عماد ابو حطب
الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 21:08
المحور:
الادب والفن
رن هاتفي مطولا...لم يترك المتصل اي رسالة على آلة الاجابة ...وانا بدوري لم أجب..ليس لأن اليوم الأحد وهو يوم العطلة الأسبوعية..لكن ببساطة لأني اكتشفت أني قد مت واحترت ماذا أفعل...قررت جرد ممتلكاتي لأعرف مقدار ما سيرثة المستفيدين من موتي...في دفتر التوفير لم أجد في حسابي الا بضعة يوروات...وفي المنزل لا شيء يستحق التوريث...فأنا لا أملك تلفازا أو حاسوبا أو ثلاجة...أو حتى غرفة نوم...كل ما لدي فرشة مهترئة وثلاثة مسامير ثبتت عشوائيا على الحائط المصفر المتسخ...وبضعة اوان منزلية اكل عليها الدهر وشرب...سيلعنني الورثة بكل تأكيد...وهنا خطر بذهني أن أستعرض ورثتي لأكتب لهم اعتذارا عن بؤس ميراثي...لم أجد أحدا يمكن أن يرثني...فأنا مقطوع من شجرة...لا أب أو أم أو اخوة لي ...لا أقرباء بقيوا على قيد الحياة فقد قضوا جميعهم منذ سنوات طويلة في المجزرة...سيرثني الأصدقاء اذا...لكن من سيلعنني في سره...لم أجد أحدا ...فأنا منذ أن قدمت الى هذه البلاد المنفية لم أتعرف على أحد..ولم أصادق أحدا.....لا اعرف الا البواب الذي يرمقني شذرا كلما هبطت أو صعدت...وموظف التأمينات الاجتماعية الذي أراجعه كل ثلاثة أشهر...ونادل البار الواقع على زاوية الشارع...وحتى اكون صادقا تلك المومس العجوز التي كلما هبطت الى البار تحاول اقناعي باصطحابها الى شقتي لكن لا حياة لمن تنادي...
اذن لن يرثني أحد...انبسطت اساريري عندئذ ...لن يلعنني أحد بعد مماتي...لكن سرعان ما سيطرت الكآبة على روحي:من سيتذكرني الآن...كيف سيعرفون بموتي؟..من المؤكد ان البواب والجيران لن يلحظوا غيابي حتى تتفسخ جثتي وتزكم رائحتي النتنة أنوف سكان الحي كله...ليتني استطعت الأجابة على هذا الهاتف اللعين لاستنجدت بالمتصل....رن الهاتف فجأة.......وودت أن أجيب وأصرخ : انا ميت الحقوني....المتصل يسجل رسالته :نوفر لقبوركم أفضل أنواع الرخام الحجري وبأرخص الأسعار....فقط اتصلوا على رقم الهاتف التالي.....
#عماد_ابو_حطب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟