|
تزاوج ثقافة الحقد الإسلامي مع ثقافة العنف الامريكي
مالوم ابو رغيف
الحوار المتمدن-العدد: 3850 - 2012 / 9 / 14 - 01:34
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الأمر لم يعد مجرد احتجاج ضد عرض فيلم مسيء، بل تعداه إلى أعمال إجرامية ، قتل وتخريب وحرق وسرق ممتلكات. ابتعدت الأحداث عن طبيعتها الاحتجاجية وأصبحت هيجان خارج عن سيطرة العقل والتفكير السليم. ربما لو حدثت ضد غيرهم لنعتها الأمريكيون بالفوضى الخلاقة، مثلما وصفوها، وهم المشهورون بمكاييلهم المتعددة، عندما سئلوا عن حدوثها واستمرارها في العراق بانها نوع من أنواع الفوضى الخلاقة. لم تعد اليوم بالنسبة لهم فوضى خلاقة، فلقت شملتهم بإبداعها الهمجي وطالت سفاراتهم في ليبيا وفي مصر وفي اليمن وتنذر أعمال الشغب والفوضى هذه إن تكبر نوعا وكما وزخما.
إن ما نشاهده اليوم هو حالة من الانفصام الشيزوفريني عند الناس، فهم يثورون على البلطجة وشغب الحكام ويمارسون الشغب وأعمال البلطجة بأنفسهم ، يحتجون ضد ان يكون النبي محمد موضوعا للهزل، لكنهم لا يكفون عن الهزل والتمسخر من وعلى الطوائف الدينية الأخرى الى درجة الإسفاف. يدعون الى الديمقراطية والحرية ولا يحترمون طرق ووسائل التعبير عنها، إذ ان العنف لم يكن يوما شكلا من أشكال التعبير الديمقراطي ولا وسيلة احتجاجية ولا اختيارا شعبيا.
الواقع هو ايضا منفصل شيزوفرينيا، إذ ان قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وتنظيماته لا تنسجم مع توجهات الأحزاب الإسلامية لإنشاء المجتمعات الدينية التي تسعى ان تكون مصالح الدين وغاياته فوق مصالح الشعب والوطن وحقوق الانسان.
لم يخرج حزب او تنظيم ديني متظاهرا للمطالبة بالديمقراطية والحرية، لقد شاهدنهم يخرجون رافعين القرآن على رؤوسهم منادين بانه دستورهم الوحيد، صائحين مرددين لا اله الا الله محمد رسول الله مفردين سبابتهم للإشارة الى ان الله واحد ،وهو اتهام وتكفير مبطن لطوائف واديان ينعتونها بالشرك! فهل يمكن ان نندهش عندما يخرج الإسلاميون او الذين يأخذهم زخم الاندفاع العدائي، بهذا الشكل الأهوج.؟ الذي يدعو الى التساؤل ويثير الدهشة هو ان الأمريكيين الذين يتشدقون بالديمقراطية وحقوق الإنسان يتعاونون ويهبون كراسي السلطة لأعداء الديمقراطية ومناوئيها؟! الا يعني هذا بان الأمريكيين والغربيون مصابون ايضا بنفس الداء، داء الشيزوفرينيا، مثلهم مثل أغبياء العرب اللبراليين بـتأيدهم للمجاميع الإسلامية المسلحة في سوريا، الذين يشعرون بالصدمة فقط عندما تسقط الفاس الوهابية على رؤؤسهم البليدة.؟ ما يلفت النظر هو موقف حكام السعودية وقطر من الأحداث، فهؤلاء اوعزوا الى رجال دينهم الكبار ان لا يرتكبوا حماقة الدعوى الى الاحتجاج والتظاهر، انما الاكتفاء بإظهار علامات عدم الرضا، فهؤلاء المشايخ الوهابية، وان كانوا السباقين الى لعن وتكفير من خالفهم الرأي ومن لم يمشي في دروبهم المعبدة بالأحقاد والبغض، فانهم اليوم من دعاة التريث والتهدئة، ليس رجوع للعقل، فهموا من جنس عديمي العقول، انما خوفا من انتقال موجة الاحتجاجات الى قعر دارهم وخروجها عن سيطرة قوات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي لا تعرف غير لغة الرصاص ولغة السياط!
الدول العربية تمر بفترة صراع محتدم بين قوى التحضر والمدنية وبين قوى التدين والظلام. فاذا كان الأمريكيون يدعمون التوجهات الديمقراطية والمدنية، فلماذا هذا التعاون الكبير مع الحكومات الدينية ومع عصابات السلف والخلف من وهابية واخونجية وشراذم التطرف الاخرى.؟ السيدة كلنتون تستغرب هيجان الجماعات الليبية وهمجية جريمة قتل السفير وثلاثة موظفين، فهي تقول بان الأمريكيين قد ساهموا وساعدوا بإسقاط القذافي، بل لولاهم، والكلام لي، لما سقط العقيد مقتولا بعمل جنسي فاحش يدل على السقوط الأخلاقي والتدني الحضاري لطبيعة المجاميع التي تعاونت مع الناتو لاسقاط حكم دكتاتوري مستبد. هل يفهم احد استغراب السيدة كلينتون الأبله هذا.؟ أليس الأمريكيون من أسس ومول وجند وعبأ الوهابيين العرب ونظموهم في منظمة القاعدة بمساعدة السعودية ودويلات الخليج واستخدموهم في محاربة القوات السوفيتية المتواجدة في افغانستان آنذاك. لماذا لم يبدِ أي مسئول أمريكي دهشته عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر مثلما تبدي السيدة كلينتون دهشتها الآن؟ لماذا استغراب السيدة كلينتون الساذج هذا!! هي لا تجهل بان شهر العسل لن يدوم طويلا مع الإسلاميين، وان لقاء المصالح هذا لن يستمر لتناقضها الفكري، وسينقلب احدهم على الآخر، اليوم او غدا وما هذه التظاهرات الغاضبة الى نذائر لمستقبل اظلم.
دعونا نتذكر فقط أجواء الستينات والسبعينات عندما لم يكن للأمريكان ولا للغربيين السيطرة على مقدرات الشعوب، لقد كانت كلمة الحرية والتحرر والثقافة والفنون والمسرح والسينما والتقدم والتطور والإخاء والسلام والتضامن والمحبة والازدهار هي المصطلحات والأفكار الرائجة. لقد انتشرت الثقافة وتوسعت معارف ومدارك الشعوب سياسيا واقتصاديا ومعرفيا وعلميا،واندفعت روح التحدي الشبابي الى الأمام متغلبة على عادات وتقاليد العفن الديني والعشائري البغيض في جميع المجالات ومن اولها مساواة المرأة مع الرجل. كان ذلك في عهد انتشار الأفكار الاشتراكية. اليوم، وفي ظل سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الرأسمالي على أسواق الثقافة والرأي والسياسة، انتشرت الأفكار الظلامية وانقسمت المجتمعات على نفسها طوائفا وأشياعا، واندحرت المرأة واغتصبت حقوقها، وقفلت دور المسرح والسينما او قل روادها وأسيء للفنانين والفنانات، وأصبح مبتغى الشباب ان يكونوا استشهاديين وتفضيل الموت انتحارا لممارسة الجنس طويل الشبق في الجنة، الحرية أصبحت كلمة ممجوجة لا تذكر الى بقرينة التحذير من عدم الاساءة للآخرين وكان الناس أطفال في مدارس الإسلاميين الرعناء. فقدت الثقافة تنوعها وتعددها وأصبحت وحيدة الجانب، إسلامية سلفية. غابت اسماء كبار المبدعين والكتاب والمفكرين المشهورين بينما لمعت وانتشرت اسماء شيوخ أغبياء مثل القرضاوي والعريفي والحويني وحسان والبوطي. ان ما نراه اليوم من احتجاج عنفي وأعمال اقترنت بجرائم القتل، هو نتاج لثقافة تعاون الغرب والإدارة الأمريكية مع الأحزاب الإسلامية التي عودت جماهيرها على الحقد والبغض حتى لو كان ضد نفسها. ان ما نراه اليوم هو احد مظاهر تزاوج التثقيف الإسلامي المشبع بالكراهية والحقد وبين ثقافة العنف العسكرية التي تنشرها القوات الأمريكية أينما ذهبت.
#مالوم_ابو_رغيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تفضيل إنجاب الذكور وحقوق المرأة
-
هل لك أن تنتظم في طابور الموت رجاء!
-
الصهيونية وموقف البعض منها
-
الشيعة ومقبرة النجف
-
كوردستان من الفدرالية الى الكونفدرالية
-
رجال الدين والفضائح
-
المساواة في القانون والشريعة الاسلامية
-
إله عربي بقلنسوة وأزلاف طويلة
-
وصايا الله العشرة والاسلام السياسي
-
كلمات الله الضائعة بين جبرائيل وبين محمد
-
سيرة غير عطرة لنبي
-
الايمو والسياسة والدين.
-
اضطهاد المرأة في صدر الاسلام
-
عندما يكون الله معديا
-
من اجل ربيع يساري قادم
-
هل يمكن تعايش الثقافتين العلمانية والاسلامية؟
-
احتجاج جسد عاري
-
الديمقراطية الإسلامية العجيبة في العراق
-
الاسلام والقذافي وصدام
-
الصخب الإعلامي والإسلامي
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|