|
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني عشر: (مفهوم السنة، وما هي سنة الرسول؟)
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 19:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل كل الأحاديث والروايات المنسوبة للرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام هي السنة؟ وهل للرسول سنة؟ وما هي سنة الرسول؟ وما موقع سنة الرسول من الإلزام الديني للمسلمين؟. ولكن قبل الجواب على هذه الأسئلة دعنا نستبين مدلول ومفهوم كلمة (سنة) في لسان قوم الرسول الذي نزل به القرآن الكريم. قال بعض أفراد قليلين من علماء اللسان العربي أن كلمة (السنة) هي اسم جامد غير مشتق من الفعل (سَنَّ)، وأن كلمة (سنة) اسم موضوع موضع المصدر كقولهم (تُرْباً) و(جندلاً)، ومرادهم أنه اسم جامد أقيم مقام المصدر، كما أقيم (تُرْباً) و(جندلاً) مقام (تباً) و(سُحقاً) في النصب على المفعولية المطلقة التي هي من شأن المصادر، وأن المعنى (تراب له، وجندل له)، أي حُصِب بتراب ورُجِمَ بجندل، ظنا منهم أن الفعل (سَنَّ) هو المشتق من الاسم (سنة) اشتقاق الأفعال من الأسماء الجامدة.
لكن هذا القول مردود على من قال به، لأن اشتقاق الأفعال من الأسماء الجامدة نادر جدا في لسان قوم الرسول وفي كلامهم، وأن السائد المشهور في لسان القوم وكلامهم بكثرة وشهرة أن الاسم (سنة) اسم مصدر اشتق من الفعل (سَنَّ) وليس العكس، ولم يرد في كلام قوم الرسول أن ذكروا أن للفعل (سَنَّ) مصدرا قياسيا أي اسما جامدا اشتق منه، وما يؤكد ذلك ويؤيده أن الاسم (سنة) قد ورد في القرآن الكريم يدل على أنه ليس اسما جامدا وإنما اسم مصدر اشتق من الفعل (سَنَّ).
إذاً فالأصل هو الفعل (سَنَّ)، والفعل (سَنَّ) يدل على صنع (حَد) أو (سِن) صلب يجري ويمضي في الأشياء ليقطعها بسهولة ويسر دون أن يوقفه شيء أو يمنعه مانع، ومنه سن (السكين)، وحد (السيف)، وسن (الرمح)، وكانت العرب تقول إذا أراد أحدهم أن يصقل سيفه أو رمحه: (سننت النصل أسنه سنا فهو مسنون إذا حددته على المِسَن). أي جعلت له سِناً وحداً قاطعاً، و(المِسَن) بكسر الميم وفتح السين هو: الآلة الحجرية التي يُحَد ويُسَن عليها السيوف والرماح ليكونا ذا حد مسنون. ومما اشتق من الفعل (سَنَّ): (السِن) مفرد (أسنان)، وهي التي توجد داخل فم الإنسان، وسميت بـ (الأسنان) لأنها ذوات حد مسنون يجري في الطعام لتقطيعه. كذلك مما اشتق من الفعل (سَنَّ): (السِن) أي العمر، وهو المدة الزمنية التي يقضيها الإنسان في الحياة. وكذلك السنين جمع سَنَة، وهي الوحدة الزمنية المكونة من (12) شهرا التي تقطع الزمن وتجري فيه دون عائق أو مانع، وسُمي السِن الذي هو العمر بالسِن وسُميت السنين بالسنين لأنها هي المدة أو الفترة التي تجري وتمضي في الحياة لقطع الزمن، كحد وسن السيف والرمح حين يجري ويمضي في الأشياء ليقطعها دون أن يعوقها عائق أو يمنعها مانع. كذلك كانت العرب تقول: (سَنَّ الماء) إذا صبه صبا، فهو مسنون، أي أن الماء كما هي عادته وطريقته وسنته حين تقوم بصبه فإنه يمضي ويجري ويطَّرِد ويسترسل في سهولة ويسر كأن له حداً وسناً يقطع به طريقه لا يمنعه مانع ولا يعوقه عائق. كذلك كانت العرب تقول: (سَنَّ الإبل)، إذا جعل لها حدا معينا أي طريقا تمر وتمضي وتسير عليه وترعى فيه دون أن تخرج على ذلك الحد المسنون لها.
نأتي الآن إلى مشتقات الفعل (سَنَّ) في آيات القرآن الكريم: قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَأٍ مَّسْنُونٍ). (26_ الحجر). والحمأ هو الطين حين يتغير لونه ورائحته، فالطين حين يترك فترة من الوقت يَسْوَد وتتغير رائحته، وفي هذه الحال يسمى ذلك الطين الذي اسْوَدَّ لونه وتغيرت رائحته بـ(الحمأ). أما قوله تعالى: (مسنون). أي تم تقدير وتخليق ذلك الحمأ وفق حدود وسنة سنها الله لهذا الحمأ الذي خلق منه الإنسان. وهذا يعني أن الطين الذي تحول إلى حمأ لم يتم خلق الإنسان منه هكذا مباشرة، إنما تم وضع سنة محددة وحداً معينا له حتى يصلح لخلق الإنسان منه.
كذلك قوله تعالى: (قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ). (259_ البقرة). الطعام والشراب لم يتسنه رغم مرور مائة عام، وكلمة (لم يتسنه) تدل على أنه من سنة الطعام والشراب التي لا تتبدل ولا تتحول أنه بمرور الزمن والوقت على الطعام والشراب لابد أن يتغيرا، بأن يتخمرا ويتعفنا ويفسدا، أما طعام وشراب ذلك الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه بعدها فوجد طعامه وشرابه (لم يتسنه) أي: لم تجر ولم تمض عليهما سنة الطعام والشراب المعتادة فلم يتخمرا ولم يتعفنا ولم يفسدا رغم مرور مائة عام عليهما، وكان في ذلك آية من الله ليريه كيف يحيي الله الموتى.
نخلص مما تقدم من شرح وتوضيح وتفصيل بهذا المفهوم الشامل الجامع لفهم مدلول كلمة (سُنة) على النحو الآتي: السنة هي: (كل فعل أو طريقة أو عادة أو قانون أو هيئة أو مدة زمنية أشبه بالحد القاطع الماضٍي الساري الجاري في الأشياء باسترسال واستمرار وتكرار وملازمة في طول زمان، بلا تبديل ولا تحويل، يمضي ويجري ويسري على هيئة محددة أو في هيئة بعينها دون مانع يمنعه أو عائق يعوقه).
وأضرب مثلا توضيحيا يوضح ويبين ويبسط هذا المفهوم لكلمة سنة: بالطبع لكل إنسان في الدنيا طريقته أو هيئته في السير والمشي، فهب أن لك صديقا أو أخا أو جاراً أو زميلا أو مدرسا أو أي أحد تعرفه منذ زمن، هذا الشخص له طريقة وعادة وهيئة في مشيته، فقد يعتاد في مشيته أن يكون رافعا رأسه إلى الأعلى، أو قد يكون من عادته وطريقته أن يطأطأ رأسه وينظر إلى الأرض، أو قد يكون من عادته وطريقته أن يميل قليلا بجسده يمينا ويسارا وهو يمشي، أو قد يكون من طريقته أو عادته أن يتباطأ في مشيته، أو قد يكون من عادته وطريقته أن يسارع في سيره ومشيه. فما أن ترى ظهوره في طريق ما وبينك وبينه مسافة طويلة وقبل أن تتضح لك ملامح وجهه تعرف على الفور بأنه فلان من طريقة وهيئة مشيته التي اعتدت أن تراه عليها منذ زمن. هذه الطريقة وهذه الهيئة التي لا تتبدل ولا تتحول في مشيته تسمى (سُنة) فلان في مشيته.
وأقدم مثلا أخر: كذلك لكل إنسان في الدنيا سمته وسلوكه الحسن أو السيء الذي يشتهر ويعرف به، وهو سلوك ثابت دائم لا يتبدل ولا يتغير، فقد تعرف شخصا منذ زمن ودائما ما تراه متسامحا خجولا بشوشا دمث الخلق، وقد تعرف شخصا منذ زمن ودائما ما تراه فظا غليظا قاسيا جاف الطباع، وقد تعرف شخصا منذ زمن ودائما ما تراه سفيها مستهترا هازلا لا يعرف الجد ولا المسئولية، هذه صفته وهذا سمته منذ عرفته في كل أحواله وشئونه، هذه الصفة وهذا السمت يسمى (سُنة) فلان في سمته وفي سلوكه. (هذا هو مفهوم ومدلول كلمة "سُنة").
## السُنَّة في آيات القرآن :
كلمة (سُنَّة) بهذا المفهوم وهذا المدلول السابق عرضه وردت في القرآن الكريم على النحو التالي: فمن ألوان السنن الواردة في القرآن الكريم سنة عقاب الله وعذابه وإهلاكه للأمم المتكبرة المفسدة في الأرض التي كذبت المرسلين: (قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ). (137_ آل عمران). (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ). (38_ الأنفال). (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُـمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ العَذَابُ قُبُلاً). (55_ الكهف). (لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ). (13_ الحجر). (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً(42) اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً(43) أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً). (44_ فاطر).
وكذلك من ألوان السنن الواردة في القرآن: (سنة أخذ وقتل وتقتيل "المرجفون" شر قتلة)، والمرجفون هم من نسميهم الآن (البلطجية) أو (الشبيحة) أو (المسجلون خطر)، وهم الذين يقومون بعمليات السرقة المنظمة والقتل والخطف والاغتصاب وقطع الطرق وفرض الإتاوات وإرهاب الناس وإثارة الرعب والفزع بين الآمنين، فسنة الله في هؤلاء أن يجتمع الناس عليهم حين يثقفوهم فيأخذوهم ويقتلوهم شر قتلة، إما بتقطيع وتمزيق أجسادهم أو حرقها بالنار أو تعليق جثثهم على الأشجار والأسوار، لكثرة شرورهم وإجرامهم وإفسادهم في الأرض، وهذا مشاهد في كل مكان وكل زمان يتواجد فيه هؤلاء "المرجفون" حين يتجمع الناس عليهم ويمسكوا بأحدهم. قال تعالى: (لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلاً(60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيـلاً(61) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً). (62_ الأحزاب).
وكذلك من ألوان السنن الواردة في القرآن: (سنة الرسل في اضطهاد أقوامهم لهم): فما من رسول أرسل إلى قومه إلا طاردوه وكادوا أن يستفزوه من الأرض ليخرجوه منها: (وَإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً(76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً). (77_ الإسراء).
وكذلك من ألوان السنن الواردة في القرآن: (ما فرضه الله لجميع الرسل) من أحكام وتشريعات خاصة بهم وليست لأقوامهم: (مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً). (38_ الأحزاب).
وكذلك من ألوان السنن الواردة في القرآن: (انهزام الكافرين في القتال وتوليتهم الأدبار أمام المؤمنين): (وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِياًّ وَلاَ نَصِيراً(22) سُنَّةَ اللَّهِ الَتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً). (23_ الفتح).
والسنن بهذا المفهوم وهذه الدلالة لا تقتصر فحسب على هذه الألوان التي وردت بالآيات السابقة، بل السنن لا تعد ولا تحصى، فمنها سنن الحياة والكائنات وهي القوانين التي تحكم حركة وحياة الكائنات الحية، وسنن الطبيعة وهي القوانين التي تحكم هذه الطبيعة والكون، وسنن طبائع الناس وأفعالهم الصالحة أو السيئة، فكل هذا سنن.
## هل للرسول سنن وما هي سنن الرسول؟ :
لم يرد في القرآن الكريم مصطلح (سنة الرسول) على الإطلاق، وإنما مصطلح (سنة الرسول) و(هدي محمد) قد وردا في بعض الأحاديث، منها: قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ). رواه ابو داود والترمذي . وعن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ (أن رسول الله لما بعثه إلى اليمن قال كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال أقضي بما في كتاب الله, قال فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال فبسنة رسول الله, قال فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال أجتهد رأيي لا آلو). رواه الترمذي وقال رسول الله: (من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا). خرجه مسلم. وقال رسول الله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). رواه البخاري ومسلم. وقال عليه الصلاة والسلام في خطبة الجمعة: أما بعد: (فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد). خرجه مسلم.
والسؤال الآن: هل عدم ورود مصطلح (سنة الرسول) في القرآن ينفي أن يكون للرسول سنة؟. الجواب: إن السنة أو السنن لا تمنح للإنسان ولا تمنع منه، مهما كان ذلك الإنسان، سواء كان النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام أو أي نبي أو رسول قبله أو حتى لو كان إنسانا عاديا سواء كان مؤمنا أو غير مؤمن، فالسنة كما بينا في بداية هذا الفصل هي: (كل فعل أو طريقة أو عادة أو قانون أو هيئة أو مدة زمنية أشبه بالحد القاطع الماضٍي الساري الجاري في الأشياء باسترسال واستمرار وتكرار وملازمة في طول زمان، بلا تبديل ولا تحويل، يمضي ويجري ويسري على هيئة محددة أو في هيئة بعينها دون مانع يمنعه أو عائق يعوقه). فكل إنسان -أيا كان ذلك الإنسان- له طريقة وهيئة وعادة في أفعاله وأقواله وسلوكه وأخلاقه وسمته وطباعه تلازمه باستمرار وتكرار في طول زمان دون تحول أو تبدل هي سنة لهذا الإنسان أو ذاك الإنسان، سواء كانت تلك السنة سنة حسنة أو سنة سيئة، وليس الإنسان فحسب، بل وكافة الكائنات والمخلوقات الأخرى.
هكذا رسول الله عليه الصلاة والسلام، كانت له سننه في هديه وفي سلوكه وأفعاله وأخلاقه وعاداته وممارساته وسياساته وعباداته ونسكه وتعامله وحكمه وكافة شئونه، وما لا يستطيع أحد إنكاره أن سنن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام المتكررة المستمرة الملازمة له في كافة شئونه وهيئاته لا يمكن أن تكون معارضة للقرآن الكريم، إذ من المحال أن يكون للرسول الأكرم سنة سيئة في سلوكه وخلقه ومعاملاته وعباداته وسياساته ويظل عليها زمنا طويلا في تكرار واستمرار وملازمة وفي معارضة صريحة للقرآن الكريم أو في صمت من القرآن الكريم تجاهها، وكذلك لا يمكن أن تكون سنن الرسول السلوكية والمعاملاتية والعبادية والسياسية عن اجتهاده الشخصي ورأيه الخاص، وإنما كان هناك وحيا من الله إما في القرآن الكريم وإما بوحي الله في غير القرآن، وما يؤكد هذا أن الله وصف رسوله بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم). وبقوله: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم). وبقوله: (عزيز عليه ما عنتم بالمؤمنين رؤوف رحيم). وبقوله: (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا(8) لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا). وبقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً(45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً). (46_ الأحزاب).
فلو لم يكن شخص رسول الله شخصاً ربانياً قد هذبه الوحي وعدَّلّه وسواه وقوَّمَ سلوكه وطباعه ومعاملاته وكافة سننه الحياتية لما استحق أن يمتدحه الله بأنه على خلق العظيم، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم، ولما استحق أن يكون شاهدا ومبشرا ونذيرا، ولما استحق أن يأذن الله له بالدعوة إليه، ولما استحق أن ينعت الله شخصه بالسراج المنير، ولما استحق أن يأمر الله المؤمنين بتعزيره وتوقيره وتسبيحه بكرة وأصيلا، -(قد سبق مفهوم تسبيح الرسول في الفصل السابع)-، ولأجل كل هذا جعل الله شخص رسوله الأكرم هاديا إلى صراط مستقيم بقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم). وكذلك جعل الله شخص رسوله الأكرم (أسوة) للمؤمنين الذين يرجون الله والدار الآخرة وذكروا الله كثيرا، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً). (21_ الأحزاب).
والسؤال المشروع الذي قد يرد في ذهن القارئ الآن كيف نتعرف على سنن النبي الأكرم وسط هذا الكم الهائل من الروايات والأحاديث المنسوبة إليه عليه الصلاة والسلام؟؟. الجواب : نتعرف على سنن الرسول في مجموعة من الروايات التي حملت بعض أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه وسلوكه وآثاره وأوامره ونواهيه في أمر معين محدد من الأمور أو في شأن معين محدد من الشئون التي استمر عليها زمنا طويلا وصدرت منه مرارا وتكرارا دون تحول أو تبدل، وعليه فلا يعد أي فعل أو قول أو حال أو خلق أو سلوك أو أثر أو أمر أو نهي نسب إليه وورد في رواية منفردة أو حديث منفرد منسوب للرسول عليه الصلاة والسلام لمرة واحدة لا يعد شيئا من هذا سنة، ولا يوصف بأنه سنة.
وبعبارة أخرى: إن سنة الرسول هي كل فعل أو قول أو حال أو خلق أو سلوك أو أثر أو أمر أو نهي صدر منه عليه الصلاة والسلام في موضوع بعينه أو في حال محددة استمر عليها في تكرار وطول زمن حتى صارت له عادة وهيئة وطريقة ثابتة لا تتحول ولا تتبدل. ومن هنا نستطيع من خلال هذا الفهم وهذا المدلول لكلمة (سنة) أن نتبين سنن الرسول عليه الصلاة والسلام الثابتة الراسخة المستمرة من خلال ما روي عنه وما نسب إليه عليه الصلاة والسلام من أحاديث ومرويات تفيد استمرار وتكرار ورسوخ وثبات ذلك الفعل أو القول أو الحال أو الخلق أو السلوك أو الأثر أو الأمر أو النهي، وعليه فليس كل رواية منفردة أو حديث منفرد في مادته ومدلوله وموضوعه هو سنة للرسول، ولا يصلح أن نطلق على كل الروايات وكل الأحاديث في مجملها سنة للرسول، وإنما كل فعل وكل قول أو حال أو خُلق أو سلوك أو أثر للرسول استمر ودام ورسخ وثبت ولم يخالف فيه القرآن الكريم مخالفة صريحة واضحة هو سنة من سننه عليه الصلاة والسلام.
فحين نقول سنة الرسول لا يجب أن نقول سنة الرسول هكذا على العموم، دون تعيين ماهية هذه السنة، فمثلا إذا أردنا أن نبحث في الروايات والأحاديث عن سنن الرسول فلنبحث عن: (سنة الرسول في قتال أعدائه)، (سنة الرسول في صحبته)، (سنة الرسول في عبادته)، (سنة الرسول في صدقه)، (سنة الرسول في سياسته)، (سنة الرسول في عهوده)، (سنة الرسول في عدله)، (سنة الرسول في حكمه)، (سنة الرسول في صلة رحمه)، (سنة الرسول في القضاء بين الناس)، (سنة الرسول في معاملة الأسير)، (سنة الرسول في معاملة الخادم)، (سنة الرسول في معاملته لأسرته وزوجاته)، (سنة الرسول في الصلح والسلم مع الأعداء)، وهكذا... إلخ، وعندها سنجد أن جملة من الأحاديث والروايات تجمع لنا وتدلنا على سنته عليه الصلاة والسلام المستمرة الثابتة في هذا الموضوع أو ذاك الموضوع، أما اختطاف رواية واحدة بمفردها من هنا أو اقتطاف حديث واحد بمفرده من هناك ونقول إن ما جاء في هذا الحديث الواحد أو في تلك الرواية الواحدة هي سنة للرسول لهو قول مخالف لمدلول ومفهوم كلمة (سنة) التي سبق تفصيل مفهومها ومدلولها.
وهنا قد يسأل سائل ويقول: هل نقتصر في الأخذ من جميع الروايات وجميع الأحاديث المنسوبة للنبي الأكرم على سنن الرسول فحسب؟. الجواب: كلا، بل إن جميع الروايات والأحاديث تحمل علوما أخرى سوى سننه الشخصية عليه الصلاة والسلام، لذلك علينا أن نفرق بين ألوان المرويات والأحاديث التي نسبت إليه عليه الصلاة والسلام، فهي ذات ألوان متعددة وذات هيئات شتى، وأنا هنا لا أعني بالألوان والهيئات ألوان وهيئات الأحاديث من ناحية السند أو الإسناد، وهي الألوان والهيئات التقليدية المعروفة، التي منها على سبيل المثال: (الصحيح، والضعيف، والمعنن، والمأنأن، والموضوع، والمنكر، والمرسل، والحسن، والغريب). فكل هذه ألوان وهيئات وضعت لدرجة صحة الحديث من حيث سنده أو إسناده، لكن ما أقصده بألوان وهيئات الأحاديث والروايات في غير السند هي نصوص ومتون الأحاديث والروايات، فالأحاديث والروايات وتصنيفاتها من ناحية قوة السند وضعفه قد تم قتلها بحثا في الماضي والحاضر، لكن ما يجب الاهتمام به الآن هو تصنيف الأحاديث من حيث مهام ووظائف الرسول التي أثبتها القرآن الكريم له، وهي: 1. أحاديث التزكية. وهي جملة الأحاديث التي تحض وتدعو إلى طهارة القلب وتزكية النفس وتقويم الأخلاق. 2. أحاديث علم الكتاب. وهي الأحاديث التي تفصل تشريعات وأحكام القرآن المجملة، كتفصيل ما هية (الخمر) وماهية (الربا) وماهية (أكل أموال الناس بالباطل) وماهية (البيع) وغيرها كثير من الأحكام والتشريعات. 3. أحاديث علم الحكمة. وهي الأحاديث التي تبين هيئة وكيفية ممارسة أحكام القرآن من حدود وشعائر ونسك كالصلاة والحج والصيام والزكاة وغيرها، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي) وقوله: (خذوا عني مناسككم). 4. أحاديث الظهور على الغيب. وهي الأحاديث التي تحمل أنباء عن بعض الغيبيات التي حدثت في الماضي والتي ستحدث مستقبلا.
فهذه هي وظائف النبي عليه الصلاة والسلام تجاه (تزكية) المؤمنين وتعليمهم (الكتاب) و(الحكمة) وتعليمهم (ما لم يكونوا يعلمون)، وذلك عن طريق الوحي الذي أوحاه الله إليه في غير القرآن الكريم، وقد نص الله على مهام ووظائف الرسول هذه في عدة آيات هي: قال تعالى : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). (151_ البقرة). وقال : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (164_ آل عمران) وقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (2_ الجمعة).
وقد قمت بتفصيل وتبيين هذه المهام الورادة في هذه الآيات الثلاث وذكرت بعض الأمثلة عليها في الفصل السابق بعنوان: (الفصل الحادي عشر: هل أنزل الله على رسوله وحيا غير القرآن؟) فمن أراد الاستيضاح فليعد إليه على الرابط التالي: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=299391
وقد يسأل سائل هنا ويقول: هل نقتصر من جميع الروايات والأحاديث على معرفة (سنن الرسول) الشخصية الثابتة الدائمة، وعلى (علم الكتاب)، وعلى (علم الحكمة) وعلى (علم ما لم يكونوا يعلمون) فحسب؟ أم أن الأحاديث والروايات تحمل أمورا أخرى ملزمة غير هذه الأمور التي ذكرتها؟. الجواب: الأحاديث لا تحمل أمورا أو موضوعات ملزمة غير ما ذكرنا ولكنها في بقيتها تحمل موضوعات عن الوقائع والمواقف والأحداث التاريخية التي رواها صحابة رسول الله ونسبوها إلى الرسول أو قصوها عن الرسول، وهذه تحتاج فقط إلى قراءة علمية موضوعية، فما وجدنا فيها من أشياء قد تكون واقعية وحقيقة وتتماشى مع السياق العام للقرآن الكريم والسياق العام لسننه عليه الصلاة والسلام الثابتة المستقرة المستمرة وسياق الضبط العلمي والمعايير العلمية الراسخة فلا مانع من الاستئناس بها، وما يتراءى لنا فيها أنه غير واقعي وغير حقيقي وغير علمي ولا يتماشى مع السياق العام للقرآن الكريم ولا السياق العام لسننه عليه الصلاة والسلام وفق ما توصل له فهمنا الحالي فلنتركها جانبا لحين إعادة قراءتها مرة أخرى في وقت آخر، فربما نكتشف فيما بعد أن لها منطقا ما يتماشى مع مستجدات وتطورات ومحاولات فهم القرآن الكريم اللاحقة عبر الأزمان المختلفة وعبر محاولات فهم الطبيعة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية لبيئة وزمن نزول القرآن الكريم، فكثير من الأحاديث والروايات يقرأها البعض الآن بعين المثالية المرضية المفرطة، أو يزنها بموازين ومقاييس الحاضر ويقطع بأن مثل هذه الحادثة ومثل تلك الواقعة لا يمكن أن تحدث أو تقع، ثم نتبين بعد فترة من الوقت ووفق تطور قراءات جديدة للقرآن الكريم والأحاديث والروايات أن لهذه الوقائع منطقا مقبولا وتحمل حقا ما أو حقيقة ما.
ونخلص من كل ما تقدم بالآتي: ينبغي تصنيف الروايات والأحاديث ونحن نقرأها وفق موضوعاتها من حيث هل هي: 1. سنن للرسول؟. 2. أم علم الكتاب؟. 3. أم علم الحكمة؟. 4. أم علم ما ظهر عليه الرسول من الغيب؟. 5. أم هي روايات لوقائع وأحداث ومواقف تاريخية ولا علاقة لها بالسنن ولا بعلم الكتاب ولا بعلم الحكمة ولا بعلم الظهور على الغيب؟.
وهنا قد يسأل سائل ويقول: ألا يمكن أن تحتوي تصنيفات هذه الأحاديث وهذه الروايات بعض أحاديث وبعض روايات غير صحيحة وربما مكذوبة؟. الجواب: بكل تأكيد، ولكن الضابط لكل هذا بعد تصنيف الأحاديث وفق التنصيف الذي ذكرته هما ثلاثة ضوابط لا رابعة لها: ليس صحة السند أو ضعفه وإنما: 1. قراءة نصوص ومتون الأحاديث قراءة جديدة في سياق الضبط العلمي والمعايير العلمية الموضوعية الصحيحة الراسخة بعيدا عن قراءات وتفسيرات وفهوم الفقهاء القدامى. 2. أن يكون السياق العام للقرآن الكريم هو موجه ومرشد لقراءة نصوص الروايات والأحاديث. 3. قراءة نصوص ومتون الأحاديث بعيدا عن هواجس وعقد دعاة وأدعياء المثالية الكاذبة المخادعة، إذ لا يوجد هناك مثاليات إلا في خيالات وأوهام مهاويس ومرضى المثالية، وهؤلاء المثاليين تعرفهم حين تجد أحدهم يقرأ شيئا أو يسمع شيئا أو يرى شيئا لا يروق لمثاليته المرضية فيقول: (هل يعقل هذا؟)، أنا أنصح القارئ حين يرى شخصا مريضا بالمثالية كهذا يقوم بالقبض عليه وتسليمه إلى أقرب مصحة نفسية. وسوف أتحدث في فصل كامل قادم من هذه الدراسة عن كيفية قراءة نصوص الأحاديث قراءة جديدة، وخاصة بعض تلك الأحاديث التي يعتقد البعض بأنها مكذوبة ومدسوسة، وسوف أقدم بعض النماذج على هذه القراءة هناك.
ولا يفوتني هنا أن أقول: إن هذه الآيات الثلاث: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). (151_ البقرة). (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (164_ آل عمران) (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ). (2_ الجمعة).
هذه الآيات الثلاث وما تحتوي عليه من مهام ووظائف وعلوم للنبي عليه الصلاة والسلام تهدم صروح القرآنيين الفكرية من ناحية إنكارهم لوجود وحي ملزم في غير القرآن الكريم (في الروايات والأحاديث)، فقد تلوت جل أبحاث القرآنيين على اختلاف ألوانها وأطروحاتها التي ينكرون فيها السنة والروايات والأحاديث ولا يعدونها وحيا ملزما من الله، ووجدت أن القرآنيين يتعمدون ويحرصون أشد الحرص على عدم الاقتراب من هذه الآيات الثلاث أو ذكرها في أدبياتهم على الإطلاق، وأجد تعتيما واضحا في كل أدبيات القرآنيين على هذه الآيات الثلاث، ربما خشية مواجهة كثير من الأسئلة التي تثيرها هذه الآيات الثلاث، والتي ما إن اقتربوا من الجواب عليها أو مناقشتها إلا وانهدمت على الفور فكرة (القرآن وكفى) واقتلعت من جذورها، لذلك قلما نجد أحدا من كتاب ومفكري القرآنيين يقترب من هذه الآيات الثلاث، وإن اقترب أحدهم منها فيكون بالمراوغة والقفز والاجتزاء والالتواء والالتفاف على نصوص ومضامين هذه الآيات الثلاث، فمثلا حين يتناول أحدهم هذه الآيات نراه يترك كل عبارات الآية التي هي: (يتلو عليكم آياته) (ويعلمكم الكتاب والحكمة) (ويعلمكم مالم تكونوا تعلمون) ويجنح فقط إلى مفهوم الحكمة وأن الحكمة ليست هي السنة وأن الحكمة هي الأقوال والمأثورات والنصائح والعظات التي ترد على ألسنة الحكماء، وقد بينت في الفصل السابق (الفصل الحادي عشر: هل أنزل الله على رسوله وحيا غير القرآن)، وذكرت أن الحكمة لا تعني المواعظ ولا الحكم ولا الأقوال المأثورة ولا صواب الرأي وسداده ولا غيره من هذه المفاهيم الخاطئة التي تم إلصاقها عنوة بمفهوم ومدلول كلمة حكمة.
فهذه الآيات الثلاث تسند إلى رسول الله مهام (تلاوة الآيات) و(تزكية المؤمنين) وتعليمهم (الكتاب) وتعليمهم (الحكمة) وتعليمهم (ما لم يكونوا يعلمون). هذه المهام قد تجاهلها (القرآنيون) وغضوا الطرف عنها تماما، رغم أن الآيات الثلاث نصت في صراحة ووضوح وجلاء تام عليها. ومن الأسئلة التي تتفجر وضوحا وبيانا في هذه الآيات الثلاث ولا يجرؤ شخص قرآني واحد على الاقتراب منها أو الإجابة عليها: • إذا قلنا أن الرسول يتلو عليهم كلمات الآيات أي يسردها بصوته على آذانهم لتعريفهم بها، فكيف يزكيهم بها؟ وكيف يعلمهم الكتاب؟ وكيف يعلمهم الحكمة؟ وكيف يعلمهم ما لم يكونوا يعلمون؟؟. • وما الفرق بين التلاوة والتزكية والتعليم؟، وما هي الآيات؟ وما هو الكتاب؟ وما هي الحكمة، وما هو ما لم يكونوا يعملون؟؟. • وكيف مارس الرسول الأكرم هذه المهام وما المثال على هذه الكيفية؟ • وهل هذه المهام والوظائف كانت ملزمة للمؤمنين الذين عاصروه فقط أم ملزمة للذين جاؤوا من بعده كذلك؟؟. وهنا قد يسأل سائل ويقول: إذا كانت الأحاديث فيها ما هو وحي من الله كما تقول فلماذا لم يحفظها الله كما حفظ القرآن الكريم؟. أقول: هذا سؤال هام ومعتبر وسأجيب عنه في الفصل القادم إن شاء الله.
لا شك ولابد أن نعترف بأن هناك فوضى كبرى منذ وفاة النبي عليه الصلاة والسلام لا أقول في كم ولا في كيف ولا في مضمون الأحاديث والمرويات المنسوبة له عليه الصلاة والسلام، إنما الفوضى هي فوضى في الاستشهاد بالأحاديث والمرويات بمعزل وبعيدا عن ربطها بالدلالات البرهانية والموضوعاتية لنصوص القرآن الكريم، ودون ضوابط تصنيفية تتفق مع المهام القرآنية التي أسندتها الآيات القرآنية الثلاث السابقة إلى شخص النبي عليه الصلاة والسلام، بمعنى هل هذا الحديث أو ذاك وهل هذه الرواية أو تلك لها جذر موضوعي أو دلالي أو برهاني في القرآن الكريم أم لا؟، وهل يقع تصنيفها تحت مهمة (تزكية المؤمنين) أم تحت مهمة (تعليمهم الكتاب) أم تحت مهمة (تعليمهم الحكمة) أم تحت مهمة تعليمهم (ما لم يكونوا يعلمون) من الأمور الغيبية الماضية والمستقبلية؟؟. فعدم وجود هذا التصنيف الذي يجعل من موضوعات القرآن الكريم جذرا لها وعدم الانتباه إلى وجود هذا التصنيف الذي يعود بنصوص الأحاديث إلى جذورها الموضوعاتية والدلالية والبرهانية في القرآن الكريم هو الذي أدى إلى كل تلك الفوضى الفكرية في الافتاء وفي الأفكار وانتشار كل تلك المذاهب والتيارات الدينية المختلفة والمتفرقة.
كذلك من التصنيفات الأخرى التي ينبغي على الباحث أن ينتبه لها وهو يتعاطى مع الأحاديث والمرويات المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام التصنيف الذي يجب أن يقف عند العبارة الأولى الواردة في نص الحديث أو نص الرواية، بمعنى هل بدأ نص الحديث بعبارة: (قال رسول) أو بـ (رأيت رسول الله) أو بـ (أمرنا رسول الله) أو بـ (سمعت رسول الله) أو بـ (نهانا رسول الله) أو بـ (كان رسول الله) أو بـ (كنا على عهد رسول الله) أو بـ (كنا في زمن النبي) أو بـ (ما فعل رسول الله كذا) أو بـ (ما رأيت رسول الله قط فعل كذا) أو بـ (ما سمعت رسول الله قط قال كذا)، أم لم يذكر في نص الرواية أو في نص الحديث أي من العبارات السابقة؟، فإن لم يذكر في صدر نص الرواية أو في صدر نص الحديث أي من العبارات السابقة فنص الرواية أو نص الحديث هو نص خالص من كلام الرواي وليس نصا منسوبا للنبي عليه الصلاة والسلام، وكذلك لابد أن ينتبه الباحث وهو يطالع نص الحديث أو الرواية ويرى هل نص الحديث بأكمله هو كلاما خالصا للرسول؟ أم تضمن نص الحديث كلاما للراوي يعرض فيه رأيه وتفسيره ووجهة نظره هو؟، وهذا سيكشف لنا عن هل هذه الرواية أو ذلك الحديث هو أمر ديني ملزم أم لا، أم محض قول للراوي ورأيه ووجهة نظره؟.
فمن أكبر المآخذ على كل ذلك التاريخ التدويني والنقدي والتمحيصي والتخريجي للمرويات الحديثية، أنه اهتم فقط بسند الرواية وبحال رجال الإسناد من الرواة وعدالتهم وصدقهم وقوة حفظهم وضبطهم وتقواهم وقوة إيمانهم وسلامة عقائدهم وانتمائهم المذهبي، دون الالتفات إلى (متن الرواية) أو (نص الحديث) ومدى علاقة هذا النص ومدى ارتباطه بدلالية وبرهانية وموضوعاتية القرآن الكريم، بل أرى أنه قد تم الفصل لا أقول الكامل إنما شبه الكامل بين الأحاديث المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام وبين القرآن الكريم، بحيث يمكن القول أن جل التراث الفقهي والفكري الديني الإسلامي تم تكوينه وإنشائه وتدوينه وفقا للمرويات الحديثية بمعزل عن القرآن الكريم إلا فيما ندر من بعض الاستشهادات والاستدلالات بالقرآن الكريم حين لا تسعف المرويات الحديثية بحجة أو استدلال أو برهان في قضية ما من القضايا، حتى تحول الاستدلال والبرهنة والاستشهاد والحجة في الفقه أو الفكر التاريخي التراثي الديني الإسلامي في المجال العقيدي والغيبي والعبادات والشعائر والنسك والآداب والمعاملات وكافة جوانب الشريعة إلى التراث الحديثي المتمثل في المرويات عن النبي على الصلاة والسلام بصورة لا أقل مستقلة تماما عن القرآن الكريم ولكن بصورة شبه مستقلة إلا فيما ندر.
وبعبارة أخرى أقول: أصبحت جل قضايا ومسائل الفقه والفكر الإسلامي عبر عصور المسلمين المتعاقبة منذ عهد المذاهب والمدارس الفقهية والفكرية الأولى كل خلفيتها ومرجعيتها في الاستدلال والحجية والبرهنة هي خلفية ومرجعية تعتمد بشكل ظاهر وبين على المرويات الحديثية، ويأتي القرآن الكريم كاستدلال وكبرهنة وكحجية تابعا لتأييد هذه القضية وتلك المسألة الفقهية أو الفكرية بعد إنشائها ابتداء على مرجعية المرويات الحديثية، حتى غدت المرويات الحديثية هي الأصل وهي المرجع وهي الأساس وهي المنطلق في تأصيل وتأسيس أي مسألة فقهية أو فكرية تخص أي جانب من جوانب الشريعة الإسلامية، حتى صرنا إلى ما نحن فيه الآن من تفتت وتشرذم واختلاف على معظم تفاصيل ومسائل وقضايا الدين الإسلامي.
بينما كان من المفترض ومن الصواب ومن الحق أن يكون القرآن الكريم بدلاليته وبرهانيته ومواضيعه هو الأصل وهو المرجع وهو الأساس وهو المنطلق في تأصيل وتأسيس أي مسألة أو قضية فقهية أو فكرية تخص أي جانب من جوانب الشريعة الإسلامية، ثم يأتي النص الحديثي بعد ذلك كعلم تطبيقي عملي واقعي وكممارسة فعلية للنص القرآني، أي فيما يمكن تشبيهه بـ (النظرية المجردة وتطبيقها العملي الفعلي على الأرض)، وهذا يتطلب إعادة النظر في جل الفقه التراثي وجل الفكر التراثي وفي جل القراءات التراثية السابقة منذ عصر المذاهب والمدارس الفقهية والفكرية الأولى وحتى يومنا هذا.
وهذا يتطلب بدوره إعادة عرض جميع القضايا وجميع المسائل الفقهية والفكرية الموروثة على دلالية وبرهانية وموضوعاتية القرآن الكريم من جديد ليكون القرآن الكريم بدلاليته وبرهانيته ومواضيعه هو المرجع وهو الأصل وهو المنطلق الأول لها، وكذلك يتطلب هذا إعادة قراءة جميع النصوص والمتون الحديثية وجميع المرويات المنسوبة للنبي عليه الصلاة والسلام قراءة جديدة في ضوء دلالية وبرهانية وموضوعاتية القرآن الكريم، ليتم قبول ما يتسق منها وما يتوافق وما ينسجم معه كمرجعية أم وأساس وكمنطلق أول، ويطرح منها ما لا يتسق وما لا يتوافق وما لا ينسجم معه كمرجعية أم وأساس وكمنطلق أول، مع عدم الالتفات نهائيا -أقول وأكرر مرة أخرى- مع عدم الالتفات نهائيا إلى التقييم التقليدي للروايات والأحاديث التي يتوقف قبولها أو رفضها منذ أربعة عشر قرنا فقط على صحة السند وهل هي رواية ظنية أم متواترة. إذ إن قضية القول بظنية رواية الآحاد ويقينية رواية التواتر هي قضية عبثية غير علمية لا تحق حقا ولا تبطل باطلا، وسوف أفرد لها الفصل القادم إن شاء الله.
أما الاستقلال بالمرجعية الحديثية وحدها أو بمرجعية الروايات وحدها بعيدا عن القرآن الكريم فسوف يؤدي هذا بدوره إلى إنتاج دين جديد ليس هو دين الإسلام الحق، وكذلك على الجهة الأخرى الاستقلال بمرجعية القرآن الكريم وحدها دون المرويات الحديثية فسوف يؤدي بدوره ليس إلى إنتاج دين جديد بل أديان شتى ليس منها بالقطع دين الإسلام الحق. وسوف أفصل وأوضح في أحد الفصول المتبقية من هذه الدراسة كيفية قراءة نصوص الأحاديث والمرويات وكيفية الجمع دلاليا وبرهانيا وموضوعاتيا بين نصوص القرآن الكريم والمرويات الحديثية وسوف أقدم للقارئ بعض النماذج لكيفية قراءة النصوص الحديثية وكيفية الجمع بين نصوص القرآن الكريم وبين المرويات الحديثية، على أن يكون القرآن الكريم بدلالته وبرهانيته وموضوعاته هو المرجعية الأم والأساس والأصيلة والمنطلق الأول لكل القضايا والمسائل الفقهية والفكرية، وسنرى كيف أنه لا يستقيم الاستقلال بأي منهما دون الآخر.
(للحديث بقية في الفصل الثالث عشر)
الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293175 الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين التقديس والشيطنة) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=293537 الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التراث الإسلامي وتنقيحه) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294154 الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونشأة القرآنيين) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=294768 الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ وجمع القرآن) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295266 الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=295917 الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفريق بين النبي والرسول) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296491 الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟). http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296924 الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ينطق عن الهوى). http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=297432 الفصل العاشر: (طاعة الرسول). http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298124 الفصل الحادي عشر: (هل أنزل الله على رسوله وحيا غير القرآن؟) http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=299391
نهرو طنطاوي كاتب وباحث في الفكر الإسلامي _ مدرس بالأزهر مصر _ أسيوط موبايل : 01064355385 _ 002 إيميل: [email protected] فيس بوك: http://www.facebook.com/profile.php?id=100001228094880&ref=tn_tnmn
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الحادي عشر: (هل أنزل الله على
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل العاشر: (طاعة الرسول)
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل التاسع: (البلاغ، الأسوة، ما ين
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثامن: (هل القرآن كافٍ وحده؟)
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل السابع: تابع (القرآنيون والتفر
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل السادس: (القرآنيون والتفريق بي
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الخامس: (القرآنيون ومأزق حفظ و
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الرابع: (تاريخ إنكار السنة ونش
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثالث: (تاريخ نقد وإصلاح التر
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الثاني: (الصحابة والسلف بين ال
...
-
السنة ما لها وما عليها: الفصل الأول: (عرض تمهيدي لقضية السنة
...
-
إطلالات قصيرة على واقع المشهد المصري الحالي
-
لماذا بصق المصريون في وجوه نخبهم وإعلامييهم؟
-
شيفونية المصريين
-
(توفيق عكاشة) نموذج معبر عن حقيقة الشخصية المصرية
-
من ينقذ المصريين من أنفسهم؟
-
من حق (فاطمة خير الدين) أن تكون عاهرة وتفتخر
-
أما أنا فأقول لكم
-
ما لا يقال ولن يقال حول الصراع الإسلامي المسيحي في مصر
-
(ما كان لنبي أن يكون له أسرى) رد على: علال البسيط
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|