أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل















المزيد.....

الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 3845 - 2012 / 9 / 9 - 18:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل (1)
(The well closed Passage to Future)
لم يتوقف التاريخ فيما مضى أمام ممر مغلق كما يتوقف اليوم رغم كل التقدم الهائل الذي حققته البشرية في مختلف حقول الفكر والعلوم في القرن الأخير والتطور الكبير في أدوات الإنتاج، التي هي عجلات قاطرة التاريخ، كما في مصادر الطاقة مثل الطاقة الكهرذرية الهائلة التي لم يحلم بمثلها ماركس أو لينين. هناك من ينكر أن البشرية تواجه اليوم مثل هذا الإغلاق على مسار تطورها وعبثاً تناقش مثل هذا النفر بمبادئ رئيسة في علم الإقتصاد وعلم الاجتماع، فهو لا يريد أن يفهم طالما أنه اعتاد على الحياة الاستهلاكية التي تسمح له بأن يستهلك أضعاف ما ينتج على حساب الآخرين، بل هو لن يقبل أن يتوقف الأخرون عن تسليفه أكثر قبل أن يسدد ما استلف حين يتوجب عليه أن يعود يعيش على أقل مما ينتج. عبثاً تناقش مثل هؤلاء القوم بأمور لا يريد أن يفهمها لكن يكفي استحضار صورة من تاريخ القرن العشرين في نصفه الأول حين كان العالم منقسماً إلى معسكرين متصارعين، والصراع هو دلالة الحياة، فكان المعسكر الرأسمالي يستعمر العالم ويملؤه من فائض إنتاجه ويشغّل شعوبه في إنتاج المواد الخام، وبالمقابل كان المعسكر الاشتراكي المتمثل بالإتحاد السوفياتي يحقق الأعاجيب في التطور وفي الإنتاج. هكذا كان العالم يسير مسرعاً على طريق التطور. صورة اليوم هي صورة الموات عكس صورة الحياة بالأمس القريب. صورة اليوم تكاد تكون بلا صراع وهو علامة الموت. يحار المراقبون والمحللون الاستراتيجيون في ترسم التناقض والصراع في جسد العالم الماثل اليوم ولا يعثرون على أي حراك فيه. وعندما يدعي أحدهم بأن ثمة صراعاً بين البروليتاريا منتجي البضائع من جهة، وبين البورجوازية الوضيعة منتجي الخدمات من جهة أخرى لا تجد من يصدقه وكأن العالم ميت تماماً ليس فيه بقية من حياة. وبالمقابل ينبري هؤلاء المراقبون والمحللون الاستراتيجيون يستهولون العولمة في البحث عن التناقض الرئيس في النظام الرأسمالي بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج بالرغم من أن العولمة كما يقدمونها هم أنفسهم هي انتقال شركات الانتاج الرأسمالية من المراكز الرأسمالية الامبريالية إلى الأطراف بحثاً عن الأيدي الرخيصة، وهو ما يعني العكس تماماً مما يبحثون عنه وهو التناقض الرأسمالي الرئيس للإدعاء بأنه ما زال اللاعب الرئيس على المسرح الدولي. العولمة وكما يصفونها تعني مباشرة إزاحة التناقض الرأسمالي الرئيس من على خشبة المسرح الدولي إلى ما وراء الكواليس وانعدام أثره إلى حين، قد يكون بعيداً، كما هو حال عمال الصين وتايوان وسنغافورة وعامة بلدان جنوب شرق آسيا المضيفة للشركات الهاربة من مراكزها الكلاسيكية. للأسف الشديد لم يكف مثل هؤلاء المحللين يساعدهم أنصاف الماركسيين عن إهدار الوقت في البحث عن التناقض بين قوى الانتاج الرأسمالي وعلاقات الإنتاج الرأسمالية بالرغم من أن مختلف الإحصاءات الدولية تؤكد أن قوى الانتاج الرأسمالي في حصون الرأسمالية الكلاسيكية وهي العمال البروليتاريا قد انخفضت بنسبة لا تقل عن 60%.
ستزهق روح العالم حال انهيار نظامه النقدي وانهياره اليوم بات على الأبواب فالدولار الأميركي قد فقد بريقه الرأسمالي بعد أن عصفت البورجوازية الوضيعة الأميركية بكل القوانين الرأسمالية وطبعت مئات المليارات من الدولارات مفرغة من كل قيمة رأسمالية. ستزهق روح العالم بعد أن أطاحت الطبقة الوسطى بالملك الدولار ولم يعد هناك في قوس الديون من منزع. ستعم العالم بلا ملك وبلا سلطة الفوضى التي لم تعانِ البشرية مثلها أبداً.

كانت البشرية سبّاقة عندما ظهر فيها إبن بار بها اسمه كارل ماركس يكتشف مبكراً في العام 1847 خارطة طريق لتقدمها الاجتماعي. كان النظام الرأسمالي ما زال في شرخ الشباب ومع ذلك أكد ماركس أن النظام الرأسمالي يحمل في أحشائه بذور فنائه ولن يعمر طويلاً حين سينتهي بثورة اشتراكية عالمية. نظام العبودية عمّر أربعين قرناً، والنظام الإقطاعي عشرة قرون، أما النظام الرأسمالي فلم يعمّر أكثر من قرنين. وفعلاً تكامل النظام الرأسمالي بصورته الكلاسيكية مع الثورة الصناعية 1750 وتفكك عالمياً في العام 1975 وقد نُعِيَ في إعلان رامبوييه (Rambouillet Declaration) حين اضطر قادة العالم الرأسمالي الخمسة إلى إخراج النقد (Money) عملياً من سوق التبادل، والنقد في السوق هو دم الحياة بالنسبة للنظام الرأسمالي. ألغى الخمسة الكبار (G5) كل غطاء لنقودهم مقابل تعهد لفظي منهم بكفالة سعر ثابت لعملاتهم وفي هذا خرق فظ للقانون الأساسي الذي يقوم عليه النظام الرأسمالي وهو قانون القيمة الرأسمالية. أضف إلى ذلك أن جميع هذه الدول الخمسة غير مليئة حيث أنها اليوم مدينة بما يزيد عن مجمل إنتاجها السنوي وتعاني من عجوزات هائلة في ميزان مدفوعاتها. فالولايات المتحدة مثلاً، والتي تمثل الضامن الأول والأقوى لسائر عملات العالم حيث يلعب دولارها دور العملة الملك (King Currency)، تدير اليوم أسوأ وأفقر اقتصاد نسبياً حيت أنها المدين الأول في العالم إذ وصلت ديونها في يونيو حزيران 2012 إلى 15.8 ترليون دولاراً وإنتاجها يبلغ في دفاترها 15.3 ترليون أي أن ديونها تعادل 103% من مجمل إنتاجها فقط، بينما ديون ألمانيا 4.7 ترليون ومجمل إنتاجها 3.3 ترليون أي أن ديونها تعادل 142% من مجمل إنتاجها وهو ما يعني أن خدمة الدين هي أعمق أثراً وأثقل عبئاً على ألمانيا منها على الولايات المتحدة غير أن الوقائع تقول العكس تماماً. تقوم ألمانيا حتى اليوم بتمويل الدول المفلسة في الاتحاد الأوروبي بينما تترنح الولايات المتحدة بين عام وآخر على شفا الإفلاس إذ كان الرئيس الأميركي قد هدد الكونجرس قبل شهرين بأنه سيعلن الولايات المتحدة دولة مفلسة ـ وصفه كأخطر قرار بتاريح الولايات المتحدة ـ إن لم يوافق على رفع سقف الدين بمقدار 2.5 ترليون دولاراً ليبلغ 18.3 ترليوناً.
سر العلة في الاقتصاد الأميركي يكمن في إنتاج واستهلاك الخدمات. يجري إنتاج الخدمات من خلال استهلاك قوى عمل وبعض المستلزمات المادية غير أن استهلاكها وهو ما يتم عملياً قبل اكتمال إنتاجها ـ الخدمات لا تصل إلى السوق ولا تكتسب الصفة الصنمية كما السلع ـ لا ينتج ثروة ولا يضيف نقيراً إلى الثروة الوطنية. الخدمات تستهلك الثروة ولا تنتجها. أكثر من 80% من مجمل الانتاج الأميركي هو من الخدمات وعليه فإن مجمل الانتاج الأميركي ليس 15.3 ترليون كما هو على الورق فقط بل هو في الحقيقة 3 ترليون فقط والباقي 12 ترليون هي قيمة الانتاج السنوي من الخدمات التي تذهب أدراج الرياح ولا تضيف نقيرا أو دولاراً واحداً. الولايات المتحدة تنتج حقيقة سنوياً 3 ترليون دولاراً وتستهلك 4 ترليون عدا الخدمات، وعليه تزداد ديونها الخارجية ترليوناً واحداً كل عام. الحقيقة الأخرى التي يتوجب احتسابها وهي أن إنتاج الخدمات الأميركية لا ينفع في خدمة الدين، فالدولار المغطى بالخدمات مثله مثل الدولار المزيف الذي تطبعه الولايات المتحدة بغير غطاء، فهو يبقى ديناً على كاهلها يلزم إيفاؤه مستقبلاً. استدانت الولايات المتحدة من جهات أجنبية دولارات جقيقية تحمل فعلاً قيمتها الرأسمالية الإسمية وعليها تسديدها بدولارات حقيقية وليست مزيفة أو خفيفة لا تحمل أكثر من 20% من قيمتها الرأسمالية في أفضل حالاتها.
وهنا يُثير عدد من المتابعين في هذا السياق سؤالاً يقتضي الاجابة عليه، وهو .. إذا كانت جميع الدول مدينة فمن هو الدائن ؟
الجواب على هذا السؤال المفتاحي يعود إلى ما قرره الخمسة الأغنياء في رامبوييه 1975 حيث أعلنوا ضمانتهم مجتمعين لعملاتهم وهو ما يعني فصلها عن قيمتها التبادلية في السوق ـ وبتعبير الإعلان، عدم السماح بانخفاض قيمتها ـ مع أن الدولار الأميركي كان يعاني من انهيار مروّع أرغم إدارة نيكسون على الخروج من معاهدة الغطاء الذهبي (بريتونوود) في العام 1971 ثم إعلان خفض قيمة الدولار (Devaluation) مرتين في سنتين متتاليتين 1972 و 73 في مواجهة تدهور قيمته التبادلة في سوق العملات الأمر الذي دعا الدول الخمسة الغنية الكبرى (G5) إلى عقد مؤتمر رامبوييه وإعلانها ضمنياً انهيار النظام الرأسمالي، الإنهيار الذي أخذ شكل الإقتصاد الاستهلاكي (Consumerism) من جهة والعولمة ( Globalization) من جهة أخرى بدءاً بإخراج عملات هذه الدول وأولها الدولار من سوق التبادل مما مكنها من إصدار ما شاءت من النقود دون تدهور قيمتها في الأسواق بفضل حمايتها بلعبة مصرفية تآمرت على لعبها الدول الخمسة الغنية لتنجح في سرقة شعوب العالم وعماله على وجه الخصوص. هذه الدول الخمسة الأغنى في العالم تمتلك أكثر من 70% من التجارة العالمية، ومنها ما يزيد على 20% للولايات المتحدة وحدها، ولذلك غدا الدولار العملة الملك حيث بالدولار فقط تجري جميع المبادلات التجارية في العالم. فحين تستورد الدانيمارك مثلا وقوداً من روسيا بقيمة 6 مليار كراون فعليها أن تدفع للروس بالدولار وعليها إذّاك أن تتدبر أمر توفير مليار دولار وهو ما يتم فقط بالتراضي المالي والسياسي مع الولايات المتحدة في نهاية الأمر. لكن الدولارات التي تقبضها روسيا هي نقود زائفة (Faked Money) طبعتها الادارة الأميركية ووقع عليها وزير الخزانة الأميركي لكنه لا يضمنها فضمانتها تمثلت بتعهد لفظي صادر عن خمسة دول قبل نحو أربعين عاماً، وليس عن أميركا وحدها، ولا شيء يلزمها على الإيفاء به خاصة وأنها اليوم تتحاشى الانهيار الكلي عن طريق المزيد من الاستدانة. ليس الولايات المتحدة وحدها التي تصدر نقوداً لا قيمة لها بل إن عملات كافة الدول هي زائفة بالنتيجة حيث الدولار المزيف هو غطاؤها الرئيسي. فدولة كالسويد مثلاً تستهلك سنوياً من البضائع والخدمات ما قيمته حوالي 3.5 ترليون كرونا لكنها لا تنتج حقيقة أكثر من 1.5 ترليون والباقي وهو 2 ترليون قيمة خدمات أُستبدلت بأوراق مالية لا قيمة لها حيث قيمتها خدمات مستنفذة، وقيمتها 2 ترليون كرونا مغطاة بدولارات مزيفة. وهكذا فإن الكتلة النقدية من الدولارات الزائفة في خزائن العالم وفي جيوب الناس هي بمجموعها ديون مطلوب من كافة الدول الإيفاء بها كما تقتضي شروط صندوق النقد الدولي والأنظمة النقدية.

العالم اليوم مدين بما مجموعه 70 ترليون دولاراً وهو ما يعني أن دول العالم، على تفاوت مستوياتها، استوردت بضائع وخدمات بقيمة 70 ترليون دولاراً، أو الأحرى بالقيمة الرأسمالية المفترضة لسبعين ترليون دولار، ولم تسدد أثمانها حتى اليوم. فالدول الرأسمالية سابقا في أوروبا الغربية والولايات المتحدة وديونها تتجاوز نسبة 75% من ديون العالم صنعت رفاهاً زائفاً لشعوبها على حساب غيرها من الدول والشعوب. أنفقت هذه الدول ثلاثة أمثال أو خمسة أمثال ما تنتج يغطيها الدولار المزيف. لن تفلت هذه الدول من مسؤوليتها عن تسديد هذه الديون وأولى المهام التي يقوم بها صندوق النقد الدولي هي وضع الدول أمام مسؤولياتها في هذا الشأن. والتسديد لا يتم بالدولارات الزائفة بل بالبضائع ولذلك نرى الدول المعروفة حتى اليوم بالغنى تعجز عن خدمة ديونها بل تستزيد ديوناً كالولايات المتحدة الأميركية.
ليس هذا وحسب بل هناك ديون أخرى من نوع آخر تتمثل بالدولارات المزيفة غير المغطاة. بافتراض أن مجموع هذه الدولارات الموزعة في صناديق ومصارف العالم هي 60 ترليون دولارا ـ إما أنها فعلياً أكثر من ذلك بكثير أو أنها أقل بقليل لكن لنفترض أنها بهذه الحدود كيلا نخرج عن دائرة المعقول ـ إن هذه الكتلة النقدية الهائلة صادرة عن وزارة المالية الأميركية وأميركا ليست مؤهلة بالتأكيد لإصدار كل هذه النقود وهي التي كانت على شفا الإفلاس في العام 1971 حين اضطرت إلى الخروج من القاعدة الذهبية لمعاهدة بريتونوود كما اضطرت إلى تخفيض قيمة الدولار مرتين في العامين التاليين، وكان هذا قبل أن تفقد نمط إنتاجها الرأسمالي، وقبل أن تهرب منها الشركات الرأسمالية الكبرى، قبل أن ينحدر إنتاجها المادي إلى ما دون 20% من مجمل إنتاجها. إن دولارات اليوم لا تساوي قيمتها الرأسمالية حقيقةً أكثر من 20% من قيمتها الرأسمالية حيث أن أمريكا ومنذ العام 1971 أعلنت عجزها عن غطاء نقدها واليوم لا يغطيه سوى إنتاج الصين الشيوعية ونفط الخليج وكلاهما يباعان بالدولار. إن 80% من الدولارات الأميركية المتراكمة في كل أركان الأرض إنما هي مجرد أوراق خضراء لا قيمة لها على الإطلاق. في بداية السبعينيات وكان إنتاجها الرأسمالي أغنى منه اليوم أعلنت الولايات المتحدة عجزها عن إصدار 1/10 كتلة دولاراتها الحالية، فكيف بها تصدر اليوم عشرة أمثالها مع أن إنتاجها الرأسمالي انخفض بنسبة 60% بفعل العولمة وتحول 65% من العمال الأمريكان إلى الطبقة الوسطى ينتجون الخدمات بصورة فردية والتي لا تخلق أية ثروة ولا تسدد ديوناً !؟

الرفاه الذي أخذ يتبدّى خلال العقود الثلاثة الأخيرة على شعوب الدول المؤتمرة المتآمرة في رامبويية، كما شعوب الدول المستظلة بمظلة الدولار المزيف، هذا الرفاه الإستثنائي ليس من إنتاج شعوب هذه الدول بل هو مستدان على شكلين من الديون وهي الديون الخارجية الموثقة لدى صندوق النقد الدولي وحصة هذه الدول المرفهة الرأسمالية سابقاً منها هي 55 ترليونا بالإضافة إلى مثل هذا المبلغ، أو أقل بقليل، من الدولارات المزيفة. الرفاه الذي أخذ يضيق في السنوات الثلاث الأخيرة إنما هو مصطنع ودين محدود الأجل تتجاوز قيمته 100 ترليون دولاراً. هل لهذه الدول أن تستمر مستغرقة في الحياة الاستهلاكية وتستدين مائة ترليون أخرى في 30 سنة أخرى قادمة !؟ لا يمكن أن يكون ذلك حيث وظيفة النقد الأساسية هو تسهيل تبادل السلع. المائة ترليون دولاراً التي أنفقتها الدول المرفهة وهي مجموع الديون المسجلة والدولارات الزائفة إنما هي البدل النقدي لبضائع استهلكتها هذه الدول ولم تعد موجودة والنقود لا تتحقق قيمتها فعلياً إلا لدى دخولها في مبادلة مع بضائع وإلا فهي لا تسوى شيئاً. البضائع التي تبدلت بمائة ترليون دولاراً أُستنفذت ولم يبقَ منها ما يستحق الذكر، استنفذتها بالإجمال الطبقة الوسطة وقامت لقاء ذلك بخدمات لخدمة نفسها. فأي قيمة تبقى لهذه الأموال الطائلة بكل المقاييس وبدلاتها أستنفذت نهائياً دون أن يحل محلها أية بدلات أخرى وهو ما يعني أن كل هذه الأموال الطائلة لم تعد لها أية قيمة؛ ما قيمة الأموال التي لا تشتري شيئاً ؟ كيف لشعوب العالم أن تلقي بمائة ترليون دولاراً ليست مزيفة في البحر وتبدأ من جديد ؟ إنتاج العالم يقدر اليوم ب 60 ترليون دولار، 70% منها خدمات والباقي 18 ترليونا هو القيمة الرأسمالية للإنتاج. وعليه فإن استئناف الحياة من جديد بعد إسقاط الديون ورميها في البحر سيغدو مستحيلاً حين لا يستطيع الأوروبي الذي يشتري اليوم رغيف الخبز بيورو أن يشتريه حينذاك بخمسة يوروات ودون أن يرتفع أجره لخمسة أضعاف أو حتى للضعفين على الأقل.
تجاوز مثل هذا الممر المحكم الإغلاق نحو المستقبل لن يتم إلا بتوافر شرطين يبدوان مستحيلين. الشرط الأول وهو أن تتخلى شعوب الدول المدينة عن حياة الرفاهية والاستهلاك الواسع السهل، والشعوب، كل الشعوب على مختلف حضاراتها على استعداد لأن تحطم النظام وتقلب الدولة قبل أن تتنازل عن طرائق عيشها ومستلزماتها. والشرط الثاني هو أن تعود هذه الدول إلى الإنتاج البضاعي، أي أن يعود العمال الذين تحرروا من قيد الانتاج الرأسمالي البضاعي وارتقوا إلى الطبقة الوسطى لينتجوا فردياً ولصالحهم تخصيصاً، أن يعودوا إلى الانتاج الجمعي البضاعي إما على الطريقة الرأسمالية أو الطريقة الاشتراكية ولغير صالحهم كأفراد في الحالتين إنما هو ضرب من ضروب المستحيل. إزاء مثل هذه المستحيلات تتعرف الإنسانية ولأول مرة في التاريخ على مثل هذا الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل.

(سنقارب في الجزء الثاني من المقال احتمالات عبور البشرية لهذا الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل راجياً بذات الوقت جميع القرّاء الكرام المساعدة في مقاربة الموضوع بالغ الأهمية المتعلق بمستقبل البشرية إن أمكن)

www.fuadnimri.yolasite.com



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنصاف الماركسيين ومتثاقفو البورجوازية الوضيعة .. !
- الصهيونية نبتة جذورها الخيانة
- بطلان العمل السياسي
- عَالَمية الثورة الإشتراكية وعِلم الثورة
- لا حرية مع العمل المأجور - بشرى الحرية لنساء العالم -
- الشيوعيون المرتدون
- ونستون تشيرتشل يفضح مجندي البورجوازية الوضيعة
- الأميّة في السياسة
- المتغيرات في تركيبة الطبقة العاملة ودورها
- ماذا علّمنا ستالين ؟
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (3)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (2)
- ماركسيون شيوعيون لم يعودوا ماركسيين شيوعيين (1)
- محطتان رئيسيتان لمشروع لينين في الثورة الاشتراكية
- الوحدة العضوية للثورة الاشتراكية العالمية
- شهادة الشيوعيين
- الجمود العقائدي
- لماذا يغير المثقفون قناعتهم
- الساقطون الهاربون من انهيار مشروع لينين
- لينين باقٍ في التاريخ


المزيد.....




- هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال ...
- الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف ...
- السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا ...
- بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو ...
- حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء ...
- الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا ...
- جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر ...
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
- «الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد ...
- الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فؤاد النمري - الممر المحكم الإغلاق إلى المستقبل