جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3855 - 2012 / 9 / 19 - 18:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هنالك من يحاول تقريب وجهات النظر بين الدين الإسلامي والدين المسيحي على اعتبار أن الدينين يشعان من نفس المشكاة على رأي الملك النجاشي وأعتقد أنا بأن الملك النجاشي كان مخطئا في وجهات نظره وقد أضل الطريق الصحيح ولم يستطع أن يلمس بحسه الوجداني الفرق بين الإسلام وبين المسيحية وأنا شخصيا أجد فرقا شاسعا بين الدين الإسلامي وبين الدين المسيحي وأعتقد جازما بأن الدين الإسلامي أساء إلى الإنسانية أو إلى إنسانية الإنسان وجرّمَ الإنسان الذي لا يستطيع أن يتحمل الذنب الذي علقه على الإنسان على اعتبار أن الإنسان مخلوق مُدان سلفا ومسبقا وقبل مجيئه إلى العالم واعتبره مجرما بحق نفسه,وهذه الميزة منطقيا غير صحيحة لأننا جميعنا لا نملك الحقيقة ولا نعرف الصواب وكل إنسان يرى نفسه على صواب ولكن جاء الإسلام لكي يتحمل المسلم نتيجة ممارسات هي بالأصل خارجة عن ارادته.
لقد جاء الإسلام وجرّمَ الإنسان وحمله نتيجة قوة أعصابه وضعفها التي يتبعها كثيرا من الأخطاء والذنوب التي يرتكبها الإنسان بمعزلٍ عن إرادته وقوته حيث التصرفات والسلوكيات على الأغلب تكون خارجة عن إرادة الإنسان وبالتالي منطقيا الإنسان لا يتحمل مسئولية تصرفاته بالكامل وبحاجة لمن يتحمل معه تلك المسئولية مثل البيئة والتربية وأنماط التعليم ومستوياته وأخيرا الديان لوحده هو من سيحمل منطقيا عن الإنسان مسءولية ما يحدث له والإسلام حمل الإنسان مستوى تدني أخلاقه وسموها وحمله مسئولية الخطيئة التي لم يرتكبها وهو بكامل قواه العقلية حتى وإن كان بكامل قواه العقلية فإن العقل الإنساني لم يرتقِ ليخترق عالم الألوهية الصعب لكي يقرر مصيره وحياته وحياة الآخرين ,وحمله أيضا مسئولية نفسه بنفسه فعاقب الإنسان على ما وهبه الله له من شر أو خيرعلما أن هذا حملا لا تستطيع الجبالُ أن تتحمله ولا تستطيع أكبر عقلية في هذا الوجود أن تدرك الحقيقة بالكامل.
أما في الديانة المسيحية فالأمر مختلفٌ جدا بين الاثنين فيسوع لم يأت إلى الأرض من السماء لكي يدين الإنسان بل لكي يحمل عنه النير وثقل الحياة وهمومها,وربما يقول رجل غير مدرك لمعنى الخلاص: هل الرب يبعث إبنه لكي يتحمل عن الإنسان مسئولية عذابه وسلوكياته؟ ولهؤلاء نقول :نعم, الإله يتحمل عن المسيحي المؤمن مسئولية تصرفاته لأن الإنسان أصلا جاهل بكل شيء وليس لديه العلم الكافي وليس لديه العقل الكبير القادر على كشف الغُمة بالكامل وليس لدى الإنسان القدرة الكافية على تحمل مشقة الحياة وصعوباتها لذلك الإبن البطل هو الذي يتحمل عن هذا الإنسان الضعيف مسئولية هفواته وأخطائه, وعلى فكره كل من يؤمن بالمسيحية يجد أن هنالك من يحمل عنه وزر الخطايا والذنوب وصعوبات الحياة برمتها فهذه الحياة مثلا مثقلة بالهموم وبالأوجاع وهذه الحياة متعبة جدا للإنسان فمن الناس من يطيق عنها صبرا ومن الناس من لا طاقة لهم بها وفي النهاية يتحمل الإنسان مسئولية هذه الحياة لوحده هذا طبعا في الدين الإسلامي ولكن في الديانة المسيحية جاء يسوع ليخلصنا من عبء هذه الحياة ومن ثقل دمها ومن الترهات التي بها وحاول ويحاول جادا أن يحمل عنا كل آلام الحياة التي نعانيها إن الحياة صعبة جدا بالنسبة للجميع للأغنياء وللفقراء فالأغنياء أيضا يعانون من الآلام النفسية والجسدية والعصبية والقلبية التي يعاني من مثلها الفقراء والمسألة ليست مربوطة بالفقر أو بالغنى وبالثراء وإنما بالعقل والعقل نفسه ليس متطورا لدرجةٍ يستطيع عندها الوصول إلى الحقيقة لكي يدين الآخرين فالديان وحده يوم الدينونة هو الذي يعلم كل ذلك, ويسوع وحده من يحمل عن الإنسان كل هذه المتاعب ويخلص الإنسان من كل هذه المشاكل أما في الديانة الإسلامية فالإنسان متورط مع نفسه في كل شيء وهو وحده من يتحمل نتيجة تصرفاته بينما في المسيحية المسيح يحمل عنا جميعا كل هذه المشقات ولا يلزمنا بأن نتحمل أخطاء من ماتوا وحتى أخطاء الأحياء,ونحن لا نملك القدرة على إدانة الآخرين فربما أن نكون مخطئين ونحن فعلا مخطئون قلبا وقالبا ولا نملك القدرة على إدانة الآخرين, ولو قلنا جدلا بأن الإنسان في الديانة الإسلامية يتحمل مسئولية كل تصرفاته باعتباره عاقلا فإن هذا الكلام غير منطقي لأن الحياة تصعب على الكافر وتصعب على المؤمن وتصعب على العاقل ويحار فيها العاقل كما يحار فيها الجاهل والحليم والصبور لذلك الإسلام في هذه النقطة أو عن هذه النقطة قفز قفزة خيالية ولم ينتبه إليها وهي أن الحياة تصعب على العاقل كما تصعب على الجاهل والعاقل والجاهل والذكي والغبي مثل بعضهما الحياة بالنسبة لهم لغزا محيرا ومعرفة الخير من الشر والتمييز بينهما أمرٌ في غاية الصعوبة وهي ليست كالتمييز بين اللون الأبيض والأسود فالخير في نظر البعض شر والشر في نظر البعض خير كقصة موسى والخضر حيث كان موسى يرى أعمال الخضر بأنها شرانية بينما هي في الأصل أعمال خيره فالخير والشر مثل الأخلاق لها معايير تتحكم فيها الطبيعة الإلهية والنظام البيئي والإنسان بعقله غير قادر على التمييز بينهما,والجريمة يقع فيها العاقل ويقع فيها الجاهل,حتى المجرم الذي يرتكب جريمته يرتكبها وهو مقتنع بأنه عاقل وبأن تصرفه حكيم من أجل منفعة نفسه أو من أجل الانتقام لنفسه من الظلم الذي وقع بحقه أو من أجل دفع الظلم عن نفسه ويقتص بنفسه من الغير على اعتبار أنهم مدانون ولكن لو يقوم بالتفكير قليلا سيجد أنهم غير مدانين أبدا وأنه هو المدان لذلك الديان الأعظم يوم الدينونة هو من يقرر ذلك,وبعض المجرمين يرتكبون جرائمهم وهم متأكدون بأنهم سيفلتون من العقاب والبعض يكون عارفا بأنه سيعاقب ولكنه مؤمن تمام الإيمان بأنه ليس مذنبا وهذا النوع من الإجرام يقع به العاقل والمجنون والذكي والغبي جدا,والمشاكل اليومية ترمي بظلالها على الجميع على الفقراء والأغنياء والضعفاء والأقوياء والكل لا يستطيع أن يتحملها ومن هذه النقطة تبنت المسيحية مسئولية الرب عن كل شيء يحدث للإنسان على وجه الكرة الأرضية ولا أحد بمقدوره أن يرفع عنا تعب الحياة إلا المسيح المخلص والفادي الذي يفتدي الجميع بدمه ويقلبه وبلسانه وبعقله فهو كما يقال في المثل العامي(جمل المحامل)
وفي الديانة المسيحية النص واضح وهو بما معناه أنني لم آتِ لأدين العالم والإنسان بل جئت لأحمل عنه,وهذه هي قمة الإنسانية في التعامل مع هذا الإنسان الضعيف الإرادة والقوة والعقل لذلك المسيحيون المؤمنون بالمسيحية يحملون على قدر المستطاع عن بعض المعذبين في الأرض آلامهم وأحزانهم وجراحهم تقليدا لإلههم أما المسلمون يديرون ظهرهم للعالم كله ويجعلون الإنسان لوحده يتحمل مسئولية أخطاءه رغم أن بعض أخطائنا يتحمل غيرنا مسئوليتها والمسألة ليست إلا بالمكر وبالدهاء وهذا ما لا يعرفه ولا يعترف به المسيحي المؤمن بالديان يوم الدينونة,لأن الإنسان ليس بمقدوره أن يتحمل كل هذا الحمل الثقيل,سواء أكان غنيا أو فقيرا,والدليل على ذلك أن أغلبية الأغنياء يعانون نفسيا من نفس المشاكل التي يعاني منها الفقراء وفي هذه الحالة الكل أمام الرب أسوياء.
وهنالك في الآخرة الديان هو وحده من سيدين الذي يستحق الإدانة وليس نحن, فنحن منطقيا لا نملك الحقيقة مطلقا ونحن أضعف من أن نعرف ما هية الحقيقة ومن هو المذنب ومن هو الذي يتحمل مسئولية الذنب أو الجريمة ,أو من هو يوم الدينونة الذي سيصبح قاتلا ومن الذي سيصبح مقتولا ومن الذي سيغدو مذنبا فربما أننا أحيانا نسيء إلى بعض الذين يريدون لنا الخيرعن طريق فهمنا المخطأ لسلوكهم فأحيانا مثلا يقتل القاتل القتيل ويحاسبه القانون على جريمته ولكن القاتل يكون مقتنعا بأن القتيل الذي قتله قد قتله القاتل معنويا أكثر من 100مرة قبل أن يمد إليه السكين ويقتله أو يجرحه,يعني المقتول يكون هو المعتدي أولا وقتل القاتل معنويا أكثر من 100مرة,ولا أحد يعرف هذه الحقيقة إلا الديان يوم الدينونة ولكن نحن في هذه الحياة لا نملك الحقيقة ولا نملك المعرفة الكافية وجهلاء في كل شيء وعميان لا نرى ولا نسمع بما يؤهلنا للحكم على الآخرين وهذا منطق جليل وجدير أن نأخذ به ليؤهلنا نحو المجتمعات الديمقراطية,والذي يقف في وجهنا هو الإسلام الذي يتعارض مع المسيحية لأنه يرى نفسه بأنه هو الديان الذي يدين الآخرين في كل شيء ويرى نفسه أنه هو صاحب الحقيقة ولا يترك للإله الحقيقي فرصة لكي يدين من يستحق الإدانة, نحن بغبائنا وبذكائنا وبجهلنا لا نستطيع أن نتحمل كل هذا التحمل ولا نستطيع أن نحمل مزيدا من الأعباء والأب والابن والروح القدس والثالوث المقدس هو من يحمل عنا آلامنا وجراحنا, ألا ترون يا أصدقائي أن البعض يموت منا وتفقع مرارته من كثرة ما يتحمل من آلام ومصاعب,وهذا أكثر مما يتحمله أو يطيق عنه صبرا؟ حتى أن أغلبية السكتات القلبية والدماغية ومرض السكري كله ناتج عن ضغوطات الحياة التي لا نستطيع أن نتحملها وبعضها يأتي من الأغذية ولكن الغالبية له أسباب ودوافع نفسية وهذا دليل على أن الإنسان لا يستطيع أن يتحمل لا عقله ولا قلبه ولا فكره ولا جهله ولا ذكاءه كل هذا التحمل,ولكن لو دقق النظر مليا فسنجد أن الديان والإله الحقيقي هو من يحمل عنه وهو الذي يستطيع فقط لا غير أن يحدد من هو المتسبب الذي تسبب لنا بكل هذه الآلام.
47 وَإِنْ سَمِعَ أَحَدٌ كَلاَمِي وَلَمْ يُؤْمِنْ فَأَنَا لاَ أَدِينُهُ، لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ
إنجيل يوحنا 47
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)