|
في العراق الجديد: محنة المسيحيين.. محنة وطن
كمال يلدو
الحوار المتمدن-العدد: 3854 - 2012 / 9 / 18 - 09:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يصعب على المواطن العراقي المسيحي ، او من الديانات غير الأسلامية ان يجد نفســه في مواجهة دولة وقوانين تقنن هويته الوطنية ، وتدخلها من ثقب ابرة اسمها – الخمرة ، أو الخمر . فكلما ضاقت الأمور برجال السياسة ، وأستعصى حل معضلات البلاد الكثيرة ، والرقي بمستوى شعبها ، يلجأون الى رفع شعار ( محاربة الخمر والخمارين) ، ووضع المسيحين في خانة المتهم ، وتحميلهم المسؤلية عن "الرذيلة" و " التسكع " و " العربدة" ان جاز التعبير ، في المجتمع العراقي . في الوقت الذي يتغاضى هذا البعض عن حقيقة الأرقام التي تفصح عن ماهية شراب ( الراح) في العراق . فأستنادا الى اكثر الأحصائيات تواضعا ، فأن نسبة ابناء الديانات غير الأسلامية في العراق لا تتجاوز 3% ، وأن معظمهم يعمل في مجال الخدمات ، اذن ، من الذي يرتاد البارا ت، ومن يحتسي الخمر في العراق؟ ناهيك بأن علاقة العراقي بالخمر ، هي اقدم بكثير مما يتصور البعض ، وحتى قبل تأسيس كل الأحزاب العلمانية والقومية والأسلامية ، فلم هذه المزايدات اليوم ؟ الخمر كانت موجودة ، وكانت الناس تحتسيها منذ ايام السومريين والبابليين وصولا للدولة الأموية والعباسية وحتى العثمانية والى يومنا هذا ، فكان هناك من يستمتع بها ، وكان هناك من يناطح الحيطان ! لكن ، ايا من تلك الدول او الحضارات والأنظمة ، لم تتحطم او تنهار ( كما يقول كتاب التأريخ) بســبب الخمر! بل انها انهارت وتحطمت وتلاشت ، بســـبب الفساد الأداري ، وعدم الأيفاء بوعودها تجاه شعبها ، وأزدياد الفوارق الأجتماعية ، وخيانة المصلحة الوطنية ، وتغليب مصالح الأجنبي على مصلحة الوطن ، اي بمعناه الحديث ، العمالة للأجنبي ، اقليميا كان او من دول الجوار!! يغفل العديد من ساسة اليوم وتجار الدين ، حقيقة تأريخ بلادهم والدور المشرف لكل مكوناته ، وخاصة ابناء الطائفة المسيحية ، وأنهم سليلو ارقى الحضارات الأنسانية في المنطقة ،و شاركوا ابنائه في السراء والضراء ، وكان لهم مثلما لغيرهم دور في العلوم والأقتصاد واللغة والطب والتعليم والسياسة، في العمل والبناء ، وانهم شاركوا العراقيين في محاربة الدكتاتورية، وأقتسموا معهم القبور الجماعية ، وأختلطت دماء وأجساد شهدائهم سوية ، رغما على كل من يريد تزوير الحقائق ووضعها بغير نصابها ، وتنسيب القبور الجماعية الى طائفة بعينها زورا وبهتانا .
ان وقفة متأنية امام السياسة التي اتبعها ويتبعها قادة معظم احزاب الأسلام السياسي في العراق تجاه المسيحين وأبناء الديانات الصغيرة الأخرى من المندائيين والأزيدية ، تكشف حقيقة خيبة الأمل التي اصابت هذه المكونات بعد التغيير ، واليأس الذي يضرب اطنابه في صفوفها ، من جراء تكرار الأعتداءات ، وتدمير دور العبادة والمضايقات اليومية وعلى كل الأصعدة ، ومحاربتهم بأرزاقهم وحرمانهم من العيش الكريم . ان هذه السياسات لا يمكن ان ينظر اليها بأعتبارها احداثا منفردة او طارئة ، بل هي سلسلة مترابطة لها غايات صارت معروفة لمعظم العراقيين ، بقصد اخلاء العراق من هذه المكونات ، تنفيذا لمشروع ظلامي حاقد ومعاد للعراق تشترك فيه جهات عراقية وبأسناد ودعم من دول الجوار ،جنبا لجنب مع الميليشيات المنفلته ، وتجار العقارات العطاشى للأستيلاء على املاك وعقارات المسيحيين بأرخص الأثمان . تجري هذه الأحداث ، التي لا يبدو ان لها نهاية قريبة ، في ظل اوضاع عراقية صعبة ، يحتاج فيها الوطن الى قدرات وأختصاصات كل ابنائه ، وليس الى تشتيتهم ودفعهم للهجرة ومغادرة العراق . فيما تؤسس هذه الثقافة – الفاشلة – لعلاقة غير متوازنة بين الحاكم والمحكوم ، وتعيد المشهد مرة تلو الأخرى ، لصورة النظام الدكتاتوري الذي كان يرفع الشعارات القومية والوطنية بينما يقتل ويهجر ابنائه باليد الأخرى .
قد تكون المصائب التي تضرب العراق ، وتهدد كيانه السياسي والأجتماعي ، دافعا للقوى الوطنية ، اليسارية والعلمانية والقومية وممثلي الطوائف والأديان الصغيرة ، للتأكيد على أن تحالفها حتمية تأريخية لتجاوز هذه المرحلة ، عبر البديل الوطني الديمقراطي الداعي لبناء الدولة المدنية ، وفصل الدين عن الدولة ، قبل ان يكتب النجاح للمشروع التدميري القائم اليوم .ان الموقف من حقوق وحرية هذه المكونات ، وخاصة المكون المسيحي، اضحى الميزان الذي يمكن من خلاله الحكم على طبيعة هذا النظام او ذاك . فالأغلبية لا تتكامل حقوقها بأستعداء الأقلية ، بل العكس ، اذ ان الأغلبية تتكامل حقوقها حينما تتمكن الأقليات من ممارسة حقوقها وواجباتها كأغلبية في وطنها . اما للسادة الذين تهمهم التقوى ، ومحاربة الرذيلة ، فربما محاربة الفساد الأداري ، وكشف السراق وأصحاب الشهادات المزورة ، وتوفير مواد الحصة التموينية ، والعيش الكريم للفقراء ، ومحاربة البطالة ، وحماية الطفولة ، والحفاظ على حقوق الأرامل والأيتام ، ربما ترضي الخالق اكثر من محاربة " الخمر" ! اما التظاهر بالتعبد والتدين على حساب حياة ودماء ودموع المسيحين وغيرهم ، فلن يجلب لصاحبه الا اقذع الأوصاف .
في النهاية ، لقد مـرّت على هذا الوطن جيوش وأحتلالات ومآس وفيضانات وحروب وأوبئة وأمراض ، لكنه عاد وتعافى ، وأملي بأن يجتاز هذا الوطن الغالي ، حملة الطاعون والجراد ، التي تنهش به اليوم ، ويعود لأبنائه نظيفا ومتعافيا وخاليا من هذه الأمراض الفتاكة !
الولايات المتحدة
#كمال_يلدو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما حاجتنا للقوانين!
-
ما كشفته دعوة قناة - الفيحاء- الغراء ؟
-
لماذا يتحول عمل الدولة لهبات ومكرمات شخصية !؟
-
تعقيبا على مقترح فضائية - الفيحاء - الغراء ، حان وقت التغيير
...
-
هذا ما حدث يوم 4 آيار 1886
-
شارع الرشيد أم شارع المطار؟
-
محاربة الافكار التقدمية والعلمانية ليست وسام مشّرف
-
إقحام الدين في الجامعات العراقية ، البصرة نموذجا
-
تحت اعواد المشنقة - يوميات مناضل في سجن الغستابو -
-
المادة الثانية من الدستورالعراقي، موضع التطبيق!
-
رجاءا ..اتركوا شهداءنا وشأنهم!
-
- الضحية - بين مخالب مخابرات العراق الجديد!
-
احذروا ما يؤسس دكتاتورية جديدة
-
اسبوع على غياب - هادي المهدي-
-
ماذا لو صح الخبر !
-
البحث عن الاصالة في الغناء السرياني الحديث
-
يكفينا مزايدات ياسيادة الوزير!
-
حاضرنا حينما يتعثر بالماضي، علي الأديب نموذجا!
-
الشاعر عبد الكريم كاصد، بعيدا عن الوطن ، قريبا من الناس
-
دفاعا عن الحرية تحت - نصب الحرية-
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|