|
القذافي حيّا !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 3852 - 2012 / 9 / 16 - 14:44
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
القذافي حيّا ! سهر العامري لم تكن النتيجة التي تمخضت عنها الانتخابات الأخيرة في ليبيا مفاجئة بالنسبة لي ، وذلك بسبب من أنني أعرف مقدار الكم الهائل من الوسائل التربوية المختلفة التي كانت تحض على معاداة أمريكا ، والغرب بشكل عام ، تلك الوسائل التي حرص معمر القذافي على أن يتبناها طوال عقود من حكمه ، فعلى سبيل المثال لا الحصر درّست أنا كتابا ذا مضمون فلسفي لطالبات ليبيات في معهد عال ٍللمدرسات لا يبتعد كثيرا عن كتاب فلسفي ينحو منحى ماركسيا درسّته أنا كذلك لطلاب السنة المنتهية من المرحلة الثانوية في جمهورية اليمن الديمقراطية وقتها ، ولازلت أذكر ذاك الصباح الذي جاءني به طلاب الصف المنتهي من إحدى الثانويات في الجزائر حين كنت أعمل مدرسا هناك ، جاءوا لي متسائلين : كيف اتفقت أنت والأستاذ الفرنسي ، الذي يدرسنا باللغة الفرنسية ، بالطروحات الفلسفية التي تتناول بعضا من جوانب الحياة والطبيعة والكون ؟ من السؤال المذكور عرفت ، ومن دون سابق معرفة بالأستاذ الفرنسي ، أنه ماركسي الهوى مثلي ، وعلى هذا يمكنني القول : إن أجيالا ليبية تربت على ثقافة هذا العصر تبتعد كثيرا عن الثقافة السالفة التي تنادي بها الجماعات الإسلامية المعتدلة منها ، مثلما تريد تلك الدوائر الغربية ، والسلفية مثلما لا تريد ذاك تلك الدوائر . ومن هنا جاءت نتيجة الانتخابات في ليبيا على عكس ما جاءت به تلك الانتخابات في كل من تونس ومصر رغم أن المجتمع المصري والمجتمع التونسي أكثر درجة في تطوره المادي ، ففوز الحركة الليبرالية في انتخابات ليبيا مرده لتلك الثقافة التي هي حصيلة أعوام من التربية المدرسية ، ومن وسائل الإعلام المختلفة التي عرفتها الحقبة القذافية والتي مهدت لفوز تلك الحركة ، وعلى العكس من الحملة الإيمانية في عهد صدام التي مهدت لفوز الحركة الدينية المعتدلة بالمقياس الأمريكي. ذاك وجه ، والوجه الآخر الذي يظهر للقذافي هنا هو الهجوم الذي شُن على القنصلية الليبية في بنغازي ، والذي أدى الى مقتل السفير الأمريكي وعدد من طاقم تلك القنصلية ، فالهجوم ذاك انطلقت رصاصاته من أيادي تربية معاداة أمريكا على زمن القذافي قبل أن تنطلق من أيادي المهاجمين ، ويمكن للسيدة هيلاري كلينتون أن تزيل حيرتها التي تجسدت في تساؤلها : كيف يمكن لشعب ساعدناه في التخلص من الدكتاتورية أن يقوم بمهاجمة سفارتنا ؟ من خلال تقريّها لأسباب تلك الحادثة عن كثب . ورب قائل يقول : إن أمريكا هي التي عملت على إقصاء الحركة الدينية الليبية عن الفوز في تلك الانتخابات لصالح الحركة الليبرالية الليبية ! ومع ذلك يظل وجه القذافي مطلا بسنواته الأربعين التي أمضى الكثير منها في حرب مع المتلبسين بالدين من الليبيين الذين تنكرت لهم أمريكا اليوم بعد أن كانوا أصدقاء حميمين لها ، فهي تبحث اليوم عن متدينين معتدلين يسيرون الحكم في بلدانهم مثلما تريد هي ، ويحافظون على مصالحها مثلما يحافظون على سفارتها بما تضمه من سجلات لعملائها ، وكذلك لعقود شركاتها النفطية ، فأكثر ما أغاظ الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته هو استيلاء المهاجمين الليبيين على سجلات عملاء دائرة المخابرات الأمريكية من الليبيين وعلى عقود الشركات النفطية الأمريكية ، تلك السجلات والعقود التي حملها المهاجمون معهم. ومثلما لم ترد أمريكا وصول المتدينين المتطرفين في ليبيا أرادت كذلك عدم وصولهم في مصر ، ولهذا حرصت على أن يستلم الاخوان المسلمون الحكم فيها بدلا من الحركة السلفية ، فالإخوان المسلمون تاريخيا هم صناعة أمريكية الى هذا الحد أو ذاك ، وهم في ذلك يشاطرون أخوانا لهم في بقية البلدان العربية والإسلامية ، فهم الآن من وجهة النظر الأمريكية يمثلون حركة دينية معتدلة شأنهم في ذلك شأن حزب الدعوة الحاكم في العراق ، فهو بالنسبة لأمريكا يمثل حركة اعتدال إذا ما قيس بالتيار الصدري مثلا. صفق الأمريكان طويلا للتيار القومي العربي طويلا منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها ، ولكنهم جدوا في السنوات الأخيرة ، وخاصة بعد حربهم الجهادية في أفغانستان ، أن القوميين العرب يلفظون أنفاسهم ، وما عليهم إلا التوجه الى أخدانهم القدماء من بين المتدينين ، وحلفائهم في النضال ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتي ، لكن بعد زوال الاتحاد السوفيتي ، وخفوت الشيوعية لم تحتج الدوائر الأمبريالية في أمريكا الى مقاتلين متدينين أشداء مثلما هي الحال مع جنودهم السابقين في منظمة القاعدة ، فتوجهوا صوب حركات دينية نشأت تحت رعايتهم ، استلمت الحكم في بلدانها تحت الشعار الأمريكي : الاعتدال ، وهذا ما ثار حفيظة المتدينين السلفيين الذين قادوا حملة الهجوم على السفارات الأمريكية في مصر ، وتونس ، واليمن ، والسودان ، وفي بلدان غير عربية أخرى ، ولكن الشرارة الأولى انطلقت من ليبيا للعوامل التي ذكرتها من قبل.
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وما أدراك ما لندن ! (4 )
-
وما أدراك ما لندن ! (3 )
-
وما أدراك ما لندن ! (2 )
-
وما أدراك ما لندن ( 1 ) !
-
الطبقات والصراع الطبقي
-
حال المرأة بعد الثورات العربية !
-
برافو
-
حديث ليبيا ( 5 )
-
حديث ليبيا (4)
-
حديث ليبيا (3)
-
حديث ليبيا ( 2 )
-
حديث ليبيا (1)
-
الأسماء المكروهة !
-
الغرفة رقم 400
-
مقابر تتسع باطراد !
-
البلاد العظيمة (5)
-
البلاد العظيمة (4)
-
البلاد العظيمة ( 3 )
-
البلاد العظيمة ( 2 )
-
البلاد العظيمة ( 1 )
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|