|
ملك الضيم يتحدى الارهاب /الشاعر العراقي موفق محمد وملحمة جديدة (فتاوي للإيجار)
طارق حرب
الحوار المتمدن-العدد: 1121 - 2005 / 2 / 26 - 12:35
المحور:
الادب والفن
من رأى منكم عراقيا فليذبحه بيده فإن لم يستطع فبمدفع هاون وان لم يستطع فبسيارة مفخخة وذلك اضعف الايمان رواه القرضاوي وهو يكرع دماء العراقيين ويتمزز منتشيا اكبادهم ففيها كما يزعم لذة للشاربين
بهذه اللوحة المرعبة يستهل الشاعر العراقي المبدع عبديئيل الحلة موفق محمد قصيدته (فتاوي للإيجار) , هذا الشاعر الستيني المتفيأ بظلال بابل الفيحاء(باب الإله بالتعبير السومري) . بهذه اللافتة الملتهبة يقود موفق محمد مظاهرته السلمية ضد ازلام النظام المقبور وصعاليك الاطارات السوداء وشيوخهم الذين يفتون بالنيابة عنهم. انها ترسم لوحة حقيقية لمجمل الواقع العربي عموما والواقع العراقي على وجه الخصوص , الذي يخوض ابنائه بدماء شهداء المذابح الجماعية فكأنهم لم تكفهم المقابر الجماعية فأفتوا بذبحنا :
فمن كان مريضا او على سفر فقتل عشرة عراقيين ذبحا فإن لم تجدوا سيفا فتيمموا طبرا طيبا وبشِّر الفضائيات (منو بيكم سيد؟) فقال شيخ ،انا فسحلوه وذبحوه وتوضأوا بدمه وصلوا الضحى ورتل سيافهم الذي يولج السيف بالرقبة ويولج الرقبة بالسيف وهو على كل ذبح قدير اصلي فما ادري اذا ما ذبحته أأثنين صليت الضحى ام ثمانيا
في هذه الملحمة الشعرية استلهم الشاعر ما استحضره من موروث الادب العربي والديني ـ المقدس والاجتماعي وكذلك الموروث الشعبي المخزون في الذاكرة الجمعية للمجتمع العراقي والعربي ورمي الحجر في المياه الساكنة ، لذلك فقد استنفر كل طاقاته الابداعية وكل عذاباته ليكتب تاريخ العراق الجديد من منظور عبديئيل العراقي مستخدما حبر القلب المكسور المُتْعَب والمنهك من مجمرةٍ احرقت الاخضر واليابس ‘ لكنه خرج منها كطائر العنقاء يتحدى فياضانات الدماء بالكلمة الصادقة التي تعيد تشكيل الواقع ليراه حتى الاعمى :
وما ذبحناهم ولكن كانوا انفسهم يذبحون قالها مفت من اليمن السعيد وقد سكنا مقابرهم ايام هبل وهو يخَّزِنَ القات في قيلولة يقلب فيها خصيتيه ذات اليمين وذات الشمال وما من معين فيدعو الى حملة للتبرع بالخناجر اليمنية المعقوفة ليقدمها لاهثة الى الملثمين واعدا المتبرعين بالجنة وبدنان من الدم العراقي تسكر الكافر قبل المؤمن ونصبر ان العراق عراقنا
لقد قالها يوما الناقدالراحل عبد الجبار عباس يصف فيه شاعرنا بأنه ( ملك الضيم). انه الشهيد الحي على جرائم الطغاة .لقد حاولوا ان يجردوه من كل شئ حي , حاولوا ان يجردوه من العمل والشعر ومن اعز مخلوق لديه ابنه , لكنه كأي عراقي نقي أبى إلا ان يؤرخ كل مخازيهم وبطولاتهم الدونكيشوتية سرا مؤمنا : ان العراق حي لا يموت فهذه القصيدة الملحمة هي عبارة عن ديوان كامل على شكل قصيدة واحدة متعددة الاصوات , انها نشيدنا الشامل في هذه المرحلة ,انها بانوراما مأساة عراقنا الحديث. تستند القصيدة ــ الديوان على مرتكزين اساسيين :اولهما: فتاوي شيخ الارهاب القرضاوي الذي حرض الرجال والنساء للجهاد وذبح العراقيين من خلال قناته الاعلامية التحريضية (الجزيرة). علما بأن اغلب من قبض عليهم هم من الذين دخلوا من بوابة العراق الباسمة ولم يعرضوهم على شاشة التلفزيون كانوا يعزون سبب ذبحهم للعراقيين لفتاوي هذا الارهابي الذي يريد ان يشوه ولا يزال يشوه روح الاسلام التي تحرم قتل وليس ذبح النفس البريئة.والمرتكز الثاني : هو هذا المخزون الهائل من الموروث المقدس من الاحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية وتراثنا الادبي المتنوع والغني بالمدلولات الشعبية فمثلا: اذا انت لم تذبح ولم تدر ما الدما تبرأ منك الله ان كنت مسلما وهي اشارة واضحة الى الاغنية الشعبية المخزونة في ذهنية عبديئيل العراقي : اذا انت لم تعشق ولم تدر ما الهوى فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا (اغنية زهور حسين) حتى انه يستلهم بعض المقولات الفلسفية متماهيا اياها مع الاحاديث النبوية: انت تذبح اذن انت موجود فالدين الذبح وهي اشارة الى الكوجيتو الديكارتي (انا افكر اذن انا موجود) والحديث النبوي (الدين معاملة). فمن يقتل عراقيا خيرا يرَ ومن لا يقتل عراقيا شرا يرَ اشارة للآية الكريمة (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يرَ ومن يعمل مثقال ذرة شرا يرَ). فماذا يعمل عبديئيل (وهو الاسم السومري ل(عبد الله) رمز للفرد العراقي البسيط المغلوب على امره وهو يذبح يوميا تحت الراية السوداء المزيفة؟ انه الصبر والتمسك بوحدة العراق .لنعيد قراءة القصيدة الملحمة من جديد لنرى كم كان صبر العراقيين عظيما: ـــ ونصبر ان البلاد بلادنا ـــ ونصبر ان النزيف نزيفنا ــ ونصبر ان العراق عراقنا ــ ونصبر ان الرقاب رقابنا ــ ونصبر ان العراق ابو المصائب منذ بدء الخلق ــ ونصبر ونبقى نضمد جرح العراق الله ما اعرق صبر العراقيين. فمن هو عبديئيل باب الاله (موفق محمد)؟ ــ انه اخر سلالة شعراء الستينيات ولد عام النكبة 1948 في بابل الفيحاء ونشر اولى احاسيسه في مجلة الكلمة في بغداد وظل ينزف شعرا الى ان غطت سماء العراق غيمة سوداء فطوى ملاحمه وخبأها سرا واخذ يبيع الشاي ممزوجا ببيت من الشعر للتحلية. ارتبط بأكثر الناس فقرا وصدقا , ارتبط بالنداف والحلاق والطبيب والمعلم وهو نفسه كان معلما ولكن كان راتبه لا يكفي لسد رمقه فاضطر لبيع الشاي فترة من الزمن . لم يتسنم أي منصب ولم يؤجر قلمه لاي وغد ولم يُطبع له أي ديوان سوى ديوان يتيم ارسله الى اخيه في السويد الفنان المسرحي المبدع وعضوفرقة المسرح الفني الحديث (رياض محمد) , فطبعه على نفقة اخيه وهو الموسوم ب(عبديئيل) ,حيث جمع فيه موفق عصارة 35 عاما من الحصار النفسي .فكل كلمة كتبها فيه معجونة بدم القلب المكسور .لقد دُفِنَ ابنه طالب في كلية الهندسة سنة ثالثة وهو حي في المقابر الجماعية وكان الاب يسمع في الليالي السود صوت تكسر عظام ابنه تحت (الشفل) ولم يعُثَر على قبره الى الان .حتى ان زوجته (ام الشهيد) اصيبت بمرض نفسي جراء ذلك.لذا اطلق عليه الراحل الناقد عبد الجبار عباس لقب (ملك الضيم). ــ هذا الانسان قد تسامى على الآمه فأستلهمها على شكل قصائد وملاحم لانها جزء من ألآم كثير من العراقيين . فكتب القصيدة النثرية والعمودية والشعر الشعبي وحتى الاغنية الشعبية. فهو شاعر متعدد المواهب لايفرض شكلا معينا على ابداعه ولكن الحالة والموقف المعين هما اللذان يفرضان عليه الشكل الفني الذي يكتب به.فمثلا حين دُفِنَ ابنه وهو حي كتب القصيدة الشعبية لانه حلم بها كابوسا وكتبها كما حلم بها لم يغير منها حرفا واحدا ومطلعها: ميت انا ولاخط يجي عن موتك سودة واحسك ياولدي حرموك من تابوتك مشجولة ذمته المرمرك لا تبري ذمته امروتك ما ناح طير على الشجر إلا على نغمة صوتك حيل ادلهمت يا نبع ﮔلبي وﮔمرنه مدَّمه ابموس الخناجر تاكل ابلحمك تفطر النجمه عمية وتدور ارويحتي ابيا بير ادوّر يمه وما ظن بعد تطلع شمس وتزول هاي الغمه وفرﮔاك فت امرارتي وضاﮔت عليَّ الﭽلمه لا ﮔبر واتهدل اله والهم اترابه واسأله الﮕلب صاير كربلا ولاخط يجي عن موتك
لقد كتب موفق محمد هذه القصيدة بلسان الام المفجوعة بولدها. وقد اشتهرت في بابل الفيحاء اغنية كتب كلماتها الاستاذ الشاعر موفق محمد وهي تتحدث عن استاذ في اللغة الانكليزية في مدارس الحلة اسمه حسن عمران وقد ضاقت به السبل بعد ان رفض ان ينتمي الى حزب صدام فبقي عاطلا عن العمل ,لكنه فكر ان يسافر الى اليمن ولم تتكلل مساعيه بالنجاح فكتب موفق هذه الاغنية :
اشما يدور الزمن وتعيث بينه المحن لا تيأسن يا حسن كل ماسة واله مِسَنْ البينه لو بالصخر صاح اخ من القهر الﮕلب ﮔصه الطبر وبنياطه خاط الﭼفن لاتيأسن يا حسن ما صارت ولا جرت يا ريت عيني عمت ما انصفت من صفت ايدور خبز باليمن لا تيأسن يا حسن
بقلم : طارق حرب / السويد /مالمو 24/02/2005 [email protected]
على الاخوة القراء اذا اردتم ان تقرأوا قصيدة (فتاوي لللايجار) كاملة فأنكم تستطيعون ان تجدوها على هذا الموقع: http://www.almadapaper.com/sub/01-289/11.pdf
#طارق_حرب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ام الشهداء وهلهولة امام مقر الاقتراع
-
طائر بلا رأس
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|