أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)















المزيد.....


الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3848 - 2012 / 9 / 12 - 09:50
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مدرسة موسكو وصيرورة المركز السياسي ـ الثقافي

لم يكن الاهتمام بالدراسات الشرقية والعربية ـ الإسلامية في جامعة موسكو ومعاهدها منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، معزولا عن تعاظم وفاعلية الدور السياسي لموسكو باعتبارها المركز السياسي للإمبراطورية الروسية الفتية. ومن هنا فان اهتمامها بالشرق والدراسات الشرقية إنما حددته في بادئ الأمر متطلبات السياسة والطموحات العسكرية كما هو الحال بالنسبة لكل "الإمبراطوريات" الأوربية صغيرها وكبيرها. فقد أسال الشرق لعاب الغرب في احدى مراحل تطورهما غير المتكافئ، فوجد الشرق نفسه أمام عاصفة هوجاء من مزاعم الحرية والتقدم أثارت فيما أثارته شهوة الانتقام والسيطرة جنباً إلى جنب مع ضرورة المعرفة وتطبيقها. وقد انطوت هذه الظاهرة على الوحدة الخفية للتناقض المميز للظواهر الثقافية والعلمية، أي كمون العناصر السلبية في ايجابياتها وإبداع العناصر الايجابية في سلبياتها.
فالاهتمام الجدي بالشرق لصالح متطلبات النهب الاقتصادي والسيطرة الثقافية استلزم في الوقت نفسه مهمة امتلاك المعارف العلمية. ومن هنا اصبح إتقان اللغات هو المقدمة التي لابد منها كوسيلة سلمية لقراءة الماضي والتعامل مع الأحياء. إلا أن الاهتمام بالشرق كان أيضا نتيجة طبيعية لاستمرار تعمق الثقافة والتحرر الاجتماعي والفكري الذي بشّر به صعود الكسندر الأول إلى سدة الحكم عام 1801، ومشاريعه وأحلامه الشابة. فبغض النظر عن أن جامعة موسكو تأسست عام 1755، إلا أن الدراسات الشرقية فيها لم تبدأ بصورة جدية إلا في بداية القرن التاسع عشر، وبالأخص على يد عَلَمِها الأكبر أ.ف.بولدريف (1780 — 1842). فقد أنهى أ.ف.بولدريف دراسته العليا في جامعة موسكو وحصل على الماجستير عام 1806. وبفعل تفوقه الواضح جرى ترشيحه للدراسة في ألمانيا، ثم تتلمذ بعدئذ على المستشرق الشهير سلفستر دي ساسي (فرنسا). وحال رجوعه شرع بتدريس اللغات العربية والفارسية والعبرية.أما كتبه التعليمية لتدريس اللغة العربية ( وهو أول من وضع كتاب تدريس اللغة العربية في جامعة موسكو) فقد ظلت محتفظة بقيمتها العلمية والتدريسية على امتداد القرن التاسع عشر. وقد تولى أ.ف.بولدريف أول الأمر كرسي اللغات الشرقية، ثم رئاسة كلية الآداب (عام 1832) ثم عمادة جامعة موسكو (عام 1833) الأمر الذي يعكس الإمكانية الواقعية التي كان يتمتع بها هذا الرجل بوصفه رائد الاستشراق الموسكوفي الأول، ويعكس بالتالي الآفاق الواسعة لإمكانيات تطوير الدراسات الاستشراقية والاستعراب.
غير أن روسيا بنظامها القيصري، عادة ما كانت تقلب "المسار التاريخي" مع كل نزوة فردية تبدر عن قياصرتها الجدد، مما كان يحمل في ثناياه نموذج الوحدة المحيرة للصعود والهبوط، والحرية والقمع، والانفتاح والانغلاق، والانطلاقات والمصادرات. وبقدر ما ينطبق ذلك على الحالة السياسية والاقتصادية، ينطبق جزئياً على حالة العالم الثقافي الروحي. فإذا كان صعود الكسندر الأول قد ترافق مع انفتاح ثقافي وإصلاحات أولية، فان أفول نجوم الحرية بعد صعود نيكولاي الأول وسيادة الظلامية الدينية والاضطهاد الفكري والسياسي منذ ثلاثينيات القرن (التاسع عشر) قد سدد أيضاً للاستشراق والاستعراب ضربة قوية. والقضية هنا لا تكمن فقط في نصرانية نيكولاي الأول المتعصبة واهتماماته الغيبية، بل وفي تلك النزعات الفكرية المعارضة للقيصرية التي أطلق عنانها الروح المتحرر منذ بدايات القرن. فقد كان أ.ف.بولدريف رئيسا لجامعة موسكو وبالتالي عضوا في هيئة الرقابة على المطبوعات.بينما استطاع الفيلسوف الروسي تشادايف أن ينشر في عام 1836 كتابه المعروف بـ (الرسائل الفلسفية)، الذي انتقد فيها الدولة القيصرية وسلطتها، متهما القيصر بالجنون مما أدى إلى اعتقال تشادايف وسجنه. وترافق ذلك أيضا باعتقال أ.ف.بولدريف نفسه وإيداعه السجن لمدة سنة. وترتب على ذلك فصله من منصبه ثم طرده وتجريده حتى من حق التقاعد. وإذا كانت تلك هي مرحلة الديسمبريين والهجوم الراديكالي والديمقراطي ضد السلطة القيصرية، فأنها كانت أيضا مرحلة القمع الشديد. وحالما سقط ضحيتها الأولى في مجال الاستشراق أ.ف.بولدريف، أثارت تلك المرحلة مخاوف لدى كل من كان يرغب في مجرد ذكر اسمه، ناهيك عن مواصلة إبداعاته او حتى احتلال مكانه في قسم اللغات الشرقية وآدابها. لقد اصبح هذا القسم واهتمامه مثار مخاوف السلطة والجمهور. وبذلك يكون قد أطبق الخناق على كل ما كان يبدو في بدايته مثار شهية بالنسبة للسلطة والمثقفين، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى إبعاد "شبح" الاستشراق عن جامعة موسكو وتحوله بالتالي إلى جزء من الاهتمامات الشخصية.
إلا أن ذلك لم يعن اضمحلال اثر جامعة موسكو، ومن ثم تقاليدها العلمية والأكاديمية الناشئة في الوسط العلمي والثقافي. وهنا تجدر الإشارة إلى الدور الذي لعبه معهد لازاريف للدراسات الشرقية. فقد انتقل إليه في أعقاب طرد أ.ف. بولدريف من الجامعة كل من أستاذ اللغة العربية نيكولاي كونوبلوف (ت ـ 1855)، وبافل بيتروف (ت ـ 1875)، الذي كان يعد من اشهر مدرسيّ اللغة العربية والفارسية. وقد كان صديقاً للناقد الروسي الكبير بيلينسكي. وخلفّ إلى جانب ذلك جملة من التلاميذ، لعل من أكثرهم شهرة ن.ى. كورش، وف.ف.ميلر.
لقد أنشأ معهد لازاريف عام 1815 بمساعدة أموال إحدى العائلات الأرمنية الغنية (عائلة لازاريف) القاطنة في موسكو، كمدرسة للطلبة الأرمن. ومنذ البداية جرى تدريس اللغة العربية والفارسية والتركية كمواد إلزامية. وعندما جرى الاعتراف به عام 1842 بصفة معهد اخذ يتغير اتجاهها وظيفته وبالتالي موقعه في عالم الاستشراق والاستعراب الروسي. حيث بدأ الاعتراف بحصول خريجيه على نفس حقوق خريجي الأقسام الشرقية في بطرسبورغ وغيرها من مراكز اللغات الشرقية وآدابها. وفي عام 1871 جرى تجديد وتحديث هذا المعهد فافتتحت فيه عشرة صفوف (ابتدائية ومتوسطة وعليا)، تحولت الأخيرة (ثلاثة صفوف) إلى قاعات مفتوحة للطلاب الراغبين في دراسة اللغات الشرقية. وقد تخرّج من بين جدران هذا المعهد الكثير من الشخصيات اللامعة في الاستشراق الروسي مثل ف.ف.ميلر (1848—1913)، الذي اصبح مديرا للمعهد عام1897، وا.ي.كريمسكي (1871—1941)، وف.أ.غوردليفسكي (1876—1956)، وف.ت.مينورسكي (1877—1966) وأ.أ.سيميونف (1873—1959) وبارانوف (مؤلف القاموس العربي ـ الروسي ومترجم كتابات الجاحظ) وكثير غيرهم. إضافة إلى ذلك تخرّج من هذا المعهد كوكبة من مبدعي الثقافة الروسية مثل الأب الروحي للمسرح الروسي ك.س.ستانيسلافسكي، وأ.ن.سيميونف (الذي أرسى أساس مسرح فاختانكوفا الشهير).
وبهذا اصبح معهد لازاريف احد المراكز الحيوية للدراسات الاستشراقية والعربية والإسلامية في موسكو آنذاك. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن مأثرة هذا المعهد وأحد أسباب نجاحاته اللغوية في تحضير الطلبة تقوم في اعتماده على أساتذة يدرّسون لغاتهم الأم. ومن المناسب هنا الإشارة إلى الدور الذي لعبه مدرس اللغة العربية وآدابها العربي الدمشقي النصراني أ.ج.مرقص(1846—1911) الذي ترأس فيما بعد قسم الآداب العربية. فقد أنهى أ.ج.مرقص دراسته الاستشراقية في بطرسبورغ عام1869. والى جانب تدريس اللغة العربية وآدابها قام بترجمة الكثير من الكتب والرسائل والأشعار، مثل رحلة البطريق ماكاريوس الأنطاكي (في القرن السابع عشر إلى موسكو)، ورسائل الإمام علي بن أبي طالب (من نهج البلاغة) وكذلك معلقة امرئ القيس، إضافة إلى تأليفه الكثير من المقالات العلمية عن الأدب العربي المعاصر له. كما أنجز الكثير من المقالات التي تتحدث عن الشام ومناهضة السيطرة التركية على العالم العربي، أي كل تلك المقالات كانت تدعو إلى تحرر العرب من النير التركي العثماني.
واستطاع المعهد أن ينجز من خلال أساتذته الكبار الكثير من الأعمال التحضيرية الأولية في مجال إعداد الكوادر العلمية والمترجمين إضافة إلى اختيار المؤلفات الضرورية وتسليط الضوء عليها بالنسبة للباحثين المستشرقين والمستعمرين. وهنا تجدر الإشارة على سبيل المثال إلى قيام أ.ن.خولموغوروف (المتخصص بالأدب الفارسي) بترجمة كتاب الفخري (تاريخ الفخري) وكتاب (نصيحة الملوك) لابن طقطقة، فضلاً عن كتابته لأبحاث عديدة حول الكتابة العربية وخطوطها. في حين لعب ،.ى.كورش دوراً كبير في وضع أسس الدراسات العلمية في روسيا وأوربا عن العروض العربية. فقد كان، بإجماع علماء تلك المرحلة، أفضل العارفين بالعروض العربية. وهو أول من درّسها في روسيا وأوربا. كما قام بدراسة مقارنة بين العروض العربية والفارسية. وفي الحصيلة العامة يمكن القول بان معهد لازاريف استطاع في غضون قرن من الزمن (حتى ثورة اكتوبر1917) أن يقوم بدور الفاعل المنشّط في تمتين صرح الاستشراق الروسي. وليس من قبيل الصدفة أن يتحول مبنى هذا المعهد وأساتذته ومكتبته في وقت لاحق إلى (معهد الاستشراق السوفيتي).



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستشراق والاستعراب الروسي (3-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (2- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (1-6)
- منهج الشهرستاني في الموقف من الأديان
- النقد الظاهري للدين النصراني عند ابن حزم
- النقد الظاهري للدين اليهودي عند ابن حزم
- النقد الاشعري للأديان في الثقافة الإسلامية
- النقد المعتزلي للأديان في الثقافة الإسلامية
- التقاليد الإسلامية العامة في نقد الأديان
- نقد الأديان والبحث عن الوحدانية في الثقافة الإسلامية
- فلسفة الإيمان عند الغزالي (2-2)
- فلسفة الإيمان عند الغزالي (1-2)
- منهج الشهرستاني في تقييم وتصنيف الفرق الإسلامية
- المنهج الجدلي لابن حزم في تصنيف وتقييم الفرق الإسلامية
- تصنيف وتقييم البغدادي للفرق والمدارس الإسلامية
- تصنيف وتقييم الفرق الإسلامية عند الاشعري
- الفلسفة والبحث عن الاعتدال العقلي (2-2)
- الفلسفة والبحث عن الاعتدال العقلي (1-2)
- الطائفية السياسية – الأفق المسدود (التجربة العراقية)
- المصير التاريخي للغلو السلفي السياسي في العالم العربي


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ميثم الجنابي - الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)