علي شفيق الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 3851 - 2012 / 9 / 15 - 12:19
المحور:
حقوق الانسان
الإنذار بالقتال قبل الحرب سبقت به حضارتنا القوانين المعاصرة
د. علي شفيق الصالح
النبذ وإعلان الحرب قبل القتال من أعلى درجات الإنصاف، ومن سمات حضارتنا, لم يعرفها العالم إلا حديثاً وقَصر أهلُ زماننا عنها مع ما عندهم من حقوق الدُّول وقواعد الحرب ومحَاكم العدل.
وتُعَدُّ قضية فتح سمرقند دليلاً على المبادئ المتمدِّنة والإنسانية في الحروب والقتال لدى الخلفاء العادلين وتأخَّر القانون الدوليُّ المعاصر كثيرًا في الأخذ بها.
، فلمَّا استُخْلِف الخليفة عُمر بن عبدالعزيز وفَد عليه قوم من أهل "سمرقند" (الَّتي هي حاليًّا ثاني مُدن جمهورية أوزبكستان)، ورفعوا إليه شكوى تفيد أنَّ القائد المعروف قُتَيبة بن مُسْلم (الذي قاد الفُتوحات الإسلاميَّة في بلاد آسيا الوُسْطى)، قد دخل مدينتهم، وأَسكنَها المُسلمين على غَدْر دون أن يُنذِرَهم ويُمهلهم؛ لينظروا في الأمر كعادة المسلمين في القتال.
فكتب الخليفة عُمر إلى والي المدينة يَأْمره بأن يُنَصِّب لهم قاضيًا؛ لينظر فيما ذكَروا، فإن قضى بإخراج المسلمين أُخرجوا، وقال الخليفة: إنَّ نبيَّنا ما أمرَنا بالظُّلم ولا أجازه لنا، وإن الله أوجب علينا العدل.
وتم نصب القاضي جُمَيح بن حاضر الباجيِّ، فحَكَم بإخراج جيش المسلمين كلِّه، على أن يُنابذوهم على سواء؛ أيْ: يُنْذِروهم قبل القتال، وذَكر في حُكمه: "لقد خرَجْنا مُجاهدين في سبيل الله، وما خرجنا فاتحين أشَرًا وبطرًا".
ولما أراد المسلمون الخروج رفَض أهل سمرقند ذلك، فقد أعجبوا بأخلاقهم وعدالة حُكَّامهم وقُضاتهم، وقالوا: بل نرضى بما كان، ولا نجدِّد حربًا مع هؤلاء القوم، آمنونا وآمنَّاهم.
كان المسلمون يدعون الناس ويُنذِرونهم قبل القتال على ألسِنَة الرُّسل وبواسطة الكتُب، ويسمُّونه "النبذ", وهو ما يسمُّونه في أيَّامنا "إعلان الحرب"، الذي لا يُعَدُّ القتال جائزًا بدونه حسب قواعد القانون الدَّولي المعاصر.
وهذا تطبيق لقوله تعالى : { وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء } (الانفال 58), يقول تعالى ذكره : وإما تخافن من عدو لك بينك وبينه عهد أن ينكث عهده ويغدر بك , يقول : فناجزهم بالحرب , أي أعلمهم قبل حربك إياهم ; حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب , فيأخذوا للحرب آلتها , وتبرأ من الغدر .
لقد تأخَّر القانون الدوليُّ المعاصر كثيرًا في الأخذ بضوابط الحروب الموجودة في حضارتنا قبل أربعة عشر قرنًا، حيث لم يبدأ إلاَّ في القرن التاسع عشر الأخذُ بهذه الضوابط بعد أن ذاقَتِ البشريَّةُ مرارة الحروب، قُتل فيها الملايين، وارتُكِبَت العديد من الاعتداءات الظالمة، ولم تتوقَّف حتى بعد إقرار القانون الدَّولي المعاصر حديثاً مبدأ "إعلان الحرب".
#علي_شفيق_الصالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟