كريم مرزة الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3847 - 2012 / 9 / 11 - 07:10
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
3 - السرقات الأدبية ما لها وما عليها ...!!
(مع توارد الخواطر)
ملاحظة : نظراً لرأي بعض الأخوة الكرام باستحسان إيراد أمثلة للتوضيح ,سأتسع في هذه الحلقة , وسأبدي رأيي الخاص حول السرقات , أو توارد الخواطر , والموضوع شائك , والأجتهاد لا ريب يخضع للخطأ والصواب.
تركتك في الحلقة الثانية , إذ خشيتُ الملل من القارئ الكريم في عصر تسود فيه السرعة والوسائل الإعلامية المتعددة , واللحظات المليئة بالأحداث , والآن نعود والعود أحمد , ذكرنا في الحلقة السابقة : إنّ نقاد الأدب المعاصرين أسقطوا فكرة سرقات المعاني , وساروا على فكرة التأثر والتأثير بين الأدباء , فقام صرح الأدب المقارن , لذا اهتم ( ت . س. إليوت ت 1965م) (14) بشعر دانتي , واقتبس من (الكوميديا الإلهية عدة مقاطع في قصائده (الأرض الخراب) و (رماد الأربعاء ) (والرابعيات الأربع ) (15) , والسياب سار على سيرة (إليوت) , وتأثر به وبغيره , فتأثر في رموزه الشعرية بكتاب (الغصن الذهبي) الذي كتبه السير جيمس فريزر , ففيه يتعرض الكاتب للأله القديمة كتموز وأودونيس وأوزيريس , و قصيدته الشهيرة ( المومس العمياء) , فيها تأثر واضح بقصيدة شيلي (الملكة ماب ) وموضوع (البغاء ) , وقصيدة (إنشودة المطر) مستوحاة أيضاً من قصيدة شيلي ( إنشودة الريح الغربية) و قصيدة (الأرض الخراب) لإيليوت , ويعترف السياب بكل هذا , و خصوصاً بالشاعرة (ستويل) , يقول " واليوم حين أراجع تأثير الشعراء الآخرين عليَّّ أرى أن أبا تمام وإيدث ستويل أكثرهما تأثيراً، وعندما أراجع إنتاجي الشعري في الفترة الأخيرة خاصة أجد أن أثر هذين الشاعرين واضح جداً، والطريقة التي أكتب فيها شعري الآن هي مزيج من طريقة أبي تمام وايدث ستويل بإدخال عنصر الثقافة معتمداً على الأساطير والتاريخ مصحوبة بالإثارات المثيولوجية في الشعر" (16) , وأكرر حسب المفاهيم الجديدة , وعلى مااعتقد به بقناعة تكاد تكون تامة , هذه ليست سرقات ,بدليل أذا كنت لا تعرف اللغة الأنكليزية , ربما ترمي الكتب بالقمامة , لا من حيث نقص في إبداعها وعبقريتها , بل من حيث جهل قارئها بلغة مبدعيها , وتبقى درّّاً لمن يفهمها بعمق ووجدان ( والدرّ درٌّ بالرغم من جهله) , وإذا تجيد لغتها إجادة تامة , وأنت عربي أصيل ,لا تؤثر بوجدانك كما تتأثر بشعر السياب الرائع أو الجواهري العظيم , ولاتقول لي أفهمها بعقلي وأجيد اللغة , العقل غير الوجدان , واللغة الأصلية غير المكتسبة بعد فترة النمو اللغوي والعقلي عند الفرد عموماً , ولا نتكلم عن الشاذ , ولولاالإطالة لأتينا بشعر السياب , وشعر الشعراء الأنكليز للمقارنة وتوضيح الترجمة الحرفية للمعاني والأفكار , وهو يعترف ولا يبالي , والبياتي مثله في اسبانيته خصوصاً (17) , وهذا لا يقلل مطلقا من عبقرية الشاعر العظيم السياب والبياتي من بعده إبداعا - هكذا أنا أرى - , بل يزيد منها , فالشعر لم يعد انطباعات شخصية , وآهات نفسيةة . ولكن للتشكيل والوزن والبلاغة والنفس العربية أثر حاسم في جودة الشعر , فضع الترجمة في طي النسيان , ولا تقول عنها سرقة , ومن هنا كتبت في مقدمة ديواني الثاني (حصاد أيام وأيام) وجهة نظري حول قول (أدونيس) " ليس لدينا شعر جديد , فالجديد لا ينهض , إلا إذا كانت لنا رؤية مغايرة للرؤية القديمة , وأنا أشكّفي وجود مثل هذه الرؤية " (18) , فأجبته " مع احترامنا لوجهة نظر أدونيس - الرؤية المغايرة لا يمكن أن تحدث على أية حال , لأن المغايرة معناها المبادلة , ولا يمكن الإنسان أن ينفصل عن طبيعته , ويقفز إلى مستو ٍ مغاير ليكون من طبيعة الجن أو الملائكة أو الشياطين , وهو يعترف ضمناًبعقم هذه الرؤية , لأن ما لا يكون لا يمكن أن يكون , وليسمح لي (أدونيس) أن أردد معه هذا المقطع من قصيدته القصيرة (مرآة لوضاح اليمن):
وضاع , هل صحوتَ , هل رأيتْ
حيث انتهى الماضي وما انتهيتْ
......................................
والنهر لا ينامْ
وقاسيون حارسٌ كالدهر لا ينامْ
والنخلة ُ الهدباءُ لا تنامْ
والعشبُ لا ينامْ " !!
نعم ( والعشب لا ينامْ) , إذن أليس من حقنا أن نضيف ما هو أسمىمن العشب حياة ً, وأبدع خلقة ً؟! فنقول : ( والشعر لا ينامْ) , و (الدم لا ينامْ), فالشعر العربي يجري في الدماء كسيل متواصل جارف من امرئ القيس ومن قبله - إن وجد وأميل بقوة بوجوده - وحتى أودنيس ومن بعده (19) , ماذا أريد أن أقول ؟ إنّ تغيير تشكيل الشعر بوزنه - العمودي أو التفعيلي - وقافيته وتفعيلاته وبلاغته يُعتبر تغييراً وانحرافاً غير شرعي للشعر العربي , ولك أنْ تسمي الأمر كما تشاء !! , فلا نريد أن نستبدل تفاح لبنان بالفجل الفرنسي الأبيض , ولا بلح العراق بألياف جزر الواق واق , فلكل شعب ذوقه وأحاسيسه وتراثه ورموزه وبلاغته وإشاراته, إلا أن (النص ) نضعه في محتوى النثر الأدبي المتميز للمبدع المتميز , والشعراء الكبار من مريديه وواضعيه, ممن يسلكون الطريقين بنجاح عال ٍ , قد يُُترجم نتاجهم إلى لغات أخرى , فيعتبر نفوذاً للفكر العربي إلى محيط العقل الإنساني - ولو أنني أشك كثيراً في تمجيدهم ونشر شهرتهم في بلدان الأخرين الأجانب - , إضافة إلى مريديهم والمتعلقين بهم من مثقفي العرب المتميزين اللذين يغربلون الغث عن السمين . ثم لماذا التركيز على الرموز الأجنبية وتشفيراتها في النصوص التي تكتب لعموم الشعب العربي , أليس لدينا رموز عربية وإسلامية ؟ وتاريخنا حافل بهم , ولم نر الشعراء الأجانب ومبدعيهم قد استخدموا في نتاجاتهم رمزاً من تراثنا إلا من باب الأستهزاء والإهانة , مع العلم قد وصل الفكر العربي لأهل الغرب من قبل والعكس صحيح , إذ تتوارد الخواطر , أو وصلت الترجمات واقتبس من اقتبس دون الإشارة للأصل , لتباعد البلدان , وقلة وسائل النقل وبطئها , ومثلها عدم اتساع مساحة الإعلام والاتصالات السلكية واللاسلكية والمذياع الصوتي والمرئي والشبكة العنكبوتية , وأنت أعرف بتعداد أساليبها , ومن قبل ياعزيزي ( من يعرف فطيمة بسوق الغزل !) , المهم أنا لا تهمني الاقتباسات والتناص من اللغات الأخرى إذا صيغ النص بشعر عربي ساحر , أو نثر عربي بارع لعباقرة , فبعد ذلك " وإنّ في الخمر معنى ليس في العنب " , لأنني أعتبرها إبداعات جديدة , ولا بأس من ذكر مصدر الأصل للمقارنة الأدبية , وللإمانة العلمية - وهذا ما فعله السياب مثلاً , ولم تنقص من قيمته الإبداعية - - , والإنسان للإنسان ما لم تسرق الجهود بالصيغة نفسها والمعاني عينها من غير المبدعين الكبار إ, الذين يجعلون منها نصاً أبدع , وعملاً أروع , وشهرة أوسع , وإلا فهي ترجمة حرفية أو بتصرف , يجب ذكر المصدر للمقارنة والتمحيص من قبل المختصين , إذا خرجت عن نطاق الإبداع , وسأذكر الأمثلة لتشابه الأفكار وتوارد الخواطر بين نصوص عربية وغير عربية :
سرقات أم تورد خواطر والعرب مهملون :
فمن توارد الخواطر أنّ قصة ( حي بن يقظان)لابن طفيل (495 هـ - 581 هـ / 1100 - 1185م)الذي ولد قي (وادي آش) يسمى اليوم (20) على مسافة 53 كم من الشمال الشرقي من قرطبة , وتأثر بابن باجة , واشتغل بحضرة ابن يعقوب يوسف بن أبي محمد عبد المؤمن القيسي سلطان الموحدين , وهو الذي أوصل ابن رشد إلى السلطان أبي يعقوب , وتوفي في مراكش , وإن قصتة (حي بن يقظان) , كانت من أوفر الكتب حظاً من التقدير والعناية والتأثر في أوربا في العصر الحديث, ويثبت فيها لقاء المعقول والمنقول حيث حي بن يقظان وصل للهداية بالمعقول و(أبسان) وصل إلى الهداية بالمنقول , وهكذا أن العقل والنقل متفقان , وكذلك أن الدين والفلسفة متفقان , والدين حقٌّ , والحقّّّّ لا يتعدد.
ومن العجيب أن الأب اليسوعي (جرثيان) نشرما بين السنوات ( 1650 - 1653م) كتاباً بعنوان (21) , والنصف الأول منه يشبه تماماً قصة (حي بن يقظان) ,فهل كان ذلك عرضاً واتفاقاً؟!! هذه مستبعدة لشدة التشابه في كليهما , لكن كيف عرف جرثيان بقصة حي بن يقظان , وإن ترجمة (كوك) لم تظهر إلا في سنة (1681م) , وكذلك لم يظهر النص العربي إلا سنة (1681م) ,فكيف عرف جرثيان بالقصة , وهو لم يكن يعرف اللغة العربية؟ !! هذا ما نشرته في كتابي (للعبقرية أسرارها...) (22) , الصادر من دمشق عام (1996) , وقد أوجزته من ( موسوعة تراث الإنسانية) (23) , ووقعت عيني هذة الأيام على كتاب للدكتورة بسمة الدجاني(24) , ولكنهم لم يعلقوا , والسرقة واضحة في فكرتها تماماً , وسردها الدقيق ,لو كان الأمر معكوساً لأتهم العربي المسلم بالسرقة , ولقامت الدنيا وما قعدت , لأهمية الموضوع الإنساني وإبداعه المتناهي , أما كيف وصل الكتاب وتـُرجم , فهنالك ألف طريقة وطريقة , وكان الأجدر بجرثيان أن يوضح الأمر , ولكن لم يكن بعيد النظر لتطور الزمان بهذا الشكل السريع , نعم سرقة واضحة المعالم لا تقبل النقض , ولكن نعود لنقول من قبلُ ( من يعرف فطيمة بسوق الغزل) , تاهت الأمور وبقت السرقة.
وإليك مثال آخر , فهذا أبو العلاء المعري أخذته الهواجس والخيال ليستقلب التاريخ في (رسالة غفرانه) التي تستوحي الفكر الإسلامي , والتراث العربي فيها , وهي مكمنة في لا وعيه , وفي وعيه , ولا أعتقد قد تأثر بإسطورة أخرى لثلاثة أسباب , فقد جاءت الرسالة مباشرة دون تخطيط مسبق , فكان في شغل شاغل عنها , ولم يكن في خاطره , الكتابة عن العالم الأخر لولا رسالة علي بن منصور الحلبي (ابن القارح) , ثم أنه ما كان يجيد اللغات الأخرى إلا لماما , وأفكار رسالته إسلامية عربية بعتة , وتأثر بعصره المتشيع حيث الفاطميين والحمدانيين والبويهيين . إذ خطر ببال المعري أن يقوم بنزهة في دار البقاء , فبعث من قبره ووقف في الخلائق في ساعة الحشر لمدة ستة أشهر حتى نظم قصيدة في مدح علي على منوال ما يحدث في الدنيا , فلم تقبل منه , واستنجد بحمزة سيد الشهداء , فحوله إلى الإمام علي بن أبي طالب , فقال له الإمام : لك إسوة بابناء أبيك آدم , وبعد جهد جهيد وصل إلى النبي (ص), فاستجار به فأجاره , ودخل الجنة فتحادث مع الشعراء والأدباء واللغويين , ثم قصد زيارة الجحيم , ويطلع على أبليس - لعنه الله - مضطرباً في الأغلال والسلاسل ويلتقي ببشار وامرئ القيس ,أما القسم الثاني من رسالة الغفران يتناول المعري المسائل التي وجهها إليه ابن القارحفيجيبه عليها بالتفصيل ’ ويتطرق إلى مواضيع أخرى لم يسأل عنها كالزمان والمكان والتناسخ و القرامطة ومذهب الحلول والذي يجب أن يقال قي هذا الصدد ونؤكد عليه , إن رسالة الغفران لأبي العلاء مستوحاة من ذهنه , وقدحت من قريحته , وبينا الأسباب سابقاً , تدل الرسالة على سعة علمه في جميع أصناف المعارف , ووقف فيها موقف الناقد الساخر .
أمّا دانتي الإيطالي (1265 - 1331) , نظم (الكوميديا الإلهية) وهي مائة نشيد يروي فيها دانتي قصة رؤيا , زار فيها الآ خرة يتصور وجوده في غابة مظلمة موحشة ثم وجد نفسه على سفح تل , وتطلع إلى ضوء الشمس وأراح نفسه , ولكن سرعان ما اعترضت طريقه فهدة مرقشة ( رمز نوايا الحسد), ومرّ بأسد رمز ( الكبرياء والعنف) , وتعترضه ذئبة جائعة رمز (الجشع) , إلى هنا ينطلق من بيئته الإيطالية بجبالها وغاباتها وحيواناتها الضارية , وهي ترمز بسلوكها إلى سلوك عينات من البشر , لم تكن أقل منها وحشية وجشعاً , ويواصل صعود التل ويترائ له شبح الشاعر (فرجيل) (شاعر إيطالي 70 ق م - 19 ق م صاحب الإنياذة) , واستنجد به حتى وصل إلى (جهنم) , ويصل بعدها إلى ( النعيم) , وكانت (بياتريس) حبيبته في الأرض الملاك الجميل التي تزوجت من غيره , وتوفيت (1290 م) هي مرشدته في الجنة بإيعاز من فرجيل .
المستشرق الأسباني المختص بالدراسات العربية المدعو "ميجوبل آسين بلاسيوس"، وكان في شرخ شبابه آنذاك , أكد بإصرار عجيب على علاقة رواية (المعراج الإسلامية) , والعقائد الإسلامية مثل الحشر و النشر والجنة والنار في الكوميديا الإلهية , وتأثر دانتي في ذلك بـ (ابن عربي) , ولكن أكد أسين في نهاية بحثه أنّ هذه العلاقة لا تنقص من عبقرية دانتي , والإيطاليون كانوا منشغلين برؤية نظرية النقد والجمال الفني , فلم يعيروا اهتماماً لبحث أسين وكتابه (فكرة) , ولكن هل كان دانتي يلم بالعربية بحيث يعرف نصوص ابن عربي وأبي العلاء المعري الصعبة , وأسين يجيب ربما عثر دانتي على ترجمات تتناول هذه المفاهيم الإسلامية , حملها معه (برونيتو) , ثم وصل علمان أحدهما أسباني والآخر إيطالي لم يعرف أحدهما الآخر , ثم تعارفا و نشرا خلال هذه السنوات النصين اللاتيني والفرنسي لكتاب إسباني عربي يدور حول فلسفة الحشر العربية الإسلامية. وقد ثبت أن هاتين الترجمتين كانتا معروفتين في إيطاليا في القرن الرابع عشر(25) .
وعلى السريع , ودون تفصيل , ومن أراد التفصيل مراجعة كتابي (للعبقرية أسراها ...) , الفصل المخصص لتوارد الخواطر عند العباقرة , فأبو العلاء الذي يقول :
أمس الذي مرّعلى قربه ***يعجز أهل الأرض عن رده
والشاعر الروماني (ايتزيك مانجر) الذي عاش في القرن العشرين يقول في مطلع قصيدته (انشودة الطاووس الذهبي ) والتي ترجمها د .صفاء خلوصي :" وهكذا طار الطاووس الذهبي ضارباً في الآفاق مشرقاً باحثاً عن أمسه الدابر " , والمقارنة لكاتب هذه السطور .
هنالك فكرة واحدة هدفها أن يعيش الإنسان بسعادة وهناء في مدينته أو دولته , كل مؤلف يكتب ما يرتأيه حسب ييئته وعقيدته وزمنه وثقافته وفلسفته ومدى تشعبه في سبك معلوماته لعلاقة الناس مع بعضهم ومع دولتهم ,وصفات قاداتهم وطبقاتهم , تربط بين (جمهورية أفلاطون) ألفه سنة 360 ق. م. , إذ قسم المجتمع إلى طبقات , ولكل طبقة فضيلتها فللتجار والحرفيين ضبط النفس , وللحراس الشجاعة , للملوك الفلسفة , والعدل يضم الجميع , و(المدينة الفاضلة ) للفارابي محمد بن محمد طرخان (873- 950م) عاصر سيف الدولة الحمداني , وعاش من بعده , وعاصر المتنبي , جامل سيف دولته في مدينته , رغم أنه عاش عيشة الكفاف وكان زاهدا في دنياه , ومن عجيب قفزاته الفكرية طالب بالعدل ومنخ الدرهم والدينار للسكان , بل ألزم الدولة بإلزامية التعليم المجاني لهم ليتمتعوا بالمعارف الضرورية لتعايشهم , وتحقيق إنسانيتهم في الدنيا العاجلة , والآخرة الآجلة (26) .
أمّا الكتاب الثالث (يوتوبيا ) الدولة المثالية أو المكان الذي لا وجود له من تأليف (توماس بور) , وهو من مواليد لندن (7 /2 / 1478م) , وألقي من برج لندن بعد أن حوكم وأزهقت روحه في ( 6 /11/ 1535م) فب عهد الملك هنري الثامن , أنّ الكتاب المذكور (يوتوبيا) , ليصلح الأخطاء الأجتماعية في انكلترا , طالب بفترة العمل ست ساعات , ويريد تحكيم العقل في السياسة في السياسة القومية والعلاقات الدولية , وأشد ما يرعب فيه (مور) محو الذهب , والفضة من الحياة الإقتصادية , وعلى لسان الفيلسوف (روفائيل هيتلوداي) يذكر عدم الرغبة في المال أو السلطان وعدم مصاحبة الملوك لاهتمامهم بالحروب لتوسيع ملكهم (27) , وعارض طلاق هنري الثامن من زوجته كارتين أراغون,وهيمنته على الكنيسة , فحبس وقطع رأسه.
وأبو نؤاس (762 - 813م / 145 هـ - 198 هـ ) الماجن الوجودي الغابث الذي آمن في أواخر حياته:
رضيت لنفسك سؤاتها *** ولم تأل جهداً لمرضاتها
وحسنت أقبح أعمالها*** وصغرت أكبر زلاتـها
وهذي القيامة قد أشرفتْ**تريك مخاوف فزعاتها
وقوله:
أشرب فديتْ علانية***أم التستر زانية
هو الذي يقول :
يا كبير الذنب عفْـــوالله عن ذنبك أكبرْ
ولا أطيل معك وشعر أبي نؤاس مليء بالتناقضات مابين شعره في مدى حياته حتى أواخر حياته بعد إيمانه الصادق , وهذه تنطبق مع الوجودية المؤمنة التي تزعمها الفيلسوف الدنماركي سورين كيركجارد بعد أكثر من ألف عام (1813 - 1855م) حيث يقول " إنّ شعورنا بالخطيئة ليس شيئاً آخر سوى شعورنا العميق بوجودنا , إن الذات تؤكد وجودها بالخطيئة التي تقودنا إلى أعتاب الوجود الديني الصحيح , والرجل الخاطئ والمذنب لابدّ أن يجد نفسه وحيداً وهو لا بد أيضاً من أن يتأمل حريته في صميم تلك تلك الحرية " (28)
نعم أبو نؤاس وصل في آخر حياته بعد تشبعه بالمعاصي والمجون إلى التوبة الصادقة :
من لم يكن لله متهماُ*** لم يمس ِمحتاجاً إلى أحدِ
وهنا أيضاً " (لوثر) يلتقي مع أبي نؤاس في الوقوف مع الله عند الشعور بالخطيئة والإثم ,هو السبيل إلى الإيمان أو الوصول إلى ما يسمى بدواؤر الإيمان العليا, وأنه ينبغي أنْ يمرّبعذاب الضمير , وعذاب الضمير الناجم عن الشعور بالخطيئة هو الذي يحقق ما يسمى بالوجود أمام الله " (29) ,
طال الموضوع ولابد من الإختصار بعد أن تكلمنا عن السرقات والمعارضات ونظرية النقد الحديثة (التأثر والتأثير ) وأهمية التشكيل اللغوي في الإبداع , وأخذنا (السياب ) مثلاً .
سرقة ثالثة لبحوثي !! :
الحمد لله اليوم وقعت عيني على سرقة ثالثة من قبل موقع عرافي إسلامي وصحيفته (بلادي) , ولا أعرف هل هي تجارة أم مباهاة أم ماذا ؟ دون ذكر المصدر ولا اسم كاتب هذه السطور , ولكنها مجرد جزء كبير مستقل من (الحلقة الأولى من مدخل لنشأة النحو العربي - ودور الإمام (ع) في ولادته ) , وليس ثلاث حلقات كما فعل (ستار تايمز ) و (مترجم عربي ) الإيراني , والله العالم ما الآتي , لا أعلم ما كان ضرهم لو ذكروا المصدر , واسم الباحث للتشجيع وغلق باب السرقة , ونحن عمرنا لم نطالي ييدل نقدي والعلم للجميع ,لو كانت فقرة أو عدة أسطر لعضضنا على شفتنا وسكتنا , ولكن عدة بحوث أو حلقة بكاملها , هذا ملا نسكت عليه!!!
1 - نرجع إلى أبي نؤاس (813م) , تتجلى تتوار الخواطر بين قول أبي نؤاس :
دارت على فتية دار الزمان بهم ***فما يصيبهم إلا بما شاءوا
وهذا يشبه قول (غوته - ت 1832 م ) الألماني " الحكمة هي أن يجعل الإنسان ارادته فيما يريد له القدر حتى إذا أصابه بشيءٍ كان كأنما شاء أن يصيبه القدر .." (30) .
ولابن الرومي ( ت 896 م ) ,في هذا القدر أقوال منها :
والناس يلحون الطبيب وإنما ***خطأ الطبيب إصابة الأقدار
فعندما والد الجواهري الشيخ عبد الحسين قاربته المنية استشهد بالبيت السابق , ويقول الجواهري في (ذكرياتي ج1) , بثيت ثلاث سنوات حتى عرفته للعبقري الخالد ابن الرومي , والأخير أيضاً نظمه قبل وفاته .
2 - ويقول الشاعر الألماني (فون أرنت)
Der Gott der Eisen Wachsen Liess
Der Woilte Kelue K nechte
ومعناه " والذي أنبت الحديد من الأرض أبى أن يكون في الأرض عبدُ " , وذكر أبو العلاء قبل ألف عام من قول أرنت :
والله إذ خلق المعادن عالم *** إنّ الحداد البيض منها تصنعُ (31)
ومن يتأمل يرى أن أبا العلاء عمم (المعادن) , ولم يحرر المعادن من العبودية فقط , بل جعلها سيدة مسلطة على رقاب الكائنات !!
3 - وكذلك يقول الشاعر الفرنسي الفريد موسيه (ت 1857م) :
L hommer evirnt toujours
a ses premiers amours
هو نفس ما قاله الشاعر أبو تمام ( ت 843م) , قبل أكثر من ألف عام :
كم منزل في العمر يألفه الفتى *** وحنينه أبداً لأول منزل ِ(32)
4 - وقد جاء في أثار الشاعر الأنكليزي ريتشارد بارنفيلد (1627 م) : صديقك الحق هو الذي يهرع إلى معونتك , إذا ألمت بك شدّة
ريما المعنى مطروق لدى كل الأمم , ولكن كصيغة شعر من شاعر عربي كبير ,فقد قال بشار بن برد (ت 784 م) :
خير إخوانك المشارك في الضرِّ*** وأين الشريك في الضرّ أينا
الذي شهدت سرّك في الحيِّ *** وإذا غبت كــــــان أذناً وعينا
5 - وجاء في بعض آثار الخطيب والسياسي الروماني سيشرون ( ت 43 ق . م .
Birds of afeather flock togather
وتعني الطيور ذوات الريش المتشابهة , يألف بعضها بعضاً, ويقول المثل العربي ( إنّ الطيور على أشكالها تقع) , ويقول المتنبي ( ت 965م) :
وشبه الشيء منجذبٌ إليه *** وأشبهنا بدنيانا الطغامُ (33)
6 - ويقول الشاعر الأنكليزي درايتون (عام 1596م ): كثيرا ما يموت الجبناء :
Gow ardsdie often
وبعده بثلاث سنوات (1599 م), قال شكسبير في مسرحيته ( يوليوس قيصر) :
"الجبناء يموتون عدّة مرات قبل أن يدركهم الموت " :
ويقول المتنبي :
وقد يترك النفس الذي لا تهابه *** ويخترم النفس التي تتهيبُ (34)
و فاعلا (يترك) و (يخترم ) هما ضميران مستتران تقديرهما (هو) يعودان على الموت , وهنالك مثل عربي شائع ( أطلب الموت توهب الحياة ) , ونذكر قول ابن الرومي الرائع :
وإذا أتاك من الأمور مقدرٌ*** وهربت منه فنحوه تتوجهُ
والمسكين بالرغم من معرفته بالأمور أراد أن يهرب من الموت بتملقه للوزير القاسم ابن عبيد الله , ووقع في الفخ فاستضعفه ابن عبيد وأكله , فسمه الوزير بخشتنانة على يد اللغوي ابن فارس (283 هـ / 896م) , معرفتك بالمرض لا يعفيك من الموت به !!765 على حين دعبل الخزاعي كما ذكرت في الحلقة السابقة هجا كبار الخلفاء والوزراء والقادة والولاة , وكان يقول " لي خمسون عاماً أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها ,فلم أجد" وعمر طويلاً حوالي مائة عام من (148 هـ - 246 هـ / 765- 860 م) , وبعد الأنتهاء من حلقتي (علم القوافي الحلقة التاسعة) و (مدخل لنشأة النحو العربي 3 ) ونكتفي , سندخل في موضوع ( دعبل ين علي الخزاعي - الوجه الآخر للشعر العربي ) , ولي كتاب مخطوط كبير عنه درسته من الناحية التاريخية والقبائلية والعقائدية وحياته وبيئته وعصره وموقفه والنواحي البلاغية والنحوية والسخرية والهجاء والمديح والمقارنة مع بقية الشعراء , وثبتت العديد من المقاطع والنتف والأبيات اليتيمة غير الموجودة في دواوينه المطبوعة , فهو دراسة موسعة وديوان , الصعوبة ما سأختاره في عدة حلقات للقارئ الكريم , التوفيق من الله , والأعمار بيده , شكرا لكم وعذراً عن الإطالة . ُ
#كريم_مرزة_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟