة السرية. وأشهر هذه " الكروسات " تبين بأنه كان ممارساً متحمساً للعادة السرية وكان يسجل كل التفاصيل الصغيرة وكل الأحداث والأفعال التي يقوم بها، كما كان يسجل كل شيء في حياته الخاصة. كان نزوعه القلبي ومحاولاته لأن يتزوج غير مرة هي التي دفعت دارسي أندرسون لأن يرسموا صورته مثل مشتهٍ للمغاير غير سعيد. وهذا يوضح بأن رسائل حبه المحموم إلى رجال كانت عادة متبعة في ذاك الزمن الذي عاش فيه أندرسون. لقد استمر النقاش بصدد ميول أندرسون الجنسية. وهناك سيرة ذاتية مبكرة كتبها جاكي ولسخلاخر والتي توثق حب أندرسون للرجال والنساء معاً، وهي التي سببت له فضيحة في الدنمارك حيث كانت الميول الجنسية لشاعر الوطن موضوعاً مثيراً للجدل. الكتاب الجديد، من دون شك، سيكون موضوعاً للنقاش والجدل في الاحتفال الذي سيقام في ذكرى ولادته المئتين في الثاني من أبريل " نيسان " عام 2005. وجدير ذكره أن هناك جائزة مهمة تحمل اسم هانز كريستيان أندرسون، وغالباً ما يُطلق عليها اسم " جائزة نوبل الصغيرة " التي تُمنح إلى أفضل كاتب قصص أطفال، وأفضل رسام لرسومات الأطفال عن مجموع أعماله الكاملة التي تشكّل إضافة جدية لأدب الأطفال في العالم. وترعى هذه الجائزة التي تُمنح مرة في كل سنتين جلالة ملكة الدنمارك مارغريت الثانية. وقد فاز بجائزة أفضل كاتب لقصص الأطفال منذ عام 1956 وحتى 2004 " 26 " كاتباً من بلدان مختلفة من بينها المملكة المتحدة، السويد، ألمانيا، أمريكا، فرنسا، فنلندا، إيطاليا، الدنمارك تشيكوسلوفاكيا، البرازيل، النمسا، أستراليا، هولندا، النرويج، اليابان، إسرائيل، وآيرلندا. أما جائز أندرسون لأفضل رسوم توضيحية فقد فاز " 20 " مرشحاً منذ عام 1966 وحتى 2004 ومن بين الدول التي فازت بهذه الجائزة " سويسرا، تشيكوسلوفاكيا، أمريكا، الدنمارك، إيران، الاتحاد لسوفييتي، اليابان، بولندا، أستراليا، جمهورية التشيك،، ألمانيا، فرنسا، وإنكلترا. ". وتتضمن الجائزة ميدالية ذهبية، مع شهادة تقدّم في حفل خاص ترعاه مؤسسة " IBBY " والتي تمنح أيضاً سلسلة كتب " Bookbird " إلى كل المرشحين لهذه الجائزة.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلاحف يمكن أن تطير لبهمن قباذي: مرثية موجعة للضحايا الصامت
...
-
البرلمان الهولندي يعلن - الحرب - على التطرّف الإسلامي، ووزير
...
-
في الدورة الـ - 55 - لمهرجان برلين السينمائي الدولي: جنوب إف
...
-
الرئيس الأمريكي في خطابه الإذاعي الأسبوعي يؤكد على دحر الإره
...
-
العميان سيشاهدون مباريات كرة القدم في ألمانيا
-
الأميرة ماكسيما تؤكد على رؤية الجانب الإيجابي في عملية الاند
...
-
قوانين جديدة تحد من إساءة التعامل مع الأطفال الهولنديين
-
صورة محزنة لإعصار تسونامي تنتزع جائزة الصورة الصحفية العالمي
...
-
مجلس الوزراء الهولندي يتخذ إجراءات صارمة بشأن جرائم الشرف ال
...
-
اختتام فعاليات الدورة الرابعة والثلاثين لمهرجان الفيلم العال
...
-
فن الترجمة وملامسة المعاني الحقيقية والمجازية: آراء في ترجمة
...
-
في ندوة - المسرح والديمقراطية - في لاهاي: ناجي عبد الأمير، ي
...
-
الفنان والمخرج العراقي هادي الخزاعي. . أربعون عاماً من التمث
...
-
القاص والروائي العراقي فؤاد التكرلي: الكتابة عملية غامضة ومم
...
-
- صائد الأضواء - بين تطويع اللغة المقعّرة وكاريزما الممثل
-
مسرحية - تداعيات صالح بن زغيّر - لرسول الصغير وهيمنة البُعد
...
-
عصابة شاذة تختطف ثلاث نساء شمال أفريقيات من بروكسل، وتغتصبهن
...
-
الفنان والمخرج صالح حسن: قراءة في طفولة الجسد، وتفكيك - شيفر
...
-
الفيلم التسجيلي- غرفة التحكّم - لجيهان نُجيم والقراءة المحاي
...
-
فيلم - جبّار - لجمال أمين وحكاية البطل التراجيدي الذي يقارع
...
المزيد.....
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|