ملاذُ المؤمنين!

فايز شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 1121 - 2005 / 2 / 26 - 12:42
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

حملة التضامن الوطني السعودية ضدّ الإرهاب صاحبت مؤتمراً لمكافحة الإرهاب، هذه الحملة تضمّنت برامج إذاعية وتلفزيونية، وكذلك إعلانات في الصحف والمجلاّت، وأيضاً أنشطة ثقافية في جميع أنحاء المملكة، ابتداءً بالمدارس الابتدائية وانتهاءً بالكلِّيات والجامعات والمؤسسات الحكومية، مروراً بإعلانات حائِطية وعلى أعمدة الإنارة والجسور.
هذه الحملة، تُذكّرني بالحملات المشابهة التي نسمع عنها، مثل أسبوع الشجرة وأسبوع المرور، لكن الفرق هنا بأن الوضع يختلف لأن الحملة تهدف إلى إقناع الغرب بأن الحكومة السعودية تتحرك على قدمٍ وساق في مكافحة التطرّف والإرهاب، إضافةً إلى نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر، خاصةً وأنّ مؤتمر مكافحة الإرهاب صاحبه أكثر من مؤتمر صحفي للإجابة على أسئلة الأجانب لبيان وجهة نظر وزير الشؤون الإسلامية حول الإرهاب. مصطلحات مثل: شلّت يدُ العابثين، ومن المسؤول عن تدمير ثروات الوطن، وطني: هل هذا حقاً فعل أبنائك، العنف والتدمير لا يصنعان المستقبل، كلّنا ضد الإرهاب وفداءً للوطن، وغيرها من العناوين واللوحات الكبيرة، ربما تُعطي انطباعاً بأن الحكومة السعودية "أخيراً" التفتت للجرح النازف ولها نيّة حقيقية في مكافحة التطرف والإرهاب.
انتهى المؤتمر، والحملة الوطنية ضد الإرهاب "لا تزال تضع إعلاناً هنا ولوحةً هناك، ومطويةً هنا وصورةً هناك"، لكن غابت عن الساحة وغابت عن عملية المكافحة الحديث عن أصول الإرهاب والتطرف الديني، ولم تتم معاقبة أو حتى مسائلة أيٍ من دعاة التطرف والإرهاب إلى الآن. إضافةً إلى أنه في مقابل هذه الحملة "الكرتونية"، هناك حملة أقوى وأكثر فاعلية ولا تزال مستمرة، هي الحملة الحقيقية التي وصلت ولا تزال تصل إلى كل فئة من فئات المجتمع وبجميع اللغات.
في الأيام القليلة الماضية فقط، وبمناسبة هذه الحملة "الكريمة" ضد الإرهاب، تم توزيع كميات كبيرة من نشرات الكراهية والتطرف والعنصرية، نشرات أقل ما يُقال عنها بأنها نشرات "طالبانية"، مثل هذه المطوية التي عنوانها "أشدّ الناس عداوة للمؤمنين: وجوب عداوة اليهود والمشركين وغيرهم من الكفار"(1) وهي تحوي من أولها إلى آخرها الكثير من دعوات الكراهية مثل "فالواجب على أهل الإسلام أن ينتبهوا لهذه الأمور العظيمة، وأن يُعادوا ويُبغِضوا من أمرهم الله بمعاداته وبُغضه من اليهود والنصارى وسائر المشركين حتى يؤمنوا بالله وحده، ويلتزموا بدينه الذي بعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم"، وفي موضع آخر "والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وأرجو أن يكون فيما ذكرناه دلالة ومقنع للقارئ على وجوب معاداة الكفرة من اليهود وغيرهم وبغضهم في الله وتحريم مودّتهم واتخاذهم أولياء". إذا ما عرفنا بأن هذه المطوية تُوزّع في كل مكان وتصل إلى أيدي المسلم والبوذي والنصراني واليهودي، وبعض هؤلاء يعمل في مواقع يستطيع فيها فعلاً إيذائنا، فكيف لنا أن نثق في شخص نحن ندعو إلى كراهيته والتعامل الدوني معه؟
مطوية أخرى وهي مجموعة فتاوى (2) تتحدث عن "أهل البدع" وهم من يضعون لافتة على قبر الميت مكتوب عليها آيات قرآنية، ويذبحون في الموالد، كمولد النبي، ويستغيثون بالغائب والميت، ويسافرون إلى قبور الأنبياء والصالحين، ويستعينون بقبور الأولياء ويتبرّكون بالطواف حولها، وينذرون بالذبح عند الأضرحة، ويطلبون العون من أصحابها، والفتوى صريحة هؤلاء هم كفّار كفر أكبر. هذه النعوت والوصوف، وإن لم تذكرها المطوية، المقصود بها هم الشيعة وإنهم عبدة القبور الخ، فهم كفرة.
قبل أيام فقط كان يوم الحب، أو ما يُسمى فلانتين داي، وهو بتاريخ 14 فبراير، وقبله بعدة أيام تشن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حملة يتم فيها مصادرة كل الورود الحمراء ويتم منع بيعها ومعاقبة من يجتنيها، وكذلك التشديد في مدارس البنات فيتم تفتيش الطالبات لمعاقبتهن إذا ما لبسوا أي ملابس حمراء اللون أو عليها قلب أحمر. مطويات عديدة يتم توزيعها بمناسبة "عيد الحب" فيها الكثير من القدح لأن ذلك من أعياد الكفّار وهم إثم، وهو من الأعياد الوثنية النصرانية، كما يحرم على المسلم الإعانة على هذا العيد أو غيره من الأعياد المحرمة لأن ذلك كله من التعاون على الإثم والعدوان ومعصية الله والرسول، وهذه النشرة تحتوي على العديد من هذه الكلمات، عنوانها: مات وأشقى غيره، ومن الجانب الآخر للمطوية: لا تكن إمّعة (3).
خلال الأيام الفائتة من محرم الحرام وهي مناسبة لها محل كبير في قلوب الشيعة والمسلمين عموماً، لأن قُتِل فيها سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الكرام، وثُلة من أصحابه، الذي وقفوا في وجه يزيد بن معاوية طاغوت عصره. بهذه المناسبة يتم توزيع نشرات عديدة، من هذه النشرات، مطوية ملونة ومطبوعة طباعة فاخرة، بعنوان: هُمُ العَدُوُّ فاحذرهم: الشيعة الرافضة (4). المختلف في هذه النشرة هو أن من طبعها لم يترك عنواناً لدار النشر أو هاتفاً يمكن الاتصال به، فقط بأنها تُهدى ولا تُباع. تضمّنت هذه النشرة عناوين عدة، منها شركهم في توحيد الخالق سبحانه، كفرهم وشركهم في علم الغيب، شركهم وكفرهم بآيات الله عزّ وجل، كذبهم على رسول الله عليه الصلاة والسلام، تكفيرهم الصحابة "رضوان الله عليهم"، إضافةً على أكثر من جملة تكفيرية، مثل "فبعد هذا هل يشك مسلم في كفر هؤلاء الشيعة وشركهم؟ وهل يجوز للمسلم أن يسمّيهم مسلمين أو ينسبهم للإسلام؟
كلّ ما ذهبت إلى مجمع تجاري أو عيادة طبية، أو حتى ورشة صلاح أجهزة إلكترونية، هناك نشرات ومطويات وكتيّبات، وإن كان بها العديد من النصائح، لكن في مجملها تحتوي على العديد من الدعوات للكراهية على أقل تقدير، واتهامات للمسلمين وغيرهم كذباً وبعد ذلك بناء الفتاوى على هذه الأكاذيب، مثل هذا الكتيّب بعنوان: الدروس المهمة لعامة الأمة (5)، يتحدث عن الشرك الأكبر والأصغر، ومثالاً على الشرك الأكبر الذي يخُرج من الملكة فهو يوجب حبوط العمل والخلود في النار لمن مات عليه: دعاء الأموات، والأصنام، والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم. على ظهر الغلاف الخلفي تم وضع عنوان المكتب وكذلك رقم الحساب البنكي في شركة الراجحي المصرفية لمن يريد "المساهمة في استمرار هذا العمل الخيري العظيم".
الأقسى من ذلك ليس ما ذُكِر أعلاه، ولكن هذا الكتاب الذي صدر من الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو بعنوان: التحذير من البدع (6): حكم الاحتفال بالمولد النبوي، حكم الاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، حكم الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وأن ذلك من البدع، كل بدعة ضلالة، أي أن كل المسلمين الذين يحتفلون بهذه المناسبات هم ضالين، عدا أنه تحتوي على العديد من المنكرات مثل اختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدِرات وغير ذلك من الشرور، وهذا أيضاً هو شرك أكبر (أي أن فاعله مخلّد في النار، كما أسبقنا ونقلنا من مطوية أخرى).
حتى في زخم حملة التضامن ضد الإرهاب، لم تستطع الحكومة أو لم ترغب الحكومة في التظاهر بالمساهمة الفعلية ولو على مستوى بسيط، لمعاقبة دُعاة التطرف، فلم نسمع إلى الآن بأن قامت الحكومة بمعاقبة أيٍ من المتطرفين، وأخص بالذكر ما نشرته شبكة راصد (7) حول المحاضر الذي تهجم على الشيعة في كلية المعلمين بالدمام، بدل أن تكون المحاضرة عن مكافحة الغلو والتطرف. وما ذكرته الكاتبة بدرية البشر في مقالها بعنوان: مدرس ابني إرهابي (8)، الذي ساهم في تفجير مبنى وزارة الداخلية، إلاّ دليلاً تلو الآخر بأن الحكومة لم تردع دعاة الإرهاب الذين ينتشرون في مدارسنا، يقومون بغسيل مخ لأطفالنا من الأولاد والبنات ولا زالوا. هذا طالب مشارك في الحملة الوطنية ضد الإرهاب، وقف أمام الطلاب في الإذاعة المدرسية يلقي خطاباً كتبه له معلم مادة الدين قائلا، بأن الغرب يريد تدمير هذا الوطن لأنه منبع الإسلام وملاذ المؤمنين بعد الله!

(1) أشدّ الناس عداوة للمؤمنين – وجوب عداوة اليهود والمشركين وغيرهم من الكفار –– نشرة رقم 9 - سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز "مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء رحمه الله". توزيع دار ابن الأثير، هاتف: 4285390/2672558، ص.ب. 64377، الرياض 11356.
(2) فتاوى – حقوق النسخ لكل مسلم – 1000 نسخة بـ 50 ريال، للاستفسار 055498495
(3) احذر احذري: لا تكن إمّعة – مات وأشقى غيره – توزيع المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالربوة، ص.ب. 29465، الرياض 11457، هاتف: 44549000 – 4916065، ناسوخ:4970126، بريد الكتروني: [email protected].
(4) هُمُ العَدُوُّ فَاحذَرهُم: الشيعة الرافضة: جزى الله خيراً من نشرها وأعان على نشرها.
(5) الدروس المهمة لعامة الأمة: لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله – سلسلة مطبوعات المكتب (6)، إصدار المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات في حوطة سدير – تحت إشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – مطبعة دار طيبة – الرياض – تلفون: 4283840
(6) التحذير من البدع: لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، إصدار الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – السلسلة رقم 46 – رقم الإيداع: 2335/17 – ردمك: 1 – 059 – 11 – 9960 - مطابع الحميضي هاتف: 4581000، الرياض.
(7) الدمام: محاضر يتهجم على الشيعة في كلية المعلمين – شبكة راصد الإخبارية – 28 فبراير 2005 م.
(8) مدرس ابني إرهابي: بدرية البشر – صحيفة الرياض – 24 فبراير 2005 م.

#فايز_شاهين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات